• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : مراكب يوم القيامة أعمال وأفعال 1 .

مراكب يوم القيامة أعمال وأفعال 1

 

مراكب يوم القيامة أعمال وأفعال 1


الشيخ إبراهيم نايف السباعي

 

أخلاقك تساعدك بعد مماتك
المراكب والناقلات عند خطوط الصراط:
نعم، صديقي العزيز إن الجسر والصراط والطريق والسبيل، سيجتازه الناس كل الناس ولكن على أشكال وألوان وأنحاء؛ وسبب التعدد والتشكل والتنوع هو المركبة؛ التي ستسلك بها درب الصراط، والوسيلة التي ستصعد عليها لتجتاز الصراط، ألا وهو العمل .
عملك هو المركبة، وما قدمت يداك هي الوسيلة التي ستحملك، فالعمل يسعى بك إلى الجنة، فيمر على الصراط، ويجتاز بك الجسر كطرفة العين، وذلك للمنزلة الرفيعة والدرجة السامية التي كنت عليها في الحياة الدنيا.
وآخرون يعبرون مثل البرق الخاطف، وهؤلاء أصحاب الأعمال الأرفع، وأصحاب الدرجات العالية الكريمة والصفات الحميدة.
وآخرون يجتازون بسرعة الريح، حيث أعمالهم تعطيهم هذه السرعة وهذا المقدار، فيكون عملهم أقل ممن سبقهم لكنهم على خير.
ثم تتوالى بعدهم الناس، الأدنى مرتبة أقل عملاً، إلى أنك تجد أناسا يمرون مثل أجاويد الخيول، ثم أجاويد الركاب.
أما من كان ذا سيرة سيئة؛ فسيلاقي حسرة، وأسباب ذلك واضحة؛ أن الأعمال عند تجسمها تتمثل بشكل مراكب، ووسائل نقل، ومسهلات ومضمدات للجروح، وحماية (أي وقاية من أي آفة أو مرض أخروي) من الآفات الأخروية، والمخلوقات المؤذية التي هي نتيجة العمل.
ثم يأتي دور الذين يخاف عليهم؛ وهم الذين يعبرون بعد الجهد والمشقة والتعب، فمنهم من يتمم العبور بعد طول المدة، بفضل حسنة كان قد فعلها، أو معصية كان قد تركها إخلاصاً لله سبحانه وتعالى، فساعدته بشيء من الطاقة، ساعدته على التمكن من العبور.
ومنهم من لم تكتب له السعادة مطلقاً، لا من جهة العدة، ولا بعد طول المدة، فتخطفهم النار ويهوون فيها بالصياح والعويل  فيا لسوء المصير.
وأول من ينجو من هؤلاء المسلم، لكن بعد اليأس وفظائع ما رأى، وأعاجيب ما سمع، لكنه من جهة مشرقة، فقد نجا وهو أوفر حظاً ممن سيأتي بعده؛ هم الذين ينجون ويفوزون، لكن بعد التكبد والتحمل للمشاق الأكثر، والجروح والخدوش والآلام والأوجاع، فيتممون العبور على جسر الآخرة.
ورد عن ابن مسعود في صفة مرور فئات من الناس على الصراط: أنهم يمرون كمر البرق، ثم الريح، ثم الطير، ثم أجود الخيل، ثم الإبل، ثم كعدو الرجل، حتى إن آخرهم رجل نوره على موضع إبهام قدميه، ثم يتكفأ به الصراط<( ).
وفي خبر آخر ورد، عن أبي عبد الله الصادق    × قال: >إن الناس يمرون على الصراط طبقات، والصراط أدق من الشعر ومن حد السيف، فمنهم من يمر مثل البرق، ومنهم من يمر مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر حبواً( )، ومنهم من يمر مشياً ومنهم من يمر متعلقاً قد تأخذ النار منه شيئاً وتترك شيئاً<( ).
وفي خبر ورد، عن رسول الله      |قال:>... فمن الناس من يمر عليه كالبرق، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كالفرس المجري، ومنهم من يسعى سعياً، ومنهم من يمشي مشياً، ومنهم من يحبو حبواً، ومنهم من يزحف زحفاً<( ).
مسكين ابن آدم، بطل حولك وقوتك، فليس لك اليوم وسيلة ولا مركبة، إلا أعمالك فهي التي ستساعدك وتساندك وتسعفك، ويقف العمل إلى جانبك في هذا الموقف الخطير.
نسيت نفسك ، كم كنت تضحي بكل شيء، في الدنيا للحصول على المال وتبخل على نفسك بالكثير لتوفير قليل من المال، وتنمي أموالك القليلة بالربا وغيرها، من أجل الحصول على أموال كثيرة، وتسهر الليل بالعمل المضني، وتعمل النهار دون انقطاع، وتجهد نفسك بجمع المال، من أجل شراء سيارة جميلة أو مركبة سريعة؛ تسهل عليك قطع المسافات مسافات الدنيا، من مدينة إلى أخرى. وتساعدك على قضاء حاجاتك، فلم لا تجمع المال وتدخر الكثير منه، من أجل حوائج الآخرة، ولتوفر المال لشراء ما تجتاز به المسافات يوم الفزع الأكبر، أو مركبة تناسبك في عبور الصراط وقطع مسافات يوم القيامة، ففي مثل هذا الموقف من الآخرة، يتمنى المرء لو يتمكن من وجود وسيلة تقله أو سقف يظله.
ولم يتبق إلا آخر الخلق، الذين غلبت عليهم شقوتهم { قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ }( )، ولعلك أنت واحد من هؤلاء.
وهم: من ساء حظهم في الحياة الدنيا في طاعة الله، وغلبت أهواؤهم وشهواتهم عقولهم فعصوا، فمثل هؤلاء لا مرور لهم ولا تمنيات.
ما هي درجتهم في جهنم؟ فيجاب:
{لَـهُمْ مِـنْ جَـهَنَّمَ مِـهَادٌ وَمـِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}( ) و{مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ}( )، و{وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً}( )، و{قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}( ).
{ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ، لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ، لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ، عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ }( )  و{ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ }( )
وما نوع العذاب الذي سيعذبون به ؟ فيجاب:
{ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ، ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ }( ) و{ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ، إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ }( ) و{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ}( )، و{ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ }( ) و{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحـاً إِنَّا مُوقِنُونَ }( ) و{ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ }( ).
وما نوع الإغاثة التي يغاثون بها في الجحيم؟ فيجاب:
{ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً }( )،  و{ طَعَامُ الْأَثِيمِ ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ }( ). أعاذنا الله من جميع ذلك.
وأين أنت عن تدارك كل ذلك، وقد ذكر القرآن المجيد بعض الذين يعذبون ويحشرون في نار جهنم لأسباب عديدة
 منها: عدم إتيان الصلاة أو التهاون بإتيانها، قال تعالى: { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ }( ).  منها: عدم الإيمان بيوم الدين، قال تعالى: { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ }( ).{ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ }( ). ومنها: لم يكن لهم من صديق حميم فيشفع، { وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ }( )، { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ }( )، { فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيم }( ).  إذن يتحصل لدينا في النهاية أن الإنسان مرهون بعمله كما قال تعالى: { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }( )،  { وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ }( )، { إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى }( ).  فكل نفس مرهونة بعملها إن خيراً فخير وإن شراً فشر، { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ }( ).  فلا نستغرق في اللهو واللعب، فإن غداً لناظره قريب، فالحساب صعب والصراط أصعب والميزان أشد صعوبة، فلا ينفع أن نتكل على { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ }( )، { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ }( ).  

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=357
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 08 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28