• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : فكر .
                    • الموضوع : الحياة السياسية للرسول الأكرم(ص) .

الحياة السياسية للرسول الأكرم(ص)

بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ إبراهيم نايف السباعي

الحياة السياسية للرسول الأكرم(ص)

لم يسبق رسول الله(ص) أحدٌ من الأنبياء في تأسيس دولة ذات قوانين وضوابط تحمل طابعاً إلهياً، حيث يطبق في هذه الدولة سياسة الإسلام، والدستور والقوانين الجديدة التي لم يعهد بها شعوب المنطقة.

فقد طبق الرسول الأكرم(ص) في هذه الدولة الفتية، السياسة بمعناها اللغوي: وهو رعاية الشؤون، لكنه أضاف عليها المعنى الشرعي للسياسة، فأصبحت: رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً بحسب أحكام الإسلام.

من هنا ظهرت التجليات السياسية في حياة رسول الله(ص) بأعماله السياسية الكثيرة، حيث بدأ بإرساء قواعد أول دولة سياسية قائمة على العقيدة الإسلامية، تملك دستوراً وقوانين، فقد تمثلت سيرته السياسية تلك بالخطوات التالية:

  1. الخطوة الأولى سياسة رعاية شؤون الامة، داخلياً وخارجياً بحسب أحكام الإسلام، فكان يتابع تطبيقها باهتمام كبير، وعناية خاصة، فلم يترك مسألة صغيرة ولا كبيرة إلا وعالجها طبق الموازين الشرعية التي رسمها، وبهذا حصّن الأمة الإسلامية وسيج قواعد المجتمع فحمى بذلك الفرد والجماعة.
  2. الخطوة الثانية هي سياسة تحصين الأسرة، فقد قام الرسول في محيط الأسرة، بأن وضع الضوابط وسنّ القوانين لحفظ المجتمع الإسلامي، وهذه كانت كفيلة في حماية الأسرة من داخلها عندما وضع ضوابط لكل من الزوج والزوجة والأبناء، ومن الخارج بإنشاء بيئة صالحة كفيلة للأسرة أن تعيش حياتها وتمارس طقوسها بحماية الدولة، وكثيراً ما كان ينبه الرسول الأكرم(ص) أصحابه على ذلك كقوله: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي.
  3. الخطوة الثالثة من سياسته الحكيمة، لقد اتبع الرسول في نشر دعوته طريقة جديدة حديثة ما سبقه إليها أحد من الأنبياء أو الأوصياء، كانت سياسته في نشر الدعوة، تتمتع بكيفية ومراحل عديدة، كان يحمل معه ثلاثة صفات، دخل من خلالها قلوب الناس والمؤيدين له، وكي يبقى شعلة تضيء درب السائرين، وقدوة يقتدى بها كل من أراد أن يسلم ويؤمن برسالته:

لين العريكة التي كان يتمتع بها النبي (ص)، والحلم وسعة الصدر ساعدا كثيراً في حب الناس له، والتصديق به.

  • قال تعالى: {..فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} آل عمران/159.

أخلاق النبي(ص) وسلوكه المميز بين الناس آنذاك جعلاه قدوة الناس.  

  • قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}القلم/4 و{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}الاحزاب/21.

الميزة الثالثة أنه كان يحيط بمتابعيه ومواليه بكثير من العطف والحب والحرص.

  • قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}التوبة/128.

 

توجه الرسول(ص) في دعوته إلى الأفراد والجماعات.

ففي بداية الدعوة اقتصر تبليغه(ص) على أفراد المجتمع المكي، ومن وصل إليه من حجيج في موسم الحج، فكان ينتقي من بين الناس من يراه صالحاً لهذه الدعوة، ومفيداً لها في المستقبل، لذا يمكن التعبير عن هذه المرحلة من الدعوة: بمرحلة بناء الكوادر التي ستحمل همّ الرسالة وتساعده في التبليغ والدفاع عنها في المستقبل.

بدأ النبي(ص) أولاً بعلي بن أبي طالب(ع)، فكان أول من أسلم وآمن وصدّق برسول الله(ص) من الرجال، وكان الصدّيق الأكبر، وبعد ذلك دعا السيدة خديجة بنت خويلد(ع) إلى الإسلام، فكانت أول من أسلم وآمن وصدّق به(ص) من النساء، ثم استمر بتبليغ الافراد لمدة 3 سنوات ـ عُبر عنها بالمرحلة السرية ـ، حتى وصل العدد إلى ما يقارب أربعين رجلاً وامرأة، بقيت الدعوة كذلك إلى أن أذن الله له بالإعلان بالدعوة والجهر بها، لتبدأ مرحلة جديدة من التبليغ، فدخل الكثير من الناس إلى الإسلام، سارع الرسول إلى تعليم أصحابه أصول العقيدة والمعرفة، فبدأ بالتعبئة التربوية والتثقيف لكل مسلم دخل إلى الإسلام، فكانت تعقد جلسات في معظم الليالي، للتباحث في الأمور الدينية والأمور الحياتية، فكانت تعقد أكثر اللقاءات في دار الأرقم، حيث تقع في منطقة بعيدة عن شعاب مكة وبيوتها إلى حد ما، وكان يغلب على اللقاءات والاجتماعات طابع السلمية، حيث اتسمت بسمة الخير ولقاءات الحق والعلم والثقافة، ذلك كي لا يثير حافزة المشركين أو يحدث تصادم بين قريش وأصحابه، كما أن الرسالة ما زالت فتية في بدايتها.

