إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ
عن أميرِ المؤمنين عليه السَّلامُ قال: إنّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله خطبنا ذاتَ يومٍ فقال أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَة
ايُّهَا النَّاسُ! إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ، فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ
فشهر الله هو شهر المغفرة والرحمة والله هو الغفور الرحيم ومن أسمائه الحسنى (الغفار) و(الغفور) و(غافر الذنب) لذا فان الله تعالى يدعو عباده ليتعرضوا لرحمته الواسعة والمبادرة (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )آل عمران (133) هي دعوة عامة إلى الغفران، و بشارة عظيمة لجميع اهل الذنوب و العصيان و استضافة من الجواد الغني لجميع الواردين عليه
وانما قدم عز وجل المغفرة على الجنة (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ) لان المغفرة سبب للدخول فيها، وكل سبب مقدم على المسبب، مع ان الجنة دار طهر لا يصلح لدخول غير المطهرين فيها و بالمغفرة يطهر المذنب فيصلح للدخول فيها.
واي زمن افضل من شهر الله لنيل الرحمة والغفران فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ.
فما معنى المسارعة اليها؟
ان التأخير وعدم المبالاة بالاستغفار قد يوجب رفع الستر والغطاء عن المذنب فتفضحه ذنوبه برائحتها النتنة, التي لا تخفى على الاخرين لولا ستر الله تعالى
وفي الحديث الشريف (تعطرّوا بالاستغفار لا تفضحكم روائح الذنوب)
ولما كانت المغفرة من فعل الله تعالى {مِّن رَّبِّكُمْ} انها المسارعة الى أسبابها وموجباتها (ان لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرّضوا لها لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقُوُنَّ بعدها أبداً)
والمغفرة لها حالات لابد ان تُطلب جميعاً, فلا يقتصر في طلب المغفرة لما مضى من ذنوبه التي الّم بها, بل يستغفر مما يأتي, بأن يعصمه الله تعالى منها
وكذلك للمغفرة مراتب فلا يختص طلب المغفرة بالذنوب ومخالفة الأحكام الشرعية, بل تُطلب ايضاً لما هو أدق من ذلك, كترك المستحبات او فعل المكروهات او ترك الأولى وقد يكون لطلب الرفعة في الدرجات, او الاستغفار من القصور الذاتي الذي تقتضيه الطبيعة البشرية في أداء وظائف العبودية لله تعالى او الاستغفار من الانشغال بما يتطلبه الوجود في هذه الدنيا وإداء المسؤوليات الاجتماعية التي كلفه الله تعالى, كالذي يصدر من المعصومين (عليهم السلام)
عن ابي عبد الله (عليه السلام): (كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يتوب الى الله عز وجل في كل يوم سبعين مرة فقلت: أكان يقـول استغفـر الله واتـوب اليـه؟ قـال: لا ولكن كان يقول: اتوب الى الله)
واسباب المغفرة والدخول في الجنة معروفة مذكورة في القرآن الكريم والسنة الشريفة،
وهي كثيرة خصوصاً الصلاة المفروضة في اوقاتها وصلاة الليل (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) و(الصدقة) والصوم خصوصاً شهر رمضان؛ فمن صامه, إيماناً واحتساباً, خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) و(إن لله تعالى ملائكة موكلين بالصائمين يستغفرون لهم في كل يوم من شهر رمضان إلى آخره..وغير ذلك من الأسباب التي جعلها الله تعالى لعباده كرماً منه وفضلاً كثيرة, غير ما يعفو عنه ابتداءاً, بلا سبب؛ سوى ان من صفاته الكريمة الفضل والمن، قال الله تعالى: {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} الشورى:30
ومن اسباب المغفرة والتي تضمّن القرآن آيات كثيرة تحث عليها الاستغفار, وتذكر آثاره وبركاته, من استجلاب نعم, ودفع نقم, في الدنيا والآخرة {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً..} {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} (هود:52)
وكذا ما ورد في الروايات مثل : (من كثرت همومه فعليه بالاستغفار) (أدفعوا أبواب البلاء بالاستغفار) (خير الدعاء الاستغفار) (خير العبادة الاستغفار)(من احبَّ أن تسرًّه صحيفتهُ فليكثر فيها من الاستغفار)
ومنها ما في الخطبة الشعبانية : إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ، فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ
فإن اللّه يعفو عن الجميع، ويغفر كل ذنب كبيرا كان أو صغيرا بشرط الاستغفار، وتوبة نصوحا. لقوله تعالى (وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ).
والاستغفار ليس أن تردف الذنب بقولك: أستغفر اللّه بل على الإنسان أن يردف الذنب بقوله: أستغفر اللّه و أن يصر على ألا يفعل الذنب أبدا.
وليس معنى هذا ألا يقع الذنب منك مرة أخرى؛ إن الذنب قد يقع منك، ولكن ساعة أن تستغفر تصر على عدم العودة، فالذنب قد يقع، ولكن بشرط ألا يكون بنيّة مسبقة، تقول لنفسك: سأرتكب الذنب، و أستغفر لنفسى بعد ذلك. إنك بهذا تكون كالمستهزئ بربّك، فضلا على أنك قد تصنع الذنب ولا يمهلك اللّه لتستغفر.
فالاستغفار المنتج للاثار المباركة ليس مجرد تحريك اللسان به وإنما له حقيقة وان من كمال الاستغفار ما ورد في الرواية الشريفة...إِنَّ اَلاِسْتِغْفَارَ دَرَجَةُ اَلْعِلِّيِّينَ, وَهُوَ اِسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ: أَوَّلُهَا اَلنَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى. وَاَلثَّانِي اَلْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ اَلْعَوْدِ إِلَيْهِ أَبَداً. وَاَلثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى اَلْمَخْلُوقِينَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى اَللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمْلَسَ لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ. وَاَلرَّابِعُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا. وَاَلْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَى اَللَّحْمِ اَلَّذِي نَبَتَ عَلَى اَلسُّحْتِ فَتُذِيبَهُ بِالأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ اَلْجِلْدَ بِالْعَظْمِ وَيَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ. وَاَلسَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ اَلْجِسْمَ أَلَمَ اَلطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَهُ حَلاَوَةَ اَلْمَعْصِيَةِ, فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ)
|