• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : عاشوراء .
                    • الموضوع : صرخة زينب الکبرى(عليها السلام) .

صرخة زينب الکبرى(عليها السلام)

 صرخة زينب الکبرى(عليها السلام)

ولمّا رأت زينب اُم المصائب(عليها السلام) رأس أخيها نادت بصوت حزين يمزق القلوب: «يا حُسَيْناهُ! يا حَبيبَ رَسُولِ اللهِ! يَاابْنَ مَکَّةَ وَ مِنى، يَاابْنَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ سَيِّدَةَ النِّساءِ، يَاابْنَ بِنْتِ الْمُصْطَفى».

قال الراوي: فأبکت والله کلّ من کان في المجلس...!!

ويزيد ساکت، ثم دعا بقضيب خيزران فجعل ينکت به ثنايا الإمام الحسين(عليه السلام)، فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي (الذي کان من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)وکان حاضراً في المجلس) فقال: ويحک يا يزيد! أتنکتُ بقضيبک ثغر الحسين بن فاطمة؟ أشهد لقد رأيتُ النبي يرشفُ ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول: «أَنْتُما سَيِّدا شَبابِ أهْلِ الْجَنَّةِ، فَقَتَلَ اللهُ قاتِلَکُما وَلَعَنَهُ، وَأَعَدَّلَهُ جَهَنَّمَ َوساءَتْ مَصيراً».

فغضب يزيد من قوله وأمر بإخراجه فاُخرج سحباً.

فجعل يزيد ينکت ثنايا أبي عبدالله الحسين ويبتسم ويتمثّل بأبيات ابن الزبعري (الذي أنشدها في غزوة اُحد):(1)

لَيْتَ أَشْياخي بِبَدْر شَهِدُوا *** جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الاْسَلْ

لاَهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً *** ثُمَّ قالُوا يايَزيدُ لا تَشَلْ

لَسْتُ مِنْ خِنْدَفَ(2) إِنْ لَمْ أَنْتَقِمْ *** مِنْ بَني أَحْمَدَ، ما کـانَ فَعَلْ

ولمّا أخذ يزيد مجلسه يلقي على الناس بأراجيفه ويفتخر على آل محمّد وأنشد أبيات الکفر والنفاق متباهياً بفتحه وانتصاره، قامت إليه زينب بنت عليّ ابن أبي طالب(عليه السلام) کالطود الشامخ في ذلک المجلس وافتتحت خطبتها «أَلْحَمْدُللهِ رَبِّ الْعالَمينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَآلِهِ أجْمَعينَ، صَدَقَ اللهُ حَيْثُ يَقُولُ: (ثُمَّ کَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ کَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَکَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون)(3).

أَظَنَنْتَ يا يَزِيدُ حَيْثُ أَخَذْتَ عَلَيْنا أَقْطارَ الاْرْضِ وَآفاقَ السَّماءِ، فَأَصْبَحْنا نُساقُ کَما تسُاقُ الأُسارى أَنَّ بِنا عَلَى اللهِ هَواناً، وَبِکَ عَلَيْهِ کَرامَةً وَأَنَّ ذلِکَ لِعِظَمِ خَطَرِکَ عِنْدَهُ، فَشَمَخْتَ بِأَنْفِکَ، وَنَظَرْتَ فِي عِطْفِکَ جَذْلانَ مَسْرُوراً حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيا لَکَ مُسْتَوْثِقَةٌ وَالاُْمُورَ مُتَّسِقَةٌ وَحِينَ صَفا لَکَ مُلْکُنا وَسُلْطانُنا، فَمَهْلاً مَهْلاً، أَنَسِيتَ قَوْلَ اللهِ عَزَّوَجَلَّ: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ کَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لاِّنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)»(4).

ثم قالت في استمرار خطبتها الغرّاء:

أَمِنَ الْعَدْلِ يَاابْنَ الطُّلَقاءِ(5)! تَخْدِيرُکَ حَرائِرَکَ وَإِماءَکَ، وَسَوْقُکَ بَناتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم سَبايا، قَدْ هَتَکْتَ سُتُورَهُنَّ، وَأَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ، تَحْدُو بِهِنَّ الاْعداءُ مِنْ بَلد اِلى بَلد، يَسْتَشْرِفُهُنَّ أَهْلُ الْمَناهِلِ وَالْمَناقِلِ، وَيَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، وَالدَّنِيُّ وَالشَّرِيفُ، لَيْسَ مَعَهُنَّ مِنْ رِجالِهِنَّ وَلِيُّ، وَلا مِنْ حُماتِهِنَّ حَمِيٌّ، وَکَيْفَ يُرْتَجى مُراقَبَةُ مَنْ لَفَظَ فُوهُ أَکْبادَ الاْزْکِياءِ، وَنَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ دِماءِ الشُّهَداءِ، وَکَيْفَ يُسْتَبْطَأُ فِي بُغْضِنا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ نَظَرَ إِلَيْنا بِالشَّنَفِ وَالشَّنَآنِ وَالاْحَنِ وَالاْضْغانِ، ثُمَّ تَقُولُ غَيْرَ مُتَّأَثِّم وَلا مُسْتَعْظِم:

