• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : شهر رمضان .
                    • الموضوع : الدعاء في القرآن الكريم والسنة الشريفة .

الدعاء في القرآن الكريم والسنة الشريفة

الدعاء في القرآن الكريم والسنة الشريفة

قوله تعالى: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ... (الفرقان: 77)

فهنا حثّ أكيد على الدعاء، وكلمة «لولا» هي حرف امتناع لوجود.

والمعنى فلولا دعاؤكم موجود لما عَبَأَ (اهتمَّ أو اكترث) بكم ربُّكم، فبوجود الدعاء تحقَّق الاهتمام والاكتراث بكم، وارتفع عدم ذلك.

ومعنى كونه سبحانه عابئاً بكم هو الارتقاء بكمالاتكم، وتحقيق القرب والدنوّ منه، فتكون المحصّلة في الدعاء هو أنَّه أشبه ما يكون بحجر الزاوية في الارتقاء بحركاتكم التكاملية نحو الحقّ، بل هو كذلك.

ومن آياته في ذلك قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ‏ (البقرة: 186)

 فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي‏، دعوة صريحة للدعاء ، ومن معاني الاستجابة له اعتقادك بأنه قريب منك، بل لا يُوجد من هو أقرب منه، والقرب ليس زمكانياً وإنما هو القرب المعنوي.

ومن آياته قوله تعالى: أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ‏ (النمل: 62)

 فالمضطرُّ المُلتجئ إلى الله تعالى عادة ما تصدق دعوته، وهذا الصدق سيكون محطّ العناية به، ومكمن الاستجابة له، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «فإنْ عَلِمَ الله عزَّ وجلَّ من قلبك صدق الالتجاء إليه، نظر إليك بعين الرأفة والرحمة واللطف، ووفقك لما يُحبُّ ويرضى، فإنه كريم، يُحبُّ الكرامة لعباده، المضطرّين إليه، المحترقين على بابه، لطلب مرضاته؛ قال تعالى: أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ»[1].

وهناك نصوص تُفصح عن نزول هذه الآية الكريمة بشأن الإمام المهديّ (عليه السلام)؛ فعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنه قال: «والله لكأنيّ أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر- الأسود- فينشد الله حقَّه، ثم يقول: يا أيها الناس من يحاجّني في الله فأنا أولى الناس بالله، ..، قال الباقر (عليه السلام): وهو والله المضطرّ الذي يقول الله فيه: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ‏، فيه نزلت، وله‏»[2].

ومن آياته في ذلك قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(غافر: 60) وهنا لا يتوقّف الأمر عند الدعوة لدُعائه، والوعد بالاستجابة، وإنّما يصل المطاف إلى نعْت الذين لا يستجيبون لدعوته بأنهم سوف يدخلون جهنّم داخرين، أي: صاغرين مُحتقرين، فعدم اللجوء إليه والطلب منه كاشف إنِّيّ عن الاستغناء عنه، وهذا الأمر لازمه الأوّل الكفر، وثمرته دخول جهنّم.

وبنكتة المقابلة بين الصادِّين عن دُعائه وبين المُقبلين عليه، فإنه يُفهم منها أنَّ الذين يلجأون إليه، ويرفعون أياديهم بالدعاء، ويطلبون حاجاتهم منه تعالى، لهم أمران، هما:

الأوّل: يتمثّل باستجابة دُعائهم.

الثاني: بأنَّ مصيرهم الجنّة، أو أنَّ القدر المُتيقّن هو عدم دخولهم جهنَّم.

ومن آياته قوله تعالى: وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ(الأعراف: 56)

فإنَّ العبد الحقيقي يرجو من سيّده ومولاه طمعاً بالإجابة، وخوفاً من عدم ذلك، فإن أجابه فذلك من فضله، وإن منع فذلك له.

ومن آياته في ذلك قوله تعالى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء (آل عمران: 38)

وفيها ان زكريا (عليه السلام) قد دعا ربه على كِبَرٍ في سنّه، المُراد حتّى وإن كان بعيد المنال فلك أن تطلبه من الله تعالى، ما لم يكن مُتعارضاً مع السنن الكونية والشرعية، ولذلك فدعاء زكريا يُعلّمنا عدم اليأس.

ونبي الله إبراهيم (عليه السلام) طلب من ربّه ذرّية صالحة، وهو قوله تعالى: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ* فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ(الصافّات: 100- 101).

فهو (عليه السلام) يُؤدِّبُنا على أمر في غاية الأهميّة، وهو حصر الطلب به تعالى، وهو قوله تعالى: هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ‏، اي لا أطلب إلّا منك سبحانك ولم يقل (عليه السلام): هب لي، ولعلّ هذا الأدب الرفيع والشرط الأكيد في استجابة الدعاء كان هو الموجب لاستجابة دُعائه (عليه السلام).

