• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : شهر رمضان .
                    • الموضوع : الصوم فلسفته و احكامه .

الصوم فلسفته و احكامه

 الصوم فلسفته و احكامه

المجتمع الاسلامي مجتمع ملتزم مسؤول، تجري الانظمة فيه بحافز داخلي يسميه القرآن ب (التقوى)، و هذا الوازع يخلقه الايمان باللّه، و تنميه طائفة من الواجبات في طليعتها الصيام

في البدء يبين القرآن فلسفة الصيام، و بعدئذ يبين طائفة من احكامه، ثم يتحدث عن اهمية شهر رمضان. و بهذه المناسبة يتحدث عن الدعاء، و أخيرا يعود الى احكام الصيام و المحرمات الاساسية خلال هذه الفترة

بينات من الآيات

 الصيام واجب ديني في رسالات اللّه السابقة. و حين يكتبه اللّه علينا فانه لهدف عظيم يعود بالنفع علينا. هو تقويم سلوكنا، و تربية نفوسنا على التقوى

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الهدف من الصيام التقوى، و الهدف من كثير من الشعائر الدينية هو التقوى أيضا (كما صرح القرآن به في آيات كثيرة) و لكن ما هو التقوى؟

لعلّ الكلمة التي نستخدمها في أدبنا الحاضر بديلا عن كلمة التقوى و قريبة من معناها هي (الالتزام). و لكن ايحاءات كلمة التقوى أفضل. انها تدل على الالتزام خشية العقاب، و العمل بشي‏ء (اتقاء) شر معين و بالتالي جعل العمل وسيلة لتجنب الوقوع في المهلكة

فالتقوى هي التزام واع و مفروض على الإنسان، بسبب الإضرار التي تصيبه إن ترك الالتزام

وخلق هذه الحالة في النفس، لا يتم الا عبر سلسلة من الطقوس و الشعائر، و (الصيام) واحد منها. حيث انه يدرب الإنسان على تجنب شهواته برقابة ذاتية و بذلك ينمّي عنده موهبة الارادة. ذلك لأن إرادة الإنسان كأي نعمة اخرى عنده تنمو و تتكامل، كلما انتفع بها الإنسان و مارسها عمليا. و الصائم يمارس إرادته ضد شهواته كلما دعته الحاجة الى الطعام أو الجنس، فيرفض تلبية هذه الدعوة بقوة إرادته.

إن كثيرا من الناس يحبون ان يصبحوا صالحين، مؤمنين، ملتزمين بالرغم من انهم قد لا يصرحون بذلك، و لكن بعضا منهم يوفّق لذلك لأنه- وحده- يملك ارادة قوية، و على الإنسان ان يربي إرادته و يدربها حتى يستطيع ان يقاوم بها ضغوط الشهوات، و الصيام واحد من وسائل تربية و تدريب الارادة.

  الصيام فرض خلال شهر واحد قد يتصوره الإنسان طويلا، و لكنه يجده بعد الممارسة و بعد التصميم على الالتزام به قصيرا:   و كذلك كل عمل يتصوره الإنسان في البدء عظيما، و لكنه بعد ان يعزم عليه، يصبح سهلا و خفيفا. و لذلك كان من أفضل وسائل التغلب على الحياة تهوينها، و الاستهانة بصعوباتها. و هكذا يصور لنا القرآن الصيام  (أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ )

و هناك تسهيلات اخرى في أداء واجب الصيام منها تغيير موعد الصيام للمسافر و المريض (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )  يصومها عن كل الأيام التي لم يصمها لمرض أو سفر. و من التسهيلات، إلغاء الصيام اختيارا عن كل من لا يطيق الصيام. اي يجهده، و يستنفذ كل طاقته، كالضعيف البنية و الشيخ الكبير. آنئذ يستطيع ان يصوم أو ان يبدّل الصوم بالفدية بإطعام مسكين واحد عن كل يوم يفطر فيه

وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً و صام بالرغم من المشقة عليه

فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ بشرط الا يسبب له ضررا كبيرا بل مجرد مشقة و حرج

وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ  لأنه يزكي نفوسكم، و يربي ارادتكم، و يهي‏ء لكم عند اللّه جزاء حسنا

لماذا رمضان؟

و لا بد ان يقع الصيام في شهر رمضان بالذات، لما ذا؟ أو ليس هناك شهر آخر أفضل منه؟

كلا .. إنه شهر يحمل معه ذكرى من أهم ذكريات الامة، إنها ذكرى ليلة القدر حيث نزّل فيها القرآن، كتاب اللّه الكريم

شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ بصائر و رؤي للإنسان في الحياة وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏ تفاصيل التشريع الاسلامي.

 وَالْفُرْقانِ ففي القرآن قيم و مقاييس يميز بها الحق عن الباطل. فرمضان إذا أجدر الشهور بالصيام

فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ اي من كان في هذا الشهر حاضرا في بلده أو محل إقامته فعليه ان يصوم.

وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ و لا يجوز له ان يصوم في حالة المرض أو السفر، ذلك لأن اللّه

يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ و على الإنسان ان يستجيب لارادة اللّه، و لا يوقع نفسه في الأعمال العسيرة و منها الصيام في المرض أو السفر.

وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ كل يوم يفوتكم من الصيام تصومون مثله من أيام أخر.

وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى‏ ما هَداكُمْ و تجعلون تعظيمكم للّه و انتماءكم اليه أقوى من تعظيمكم لأي شخص أو شي‏ء آخر.

وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعم اللّه عليكم من خلال الصيام.          

إن ترويض النفس يساعد على تنمية الايمان باللّه، لأن شهوات الدنيا هي أكبر حاجب بين عقل الإنسان و معرفة اللّه، و عن طريق الصيام يتم خرق هذا الحجاب (و لو بصورة مؤقتة) و آنئذ يشرق نور الايمان في القلب، و يكبّر العبد ربه، و يعرف ان كل تلك النعم العظيمة منه فيشكره.

كما ان المنع الموقت لبعض لذات الجسد، سيعطي له طعما جديدا يشكر المرء عليها، فللصائم فرحتان: فرحة عند الإفطار، و فرحة عند لقاء الملك الجبار.

رمضان و الدعاء

شهر رمضان مناسبة للدعاء، و بهذه المناسبة يستطرد القرآن ليحدثنا عن ضرورة ارتباط الإنسان بخالقه عن طريق الدعاء فيقول

وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ إذا كانت الدعوة حقيقية و متجهة الى اللّه وحده، خالصة من الشرك و الرياء، فان اللّه يجيبه لا ريب فيه عاجلا أم آجلا.

فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي هم بدورهم، و يعملوا بأوامر اللّه، ليبادلهم اللّه جزاء الحسنة بعشر أمثالها.

وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ استجابة دعوة اللّه تبدأ من الايمان باللّه، فاذا أخلص العبد ايمانه بربه يدعوه ايمانه الى تنفيذ واجبات اللّه، و من ثم يجيب ربه دعاءه

من هنا كانت الدعوات المأثورة متوّجة بالاستغفار للّه، لان الاستغفار يعيد الإنسان الى حضيرة الايمان، و من ثم يجيب اللّه دعاءه

 المصدر :  من هدى القرآن، ج‏1، ص: 334 _ 329  (بتصرف)    


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=500
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 07 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29