• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : علماء .
                    • الموضوع : علماء قدوة. .
                          • رقم العدد : العدد السادس والعشرون .

علماء قدوة.

 علماء قدوة

تاريخ العلماء حافل بالقصص والمآثر والعبر ... وقصص العلماء زاخرة بالأخلاق والمثل العليا وهي بذلك تذكرنا بعظمتهم وجلالة قدرهم وأنهم أسوة لنا وقدوة.

المواساة شيمة الأوفياء ... آقا حسين القمي

ذكر أحد تلامذة المرحوم آية اللّه العظمى الحاج آقا حسين القمي (قدس سره): أنه كان للمرحوم مجلس بحث عامر يضم بين جوانحه كبار العلماء والمراجع المعروفين في عصره

وكان المرحوم القمي إذا جاءته استفتاءات مهمّة من مقلّديه اغتنم مجلس بحثه وعقد مع هؤلاء المراجع الحاضرين في البحث مجلس شورى الفقهاء وطرح عليهم الاستفتاءات وناقشهم في آرائهم وبالتالي كان يخرج من مجلسه هذا بآراء صائبة نتيجة لتلاقح الأفكار وتبلور الآراء ويجيب بها مستفتيه.

وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على شموخ فكره، وعلوّ همّته، وطيب نفسه، وحقيقته وواقعيّته، فإنه كان واقعياً إلى أبعد حدّ، حتّى أنه ينقل عنه أنّ تاجراً جاء إلى زيارة العتبات المقدّسة من إيران وكان من مقلّديه، فلمّا علم بأن المرحوم القمي مرجعه الكبير يسكن في دار مستأجرة وليس له دار شخصيّة جاء إليه وعرض عليه أن يسمح له أن يشتري لسماحته داراً يهبها له ليسكنها.

فلم يسمح له سماحته بذلك معتذراً بأن عليه أن يواسي أضعف الطلبة معاشاً، وكثير من الطلبة لا يملكون داراً، ومادام هناك طالب واحد لا يملك داراً شخصية، فلا يأذن لنفسه أن تكون له دار شخصية.

فقال التاجر: إنّ المبلغ ليس من الحقوق الشرعية وإنما هو تبرّع منّي

فأجاب سماحته قائلاً: نعم وإن كان المبلغ تبرّعاً فإني لا اُحب أن أعيش إلا مواسياً للطلبة الآخرين

وهكذا كان المرحوم القمي قمّة في أخلاقه وسيرته، فقد عاش في دار مستأجرة ولم يملك لنفسه داراً إلى آخر حياته، وفي نهاية حياته نقل عنه خاصّته أنه اشتدّ به مرضه حتى أغمي عليه، فلمّا أفاق التفت إلى ذويه وخاصّته، وطلب منهم بإلحاح أن يُجلسوه، فتعجّبوا من طلبه ذلك وهو في هذه الحالة، لكنهم لما أجلسوه واستقرّ به المكان شخص ببصره نحو الباب وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ثم تشهّد الشهادات الثلاث وانتقل إلى جوار رحمة ربّه، (قدس اللّه سرّه  

 

  السيد أبو الحسن الأصفهاني  و حسن الإدارة

العباسية) منطقة تقع بالقرب من مدينة الحلّة بالعراق، وقيل أنها كانت مقرّ حكومة العباسيين في فترة من الزمان، ولكن تغيّرت بمرور الأيام إلى أن أصبحت أخيراً قرية صغيرة وناحية تابعة للحلّة

وكان مدير تلك الناحية ـ إبان مرجعية المرحوم آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني (قدس سره) ـ رجلاً سنيّاً متعصّباً يؤذي الشيعة بلا دليل، فأخبروا السيد المرجع بالأمر وأرادوا منه أن يطالب الوزير بنقل هذا المدير إلى منطقة أخرى.

ولكن السيد أبو الحسن الأصفهاني الذي كان مديراً ومدبّراً لم يفعل ذلك، وإنما أرسل إلى أحد وكلائه في الحلّة   فأرسل إليه وطلب منه أن يأتي بمدير تلك الناحية إليه فجاء الوكيل إلى العباسية ولاقى احتراماً فائقاً من أهالي تلك الناحية، ثم التقى بمدير المنطقة وقال له: إن السيد أبو الحسن الأصفهاني يحبّ زيارتك له ويريد اللّقاء بك

فامتنع أوّلاً من الإجابة متعلّلاً بأنه من مذهب سنّي والسيد مرجع شيعي ولا علاقة له به ولكن أخيراً وافق أن يلتقي بالسيد أبو الحسن في مناسبة مقبلة.

فلمّا حان الوقت وجاء إلى السيد أبو الحسن رحّب به السيد كثيراً وأجلسه عنده يتفقّد أحواله ويسأله عن أموره وهو يقول له: إنك مدير ناحية، والناس يتوقّعون منك المساعدة، وطبيعي أن يكون باب دارك مفتوحاً للناس, فكم هو راتبك الشهري؟

أجاب قائلاً: ثمانية عشر ديناراً

فقال له السيد: إن هذا بالنسبة إليك قليل جداً

فأجاب: إن هذا هو مرتب الدولة المخصّص لي

فقام السيد أبو الحسن وأخذ من الدنانير ثمانية عشر ديناراً وقدّمها إليه بتواضع وقال له: هذا راتبك مني في هذا الشهر، وفي الشهور القادمة سأخبر وكيلي في الحلّة بتقديم هذا المبلغ إليك في كل شهر وذلك لكي تلبّي حاجات الناس وترضي مراجعيك.