وقد وصف الله تعالى بأنه‏ سَمِيعُ الدُّعَاء، وهو من الأوزان التي تفيد المبالغة لوصف تحقّق الإجابة، بمعنى أنَّ المبالغة هنا لزرع الطمأنينة في قلب الداعي وأراد بذلك التعبيرَ عن كونه تعالى مُجيبَ الدعوات، والله العالم بالأُمور.

ومن آياته في ذلك قوله تعالى: هُوَ الحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏ (غافر: 65)، سبحانه يُوجّه دعوته لدُعائه بقيد مهمّ، وهو كون الداعي مُخلصاً لله تعالى في دينه، والإخلاص ركن أساسيّ في تمام الاستجابة.

وأما الإخلاص في الدين فهو الالتزام بأوامره ونواهيه .

او ان المراد من الإخلاص في الدين هو خلوص العبادات- ومنها الدعاء- من الشرك الخفيّ اي الرياء، فهنالك من يحرص على إظهار نفسه عبَّاداً دعّاءً، وقصده من ذلك جذب القلوب إليه، أو طلب المحبوبية في قلوب الناس. والرياء تُفرغ العبادة من محتواها ويبطلها.

 

 

السنة الشريفة والدعاء

وهنالك عشرات الروايات الحاثّة والمُؤكّدة على أهمّية الدعاء ومن ذلك:

الرواية الأُولى: عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «عليكم بالدعاء، فإنّكم لا تتقرَّبون بمثله‏»

 وسُبل التقرُّب إليه سبحانه كثيرة، كالصلاة والصوم والحجّ والزكاة وغير ذلك من العبادات، إلا أنَّ الطريق الأمثل لنيل القرب هو دُعاؤه.

الرواية الثانية: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «افزعوا إلى الله في حوائجكم، والجأوا إليه في مُلمّاتكم، وادعوه فإنّ الدعاء مُخّ العبادة»[3]

وللتعبير بالفزعة دلالة على خطورة الموقف وشدَّته، وكأنّه (صلى الله عليه وآله) يُريد القول لنا بأنه ليس للمُلمّات غير الله تعالى، وأنّ سبيل الوصول إليه عند الضيق والشدَّة هو الدعاء.

الرواية الثالثة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «ما من شي‏ء أكرم على الله تعالى من الدعاء»[4]  فهو أعظم الوسائط المُقدَّمة بين يديه سبحانه هو دُعاؤه.

الرواية الرابعة: روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «يدخلُ الجنةَ رجلانِ، كانا يعملان عملًا واحداً، فيرى أحدُهما صاحبَهُ فوقَهُ، فيقول: يا ربِّ بما أعطيته، وكان عملُنا واحداً؟ فيقول الله تبارك وتعالى: سألني ولم تسألني‏». ثمَّ قال (صلى الله عليه وآله): «اسألوا الله وأجزلوا، فإنّه لا يتعاظمه شي‏ء»[5].

(أجزلوا): أن تكون مطالبكم عظيمة، لا ضئيلة تافهة، ولذلك قال (صلى الله عليه وآله): «فإنّه‏ لا يتعاظمه شي‏ء»، فإذا لم نطلب منه عظائم الأُمور، وهو مالك كلّ شي‏ء واليه ينتهي كلّ شي‏ء، فممَّن نطلبها إذن؟!.

وهذا لا يعني اقتصار الدعاء على الأُمور العظيمة، ولكن على النفوس أن تكون سامية، وأن تهتمَّ بما هو الأهمّ ثمّ المهمّ، دون أن يكون ذلك مانعاً عن طلب اليسير والبسيط من المولى تعالى، ما دام أصل الطلب يصبّ باتجاه تحصيل الكمال المفقود، وقد ورد في الحديث القدسي: «يا موسى سلني كلَّ ما تحتاج إليه، حتّى علف شاتك‏ وملح عجينك‏»[6]

 فإذا ما تعوَّدنا سؤاله في أبسط الأُمور فإننا سوف نتوجّه بقوّة إليه في الأُمور الأعظم

 

[1] ( 2) مستدرك الوسائل، مصدر سابق: ج 3، ص 437، الحديث: 4.

[2] ( 1) كتاب الغيبة، محمد بن إبراهيم النعماني، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق، طهران: ص 182، الحديث: 30.

[3] ( 2) المصدر السابق: ج 93، ص 302.

[4] ( 3) مكارم الأخلاق، للشيخ رضي الدين الطبرسي، تحقيق: علاء آل جعفر، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 2، 1416 ه-، قم المقدّسة: ج 1، ص 8، الحديث: 1.

[5] ( 1) عدّة الداعي ونجاح الساعي، مصدر سابق: ص 42.

[6] ( 1) وسائل الشيعة، مصدر سابق: ج 4، ص 1090، الحديث: 3.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1091
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 04 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29