• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : من التاريخ .
                    • الموضوع : من عظماء الإسلام أبو ذر الغفاري .

من عظماء الإسلام أبو ذر الغفاري

 من عظماء الإسلام أبو ذر الغفاري

حينما ندرس شخصية تاريخية كأبي ذر، تطالعنا مواقف ومشاهد في غاية السمو والرفعة الأخلاقية، فنجد أنفسنا أمام مدرسة مثالية غنية بالعطاء الفكري والعطاء الروحي، ومليئة بالعظات والعبر، ونلمس ذلك في السلوك العملي مع النفس والمحيط تجسيداً كاملاً للمبدأ الذي دعا إليه وكافح من أجله، وقضى حياته في خير خاتمة وهو يحمل الرسالة الخالدة بموقف شجاع وصرخة حق لا تزال مدوّية إلى أن تقوم الساعة وهو أول من نادى بإتباع أمير المؤمنين علي عليه السلام والولاية له بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم بكل ثبات مع باقي الأصحاب المخلصين ممن سمّوا بالأركان الأربعة.

وهو الممدوح مدحاً عظيماً على لسان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم حيث قال عنه: "ما أظلّت الخضراء، وأقلّت الغبراء من ذي لهجة أَصدق من أبي ذر، ومن سرّه أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم، فلينظر إلى أبي ذر"1.

وقد بايع أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن لا تأخذه في الله لومة لائم وعلى أن يقول الحق ولو كان مراً2 فالتزم ببيعته وكان جريئاً في جنب الله آخر عمره كما كان في أول أمره، عارفاً بحق أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وداعياً إلى الركوب في سفينته سفينة النجاة التي من ركب فيها نجا ومن تخلّف عنها غرق وهوى.

 

- أبو ذر يواجه معاوية:

إن صاحب الكلمة الجريئة التي لا تعرف المداهنة ولا الرياء والوجل لا يمكنه السكوت على المنكر ولا إمضاؤه بل يطلق نداءه صريحاً في مسمع الحاكم الظالم وذلك

من أفضل الجهاد فها هو أبو ذر رضوان الله تعالى عليه يخاطب معاوية مجيباً إيّاه: "ما أنا بعدو للّه ولا لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بل أنت وأبوك عدوّان لله ولرسوله، أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر ولقد لعنك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودعا عليك مرّات أن لا تشبع".

فقال معاوية: ما أنا ذلك الرجل.

فقال أبو ذر: "بل أنت ذلك الرجل! أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمعته يقول وقد مررت به: (اللهم العنه ولا تشبعه إلا بالتراب)"3.

وتخيّل جلاوزة معاوية والجلاّدون في عسكره الغاشم أن أبا ذر كان غاضباً لنفسه لأجل حاجة مالية فساوموه رجاء أن يكف ويسكت فما وجدوا إلا الإصرار على قول الحق مهما كلّفه الأمر وبعث إليه معاوية بثلاثمائة دينار، فقال: "إن كانت في عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا، قبلتها، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها"4.

وقال له أحدهم ذات مرة: "لك عندي يا أبا ذر ألف درهم وخادم وخمسمائة شاة".

قال أبو ذر: "أعط خادمك وألفك، وشويهاتك من هو أحوج إلى ذلك مني! فإني إنما أسأل حقي في كتاب الله..."5.

بهذه الصراحة يرسم لنا بعض مواقفه لا ليثأر ويغضب لنفسه بل للحق الذي طالب بتثبيته وبذلك جعل من نفسه رمزاً يدفع بالمقهورين والمظلومين إلى المطالبة بحقوقهم وعرض ظلاماتهم فكان في تصرفاته تلك رائداً من رواد الحق يجازف بنفسه من أجل الآخرين، وهكذا دأب الإنسان الرسالي فيما يميزه عن الإنسان العادي.

 

 

- أبو ذر ينشر التشيّع:

كافح رضوان الله تعالى عليه وجاهد جهاداً عظيماً في سبيل أن تكون كلمة الله هي العليا وإحقاق الحق وإبطال الباطل، فثبت على المبدأ الذي عاهَد عليه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ودافع على أكثر من جبهة وفي عدة مواطن ودعا المسلمين بكل جرأة وصراحة حتى آخر لحظة من

عمره، فكان في مكة والمدينة كما الشام وحتى منفاه الأخير في الربذة غير آبه بأحد في سبيل تأدية الأمانة وإيضاح أن الخليفة الشرعي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والولي الحقيقي هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وليس معاوية.

1- في مكة المكرمة:

يقول أحد الرواة سمعت أبا ذر يقول وهو أخذ بباب الكعبة: "أيها الناس من عرفني فأنا من عرفتم ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من قومه، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق"6.

 

ومما حدّث به على شفير زمزم والناس قد اجتمعوا حوله قال رضوان الله تعالى عليه: "سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهاتين وإلا فصمّتا، ورأيته بهاتين وإلا فعميتا يقول: علي قائد البررة وقاتل الكفرة منصور من نصره، مخذول من خذله"7.

