• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع :  أقسام التائبين‏ .

 أقسام التائبين‏

 أقسام التائبين‏

ينقسم حال التائب إلى أقسام:

القسم الأوّل: أن يتوب عن المعاصى كلّها ويستقيم على التوبة إلى آخر عمره، فيتدارك ما فرّط ولا يعود إلى ذنوبه، ولا يصدر عنه معصية إلّا الزلّات التى لا يخلو عنها غير المعصومين، وهذه هى التوبة النصوح؛ عن أبى بصير قال: قلت: للإمام الصادق عليه السلام: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً قال: هو الذنب الذى لا يعود فيه أبداً»[1] واسم هذه النفس الساكنة النفس المطمئنة التى ترجع إلى ربّها راضية مرضية.

القسم الثانى: أن يتوب عن كبائر المعاصى والفواحش ويستقيم على أُمّهات الطاعات، إلّا أنّه ليس ينفكّ عن ذنوب تعتريه لا عن عمد وتجريد قصد، ولكن يبتلى بها فى مجارى أحواله من غير أن يقدم عزماً على الإقدام عليها، ولكنّه كلّما أقدم عليها لام نفسه وندم وتأسّف وجدّد عزمه على أن يتشمّر للاحتراز عن أسبابها التى تعرّضه لها.

وهذه النفس جديرة بأن تكون هى النفس اللوّامة، إذ تلوم صاحبها على ما يستهدف له من الأحوال الذميمة لا عن تصميم عزم وتخمين‏ رأى وقصد.

وهذه أيضاً رتبة عالية وإن كانت نازلة عن الطبقة الأولى وهى أغلب أحوال التائبين، لأنّ الشرّ معجون بطينة الآدمى قلّما ينفكّ عنه، وإنّما غاية سعيه أن يغلب خيره شرّه حتّى يثقل ميزانه فترجّح كفّة الخيرات، فإمّا أن تخلو بالكلّية كفّة السيّئات فذلك فى غاية البُعد؛ قال تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ[2] واللمم كما أشارت الروايات هو المعصية حيناً بعد حين من غير عادة، أى المعصية على سبيل الاتّفاق، فيكون أعمّ من الصغيرة والكبيرة وينطبق مضمون الآية على معنى قوله تعالى فى وصف المتّقين المحسنين: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ‏* الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏* وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏[3].

عن محمّد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قلت له: أرأيت قول الله عزّ وجلّ: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ‏ قال: هو الذنب يلمّ به الرجل فيمكث ما شاء الله ثمّ يلمُّ به بعد»[4].

عن إسحاق بن عمّار عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ما من ذنب إلّا وقد طبع عليه عبد مؤمن يهجره زماناً ثمّ يلمّ به وهو قول الله عزّ وجلّ: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ‏ قال: اللمّام العبد الذى يلمّ الذنب بعد الذنب ليس من سليقته (أى من طبيعته)»[5].

 بهذا يتّضح أنّ هذا القدر من الذنب لا ينقض التوبة ولا يلحق صاحبها بدرجة المصرّين، ولا ينبغى أن ييأس هؤلاء من رحمة الله، قال النبى صلى الله عليه وآله: «كلّ بنى آدم خطّاء وخير الخطّائين التوّابون المستغفرون»[6].

وعن أبى بصير قال: قلت لأبى عبد الله الصادق عليه السلام: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً قال: هو الذنب الذى لا يعود فيه أبداً

، قلت: وأيّنا لم يعد؟ فقال: يا أبا محمّد إنّ الله يحبّ من عباده المفتّن التوّاب‏»[7]

قال فى النهاية: «المفتّن: الممتحن يمتحنه الله بالذنب ثمّ يتوب ثمّ يعود ثمّ يتوب».

القسم الثالث: أن يتوب ويستمرّ على الاستقامة مدّة ثمّ تغلبه شهوته فى بعض الذنوب، فيقدم عليها عامداً قاصداً؛ لعجزه عن قهر الشهوة، إلّا أنّه مع ذلك مواظب على الطاعات وتارك جملة من الذنوب مع القدرة والشهوة، وإنّما قهرته هذه الشهوة الواحدة أو الشهوتان، وهو يودّ لو أقدره الله على قمعها وكفاه شرّها، وعند الفراغ‏ يتندّم ويقول: ليتنى لم أفعله وسأتوب عنه وأُجاهد نفسى فى قهرها، لكنّه تسوّل نفسه ويسوّف توبته مرّة بعد أُخرى ويوماً بعد يوم.

فهذه النفس هى التى تسمّى النفس المسوّلة، وإليها الإشارة بقوله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏[8]

فأمره من حيث مواظبته على الطاعات وكراهيته لما يتعاطاه مرجوّ، فعسى الله أن يتوب عليه، وعاقبته مخطرة من حيث تسويفه وتأخيره، فربما يختطف قبل التوبة ويقع أمره فى المشيّة، فإن تداركه الله بفضله وجبر كسره وامتنّ عليه بالتوبة التحق بالسابقين، وإن غلبته شقوته وقهرته شهوته فيخشى أن يحقّ عليه فى الخاتمة ويسلك فى سلك الأشقياء.

القسم الرابع: أن يتوب ويجرى مدّة على الاستقامة ثمّ يعود إلى مقارفة الذنب أو الذنوب من غير أن يحدّث نفسه بالتوبة ومن غير أن يتأسّف على فعله، بل ينهمك انهماك الغافل فى اتّباع الشهوات، فهذا من جملة المصرّين، وهذه النفس هى النفس الأمّارة بالسوء الفرّارة من الخير، ويخاف على هذا سوء الخاتمة وأمره فى مشيّة الله، فإن ختم له بالسوء شقى شقاوة لا آخر لها، وإن ختم له بالحسنى حتّى مات على التوحيد فينتظر له الخلاص من النار ولو بعد حين‏.

 

 

[1] ( 1) الأصول من الكافى: ج 2 ص 432، كتاب الإيمان والكفر، باب التوبة، الحديث: 4.

[2] النجم: 32.

[3] آل عمران: 135 133.

[4] الأصول من الكافى: ج 2 ص 441، كتاب الإيمان والكفر، باب اللمم، الحديث: 1.

[5]  الأصول من الكافى: ج 2 ص 442، الحديث: 5.

[6]  أخرجه ابن ماجه برقم 4251، والحاكم النيسابورى: 4/ 244 فى المستدرك وصحّح إسناده، وأخرجه أحمد من حديث أنس كما فى الفتح الربّانى: ج 19 ص 337.

[7]  الاصول من الكافى: ج 2 ص 432، الحديث: 4.

[8]  التوبة: 102.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=902
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 01 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29