قبس من شعاع الإمام الحسين (عليه السلام )
الشهادة والحياة الأبدية
قال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) آل عمران: 169.
تشير الآية الكريمة إلى حال الذين يقتلون في سبيل الله، وتؤكد لنا استمرار حياتهم بعد القتل، وأنهم يبقون أحياء، فإن من استشهد في سبيل الله لا تنتهي حياته، بل يبقى حياً يرزق، وهذا ما تؤكده الآية المباركة
فكما أن هذه الحياة المادية ذات مراتب منها مرتبة كاملة نسبياً كمن كان سعيداً فرحاً، ومنها مرتبة ناقصة كمن كان شقياً حزيناً، كذلك من مات يكون على قسمين ـ بعد بقاء كليهما في حياة من لون آخر ـ قسم يكون حياً هناك أي سعيداً فرحاً وقسم يكون ميتاً هناك أي شقياً حزيناً.
وكيف لا ؟ والشهداء هم الذين ضحّوا بأنفسهم في سبيل العقيدة.. وفي سبيل إعلاء كلمة التوحيد والحق، وأناروا الحياة بدمائهم الزكية، كي يتسنى للأجيال التمسّك بعرى الإسلام..
وقد يكون المضحّي بنفسه بالإضافة إلى أنه شهيد وقد وعد الله بحياته، يكون عروة من عرى الإيمان والعقيدة وإماماً من أئمة المسلمين، كما هو الحال بالنسبة لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فما أعظم هذا الشهيد وما أرفع مكانته وقد قال الإمام زين العابدين (عليه السلام): «وأما الآخرة فبنور وجهك مشرقة.
الإمام المعصوم
وإذا أردنا أن نتعرف قليلاً على هذه الشخصية العظيمة، فإنه ينبغي أن نقرأ بعض الأحاديث التي تبين مكانة الإمام المعصوم (عليه السلام) عند الله عز وجل ومقامه التكويني والتشريعي
فقد جاء عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) قال (عليه السلام): «طاعة الله ومعرفة الإمام»
وكذلك جاء عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) الملك: 30 قال (عليه السلام): «إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد»
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال: «فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام، أو يمكنه اختياره؟! هيهات هيهات! ضلّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء.. وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله وأقرت بالعجز والتقصير..»
وقال (عليه السلام) : «... الإمام أمين الله في خلقه، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله والذاب عن حرم الله..»
من خلال هذه الأحاديث الشريفة وكثير غيرها يمكن أن نعرف بعض مكانة الإمام الحسين (عليه السلام)، وقربه من الله عز وجل ودوره في قيادة المجتمع الإنساني وهدايته، فإذا أردنا أن نحلّ بساحة الرحمة الإلهية، ونحصل على السعادة الدنيوية والأخروية، فلابد أن نتبع خطى الإمام الحسين (عليه السلام)، ونسير على طريقه الذي رسمه للأجيال بدمه الشريف، وهذا الأمر أيضاً يصدق على بقية الأئمة المعصومين (عليهم السلام)).
فقد امتاز الإمام الحسين (عليه السلام) عن سائر الشهداء والثائرين بخصائص تفوق كل الشهداء فأصبح سيد الشهداء من الأولين والآخرين، وهذا لا باعتباره إماماً معصوماً فقط، ولا لأنه سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وريحانته من الدنيا فحسب، بل لجلالة الأهداف التي فجّر ثورته من أجلها، وعظمة التضحية التي قدّمها، وتكاملية الأبعاد فيها، ومن هنا جاء التأكيد الكبير على الشعائر الحسينية وزيارة الإمام الحسين (عليه السلام)
زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)
إن المتتبع للأحاديث التي جاءت حول فضل زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يدرك عظمة هذا الشهيد الطاهر، وعلو مكانه، وارتفاع شأنه وشموخه في العالمين ومقامه عند الله عز وجل
يقول الراوي: استأذنت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقيل لي: أدخل، فدخلت، فوجدته في مصلاه في بيته، فجلست حتى قضى صلاته، فسمعته يناجي ربه وهو يقول: «اللهم يا من خصنا بالكرامة، ووعدنا بالشفاعة، وخصنا بالوصية، وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، اغفر لي ولأخواني وزوار قبر أبي (عبد الله) الحسين، الذين أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم، رغبة في برنا، ورجاءً لما عندك في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيك، وإجابة منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدونا، أرادوا بذلك رضاك، فكافئهم عنا بالرضوان، وأكلِئْهُم بالليل والنهار، وأخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف، واصحبهم واكفهم شر كل جبار عنيد، وكل ضعيف من خلقك وشديد، وشر شياطين الإنس والجن، وأعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم.
اللهم إن أعدائنا عابوا عليهم بخروجهم، فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا، خلافاً منهم على من خالفنا، فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس، وارحم تلك الخدود التي تتقلب على حضرة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا.
اللهم إني أستودعك تلك الأبدان وتلك الأنفس حتى توفيهم على الحوض يوم العطش الأكبر
قال الراوي ـ : فما زال يدعو وهو ساجد بهذا الدعاء فلما انصرف قلت: جعلت فداك لو أن هذا الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف الله عز وجل لظننت أن النار لا تطعم منه شيئاً أبداً، والله لقد تمنيت أني كنت زرته ولم أحج.
