• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : قبس من أخلاق الامام الصادق (ع) ووصاياه .

قبس من أخلاق الامام الصادق (ع) ووصاياه

قبس من أخلاق الامام الصادق (ع) ووصاياه إِن سيرة المرء تفصح عن سريرته، وسريرته مطويّة في سيرته. قد يحاول غواة التدليس والرياء بحسن السمت والهدي إِخفاء ما انطوت عليه ضمائرهم وأجنته سرائرهم من الخديعة والاغواء، بيدَ أنه ما أسرع ما تفضح الأعمال تلك الطوايا، والأقوال هاتيك النوايا، فإن ما في القلب تظهره فلتات اللسان وحركات الأعمال. ثوبَ الرّياء يشفّ عمّا تحتَه***فاذا التحفتَ بهِ فإنكَ عارِ وقد يروم رجال من ذوي الأخلاق الفاضلة وأرباب العِرفان ألا تظهر منهم تلك السرائر النقيّة والضمائر الزكيّة، حذر الافتتان أو الشهرة، فلا يلبث دون أن تضوع تلك النفحات الذكيّة، ويضيء سناً تلك النفس القدسيّة. وَمهما تكن عِندَ امرئ مِنَ خليقةٍ***وإِن خالَها تخفى على الناس تُعلم وهذه ألسنة الخلق فإنها في الكشف عن الحقائق أقلام الحق. وها هو ذا الصادق عليه السّلام تدّلنا سيرته وتعلمنا عن سريرته، أنه من أهل البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، ومن العترة التي تركها النبي صلّى اللّه عليه وآله في اُمّته لتكون بياناً عن كتابه الصامت،فكانت سيرته القويمة تريد بالناس إِخراجهم من الغواية الى الهداية، ومن العمى الى البصر، ومن الجهل الى العلم، وتلك السريرة مطويّة في هذه السيرة. ونحن نورد من سيرته ما يعرب عن تلك الأخلاق العظيمة والنفسيّة القدسيّة العلويّة، التي لا ترى غير الجهاد في الإرشاد والإصلاح همّاً ولا همّة. آدابه في العِشرة إِن الأخلاق الحميدة قد تكون غرائز نفسيّة، وطبائع فطريّة، أمثال السماحة والشجاعة والبشاشة والبلاغة، وقد تكون بالتعلّم والاكتساب مثل العبادة والزهادة والمعارف والعلوم والآداب. وإِن من يسبر سيرة هاشم وبنيه يجدهم قد جمعوا الفضائل بقسميها، والأخلاق بشطريها، حتّى اذا نبغ الرسول صلّى اللّه عليه وآله من بينهم وأخذ من كلّ فضيلة بأسماها كما يقتضيه منصبه الإلهي كان بنوه أحقّ من درج على سنّته واتّبع جميل أتره لا سيّما والفضيلة شعار قبيلتهم قبل هذا التراث من رسول الأخلاق والفضائل. ومن يستقص سيرة أبي عبد اللّه عليه السلام يعرف أنه الشخصيّة المثاليّة لأبيه المصطفى صلّى اللّه عليه وآله وما المرء إِلا بعمله، ولئن سكت عن بيان حاله فأعماله ترجمان ذاته وصفاته. فلا نستكبر منه أن يكون بين أصحابه كأحدهم لا تظهر عليه آثار العزّة وحشمة الإمامة، فقد خرج يوماً وهو يريد أن يعزّي ذا قرابة بفقد مولود له، ومعه بعض أصحابه فانقطع شسع نعله، فتناول نعله من رجله، ثمّ مشى حافياً، فنظر اليه ابن أبي يعفور فخلع نعل نفسه من رجله وخله الشسع منها وناولها أبا عبد اللّه عليه السلام، فأعرض عنه كهيئة المغضب ثمّ أبى أن يقبله، وقال: لا، صاحب المصيبة أولى بالصبر عليها، فمشى حافياً حتّى دخل على الرجل الذي أتاه ليعزّيه. وكان اذا بسط المائدة حثّهم على الأكل ورغّبهم فيه، ولربّما يأتيهم بالشيء بعد الشبع، فيعتذرون فيقول: ما صنعتم شيئاً إن أشدّكم حبّاً لنا أحسنكم أكلاً عندنا، ثمّ يروى لهم عن النبي صلّى اللّه عليه وآله أمثال ذلك لتطيب نفوسهم بالأكل وترغب بالزيادة، ويروي لهم هذا القول، أعني «أشدّكم حبّاً لنا أحسنكم أكلاً عندنا» سخاؤه إِن السخاء وإِن كان خلّة كريمة في نفسه، وفائدة لمن يحبى بالعطاء، إِلا أن فيه عدا هذا فوائد اُخرى اجتماعيّة ملموسة، إِن الكريم يحمل الناس على حُبّ الكريم، والحبّ داعية الائتلاف، بل ربما كان الحبّ سُلَّماً لرياسة ذي الجود والإصغاء