• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : شهر رمضان .
                    • الموضوع : ربيع القرآن .

ربيع القرآن

ربيع القرآن

لكل شيء ربيع  وربيع  القرآن شهر  رمضان

سمي شهر رمضان ربيع القرآن وشبّه بربيع الأزمنة وهو أول ما يظهر فيه الكمأة إلى أن يدرك الثمار. والوجه في ذلك ان نشاط القلوب في شهر رمضان وميلها إلى تلاوة القرآن ومشاهدة أسراره كنشاطها وميلها إلى مشاهدة الربيع ومشاهدة أزهاره وأنواره وأثماره أو نمو أجر التلاوة وثواب القراءة فيه زيادة على غيره من الشهور كنمو النباتات والأشجار والأثمار.

فمع دخول شهر رمضان المبارك شهر المغفرة والرحمة، وشهر الطاعات والتوجه إلى الله تعالى يعود المسلمون على مختلف درجاتهم في الإيمان والإلتزام بتعاليم الدين، بعد انقطاع أو خفوت، يعودون إلى كتاب الله تعرضاً للنفحات الإلهية وتحت تأثير الجو الروحي الذي يتركه هذا الشهر المبارك في النفوس، وطمعاً بالثواب الجزيل كما ورد في خطبة الرسول(ص) في استقبال شهر الله "ومن تلا فيه آية من القرآن كان له مثل من ختم القرآن في غيره من الشهور"

ولا شك أن مثل هذا الخطاب النبوي نجد مفعوله في هذا الإنكباب لا بل التسابق للعيش مع القرآن الكريم من أوله إلى آخره ومحاولة ختمه وربما لمرات طمعاً في هذا الأجر الجزيل. ولكي نصل بالهدف النبوي إلى مداه وبالثواب الجزيل أقصاه، لا ينبغي إغفال التوجيهات الأخرى الواردة عن النبي وأهل بيته (ع) والتي تلقي الضوء على سبل الإستفادة وكيفية التعاطي مع كتاب الله ليكون القارئ للقرآن مصداقاً لقوله (ص): "لا يعذب الله قلباً وعى القرآن" ولقوله (ص):"حملة القرآن عرفاء أهل الجنة"

وفي ما يلي سنتناول بالحديث امورا ترتبط بأسلوب التعاطي مع القرآن الكريم.

أولاً: كيفية قراءة القرآن

وفي القرآن الكريم توجيهات في هذا المجال

قراءته ترتيلا : قال تعالى: ﴿أَو زِد عَلَيهِ وَرَتِّلِ ٱلقُرءَانَ تَرتِيلًا﴾ المزمّل، 4

والترتيل: جعل الشي‏ء مرتّلا، أي مفرقا، وأصله من قولهم: ثغر مرتّل، وهو المفلج‏ الأسنان، أي المفرق بين أسنانه تفرقا قليلا.

وأريد بترتيل القرآن ترتيل قراءته، أي التمهل في النطق بحروف القرآن حتى تخرج من الفم واضحة  وفائدة هذا أن يرسخ حفظه ويتلقاه السامعون فيعلق بحوافظهم، و يتدبر قارئه وسامعه معانيه كيلا يسبق لفظ اللسان عمل الفهم.

في تفسير الكاشف:"الخطاب للرسول (ص) و المقصود العموم، و المعنى تمهل ولا تسرع في التلاوة، فإن الغرض من قراءة القرآن ان يتدبر القارئ معانيه ومراميه، و ينتفع بأحكامه و عظاته و بوعده و وعيده، فيشعر بالخوف من العذاب الأليم على المعصية، و بالأمل في الثواب الجزيل على الطاعة، وإلا فإن مجرد حركة اللسان وإخراج الحروف مخارجها- غير مقصود بالذات

 

 

ويؤكد هذا المضمون ما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ ٱلقُرءَانَ تَرتِيلًا﴾:قال «بيّنه تبياناً، ولا تَنثره نثرَ البقل، ولا تهذّه هذَّ الشِعر، قِفوا عند عجائِبه، حرِّكوا به القلوب، ولا يَكن همُّ أحدِكم آخرَ السورة»

وما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفات المتّقين: «أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ،‏ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ‏ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ».

وفي هاتين الروايتين وغيرهما توجيه لكيفية الاستفادة من الآيات المتلوّة فالغرض من التلاوة هو التأثر الروحي والقلبي والنفسي والسلوكي  (حرِّكوا به القلوب)

(يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ‏ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ») فالمخاطب بالآيات هي العقول والقلوب ولتكون ذكرى للبشر فينتفعون في مواضع العبرة كما قال تعالى

«إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ»ق 37

وكما عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «تدبّروا آيات القرآن واعتبروا به، فإنّه أبلغ العِبَر

 

 

وفي قوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ البقرة 121.

