• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : عاشوراء .
                    • الموضوع : شرح خطبة الإمام الحسين (عليه السلام) في مكة .

شرح خطبة الإمام الحسين (عليه السلام) في مكة

شرح خطبة الإمام الحسين (عليه السلام) في مكة

روي أنّه صلوات الله عليه لمّا عزم على الخروج إلى العراق، قام خطيباً فقال:

 «الحمد لله، وما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلّا بالله. خُطّ الموت على ولد آدم مَخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي يتقطّعها عسلان الفلوات، بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً. لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويُوفّينا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده، من كان باذلاً فينا مهجته، ومُوطّناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله .

1. الموت

 خُطّ الموت على وُلد آدم، مخطّ القلادة على جيد الفتاة»

  حتميّة الموت: فالموت يطوق الانسان لا مفر منه كالقلادة تطوّق عنق الانسان﴿كُلُّ نَفس ذَائِقَةُ ٱلمَوتِ﴾

2. روحيّة الاستشهاد

«وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف

فالوله من أعلى درجات الحبّ، التي تشغل صاحبها وتأخذ بمجامع فكره وأحاسيسه نحو محبوبه، فجمال الموت أنّه يجمعك بمن سلف من الأحباب فتلتقي الأعزّاء.

فالقرآن الكريم ذكر الموت والقتل والتوفّي والرجوع والمجيء إليه، ولكنْ أشارت بعض الآيات إلى التعبير عن الانتقال إلى الآخرة بلقاء الله.

والناس بين من يرجو لقاء الله

وبين من لا يرجو لقاء الله بل يكذب بلقائه وبالبعث وما يعقبه، وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نلهو ونلعب، وما نحن بمبعوثين، وحسبوا أن الإنسان يترك سدى.

والمراد بلقاء الله هو البعث او الوصول إلى العاقبة من لقاء ملك الموت والحساب و الجزاء

او ملاقاة جزاء الله من ثواب أو عقاب .

عن علي( عليه السلام) وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات: وقوله: من كان يرجو لقاء اللّه فإن اجل اللّه لآت، يعني بقوله: من كان يؤمن بانه مبعوث فان وعد اللّه لآت من الثواب والعقاب فاللقاء ها هنا ليس بالرؤية، واللقاء هو البعث فافهم جميع ما في كتاب اللّه من لقاءه فإنه يعني بذلك البعث». نور الثقلين 4: 153

فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً.الكهف 110

والرجاء: ظن وقوع الشي‏ء من غير تقييد كون المظنون محبوبا وإن كان ذلك كثيرا في كلامهم كما في الآية . من كان من الناس يرجو لقاء اللّه تعالى يوم القيامة لقاء يسره ويرضيه، ويطمعه في ثوابه و عطائه، فليثبت على إيمانه، وليواظب على العمل الصالح.

فالرجاء في لقاء اللّه، بمعنى الطمع في ثوابه، ومنهم من فسره بمعنى الخوف من حسابه سبحانه كما في قول الشاعر: إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها ..» أي: إذا لسعته النحل لم يخف لسعها.

وعلى كلا التفسيرين للرجاء، فإن الآية الكريمة تبشر المؤمنين بما يدخل السرور على نفوسهم، وتعدهم بأنهم متى ثبتوا على إيمانهم، وأحسنوا أعمالهم، فإن ثوابهم سيظفرون به كاملا غير منقوص، بفضل اللّه وإحسانه.

فالذين أحسنوا السير في خط الإيمان في الفكر والعمل، فإنهم يرجون ذلك ويحبونه وينتظرونه، إذ لا سبب لديهم يدعوهم إلى الخوف من ذلك، لأنهم لن يجدوا مشكلة في لقاء اللّه والوقوف بين يديه للحساب .

ولذلك عبّر الامام عن سعادته (عليه السلام) بهذا اللقاء  ورغّب المؤمن في ذلك لما في ذلك اللقاء من تحقيق الاماني والسعادة في القرب والخلاص من الدنيا والظالمين فيها بقوله: فليرغب المؤمن في لقاء ربّه، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برما.

 

3. الإعلان عن الشهادة ومكانها

وخير لي مصرع أنا لاقيه»:

المصرع اسم مكان، أي مكان القتل والشهادة، وهو يدلّ على أنّ هذا المكان ممّا اختاره الله تعالى له، ويدلّ على شرف هذه التربة وقداستها.

