• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : من التاريخ .
                    • الموضوع : المهاجرون الأوّل في الإسلام .

المهاجرون الأوّل في الإسلام

المهاجرون الأوّل في الإسلام

في السنوات الاولى من بعثة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و دعوته العامّة كان المسلمون أقلية ضعيفة، و كانت قريش قد تواصت أن تضيق الخناق على مواليها و أتباعها الذين يؤمنون برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و على هذا فقد أصبح كلّ مسلم واقعا تحت ضغط عشيرته و قومه يومئذ لم يكن عدد المسلمين يكفي للقيام بجهاد تحرري.

و لكي يحافظ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على حياة هذه الجماعة القليلة، و يهيئ قاعدة للمسلمين خارج الحجاز، اختار لهم الحبشة و أمرهم بالهجرة إليها قائلا: «إنّ بها ملكا صالحا لا يظلم و لا يظلم عنده أحد فاخرجوا إليه حتى يجعل اللّه عزّ و جلّ للمسلمين فرجا».

كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقصد النجاشي (النجاشي اسم عام لجميع سلاطين الحبشة، مثل كسرى لملوك إيران، أمّا النجاشي المعاصر لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فهو (أصحمة)، أي العطية و الهبة بلغة الأحباش).

فهاجر أحد عشر رجلا و أربع نساء من المسلمين إلى الحبشة بحرا على ظهر سفينة صغيرة استأجروها، كان ذلك في شهر رجب من السنة الخامسة من البعثة، و قد أطلق عليها اسم الهجرة الاولى.

و لم يمض على ذلك وقت طويل حتى لحقهم جعفر بن أبي طالب و جمع من المسلمين، فكانوا مع السابقين جمعا مؤلفا من 82 رجلا سوى النساء و الصبيان، و شكلت هذه المجموعة النواة الاولى للتجمع الإسلامي المنظم.

كان لفكرة هذا الهجرة وقع شديد على عبدة الأصنام، لأنّهم أدركوا جيدا أنّه‏ لن يمضي زمن طويل حتى يكون عليهم أن يواجهوا جمعا قويا من المسلمين الذين اعتنفوا الإسلام- بالتدريج- دينا لهم في أرض الحبشة حيث الأمن و الأمان.

فشمروا عن ساعد الجد لإحباط تلك الفكرة، فاختاروا اثنين من فتيانهم الأذكياء المعروفين بالدهاء و المكر، و هما (عمرو بن العاص) و (عمارة بن الوليد) و حملوهما مختلف الهدايا و التحف إلى النجاشي ليوغروا صدره على المسلمين فيطردهم من بلاده، وعلى ظهر السفينة التي أقلت هذين إلى الحبشة سكرا و تخاصما إلّا أنّهما- لكي ينفذا المهمّة التي جاءا من أجلها- نزلا إلى البر الحبشي، و حضرا مجلس النجاشي بكثير من الأبهة، و خاصّة بعد أن اشتريا ضمائر حاشية النجاشي بالكثير من الهدايا و الرشاوي، فوعدهم هؤلاء بالوقوف إلى جانبهما و تأييدها.

بدأ عمرو بن العاص كلامه للنجاشي قائلا: «أيّها الملك، إنّ قوما خالفونا في ديننا و سبوا آلهتنا، و صاروا إليك فردهم إلينا».

ثمّ قدما ما حملاه من هدايا إلى النجاشي.

فوعدهم النجاشي أن يبت بالأمر بعد استجواب ممثلي اللاجئين و بعد التشاور مع حاشيته.

وفي يوم آخر عقدت جلسة حافلة حضرتها حاشية النجاشي و جمع من العلماء المسيحيين، و ممثل المسلمين جعفر بن أبي طالب، و مبعوثا قريش، و بعد أن استمع النجاشي إلى أقوال مبعوثي قريش، التفت إلى جعفر و طلب منه بيان ما لديه.

قال جعفر: يا أيّها الملك سلهم، أنحن عبيد لهم؟

فقال عمرو: لا، بل أحرار كرام.

جعفر: سلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها؟

عمرو: لا، ما لنا عليكم ديون.

جعفر: فلكم في أعناقنا دماء تطالبونا بذخول بها؟

عمرو: لا.

جعفر: فما تريدون منّا؟ آذيتمونا فخرجنا من دياركم، ثمّ قال: «نعم أيّها الملك خالفناهم بعث اللّه فينا نبيّا أمرنا بخلع الأنداد و ترك الاستقسام بالأزلام، و أمرنا بالصّلاة و الزّكاة، و حرّم الظلم و الجور و سفك الدّماء بغير حقّها، و الزنا و الربا و الميتة و الدّم و لحم الخنزير، و أمرنا بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى، و نهانا عن الفحشاء و المنكر و البغي».

فقال النّجاشي: بهذا بعث اللّه عيسى، ثمّ قال النجاشي لجعفر:

هل تحفظ ممّا أنزل اللّه على نبيّك شيئا؟

قال جعفر: نعم، فقرأ سورة مريم، فلمّا بلغ قوله: وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا قال: هذا و اللّه هو الحقّ.

فقال عمرو: إنّه مخالف لنا فردّه إلينا.

فرفع النجاشي يده و ضرب بها وجه عمرو و قال: اسكت، و اللّه لئن ذكرته بعد بسوء لأفعلنّ بك وقال: ارجعوا إلى هذا هديته، وقال لجعفر و أصحابه: امكثوا فإنّكم آمنون.

كان لهذا الحدث أثر بالغ بعيد المدى، ففضلا عمّا كان له من أثر إعلامي عميق في تعريف الإسلام لجمع من أهل الحبشة، فإنّه شد من عزيمة المسلمين في مكّة و حملهم على الاطمئنان و الثقة بقاعدتهم في الحبشة لإرسال المسلمين الجدد إليها، إلى أن يشتد ساعدهم و تقوى شوكتهم.

و مضت سنوات، و هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى المدينة، و ارتفع شأن الإسلام، و تمّ التوقيع على صلح الحديبية، و توجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لفتح خيبر، و في ذلك اليوم الذي كان فيه المسلمون يكادون يطيرون فرحا لتحطيمهم أكبر قلعة للأعداء اليهود، فإذا بهم يشهدون من بعيد قدوم جمع من الناس صوبهم، ثمّ ما لبثوا حتى عرفوا أن أولئك لم يكونوا سوى المهاجرين الأوائل إلى الحبشة و قد عادوا في‏ ذلك اليوم إلى أوطانهم بعد أن تحطمت قوى الأعداء الشيطانية، و قويت جذور شجيرة الإسلام النامية.

و إذ شاهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مهاجري الحبشة، قال قولته التّأريخية: «لا أدري أنا بفتح خيبر أسر أم بقدوم جعفر»؟!

يروي أنّ جعفر وأصحابه جاؤوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معهم سبعون رجلا، اثنان وستون من الحبشة و ثمانية من أهل الشام فيهم بحيراء الراهب، فقرأ عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم سورة «يس» إلى آخرها فبكوا حتى سمعوا القرآن وآمنوا و قالوا: ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليه السلام.

المصدر : تفسير الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل ج‏4 123

 

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1013
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 06 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 19