لقوله، وكم تكون من جدوى زعامة المرء واستماع كلامه اذا كان من أهل الصلاح والخير. وهو القائل للمعلّى بن خنيس: يا معلّى تحبّب الى إِخوانك بصلتهم، فان اللّه تعالى جعل العطاء محبّة والمنع مبغضة، فأنتم واللّه إِن تسألوني واعطيكم أحبّ إِليَّ من ألا تسألوني فلا اعطيكم فتبغضوني. فكان الصادق عليه السلام يعطي العطاء الجزيل، العطاء الذي لا يخاف صاحبه الفقر. وقد أعطى مرَّة فقيراً أربعمائة درهم فأخذهما وذهب شاكراً، فقال لعبده: ارجعه، فقال: يا سيّدي سُئلت فأعطيت فما ذا بعد العطاء ؟ فقال له: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: خير الصدقة ما أبقت غنى وإِنّا لم نغنك، فخذ هذا الخاتم فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة. هباته السرّية إِن الصلة وإِن كانت من الأب أو ممّن هو أرفق منه كالإمام قد تحدث في القابل انكساراً وذلّة، لأنها تنبّئ عن تفضّل المعطي وحاجة الآخذ، والحاجة نقص، والشعور به يحدث الإنكسار في النفس. وقد تحدث في المعطي هزّة الإفضال، وتبجّج المتفضّل، هذا سوى ما قد يكون للعطيّة في بعض النفوس من حُبّ الذكر والفخر والسمعة أو الرياء أو ما سوى ذلك ممّا تكرم عنه النفوس النزيهة النقيّة. فلهذا أو لغيره كان دأب أرباب الأخلاق الفاضلة التكتُّم في الصلة وشأن أهل البيت خاصّة التستّر في صِلاتهم، فلا تكاد تمرّ عليك سيرة إِمام منهم إِلا وتجد فيها تَرقّبه للغلس ليتّخذه ستراً في الهبات والصّلات. حلمُه وكان التجاوز عليه يأتيه من القريب والبعيد، فلا يقابله إِلا بالصفح بل ربما قابله بالبّر والإحسان. فكان اذا بلغه نيل منه ووقيعة وشتم يقوم فيتهيّأ للصلاة فيصلّي ثمّ يدعو طويلاً ملحّاً في الدعاء سائلاً ربّه ألا يؤاخذ ذلك الجاني بظلمه ولا يقايسه على ما جنى، لأن الحقّ حقّه، وقد وهبه للجاني غافراً له ظلمه. بل يزيد على ذلك في ذوي رحمه فيقول: إِني لا حبّ أن يعلم اللّه أني أذللت رقبتي في رحمي، وأني لاُبادر أهل بيتي أصلهم قبل أن يستغنوا عني. وكان يجفوه أحدهم، بل ينال منه الآخر شتماً ونبزاً، بل يحمل عليه الثالث بالشفرة عامداً على قتله، وليس هناك ما يدعوهم الى تلك الجفوة والقسوة والقطيعة فيعاملهم على عكس ما فعلوه معه، فتراه واصلاً بدل القطيعة، وبارّاً عوض الجفاء، وعاطفاً بدل القسوة. لقد أحزنته تلك النكبات التي أوقعها المنصور ببني الحسن حتّى لقد بكى وظهر عليه الجزع والاستياء بل حُمَّ أياماً حين حمل المنصور شيوخ بني الحسن ورجالهم من المدينة الى الكوفة، وهم قد لاقوه بسيئ القول بالابواء يوم أرادوا البيعة لمحمّد، وما زال محمّد وأبوه عبد اللّه يلاقيانه بالقول السيئ زعماً منهما أنه كان حجر عثرة في سبيل البيعة لمحمّد، ولمّا أن ظهر محمّد بالمدينة أرسل على الصادق يريد منه البيعة، وحين امتنع عليه قابله بسوء القول والفعل، وكم تجرّع غصصاً من بني العبّاس ورجالهم، ولو لم يكن قادراً على شيء ينتقم به منهم إِلا الدعاء لكفى به سلاحاً ماضياً. وما كان الحلم شعاره مع الأقربين من أهله فحسب، بل كان مع مواليه وسائر الناس، فقد بعث غلاماً له في حاجة فأبطأ فخرج على أثره فوجده نائماً فجلس عند رأسه يروّح له حتّى انتبه، فلمّا انتبه لم يكن منه معه إِلا أن قال: يا فلان ما ذلك لك تنام الليل والنهار، لك الليل ولنا منك النهار. هيبته قد تكون الهيبة للرجال العِظام من تلك الكبرياء التي يرتديها المرء نفسه، أو من الذين حوله من خدم وأهل وقبيلة، أو جند ودولة، وهذه الهيبة لا تختصّ بقوم، فإن كلّ من تلبّس بأحد هذه الشؤون اكتسى هذه الهيبة، وهذه الهيبة جديرة بأن تسمّى الهيبة المصطنعة. وقد