• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : عاشوراء .
                    • الموضوع : عاشوراء من وقائع الحياة لا من وقائع التاريخ .

عاشوراء من وقائع الحياة لا من وقائع التاريخ

 عاشوراء من وقائع الحياة لا من وقائع التاريخ

 

حفلات عاشوراء هي في مفهومنا حفلات للحرية، نتعلم فيها الحرية، ونتعلم فيها روح الجهاد، وروح الثبات والصبر.

عاشوراء التي نحتفل بها في كل مكان في هذه الأيام هي ليست واقعة من وقائع التاريخ، هي من وقائع الحياة  والفرق بين وقائع الحياة وبين وقائع التاريخ فرق كبير.

وقائع التاريخ يلفها النسيان وتصبح ذكرى.

أما وقائع الحياة فهي متجددة.

الشمس والقمر، الأنهار التي تجري، هذه وقائع الحياة.

رسالة الرسول (ص) ليست من وقائع التاريخ، هي من وقائع الحياة. يعني أنها تتجدد باستمرار..

لماذا ؟

لأنّ الإنسان حينما يقوم بعمل من الأعمال، هدف وغاية هذا العمل قد تكون محددة، صغيرة بمقداره أو بمقدار حاجته، أو بمقدار حاجات عشيرته أو بمقدار بلدته. أو إذا كبر يكون بمقدار وطنه.

الثورة الحسينية هي لم تكن بمقدار صغير، هي بمقدار الإنسانية، لذلك هدفها وغايتها مستمرة، ما دام يوجد إنسانية مظلومة، ما دام يوجد ناس، رجال طغاة، ما دامت توجد أنظمة طغيان، هذا الهدف مستمر، ولذا يوجد شهداء كرام في تاريخ الإسلام وفي تاريخ الإنسانية، وبالكاد يذكرهم الناس.

الذكرى الحسينية موجودة لأنها كالنهر المتدفق، لأن غايتها لا تزال قائمة، لأنه لا يزال هناك مقهورون، مظلومون.

المقهورون والمظلومون لهم طريقان، ثلاث طرق لا يوجد، طريق الصبر، الصبر الانهزامي، الصبر السلبي، بهذه الحالة المظلومون لا يسلمون بالصبر، لا يسلمون بالرضا، يصيرون ضحايا.

والطريق الآخر، هو طريق الثورة.

بهذا الطريق يوجد شهداء.. في النهاية موت.

إنّ الطغيان يقتل ويميت المظلومين، لكنّ المظلوم هو الذي يختار نوع الموت، وهو الذي يختار شرف الموت.

هل يكون ضحية أو يكون شهيد الثورة الحسينية؟

والمقهورين والمظلومين والمستضعفين في كل مكان من العالم، ليس بالضرورة أن يكونوا مسلمين.

هؤلاء يجب أن يسلكوا طريق الشهادة، لا أن يسلكوا طريق الذل والاستسلام الذي لن ينجيهم في النهاية من الموت، ولكن الموت وحيداً، وليس الموت الثائر، الموت الذليل، وليس الموت العزيز.

هذا الإنسان المظلوم الذي يريد أن يسلك طريق الثورة وطريق الشهادة.

هذا الإنسان يجب أن يكون متحلياً بفضائل الثورة، وفضائل الشهادة.

يجب أن يكون في مستوى الفضائل العالية التي لأصحاب الحسين وأنصار الحسين.

الصدق، الأمانة، والفقه وتقوى الله، هذه هي الفضائل التي تجعل من الإنسان ثائراً.

لا يمكن لشرف الثورة أن يتلوث بخسة النفس، لا يمكن لشرف الثورة أن يتلوث بالفسق والفجور، لا يمكن لشرف الثورة أن يتلوث بروح الطمع ودناءة النفس أبداً.

  أن الإمام الحسين سلام الله عليه ، في ليلة العاشر من محرم، حينما عرض على أصحابه أن يتركوه، قال لهم: "إن هؤلاء القوم لا يطلبون غيري، وهذا الليل قد أظلّكم فاتخذوه جملاً، وليلحق كل واحد منكم بأهله".

ماذا أجابوه؟

هو إذن لهم ، هو أحلهم من التزامهم.

قالوا له: لا والله، ألهذا نحن تركنا أموالنا وأهلنا ونساءنا وأولادنا لنسأل عنك الركبان، لأجل أن نسأل عنك الناس والمسافرين، لا والله لا نبرح حتى نموت قبلك.

هذا ما حدث للحسين بن علي مع أصحابه..

هذا الجوهر الإنساني الذي نطمح أن نصل إليه.

الذكرى الحسينية هي التي تلهمنا ، هذه الروح, روح الثورة  وروح الشهادة   والثورة هي ليست كما هي موجودة في كثير من الأذهان بأنها تهدم وتقتل وتشرد وتعمل العظائم.

لا... الثورة بناء، وبناء الثورة إعادة تكوين، إعادة تركيز، يوجد بناء مهدم، يوجد بناء غير مرتب، الثورة تعيد تكوينه، وتعيد تصحيحه من روح الحسين، من روح أنصار الحسين تستمد هذه الأفكار، وهذه الروح البانية والإيجابية.

هذا الطريق ليس طريق الضحايا.

 هل نريد أن نسلك طريق الضحايا؟

إذاً نقبل بكل شيء، طريق الضحايا هي طريق "نعم" طريق الموافقة، طريق الشهداء هي طريق "لا".

الإمام الحسين يقول: "لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد([1]) والرسول (ص) قبل الحسين، حينما عرض عليه أهل قريش أن يعطوه ويعطوه قال: "لا والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر أو أهلك دونه، ما تركته"

 وأمير المؤمنين علي عليه السلام حينما ساوموه وناوروه قال لهم: "لا" وترك الخلافة برمتها قال: لا.. الحسن قال: لا.. الحسين قال : لا.. بقية الأئمة قالوا: لا..

الآن نحن في ذكرى شهادة كربلاء. الإمام الحسين يقول لا , أعطيكم "اللا" هي طريق الثورة الصحيحة، "لا" رشيدة، "لا" عاقلة، لا محكومة بالنظام ومحكومة بالانضباط. أما "اللا" الفلتانة فهي "لا" تخريبية يوجد منها كثير هنا وهناك.

"لاؤنا" نحن تختلف عن اللاءات الأخرى لأنها محكومة بخوف الله، محكومة بالتقوى، محكومة بالأخلاق ، محكومة بالروح الإنسانية، باللاشرقية واللاغربية.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ننتفع أكثر فأكثر من هذا الموسم موسم كربلاء، تخرج منه قلوبنا أطهر وعزائمنا أقوى، وبصيرتنا أوضح ونفوسنا أشرف ، مقتدين ومتبعين أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم وأنصار الحسين الذين هم مثلنا الأعلى في الجهاد .

 



[1] كتاب البحار ج 45 ص 7


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=558
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 10 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 16