الصوم لي وأنا أجزي به
من المزايا العظيمة لهذا الشهر، أنّ الله تعالى اختصّ قدر الثواب والجزاء للصائم بنفسه من بين سائر الأعمال كما في الحديث عن النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول: "قال الله عزّ وجلّ: كلّ عمل ابن آدم له إلّا الصوم فإنّه لي وأنا أجزي به"
لكن كل الأعمال الصالحة لله تعالى ، فلم جاء في الخبر : (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) مع قوله صلى الله عليه وآله : (أفضل أعمالكم الصلاة)
وأجيب بوجوه :
منها : أنه اختص بترك الشهوات والملاذ في الفرج والبطن ، وذلك أمر عظيم يوجب التشريف.
وأجيب : بالمعارضة بالجهاد ، فان فيه ترك الحياة ، فضلا عن الشهوات ، وبالحج ، إذ فيه الإحرام ، ومتروكاته كثيرة.
ومنها : أنه أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه ، فلذلك شرف ، بخلاف الصلاة والجهاد وغيرهما.
وأجيب : بأن الإيمان والإخلاص وأفعال القلب الحسنة خفية ، مع تناول الحديث إياها.
ومنها : أن خلاء الجوف تشبيه بصفة الصمدية.
وأجيب : بأن طلب العلم فيه تشبيه بأجل صفات الربوبية وهي العلم الذاتي ، وكذلك الإحسان إلى المؤمنين ، وتعظيم الأولياء والصالحين ، كل ذلك فيه التخلق تشبيها بصفات الله تعالى.
ومنها : أن جميع العبادات وقع للتقرب بها إلى غير الله تعالى إلا الصوم ، فإنه لم يتقرب به إلا إليه وحده.
وأجيب : بأن الصوم يفعله أصحاب استخدام الكواكب.
ومنها : أن الصوم يوجب صفاء العقل والفكر بواسطة ضعف القوى الشهوية بسبب الجوع ، ولذلك قال عليه السلام : (لا تدخل الحكمة جوفا مليء طعاما) وصفاء العقل والفكر يوجبان حصول المعارف الربانية ، التي هي أشرف أحوال النّفس الإنسانية.
وأجيب : بأن سائر العبادات إذا واظب عليها أورثت ذلك ، وخصوصا الصلاة ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) ، وقال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ ، وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ ، يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ، وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) في الظلمات
وقال بعضهم: لم أر فيه فرقا تقرّ به العين ، ويسكن إليه القلب.
ولقائل أن يقول : هب أن كل واحد من هذه الأجوبة مدخول بما ذكر ، فلم لا يكون مجموعها هو الفارق ، فإنه لا تجتمع هذه الأمور المذكورة لغير الصوم .
|