فبان الخجل على وجه المدير وشكر السيد كثيراً على تفضّله، وعاد إلى العباسية ناحية حكمه وجمع أقرباءه وقال لهم: إنه قد تبيّن لي أن التشيّع هو المذهب الحق، وإني أخبركم وأشهدكم على أني دخلتُ في التشيّع وأريد منكم أن تدخلوا أنتم أيضاً في التشيّع.

فتشيّع جمع من أهالي تلك المنطقة بتشيّعهم وقد تحسّن سلوك المدير تجاه الشيعة بشكل كبير.

وكلّ ذلك من آثار تدبير السيد أبو الحسن الأصفهاني (رحمة الله عليه) وسعة صدره وبعد نظره في التعامل مع الناس وجمع كلمتهم على التقوى.

 

استقامة وصمود الآخوند الخراساني (رحمه الله) في طلب العلم 

ذكروا بصدد عسر الآخوند الملا محمد كاظم الخراساني (رحمه الله) صاحب (الكفاية) أيام تحصيله العلم، وبعد وضعه الصعب من ناحية المأكل والملبس نقلاً عنه: لم أفكر تلك المدة إلا بالغداء، وكنت قانعا بهذا الوضع، … وكان الطلاب لا يعتنون بي، إلا من كان من الفقراء من مثلي أو أسوء مني حالاً، وكان نومي لا يزيد على ست ساعات، لأن النوم العميق للإنسان لا يكون ببطن خالية، فكنت أسهر الليالي وأسامر النجوم، وفي تلك الأحوال كان يمر بخاطري أن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) كان يقضي أكثر لياليه على هذا المنوال، وأني بهذه المعاناة وشدة الضيق من فاقة وفقر كنت أحس، وأفكر أني في عالم آخر، وهناك قوة تجذب روحي إليها.

وكان مع هذه المصاعب التي كان لها الوقع الكبير في نفس الآخوند، قد فقد أولاده وزوجته الشابة، وبقي لوحده، ولو كان غيره مكانه ربما لم يستطع أن يقاوم ويصمد بوجه تلك الأعاصير التي أثقلت كاهله، وكادت أن تسوقه إلى غير ما ينبغي ويريد، إلا أن تلك الروح المستنيرة لم تتزلزل ولو قليلاً

وبعد أن دفن ابنه وزوجته ترك البيت، وكان في النهار يحضر مجالس درس الأساتذة، وفي الليل وفي مكان حقير وصغير يقع في المدرسة يقضي وقته بالمطالعة وحل المسائل، وفي ليالي الشتاء القارصة كان يجلس دون أن يستعين بنار يتدفأ عليها، ويطالع فروع الفقه المختلفة والأصول ودقائق الدروس، وفي إحدى الليالي جلس إلى جنب شعلة النفط في الحجرة، ووضع يديه تحت رأسه وعيناه تنظر إلى الكتاب، ليدرك مسألة في الأصول ولكثرة مطالعته تعبت عيناه، واستغرق في نوم عميق، وكانت الشعلة قد أخذ نارها يتسرب إلى يده قليلاً قليلاً فأحرقت جلد يده اليمنى، وكان أكله الحار فقط الخبز الذي يأخذه من الخباز لتوه، وبعد مدة أصاب مقداراً من الرز، فقام بتنظيفه وصبه في إناء، ووضعه على النار ليطبخ، فلما أراد أن يأخذه سقط من يده على الأرض وحرم من أكله، مضافاً إلى احتراق يده ومضت مدة وهو يعاني من آلام حرق اليد

 

  

  السيد الداماد والشيخ البهائي  وصفاء النفس

كان بين السيد محمد باقر الداماد والشيخ البهائي (رحمهما الله) خلطة تامة ومؤاخاة عجيبة قل ما يوجد نظيرها وقد نقل: أن السلطان شاه عباس الصفوي ركب يوماً إلى بعض مقاصده، وكان الميرداماد والبهائي أيضاً في موكبه لأنه كان لا يفارقهما غالباً، وكان السيد الداماد عظيم الجثة بخلاف الشيخ البهائي فإنه كان نحيف البدن في غاية الهزال.

فأراد السلطان أن يختبر صفاء الخواطر فيما بينهما، فجاء إلى السيد الداماد، وهو راكب فرسه في مؤخر الجمع وقد ظهر من وجناته الإعياء والتعب لثقل جثته، وكان جواد الشيخ البهائي في مقدم الجمع يركض كأنما لم يحمل عليه شيء

فقال: يا سيدنا ! ألا تنظر إلى هذا الشيخ في مقدم الجمع كيف يلعب بجواده ولا يمشي على وقار بين هذا الخلق مثل جنابك المتأدب المتين؟

فقال السيد: أيها الملك! إن جواد شيخنا لا يستطيع أن يتأنى في جريه من شغف ما حمل عليه، لأنه يعلم من ذا الذي ركبه؟

ثم جاء إلى الشيخ البهائي وقال: يا شيخنا! ألا تنظر إلى ما خلفك كيف أتعب هذا السيد المركب، وأورده من غاية سمنه في العي والنصب، والعالم لا بد أن يكون مثلك مرتاضاً خفيف المؤونة؟

فقال: لا، أيها الملك! بل العي الظاهر في وجه الفرس من عجزه عن تحمل حمل العلم الذي يعجز عن حمله الجبال الرواسي على صلابتها.

فلما رأى السلطان المذكور تلك الألفة التامة والمودة الخالصة بين عالمي عصره، نزل من ظهر دابته بين الجمع، وسجد لله تعالى، وعفر وجهه بالتراب، شكراً على هذه النعمة العظيمة

 

 

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=542
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 06 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29