أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ: الْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ"
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليُّ بن أبي طالب عليه السلام: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ: الْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ"عزَّ وجلَّ
فالورع عن محارم الله واجتناب الذنوب افضل الاعمال ولكن بلوغ ذلك المقام يحتاج
أولاً: إلى معرفة تفصيلية بها؛ لأن بعضها وإن كان معلوماً كالكبائر, إلا أن الكثير منها غير معلوم, وبعضها لا يلتفت إليها أحد, كعدم قضاء حوائج المؤمنين, والاهتمام بها ففي الرواية: (من أتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له سُلّط عليه شجاعاً ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة مغفوراً له أو معذباً)
وفي دعاء الإمام السجاد (عليه السلام) ورد الاستغفار من كل نعمة لم يشكرها, أو ظُلم أحدٌ عنده فلم ينصره, وهكذا، ناهيك بالمحرمات المعروفة.
ومما يُقلل فرصة ارتكاب الذنب زيادة المعرفة بالله تعالى, وتقوية العلاقة به تبارك وتعالى، كتذكر أنه محسن إلينا بما لا يُعد ولا يُحصى من النعم، و(هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ) (الرحمن:60) و{أَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (القصص:77), وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (لو لم يتوعد الله على معصيته لكان يجب ألا يُعصى شكراً لنعمته) وعن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث قال: (ولو لم يخوِّف الله الناس بجنة ولا نار لكان الواجب عليهم أن يطيعوه ولا يعصوه لتفضله عليهم وإحسانه إليهم وما بدأهم به من إنعامه الذي ما استحقوه)
_الالتفات إلى أن الذنوب تمنع بعض عطاء الله تبارك وتعالى, ونحن محتاجون إليه،
أمير المؤمنين (عليه السلام) (لو لم يرغّب الله سبحانه في طاعته لوجب أن يطاع رجاء رحمته)
_ تذّكر أنك بمحضر الله تبارك وتعالى, وتحت نظره, ولا تخفى عليه خافية في السماوات والأرض, {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (غافر:19)
فمعصيته والحال هذه جرأة على جبار السماوات والأرض, وتحدٍ لعظمته.
عن النبي (صلى الله عليه واله) (يا أبا ذر لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت)و (لا تنظروا إلى صغر الذنب ولكن انظروا إلى من اجترأتم)
_أن يلتفت إلى أن هذا الذنب قد يوجب هتك الستر؛ الذي ضربه الله تعالى عليه, فتفضحه الذنوب، أو أن ينال به سخط الله تعالى, وغضبه بحيث لا تنفعه توبة, ولا تدركه الألطاف الإلهية، فقد أخفى الله غضبه في معصيته، فلا يُعلم أي معصية توجب ذلك, فعلى العبد أن يتوقاها جميعاً
عن الإمام الصادق (عليه السلام): (من هم بسيئة فلا يعملها فإنه ربما عمل العبد السيئة فيراه الرب تبارك وتعالى فيقول: وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعد ذلك أبداً)
_ ومما يُساعد على تجنب المعاصي أن يعلم بأن في ارتكاب الذنب إيذاءً, وإساءة لرسول الله (صلى الله عليه واله), والأئمة المعصومين عليهم السلام
ونحن نحبهم ولا نريد إيذاءهم, وهم مطّلعون على أعمال العباد، كما نطقت به الآية الكريمة: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} (التوبة:105)، ففي الرواية: (مالكم تسوؤن رسول الله (ص)؟! فقال رجل: كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله وسروه)
ومن المعرفة الموجبة لتجنب المعاصي الالتفات إلى الهدف من وجودنا في هذه الدنيا, وما ينبغي أن نصرف أعمارنا فيه, مما يُوصل إلى الغاية، وحينئذٍ سوف لا يكون للإنسان مجال للعب, والعبث, واللهو, فضلاً عن ارتكاب المعاصي، عـن الإمـام الكاظـم (عليه السلام): (إن العقـلاء تـركوا فضـول الدنيـا فكيف الذنوب؟ وترك الدنيا من الفضل، وترك الذنوب من الفرض)
_ ومما يُحفّز على ترك الذنوب معرفة آثارها في الدنيا, والآخرة، وفي القرآن الكريم ما يكفي لبيان تلك العظائم, {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (الحج:2), {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} (المزمل:17), {قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} (الأنعام:15) {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (النمل:90), وأهون ما يُذكر من تلكم الآثار الحجب عن النعيم مدة قد تطول كثيراً، ففي الرواية : إن العبد ليُحبس على ذنب من ذنوبه مائة عام وإنه لينظر إلى أزواجه في الجنة يتنعمن)
إن معرفة هذه الآثار الوخيمة للذنوب توجب على كل عاقل اجتنابها، عن الإمام علي (عليه السلام): (عجبت لأقوام يحتمون الطعام مخافة الأذى كيف لا يحتمون الذنوب مخافة النار) وعن الإمام الباقر (عليه السلام): (عجبت لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار)
العواصم من الذنوب
على رأس العواصم من الذنوب وهو الأصل فيها- اللطف الإلهي الذي به عصم الله تعالى أنبياءه, ورسله, والصالحين من عباده, قال تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْـرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} وقال تعالى: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (الإسراء:74
ومن العواصم الدعاء, والذكر, واليقظة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أكثر الدعاء تسلم من سَورة الشيطان) و(تحرّز من إبليس بالخوف الصادق)
ومنها: تجنب الحضور, والتواجد في الأجواء المساعدة على المعصية, لقطع منافذ الشيطان, والنفس الأمارة بالسوء, عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (ثلاث من حفظهن كان معصوماً من الشيطان الرجيم ومن كل بليةٍ: من لم يخلُ بامرأة ليس يملك منها شيئاً، ولم يدخل على سلطان، ولم يُعِن صاحب بدعة ببدعته) والإكثار من الوجود في المساجد ومجالس الصالحين فإنها تمنع من الوقوع في الذنب علي (ع): (من العصمة تعذر المعاصي) (من اختلف إلى المساجد أصاب إحدى الثمان:... أو يترك ذنباً خشيةً أو حياءً)
ومنها: المراقبة, والمحاسبة الدقيقة والمستمرة للنفس
ومنها: استعظام الذنب واستفضاع عاقبته، عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قوله: (إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبدٍ خيراً جعل ذنوبه بين عينيه ممثلة, والإثم عليه ثقيلاً وبيلاً، وإذا أراد بعبدٍ شراً أنساه ذنوبه) و (إن المؤمن ليرى ذنبه كأنه تحت صخرة يخاف أن تقع عليه، والكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مرَّ على أنفه)
ومنها: عدم الإعجاب بالنفس، وما يصدر منها من طاعات؛ لأن ذلك يوجب إيكال العبد إلى نفسه فيذنب, حتى يكون له واعظاً, ومؤدباً من نفسه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (إن الله علم أن الذنب خير للمؤمن من العجب؛ ولولا ذلك ما ابتلي مؤمن بذنب أبداً)
|