• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : شهر رمضان .
                    • الموضوع : ضيافة الله .

ضيافة الله

ضيافة الله

عن الرسول الأكرم (ص) هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل  كرامة الله.

الضيافة لغةً : بمعنى الميل والإلجاء والإطعام والنزول والإسناد والتخصيص والتعريف والدّنو والإشفاق والخوف وجانب الوادي وغير ذلک وأضفت الرجل وضيفته إذا انزلته بک ضيفآ وقريته . وسمي الضيف ضيفاً لميله إلى الذي ينزل إليه

إنّ المتبادر من معانيها الأوّلية والمقصود منها في المحاورات العرفية :

إمّا أن تكون الضيافة إلهيّة أو ضيافة بشريّة ، ولكلّ واحد منهما آدابه وشرائطه ومميزاته وأحكامه .

والحديث عن الضيافة الإلهيّة ، التي هي أشرف وأقدس الضيافات ، وذلک بإعتبار نسبتها إلى الله سبحانه ، وكلّ ما ينسب إليه يكون لا محالة شريفاً، ككتابه المقدّس ، وبيته الحرام ، وعبده المقرّب ، ونبيّه المرسل ، وشهره رمضان المبارک ، والخمس من المال ، وغير ذلک .

الوفود على الكريم

إنه جل جلاله أجود الأجودين وأكرم الأكرمين يكرم ضيفه بلطائف رحمته الواسعة

كتب أمير المؤمنين علي ع على كفن سلمان الفارسي رضوان الله تعالى عليه  :

وفدت على الكريم بغير زاد         من الحسنات والقلب السليم

فحمل الزاد أقبح كلّ شيء         إذا كان الوفود على الكريم

«الكريم إذا قدر عفا» هذا ما قاله الإعرابي حينما سأل النبي الأكرم  من يحاسبنا يوم القيامة فقال  : حسابنا مع الله جلّ جلاله . ففرح الإعرابي وإستبشر، فأخبر النبي أصحابه أنّه صار من أهل الجنّة ، ثمّ سألوا الإعرابي عن سبب فرحته فقال : إذا كان الحساب على الله فكيف لا أفرح ، فإنّ الله كريم قادر على كلّ شيء، والكريم إذا قدر عفا.

 

أنواع الضيافة الإلهيّة

الضيافة الإلهيّة تنقسم إلى أربعة أنواع  :

فإنّها أمّا أن تكون تكوينيّة أو تشريعيّة ، والثانية أمّا أن تكون زمانيّة أو مكانيّة أو إنسانيّة إلهيّة .

الضيافة الإلهيّة التكوينيّة والمقصود منها: أنّ الكون كلّه في ضيافة الله، فإنّ الخلق والكائنات الممكنة في وجودها وماهيّتها، حدوثآ وبقاءً، تضاف إلى الله سبحانه ، فهي في (ضيافة الرحمن) وفي ضيافة الأسماء الحسنى والصفات العليا، وفي ضيافة خصوص الإسم الرحماني وما يرجع إليه من الأسماء والصفات ، فإنّ الرحمن يخلق ويرزق مطلقاً، فخلقه في ضيافته .

(وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ) فطعامهم وشرابهم التسبيح والتحميد.

وأمّا الضيافة التشريعيّة  فتتعلّق بالمكلّفين أو ضيافة المؤمنين في كلّ دين من الأديان السماوية في عصرهم بإسم (الصيام) وكذلک في الدين الإسلامي الذي خُتم به الأديان فشرّع للمسلمين المؤمنين الصيام كذلک ، وكتبه عليهم كما كتب على الذين من قبلهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: 183.فالمقصود من الصيام هو التقوى والتقرّب إلى الله سبحانه

فالصوم في شهر رمضان المبارک من الضيافة الزمانيّة ، دعى الله المؤمنين من عباده ليكونوا في ضيافته العامّة في كلّ سنّة في شهر رمضان المبارک لمن إجتمعت فيه شرائط التكليف .

فدعانا الله الكريم لضيافته العظيمة ، كما أخبرنا برسالة دعوته رسوله الأكرم وحبيبه المصطفى فقال  هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل  كرامة الله.