فقال لي (عليه السلام): «ما أقربك منه فما الذي يمنعك من زيارته؟»
ثم قال (عليه السلام): «لم تدع ذلك
قلت: جعلت فداك لم أر أن الأمر يبلغ هذا كله
فقال: «من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض»
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه في أول ولاية أبي جعفر ـ المنصور ـ نزل النجف، قال لأعرابي كان في الطريق: « من أين قدمت؟» قال: من أقصى اليمن... ثم قال له: «فبما جئت هاهنا؟
قال: جئت زائراً للحسين (عليه السلام)
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «فجئت من غير حاجة ليس إلا للزيارة؟
قال: جئت من غير حاجة إلا أن أصلي عنده وأزوره فأسلم عليه وأرجع إلى أهلي
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «وما ترون في زيارته؟
قال: نرى في زيارته البركة في أنفسنا وأهالينا وأولادنا، وأموالنا، ومعايشنا وقضاء حوائجنا.
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «أفلا أزيدك من فضله فضلاً يا أخا اليمن؟».
قال: زدني يا بن رسول الله.
قال: « إن زيارة الحسين (عليه السلام) تعدل حجة مقبولة زاكية مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)» ، فتعجب من ذلك
قال (عليه السلام): «إي والله وحجتين مبرورتين متقبلتين زاكيتين مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)» فتعجب، فلم يزل أبو عبد الله (عليه السلام) يزيد حتى قال: « ثلاثين حجة مبرورة متقبلة زاكية مع رسول الله (صلى الله عليه وآله.)»
أحاديث في فضله (عليه السلام)
جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «من أحب أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء، فلينظر إلى الحسين»
وقال (صلى الله عليه وآله): «ألا وإن الحسين باب من أبواب الجنة، من عاداه حرّم الله عليه ريح الجنة..»
أما ما ورد في فضله (عليه السلام) وفضل تعظيم شعائره عن أهل البيت (عليهم السلام) فهي كثيرة
البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام)
فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: «من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرم الله وجهه على النار»
فما حسبك في من بكى على الإمام الحسين (عليه السلام) الذي هو سيد الشهداء وقتيل العبرة؟ وقد قال الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه) في زيارته للحسين (عليه السلام) المسماة بزيارة الناحية المقدسة: «السلام على من جعل الله الشفاء في تربته، السلام على من الإجابة تحت قبته، السلام على من الأئمة في ذريته...»
وقد جسّد الإمام زين العابدين (عليه السلام) هذا المعنى في كثرة بكائه على أبيه الإمام الحسين (عليه السلام)، وندبه إياه فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: «ولقد بكى على أبيه الحسين (عليه السلام) عشرين سنة، وما وضع طعام بين يديه إلا بكى، حتى قال له مولى له: يا بن رسول الله، أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له: ويحك إن يعقوب النبي (عليه السلام) كان له اثنا عشر ابنا فغيب الله عنه واحداً منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه، وشاب رأسه من الحزن، واحدودب ظهره من الغم، وكان ابنه حياً في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني»).
وقد رووا إن الإمام السجاد (عليه السلام) بكى على مصيبة الحسين (عليه السلام) حتى خيف على عينيه، وكان (عليه السلام) إذا أخذ إناءً يشرب ماء بكى حتى يملأها دمعاً فقيل له في ذلك، فقال (عليه السلام): «كيف لا أبكي وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش.
التسبيح بتربته (عليه السلام)
عن الإمام الصادق (عليه السلام) «أن فاطمة (عليها السلام) كانت مسبحتها من خيط صوف مفتل معقود عليه عدد التكبيرات، فكانت بيدها (عليه السلام) تديرها تكبر وتسبح إلى أن قتل حمزة بن عبد المطلب (رضي الله عنه)، فاستعملت تربته وعملت التسابيح، فاستعملها الناس، فلما قتل الحسين (عليه السلام) وجدد على قاتله العذاب عدل بالأمر عليه فاستعملوا تربته لما فيها من الفضل والمزية»
وكذلك جاء عنهم (عليهم السلام) بيان عظيم الفضل في التسبيح بتربة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) أن الحور العين إذا هبط واحداً من الأملاك إلى الأرض لأمر ما، يستهدين التسبيح والتربة من قبر الحسين (عليه السلام)
من أنشد شعراً
قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) لأبي عمارة: «يا أبا عمارة أنشدني في الحسين بن علي (عليه السلام)»، قال: فأنشدته فبكى، ثم أنشدته فبكى، قال: فوالله ما زلت أنشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار، قال: فقال: «يا أبا عمارة من أنشد في الحسين بن علي شعراً فأبكى خمسين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فبكى فله الجنة، ومن أنشد في الحسين فتباكى فله الجنة»
ومن هنا جاء الطغاة وعلى مر التاريخ ليمنعوا هذه المراسيم المقدسة والشعائر الحسينية.
|