تكون للمرء من دون أن يُحاط بجيش وخدم وعشيرة ودولة وإِمرة وكبرياء، تلك الهيبة التي لا تكون باللباس المستعار، بل هي التي يفيضها اللّه تعالى على من يشاء من عباده، تلك الهيبة التي لا يزيلها التواضع وحسن الخُلق والانبساط، تلك التي يلبسها العلم والعمل به، من أراد عِزَّاً بلا عشيرة وهيبةً بلا سلطان، فليخرج من ذلّ معصية اللّه الى عِزّ طاعته، وإِن مَن خاف اللّه أخاف منه كلّ شيء، ومن لم يخف اللّه أخافه من كلّ شيء، وهذه الهيبة جديرة بأن تسمّى الهيبة الذاتيّة. إِن المنصور كان صاحب تلك الهيبة المصطنعة، ومن أوسع منه مُلكاً، وأكثر جنداً، وأقوى فتكاً ؟ ولكنه كان اذا نظر الى جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام وهو عازم على قتله هابه وانثنى عن عزمه. يقول المفضّل بن عمر: إِن المنصور قد همّ بقتل أبي عبد اللّه عليه السلام غير مرّةً فكان اذا بعث اليه ودعاه ليقتله فاذا نظر اليه هابه ولم يقتله ولا تختلف هذه الهيبة لأبي عبد اللّه عليه السلام باختلاف الناس معه فإن كلّ واحد يشعر من نفسه بتلك الهيبة له، سواء الوليّ والعدوّ، والمؤالف والمخالف، وهذه الهيبة التي أحسّها هشام يوم كان جهميّاً كان يحسّها يوم كان إِماميّاً وهذا ابن أبي العوجاء مع إِلحاده كان أحياناً يحجم عن مناظرة الصادق عليه السلام لتلك الهيبة، فإنه حضر يوماً لمناظرة الصادق ولكنه بعد أن جلس سكت، فقال له الصادق: فما يمنعك من الكلام ؟ قال: إِجلال لك ومهابة، ما ينطق لساني بين يديك، فإني شاهدت العلماء، وناظرت المتكلّمين فما تداخلني هيبة قط مثلما تداخلني من هيبتك. على أن الصادق عليه السلام كان بين أصحابه وجلسائه كواحد منهم لا يتظاهر بالعظمة وحشمة الإمامة، وينبسط لهم بالكلام، ويجلس معهم على المائدة، ويؤنسهم بالحديث، ويحثّهم على زيادة الأكل، لئلا تمنعهم الهيبة من الانبساط على المائدة واكل ما يشتهونه، غير أن تلك الهيبة التي كانت شعاره من الهيبة الذاتيّة التي تمنع العيون من ملاحظته والألسنة من الانطلاق بين يديه ولم يكن محاطاً بخدم ولا حجاب. عبادته إِن المفهوم من العبادة عند إِطلاق هذه الكلمة، هو العبادة البدنيّة من الصوم والصلاة والحجّ وما سواها، ممّا يحتاج الى نيّة القربة، وكان الصادق عليه السلام في هذه العبادات زين العبّاد. وهذا السبط في التذكرة يقول: قال علماء السير: قد اشتغل بالعبادة عن طلب الرياسة، وابن طلحة في المطالب يقول: ذو علوم جمّة وعبادة موفرة وأوراد متواصلة، ويقول: ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات، وهذا أبو نعيم في الحلّية يقول: أقبل على العبادة والخضوع، وآثر العزلة والخشوع ولها عن الرياسة والجموع، ومالك بن أنس يقول: كان جعفر بن محمّد لا يخلو من إِحدى ثلاث خصال: إِمّا صائماً، وإِمّا قائماً، وإِمّا ذاكراً، وكان من عظماء العبّاد، واكابر الزهّاد، الذين يخشون اللّه عزّ وجل، ولقد حججت معه سنة فلمّا استوت به راحلته عند الإحرام كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يخرّ من راحلته، وقال: ما رأت عين ولا سمعت اُذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق عِلماً وعبادةً وورعاً، الى سوى هؤلاء ممّن ذكره بالعبادة، وقد مرّت عليك هذه الكلمات وغيرها من ص 72 الى 80. ولا بدعَ اذا كان أبو عبد اللّه أفضل الناس عبادةً وزهادةً وورعاً، فإن عبادة المرء على قدر علمه بالخالق تعالى «إِنما يخشى اللّهَ من عباده العلماء». هذا شأن الصادق عليه السلام في العبادة البدنيّة، وأمّا شأنه في العبادة الفضلى التي هي أزكى أثراً، وأذكى نشراً، وهي عبادة العلم ونشره وتعليمه