لاَهَلُّوا واسْتَهَلُّوا فَرَحاً *** ثُمَّ قالُوا يا يَزيدُ لا تَشَلْ

مُنْتَحِياً عَلى ثَنايا أَبِي عَبْدِاللهِ سَيِّدِ شَبابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، تَنْکُتُها بِمِخْصَرَتِکَ، وَ کَيْفَ لا تَقُولُ ذلِکَ وَقَدْ نَکَأْتَ الْقَرْحَةَ، وَاسْتَأْصَلْتَ الشَّأْفَةَ بِإِراقَتِکَ دِماءَ ذُرّيَةِ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَنُجُومِ الاْرْضِ مِنْ آلِ عَبْدِالمُطَّلِبِ، وَتَهْتِفُ بِأَشْياخِکَ، زَعَمْتَ أَنَّکَ تُنادِيهِمْ، فَلَتَرِدَنَّ وَشِيکاً مَوْرِدَهُمْ وَلَتَوَدَّنَّ أَنَّکَ شَلَلْتَ وَبَکِمْتَ، وَلَمْ تَکُنْ قُلْتَ ما قُلْتَ وَفَعَلْتَ ما فَعَلْتَ.

ثم قالت:

أَللّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنا، وَانْتَقِمْ مِنْ ظالِمِنا، وَأَحْلِلْ غَضَبَکَ بِمَنْ سَفَکَ دِماءَنا، وَقَتَلَ حُماتَنا، فَوَاللهِ ما فَرَيْتَ إِلاّ جِلْدَکَ، وَلا حَزَزْتَ إِلاّ لَحْمَکَ، وَلَتَرِدَنَّ عَلى رَسُولِ اللهِ بِما تَحَمَّلْتَ مِنْ سَفْکِ دِماءِ ذُرِّيَّتِهِ، وَانْتَهَکْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ فِي عَتْرَتِهِ وَ لُحْمَتِهِ، حَيْثُ يَجْمَعُ اللهُ شَمْلَهُمْ، وَيَلُمُّ شَعْثَهُمْ، وَيَأْخُذُ بِحَقِّهِمْ (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(6). وَحَسْبُکَ بِاللهِ حاکِماً، وَ بِمُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَصِيماً، وَبِجَبْرَئِيلَ ظَهِيراً، وَسَيَعْلَمُ مَنْ سَوَّلَ لَکَ وَ مَکَّنَکَ مِنْ رِقابِ المُسْلِمِينَ، بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً، وَأَيُّکُمْ شَرٌّ مَکاناً، وَأَضْعَفُ جُنْداً.

وعند ذاک ختمت خطبتها بهذه الکلمات المهينة لمقام يزيد وقالت:

وَلَئِنْ جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّواهِي مُخاطَبَتَکَ، إِنِّي لاَسْتَصْغِرُ قَدْرَکَ، وَأَسْتَعْظِمُ تَقْرِيعَکَ، وَأَسْتَکْثِرُ تَوْبِيخَکَ، لکِنَّ العُيُونَ عَبْرى، وَالصُّدُورَ حَرّى، أَلا فَالْعَجَبُ کُلُّ الْعَجَبِ لِقَتْلِ حِزْبِ اللهِ النُّجَباءِ بِحِزْبِ الشَّيْطانِ الطُّلَقاءِ، فَهذِهِ الاْيْدِي تَنْطِفُ مِنْ دِمائِنا، وَالأَفْواهُ تَتَحَلَّبُ مِنْ لُحُومِنا، وَتِلْکَ الجُثَثُ الطَّواهِرُ الزَّواکِي تَنْتابُها العَواسِلُ، وَتُعَفِّرُها اُمَّهاتُ الْفَراعِلِ.

وَلَئِنِ اتَّخَذْتَنا مَغْنَماً لَتَجِدَ بِنا وَشِيکاً مَغْرَماً حِيْنَ لا تَجِدُ إلاّ ما قَدَّمَتْ يَداکَ، وَما رَبُّکَ بِظَلاَّم لِلْعَبِيدِ، وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَکى، وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ، فَکِدْ کَيْدَکَ، وَاسْعَ سَعْيَکَ، وَناصِبْ جُهْدَکَ، فَوَاللهِ لا تَمْحُو ذِکْرَنا، وَلا تُمِيتُ وَحْيَنا، وَلا تُدْرِکُ أَمَدَنا، وَلا تَرْحَضُ عَنْکَ عارَها، وَهَلْ رَأيُکَ إِلاّ فَنَدٌ، وَأَيّامُکَ إِلاّ عَدَدٌ، وَجَمْعُکَ إِلاّ بَدَدٌ؟ يَوْمَ يُنادِي الْمُنادِي: أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظّالِمِينَ.

وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، أَلَّذِي خَتَمَ لاِوَّلِنا بِالسَّعادَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَلاِخِرِنا بِالشَّهادَةِ وَالرَّحْمَةِ. وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُکْمِلَ لَهُمُ الثَّوابَ، وَيُوجِبَ لَهُمُ الْمَزيدَ، وَيُحْسِنَ عَلَيْنَا الْخِلافَةَ، إِنَّهُ رَحيمٌ وَدُودٌ، وَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَکيلُ(7).

تعدّ هذه الخطبة الغرّاء إحدى أفصح وأقوى الخطب في تاريخ الإسلام، وکأنّ زينب(عليها السلام) قد استمدت هذه الخطبة من روح أبيها عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) وتحلّت بشجاعته الفائقة، فکانت کلمات أمير المؤمنين(عليه السلام) تجري على لسان ابنته زينب الکبرى(عليها السلام) التي تحدّثت للناس بمنطق أبيها.

  فهذه الخطبة تتألف من سبعة مقاطع مختلفة، وناظرة لسبعة أهداف مهمة:

1. في البداية کسرت هذه المرأة الشجاعة غرور يزيد بعدّة کلمات قلائل وتلاوتها لآية من القرآن الکريم بيّنت مکانته أمام الله تعالى

 2_ وفي المقطع الثاني تحدّثت زينب الکبرى(عليها السلام) عن معاملة النبيّ الأکرم(صلى الله عليه وآله)لأجداد يزيد في فتح مکة حيث شملهم بالعفو، وقارنت بينه وبين عمل يزيد القبيح الذي قتل ابن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأبناء الرسالة واحتزّ رؤوسهم وساق نساءهم وأطفالهم أسرى.

3. وفي المقطع الثالث ذکرت العبارة التي نطق بها يزيد من منطلق الکفر والتي تؤکد على عدم إيمانه، وأنّه سوف يواجه سريعاً مصير أشياخه وأجداده ويلقى في جهنّم وبئس المصير.

4. أکدت الحوراء زينب(عليها السلام) على مقام الشهداء الشامخ ولا سيما شهداء آل بيت النبوة في کربلاء واعتبرت ذلک افتخاراً کبيراً لهذه الاُسرة الهاشمية.

5. ثم إنّ زينب الکبرى(عليها السلام) أشارت إلى حضور يزيد في محکمة العدل الإلهي يوم القيامة، وفي تلک المحکمة التي يکون فيها القاضي الله تعالى، وخصمه النبي الأکرم(صلى الله عليه وآله) والشهود هم ملائکة الله.

6. ثم انطلقت الحوراء زينب(عليها السلام) تخاطب يزيد من موقع الاحتقار والازدراء إلى حدّ أنّها قالت له: «وَلَئِنْ جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّواهِي مُخاطَبَتَکَ، إِنِّي لاَسْتَصْغِرُ قَدْرَکَ، وَأَسْتَعْظِمُ تَقْرِيعَکَ..» ولا تتصور أنّک عندما جئت بي إلى هنا أسيرة في قصرک، أنّني سوف أحترمک وأهابک، فإنّک في نظري لا تستحق أن أتحدّث معک، وعندما اُکلمک الآن فهذا من باب الاضطرار.

7. وفي آخر مقطع من خطبتها شکرت زينب الکبرى(عليها السلام) الباري تعالى على نعمه العظيمة التي اختصها بآل بيت النبوة(عليهم السلام)، وتتمثّل في نزول الرحمة والسعادة للأوائل من هذا البيت النبوي وختمها بالشهادة والرحمة.


1 . البيت الثانى لهذه الأبيات ل- «عبدالله بن الزَبْعَرِي» من أعداء رسول الله(صلى الله عليه وآله) الألداء، وقد أنشد هذه الأبيات بعد معرکة غزوة اُحد للتعريض بقتلى المسلمين من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وفيها يتمنى أن قتلاه في يوم بدر کانوا موجودين في هذا اليوم ليروا قتلى قبيلة الخزرج (من قبائل المسلمين في المدينة). وکيف عاشوا الذلة والمهانة، وقد استفاد يزيد من هذا البيت من شعر ابن الزبعري وأنشد الباقي منه.
2 . يعتبر خندف من أجداد قريش الأعلون ومنهم يزيد. (انظر: تاريخ الطبري، ج 1، ص 24-25).
3. سورة الروم، الآية 10.
4. سورة آل عمران، الآية 178.
5 . إشارة لواقعة فتح مکّة عندما قال النبيّ الأکرم(صلى الله عليه وآله)، لزعماء قريش ومنهم أبو سفيان و معاوية: «إذْهَبُوا فَأَنتُمُ الطُّلَقاءُ». (انظر: بحار الأنوار، ج 21، ص 106 وتاريخ الطبري، ج 2، ص 337).
6. سورة آل عمران، الآية 169.
7 . الاحتجاج، ج 2، ص122-130 ; بحارالأنوار، ج 45، ص 132-135 ; مقتل الحسين، المقرّم، ص 357-359 (مع اختلاف يسير) .

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=557
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 10 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16