مادة (تلى) تأتي بمعنى المتابعة والمراد بحق التلاوة هي التي توجب فهم الكتاب والتفقه فيه واتباع احكامه وقد وردت روايات كثيرة في أن المراد بها ترتيل آياته والتفقه به والعلم بأحكامه»

ففي الرواية : يتلون آياته و يتفقهون فيه و يعملون بأحكامه و يرجون وعده و يخافون وعيده و يعتبرون بقصصه و يأتمرون بأوامره و ينتهون بنواهيه، ما هو واللّه حفظ آياته ودرس حروفه و تلاوة سوره، و درس أعشاره و أخماسه، حفظوا حروفه و أضاعوا حدوده، انما هو ... قال اللّه تعالى: كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته، فالذين آتاهم الكتاب و شرفهم بذلك يحزنهم ترك الرعاية، و القصور و التقصير في مراعاته، والذين آتاهم الشيطان الكتاب أو أخذوه من الآباء بحسب ما اعتادوه او تلفقوه من الرجال بحسب ما تدارسوه فإنهم يعجبهم حفظ الرواية و لا يبالون بترك الرعاية.

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: ﴿يَتلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓ﴾، قال: «يتَّبعونه حقَّ اتّباعه».

وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلقُرءَانَ أَم عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقفَالُهَا﴾ محمّد،  24

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ألا لا خيرَ في قراءةٍ ليس فيها تدبّر، ألا لا خيرَ في عبادة لا فقه فيها»

وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «آيات القرآن خزائن العلم، فكلّما فتَحتَ خزانة فينبغي لك أن تنظر فيها».

ثم القراءة بخشوع: قال تعالى: ﴿أَلَم يَأنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلحَقِّ ﴾ الحديد،  16

وفي الرواية، ان الإمام الرضا (عليه السلام) كان إذا مرّ بآية فيها ذكر جنّة أو نار بكى، وسأل الله الجنّة وتعوّذ به من النار

وفي الحثّ على قراءة القرآن بالحزن والبكاء، قال (صلى الله عليه وآله): «اقرؤوا القرآن بالحزن، فإنّه نزل بالحزن».

ثانيا: كيفية ختم القرآن

روي بسند معتبر عن رجل قال لأبي عبد الله(ع): أقرأ القرآن في ليلة، قال لا يعجبني أن تقرأه في أقل من شهر.

وروي بسند معتبر آخر أن أبا عبد الله (ع) سئل: في كم يختم القرآن؟ فقال: إقرأه أخماساً ، إقرأه أسباعاً، أما أن عندي مصحفاً مجزءاً أربعة عشر جزءاً . وهناك روايات أخرى تحدد ختم القرآن بأقل من ذلك وخصوصا في شهر رمضان، هذا التفاوت في تحديد المدة لختم القرآن نفهم منه أن على القارئ للقرآن أن يراعي شأنه وقابليته وقدرته على الإستفادة من القرآن الكريم، وأن عليه أن يوازن بين الكمية ومقدار الآيات والسور وبين الكيفية ومقدار وعي ذلك. ولذلك ورد في بعض الرويات أن صحابة رسول الله (ص) كانوا يأخذون عدداً من الآيات ولا يتجاوزونها حتى يفهموها ويتدبروها ويتعلموا ما فيها من العلم والعمل.

وأيضاً روي عن الرضا (ع) أنه كان يختم القرآن في كل ثلاث ويقول لو أردت ان أختمه في أقرب من ثلاث لختمت ولكني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها وفي أي شيء أنزلت وفي أي وقت.

فالمطلوب قراءة القرآن بتدبر كما قال تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) (النساء:82)

 والتفكر والتوجه إلى المعاني والإتعاظ بمواعظ الله، والإعتبار بأحوال الماضين وسنة الله في العالمين، وطلب الرحمة إذا وصل القارئ إلى آية فيها رحمة، وأن يستعيذ إذا وصل إلى آية فيها عذاب كما ورد في روايات عديدة كما تقدم.

فالمؤمل عند مجالسة القرآن أن يرتقي القارئ من مرحلة تعلم لفظ القرآن بشكل صحيح إلى مرحلة معرفة معاني القرآن وتدبر آياته ومن ثم إلى مرحلة العمل بأحكام القرآن والتخّلق بأخلاقه والإنتهاء عن مناهيه. وبذلك نكون مصداقاً بارزاً لحملة القرآن الذين قال فيهم رسول الله(ص): حملة القرآن عرفاء أهل الجنة". أشرف أمتي حملة القرآن"


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1082
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 04 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29