والإرشاد والإصلاح، فلا يخفى على أحد قدر جهاده في التعليم والتثقيف وجهوده في البِرّ والعطف والتربية الأخلاقيّة، وستعرف في المختار من كلامه عظيم اهتمامه في حمل الناس على جدد الطريق، والعمل بالشريعة الغرّاء، والاتّصاف بفاضل الأخلاق. ومن وصاياه لشيعته قال زيد الشَّحام : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : اقرأ من ترى أنه يطيعني منكم ويأخذ بقولي السلام، واوصيكم بتقوى اللّه عزّ وجلّ والورع في دينكم، والاجتهاد للّه، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحُسن الجوار، فبهذا جاء محمّد صلّى اللّه عليه وآله. أدّوا الأمانة الى من ائتمنكم عليها برَّاً أو فاجراً، فإن رسول اللّه كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صِلوا عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعُودوا مرضاهم، وأدّوا حُقوقهم، فإن الرجل منكم اذا ورع في دينه وصدقَ الحديث وأدَّى الأمانة وحسُنَ خُلقه مع الناس قيل : هذا جعفري، ويسرّني ذلك، ويُدخل عليّ منه السرور، وقيل : هذا أدب جعفر، وإِذا كان غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه وعارُه وقيل : هذا أدب جعفر، فواللّه لحدّثني أبي أن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي عليه السلام فيكون زينها، أدَّاهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، اليه وصاياهم وودائعهم، تُسئل العشيرة عنه، ويقولون : من مثل فلان ؟ إِنّه أدّانا للأمانة، وأصدقنا للحديث(1). وصيّته لابنه الكاظم دخل عليه بعض شيعته وموسى ولده بين يديه وهو يوصيه، فكان ممّا أوصاه به أن قال : يا بُني إِقبل وصيَّتي، واحفظ مقالتي، فإنّك إِن حفظتها تعِش سعيداً، وتمُت حميداً، يا بُني إِنَّ من قنعَ استغنى، ومن مدَّ عينيه إِلى ما في يد غيره مات فقيراً، ومن لم يرضَ بما قسمَه اللّه لهُ اتَّهم اللّه في قضائه، ومَن استصغر زلّة نفسه استكبر زلّة غيره، يا بُني من كشف حِجاب غيره انكشف عورته، ومن سلَّ سيف البغي قُتل به، ومن احتفر لأخيه بئراً سقط فيها، ومن داخَل السُفهاء { 37 } حُقّر، ومن خالط العُلماء وُقّر، ومن دخلَ مداخِل السوء اتُّهم، يا بُني قُل الحقّ لك أو عليك، وإِيّاك والنّميمة فإنَّها تزرع الشحناء في قُلوب الرجال، يا بُني إِذا طلبت الجُود فعليكَ بمعادنه، فإنّ للجود معادِن، وللمعادِن اُصولاً، وللاُصول فروعاً، وللفروع ثمراً، ولا يطيبُ ثمر إِلا بفرع، ولا أصل ثابت إِلا بمعدن طيّب، يا بُني إِذا زرت فزُر الأخيار، ولا تزُر الأشرار، فإنَّهم صخرة صمّاء لا ينفجر ماؤها، وشجرة لا يخضّر ورقها، وأرض لا يظهر عشبها(1). أقول : وقد جاء بعض هذه الفقرات في نهج البلاغة، ولا بدع فّإن علمهم بعضه من بعض، ولعلّ الصادق عليه السلام ذكرها استشهاداً أو اقتباساً. وصيّته لأصحابه بعد البسملة : أمّا بعد فاسألوا اللّه ربّكم العافية، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة، وعليكم بالحياء والتنزّه عمّا تنزّه عنه الصالحون قبلكم، واتقوا اللّه وكفّوا ألسنتكم إلا من خير، وإِيّاكم أن تذلقوا(2) ألسنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان، فإنكم إِن كففتم ألسنتكم عمّا يكرهه اللّه ممّا نهاكم عنه كان خيراً لكم عند ربّكم من أن تذلقوا ألسنتكم به، فإن ذلق اللسان فيما يكرهه اللّه وفيما ينهى عنه مرداة للعبد عند اللّه، ومقت من اللّه، وصمم وبكم وعمي يورثه اللّه إِيّاه يوم القيامة، فتصيروا كما قال اللّه : «صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون»(3) يعني لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون، وعليكم