ولا يخفى أنّ الضيافة الإلهيّة تختلف عن الضيافة البشريّة

 فإنّ النّاس في ضيافتهم يقومون بأمور الضيف وجلب رضاه بألذّ الأطعمة وأجود الأشربة وأفضل المبيت وغير ذلک من الآداب والإكرام ، ولكن الله سبحانه في ضيافته الرمضانية  يأمر ضيوفه بالإمساک عن المفطرات من الأكل والشرب والشهوة وغير ذلک ، إلّا أن ضيافته بعد الإمساک عن الطعام المادي هو ذكره الجميل من الأدعية والقرآن الكريم (ولكلّ شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان) والعلوم والمعارف العرشية بإلهامات ربانيّة ، فطعام الصائمين ذكر ربّ العالمين .

وأمّا قرى الضيافة فهي الجنّة ونعيمها، فلا قرى أفضل من جنةٍ عرضها السماوات والأرض ، أعدّت للصائمين المتقين .

 

3 ـ الضيافة بالمعنى الخاص وهي الضيافة التشريعيّة المكانية وهي الضيافة في أيام الحج في مكة المكرّمة ، فمن كان حاجاً ومعتمراً في أيام معلومات يطوف حول بيت الله الحرام ، كان في ضيافة الله الخاصّة .

ولا يخفى أنّ الضيافة التكوينيّة من الضيافة الجلالية يستلزمها الهيبة والجلال ، وأمّا الضيافة التشريعيّة الزمانيّة والمكانيّة فهي من الضيافة الجمالية فالضيف يكون في رحاب أسماء الله يستلزمه الانس والمودّة والصفاء. وبقيت الضيافة الكمالية وهي في رحاب ضيافة الإنسان الكامل المعصوم .

4 ـ الضيافة بالمعنى الأخص تتجلّى الضيافة بالمعنى الأخص في زيارة المعصومين من الأنبياء والمرسلين والأئمّة الطاهرين : وزيارة سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء :

وقد ورد في الأحاديث الشريفة أن زائر قبور الأئمّة الأطهار : كزيارة الإمام الرّضا ع من أكرم الوفود على الله عزّ وجلّ ، ومن زاره عارفاً بحقّه يزور الله في عرشه ، وتعادل زيارته ألف ألف حجّة وعمرة مقبولة.

أن الضيافة الإلهيّة بدوائرها المختلفة وبأقسامها المتفاوتة ليست ضيافة الأكل والشرب والنوم كما في الضيافة البشريّة ، الضيافة الإلهيّة هي من الضيافة الروحيّة التي هي من أمر الله .

فالضيافة الإلهيّة ملكوتية روحيّة أبدية تتصل بنعيم الجنان وجنّة الأسماء (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّکِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) الفجر: 27 ـ 30.

وأمّا الضيافة البشريّة فهي من الناسوتية والملكيّة الجسديّة الزائلة ، تنتهي بموت الجسد وزواله .

ضيافة الله في شهر رمضان وفي الحج وفي زيارة المعصوم  ع إنّما هي ضيافة الأسماء الحسنى والصفات العليا، والإنسان الكامل الذي تتجلّى فيه الأسماء الحسنى والإسم الأعظم .

وفي مناجاة المحبين لمولانا زين العابدين  ع : «من ذا الذي ذاق حلاوة محبتک فرام منک بدلاً، ومن ذا الذي أنس بقربک فابتغى عنک حولاً.

فالطعام الإلهي يعني حُبّ الله وعشقه ، ومن ذاق محبته لا يروم إلى غيره ليتخذه بدلاً عنه

فضيوف الرحمن يزدادون علماً بإلهام من الله، فإنّه يناجيهم ربّهم في سرّهم ، ويرون الله بقلوبهم بحقائق الإيمان ، وتتجلى أسماء الله في وجودهم وسلوكهم ، فكانوا مظهراً لعزّته ولطفه وحياته وقدرته وبركته وعلمه وحياته . إنّما يستلذّ ضيف الله بذكره بمقدار وعائه ، فإنّ القلوب أوعيّة خيرها أوعاها، فيصير القلب مرآة جمال الله وجلاله وكماله .

 

 

 

 

 

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1083
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 04 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12