 

2- في المدينة المنورة:

جاء في تاريخ اليعقوبي: بلغ عثمان أن أبا ذر يقعد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويجتمع إليه الناس، ... وأنه وقف بباب المسجد فقال: "... ومحمد وارث علم ادم وما فضّل به النبيون وعلي بن أبي طالب وصي محمد ووارث علمه، أيتها الأمة المتحيّرة أما لو قدّمتم من قدّم الله وأخّرتم من أخّر الله وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم..."8.

 

- أبو ذر في المنفى:

إن خلاصة ما تقدم أن موقف أبي ذر من مبدأ التشيع كان موقفاً مثالياً يجسّد لنا كل معاني الثبات والصمود، واليقظة في الضمير الإنساني، فما كان لتلين عريكته ولا لتميل له قناة، فقد كان صلباً قوياً، متفانياً في سبيل ذلك.

ولم ينجح الغرماء الحاكمون في إسكاته فعمدوا إلى نفيه فحمل من الشام إلى المدينة على مركب وعر ثم بعد ذلك إلى الربذة حتى توفي غريباً هناك. فرضوان الله تعالى عليه.

 

 

وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر رضوان الله تعالى عليه:

مما جاء فيها: ... واعلم يا أبا ذر: أنّ الله جعل أهل بيتي كسفينة النجاة في قوم نوح، من ركبها نجى، ومن تخلّف عنها غَرِق، ومثل باب حِطَّة في بني إسرائيل، من دخله كان آمناً.

يا أبا ذر: احفظ ما أوصيك به، تكن سعيداً في الدنيا والآخرة.

يا أبا ذر: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ.

يا أبا ذر: اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هَرَمِك، وصِحتك قبل سَقَمِك وغِنَاكَ قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.

يا أبا ذر: إيَّاك والتسويف بأمَلِك، فإنك بيومك، ولستَ بما بعده، فإن يكن غد لك، فكن في الغد كما كنت في اليوم، فإن لم يكن غد لك، لم تندم على ما فرَّطت في اليوم.

يا أبا ذر: كم من مستقبل يوماً لا يستكمله، ومنتظر غداً لا يبلغه.

يا أبا ذر: لو نظرت إلى الأجل ومسيره، لأبغضت الأمل وغروره.

يا أبا ذر: كن في الدنيا كأنك غريب، أو كعابر سبيل، وعُدّ نفسك في أهل القبور.

يا أبا ذر: إذا أصبحت، فلا تحدِّث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدِّث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قَبلَ سَقَمِك، ومن حياتك قبل موتك، فإنك لا تدري ما اسمك غداً.

يا أبا ذر: إيَّاك أن تدركك الصرعة عند الغِرّة، فلا تُمَكَّن من الرجعة، ولا يَحمَدُك من خلَّفت بما تركتَ، ولا يَعذرك من تُقدِمُ عليه بما به اشتغلتَ.

يا أبا ذر: ما رأيتُ كالنار نام هاربُها، ولا كالجنة نام طالُبها.

يا أبا ذر: كن على عمرك أشحّ‏َ منك على درهمك ودينارك.

يا أبا ذر: هل ينتظر أحدكم إلا غِنى مطغياً، أو فقراً منسياً، أو مرضاً مزمناً أو هرماً مفنياً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجَّال فإنه شر غائب ينتظر، أو الساعة، والساعة أدهى وأمرّ.

يا أبا ذر: إن شرَّ الناس عند الله عز وجل يوم القيامة، عالم لا ينتفع بعلمه، ومن طلب علماً ليصرِف به وجوه الناس إليه لم يجد ريح الجنة.

يا أبا ذر: من ابتغى العلم ليخدع به الناس، لم يجد ريح الجنة.

يا أبا ذر: إذا سئلت عن علم لا تعلمه، فقل: لا أعلمه، تنجُ من تبعته، ولا تفت الناس بما لا علم لك به، تنج من عذاب يوم القيامة.

يا أبا ذر: يتطلَّع قوم من أهل الجنة إلى قوم من النار، فيقولون: ما أدخلكم النار؟ وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم! فيقولون: إنا كنا نأمر بالمعروف ولا نفعله..

يا أبا ذر: إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد، وإن نعم الله عز وجل أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أمسوا تائبين وأصبحوا تائبين.

يا أبا ذر: إنكم في ممرِّ الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن يزرع خيراً يوشك أن يحصُد زرعه، ومن يزرع شراً، يوشك أن يحصدَ ندامة، ولكل زارع ما زرع10.

 

هوامش

1- بحار الأنوار، ج‏6، ص‏4.

2- أعيان الشيعة، 319 16، نقلاً عن أسد الغابة.

3- شرح النهج، 257 8.

4- الغدير، 293 8.

5- أعيان الشيعة، 364 16، عن أمالي الطوسي.

6- المستدرك، ج‏3، ص‏151 150.

7- فرائد السمطين، ج1، ص192.

8- تاريخ اليعقوبي، ج‏2، ص‏172.

9- تنبيه الخواطر، ج2، ص316.

10- م.ن.

 

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=673
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 07 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28