بالصمت إِلا فيما ينفعكم اللّه به من أمر آخرتكم ويؤجركم عليه، اكثروا من أن تدعوا اللّه فإناللّه يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعدَ عباده المؤمنين الاستجابة، واللّه مصيّر دعاء المؤمنين يوم القيامة عملاً يزيدهم في الجنّة، فاكثروا ذكر اللّه ما استطعتم في كلّ ساعة من ساعات الليل والنّهار، فإن اللّه أمر بكثرة الذكر له، واللّه ذاكر من ذكره من المؤمنين، واعلموا أن اللّه لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إِلا ذكره بخير، فاعطوا اللّه من أنفسكم الاجتهاد في طاعته، فإن اللّه لا يدرَك شيء من الخير عنده إِلا بطاعته واجتناب محارمه التي حرَّم اللّه في ظاهر القرآن وباطنه، قال في كتابه وقوله الحق : «وذروا ظاهر الإثم وباطنه»(1) واعلموا أن ما أمر اللّه به أن تجتنبوه فقد حرّمه. ولا تتبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلّوا، فإن أضلّ النّاس عند اللّه من اتبع هواه ورأيه بغير هدىً من اللّه، وأحسنوا الى أنفسكم ما استطعتم، فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وان أسأتم فلها، واعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتّى يرضى عن اللّه فيما صنع اللّه اليه وصنع به على ما أحبّ وكره، ولن يصنع اللّه بمن صبر ورضي عن اللّه إِلا ما هو أهله، وهو خيرٌ له ممّا أحبّ وكره. وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى، وقوموا للّه قانتين كما أمر اللّه به المؤمن في كتابه من قبلكم. وإِيّاكم والعظمة والكِبر، فإن الكِبر رداء اللّه عزّ وجلّ، فمن نازع اللّه رداءه قصمه اللّه وأذلّه يوم القيامة، وإِيّاكم أن يبغي بعضكم على بعض، فإنها ليست من خِصال الصالحين، فإن من بغى صيّر اللّه بغيه على نفسه، وصارت نصرة اللّه لمن بغى عليه، ومن نصَره اللّه غلب، وأصابَ الظفر من اللّه، وإِيّاكم أن يحسد بعضكم بعضاً، فإن الكفر أصله الحسد(2)، وإِيّاكم أن تعينوا على مسلم مظلوم،يدعو اللّه عليكم فيستجاب له فيكم، فإن أبانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان يقول : إِن دعوة المسلم المظلوم مُستجابة، ولِيَعِن بعضكم بعضاً، فإن أبانا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله كان يقول : إِن معاونة المسلم خيرٌ وأعظم أجراً من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام. واعلموا إِنّ الاسلام هو التسليم، والتسليم هو الاسلام، فمن سلَّمَ فقد أسلم، ومَن لم يُسلّم فلا إِسلام له، ومَن سَرَّه أن يبلغ الى نفسه في الإحسان فليطع اللّه، فإن من أطاع اللّه فقد أبلغ إِلى نفسه في الإحسان، وإِيّاكم ومعاصي اللّه أن ترتكبوها، فإنه من انتهك معاصي اللّه فركبها فقد أبلغ في الإساءة إِلى نفسه، وليس بين الإحسان والإساءة منزلة، فلأهل الإحسان عند ربهم الجنّة ولأهل الإساءة عند ربّهم النار، فاعملوا لطاعة اللّه واجتنبوا معاصيه. أقول : وهذه الوصيّة طويلة وقد اقتطفنا منها هذه الزهر النفّاحة، وهي مرويّة في بدء روضة الكافي للكليني طاب ثراه، وقال : وقد كتب بها الصادق عليه السلام إِلى أصحابه، وأمرهم بمدارستها والنظر فيها، وتعاهدها والعمل بها، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم، فاذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها. أجل هكذا يجب أن نتعاهد مثل هذه الوصيّة فإن فيها جماع مكارم الأخلاق العالية.

  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=305
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 10 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28