  1. الخطوة الرابعة حفظ نواة الإسلام وابعادها عن موقع الصراع، وتمثَّلت بإبعاد عدد من المسلمين عن ساحة الصراع، وحفظها في مكان آمن، فطلب النبي(ص) من جعفر بن ابي طالب(ع)، أن يأخذ عدداً محدداً من المسلمين ـ قدر بـ 83 بين رجل وامرأة فيهم طفل واحد ـ ويذهب بهم إلى بلاد الحبشة، وكانت الهجرة إلى الحبشة بمثابة حفظ النواة في مكان آمن، ونتائج ذلك كانت ناجحة وباهرة جداً؛ حيث خفّ الضغط على المسلمين في مكة، وابتعد ضعفاء المسلمين عن موقع الصراع وتسلط قريش وأذاها، وما زلنا نرى نتائج حكمته(ص) وبركة خطوته تلك إلى يومنا هذا، وما نراه اليوم في الحبشة (أثيوبيا) من أعداد المسلمين الهائل، يعود فضل ذلك إلى حكمة النبي(ص) وصوابية رأيه، وما في دولة أريتريا اليوم من مسلمين فهم أحفاد الذين هاجروا إلى تلك الانحاء، فأسسوا وبنوا وانتشروا ونشروا الإسلام بالقول والفعل، فكانت بركات هجرتهم ممتازة.
  2. الخطوة الخامسة تمثّلت بوضع النبي(ص) للضوابط والقوانين التي طالت كل المجتمع المدني في تنظيم العلاقات التجارية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والاجتماعية.

وأما على صعيد التنظيم المدني فكتب وحدّد القوانين والنظم التي يجب أن يسير عليها كل المجتمع المدني بلا استثناء طبق ضوابط وقوانين الإسلام.

  1. الخطوة السادسة من سياسته الحكيمة، بعد أن استقر به الوضع في المدينة المنورة، قام(ص) ووضع أول دستور لدولة في منطقة الجزيرة العربية، فكتب ميثاقاً اعتبر أعظم عقد وسند تاريخي في الإسلام. بيّن(ص) في هذا العقد حقوق مختلف المكوِّنات السابقة في المدينة المنورة (يثرب)، فقام بتنظيم العلاقات المتعددة بين طبقات المجتمع المدني، وعلاقة المسلمين بغيرهم على الشكل التالي:
  • إنّ المسلمين أمّة واحدة من دون الناس، رغم اختلاف قبائلهم وانتماءاتهم، فكانوا مهاجرين وأنصار.
  • إنّ رسول الله(ص) هو قائد الأمّة، وهو المرجع في حلّ المشكلات التي قد تحدُث بين المسلمين وبين غيرهم.
  • قرّرت الوثيقة أنّ مركز السلطة في المدينة هو النبيّّ(ص)، فهو صاحب القرار في السماح أو المنع من تنقّل الأشخاص إلى خارج المدينة، فلا يُسمح لأحد من اليهود أو المتهوِّدين بالخروج إلّا بإذن رسول الله(ص).
  • إنّ مسؤوليّة دفع الظلم تقع على عاتق الجميع، ولا تختصّ بمن وقع عليه الظلم.

ولكي يحصّن دولة الاسلام، وحماية الأمة وحل المشكلات التي كانت تواجه الدولة الفتية قام النبي (ص):

  1. ببناء المساجد، وجعله مقراً لرئيس الدولة، وللاجتماعات وفيه يعقد مجلس الحكم والقضاء ومجلس الشورى ومجلس إدارة شؤون الدولة ومجلس العلم والتعليم.
  2. المؤاخاة، فقد كانت حلاً لمشكلة التمييز العنصري، ومشكلات أخرى وانقذ بذلك المجتمع الإسلامي من التفكك والتشرذم والانحلال، بل بات مجتمعاً واحداً كالجسد الواحد يقوى على مواجهة كل المخاطر والتحديات.
  3. بناء قوة عسكرية، حيث يشكل من خلالها جيشاً مدافعاً عن المجتمع المدني، ويحمي الدولة الفتية ويقف سداً منيعاً أمام أي خطر قد يداهم المدينة.

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1074
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 02 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19