والعسلان: جمع عاسل وهو الذئب أو خصوص العاديّ منه، شبّه أعداءه بالذئاب.

بين النواويس وكربلاء»، النواويس: جمع ناووس، وهو مقبرة النصارى، وقيل: إنها كانت قرية عظيمة حيث الآن مقبرة الحرّ بن يزيد.

فيملأن مني أكراشاً جوفاً»، الكرش من الحيوان بمنزلة المعدة من الإنسان، والجوف بالضمّ جمع أجوف، أي متّسعة وعميقة. كناية عن إمعانهم في قتله وسفك دمه.

وأجربة سَغْباً»، الأجربة جمع جراب، والسغب بالفتح فالسكون جمع ساغب بمعنى جائع.

وبذلك يكون قد دلّ على موضع قتله وأعلمهم بشهادته.

4 حتميّة الشهادة

لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم

فقد قدّر الله للإمام الشهادة إن هو اختارها وسار في طريقها، فقد قال «فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً» «وإن لك في الجنّة درجات لا تنالها إلّا بالشهادة .

5. الرضا بالقضاء

رضا الله رضانا أهل البيت»

تحتمل معنيين كلاهما صحيح:

الأول: إنّنا نرضى أهل البيت إذا رضي الله سبحانه.

والثاني: إنّ الله يرضى لرضانا، فلنيل رضاه سبحانه لا بدّ من تحصيل رضانا.

 عن النبي (ص) في الصِدّيقة الزهراء (ع): «إنّ الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك

ومقام الرضا من مقامات المؤمنين حيث علموا بأنّ:

 الله سبحانه وتعالى  لا يفعل إلّا ما هو أصلح لهم، وإن لم يعلموا وجه الحكمة

عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «إنّ أعلم الناس بالله أرضاهم بقضاء الله عزّ وجلّ .

6. الصبر على البلاء

 نصبر على بلائه»   الصبر يلازم الرضا، فمن رضي بما قضاه الله يكون صابراً

 فعن أبي حمزة الثُماليّ، عن عليّ بن الحسين (ع) أنّه قال: «الصبر والرضا عن الله رأس طاعة الله، ومن صبر ورضي عن الله فيما قضى عليه فيما أحبّ أو كره، لم يقض الله عزّ وجلّ له فيما أحبّ أو كره إلّا ما هو خير له .

والصبر على درجات، ومنه الصبر على البلاء، وهو من شروط الإمامة

ويوفّينا أجور الصابرين» (وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ) (إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَاب)

_ لن تشذّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لحمته»

 اللحمة: قرابة النسب ، فهم لن ينفردوا أو يتفرّقوا أو يبتعدوا عنه.

 «وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقرّ بهم عينه وينجز بهم وعده»

 وحظيرة القدس أي الجنّة أو مطلق عالم الآخرة، والحظيرة من الحظر بمعنى المنع، وهي في الأصل: موضع يحاط عليه من قصب ونحوه ليأوي إليه الغنم.

7. شرط الخروج معه (عليه السلام)

من كان باذلاً فينا مهجته، وموطناً على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحاً إن شاء الله»

 من شرائط الخروج معه، وهو أن يبذل مهجته، والمهجة هي دم القلب

 موطناً على لقاء الله نفسه، أن يكون قد تخلّى عن أيّ علاقة تربطه بالدنيا.

والذين خرجوا معه نالوا شرف القتل بين يديه، كانوا يتحلّون بهذه الخصلة:

قال زهير بن القين مخاطباً له (ع): ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيه مخلّدين، لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها.

هلال بن نافع البجليّ: والله ما كرهنا لقاء ربنا، وإنّا على نيّاتنا وبصائرنا، نوالي من والاك ونعادي من عاداك.

وبرير بن خضير: والله يا بن رسول الله لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك فتقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدّك شفيعنا يوم القيامة.

وحينما قال لهم: إنّكم تقتلون غداً كلّكم، ولا يفلت منكم رجل، قالوا: الحمد لله الذي شرّفنا بالقتل معك

ومن حرم من هذا الفوز وهذه السعادة فقد كان قلبه ما زال متعلقاً بالدنيا :

عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ، وقد صرح حين دعاه لنصرته بالقول: نفسي لا تسمح بالموت 

وعمر ابن سعد : ااترك ملك الري والري منيتي     ام ارجع ماثوما بقتل حسين

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1031
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 08 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28