• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : مصعب بن عمير بطل الهجرة وشهيد احد .

مصعب بن عمير بطل الهجرة وشهيد احد

مصعب بن عمير بطل الهجرة وشهيد احد

مُصعَب بن عُمَير ويُلقب بـ (مصعب الخير). من صحابة النبي الأكرم  شارك في معركة بدر ومعركة أحد، واستشهد فيها سنة 3 هـ. أسلم في بداية البعثة عندما كان النبي في دار الأرقم، وكتم إسلامه خوفا .

هاجر إلى الحبشة في الهجرة الأولى، ثم رجع إلى مكة، وأرسله رسول الله  بعد بيعة العقبة الثانية إلى المدينة؛ ليعلم الناس الإسلام، ويبلغهم الأحكام.

كان مُصعَب بن عُمَير من أسر مكة الثرية فقد كان فتى مكة شبابا وجمالا، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه تكسوه أحسن الثياب وأرقها.

زهده

كان مصعب مُترَفاً يعيش في أسرةٍ منعمّة، لكنّ إسلامَه أدّى به إلى امتحانٍ صعب هجَرَ فيه تلك الحياة الباذخة، وأخذ يعيش الفقر والحرمان صابراً على طاعة الله عزّ وجلّ. وقد أشار إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً لمّا رآه في أصحابه وعليه ثياب رثّة، فقال: « لقد رأيتُ هذا وما بمكّة فتىً مِن قريشٍ أنعَمُ عند أبوَيه نعيماً منه، ثمّ أخرجه من ذلك الرغبةُ في الخير في حبّ الله ورسوله ». ( الطبقات الكبرى 116:3

ورُوي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لمّا رأى مُصعباً على تلك الحال بكى للذي كان فيه من النعمة ولِما صار إليه! ( الإصابة في تمييز الصحابة)

إسلامه

أسلم مُصعَب بن عُمَير قديما والنبي صلّى الله عليه وآله في دار الأرقم، وكان قبل اسلامه فتَى مكةَ المدلَّل، وكانت أمُّه مِن أغنى أهل مكة، تكسوه أحسَن الثياب، وأجمل اللباس، وكان أعطرَ أهلِ مكة، فلما أسلم انخلعَ مِن ذلك كله، وأصابه مِن التعذيب والبلاء ما غيَّر لونه، وأنهك جسمه، كانت أمه خنّاس بنت مالك تتمتع بقوة فذة في شخصيتها فخشيها مصعب، وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضي الله أمرا،  حتى علمت أمه وحبسته وأرادت أن ترده عن دينه ولكنها واجهت إصرارا أكبر على الإيمان من جانب الابن . فقررت أن تخرجه من بيتها وتحرمه من الأموال .وقالت له وهي تخرجه من بيتها :”اذهب لشأنك, لم أعد لك أمّا”. قال “يا أمّاه أني لك ناصح، وعليك شفوق، فاشهدي بأنه لا اله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله”، فأجابته غاضبة مهتاجة “قسما بالثواقب، لا أدخل في دينك، فيزرى برأيي، ويضعف عقلي”.

كان مصعب يتردد إلى رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله سرا، فعلم عثمان بن طلحة بصلاته مع النبي، فأخبر قومه وأمه، فأخذوه فحبسوه، فلم يزل محبوسا إلى أن خرج إلى أرض الحبشة مهاجرا الهجرة الأولى في أول من هاجر إليها، ثم عاد إلى مكة. وجاء مع وفد الأنصار السبعين الذين حضروا العَقَبة الثانية.

الهجرة إلى المدينة

كان مصعب أول من ذهب من المهاجرين إلى المدينة قبل الهجرة لما أرسله النبي صلّى الله عليه وآله ليبلغ الإسلام في المدينة ويعلم الناس الأحكام، ولما هاجر النبي الأكرم  إلى المدينة وآخى بين المهاجرين والأنصار آخى بين مُصعَب بن عُمَير وأبي أيوب الأنصاري.

ذكر المؤرخون: إنَّ النبي الأكرم  أرسل مُصعَب بن عُمَير بعد بيعة العقبة الثانية إلى المدينة ليدعو قبائل الأوس والخزرج إلى الإسلام ويُعلمهم القرآن ومعالم الدين،

فأسلم على يده أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وهما سيِّدا قومهما جاءا إليه ليطرداه ويمنعاه من الكلام، فقال إن شئتما أن تجلسا وتسمعا، فإن أعجبكما ما نقول قبلتماه، وإن لم يعجبكما نحينا عنكما ما تكرهان، فقالا: أنصفت.. وجلسا. فما هو إلا أن يبدأ مصعب الكلام فتتغير القلوب، وتتبدل الأحوال فاسلما وأسلم بإسلامهما خلق كثير.

وبعث إليه عمرو بن الجموح بعد أن قدم المدينة ليسأله عن أمر الدين الجديد، فأجابه مصعب، وأسمعه صدر سورة يوسف، فأسلم على يده.

واستمر (مصعب) قرابة عام في يثرب، لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها صوت للإسلام يتردد. ثم رجع مع وفد الحج بعد عام، ليبشر النبي بهذا الفتح العظيم.

ولما علمت أم مصعب بعودته أرسلت إليه تقول له: (يا عاق أَتقْدِم بلدًا أنا فيه ولا تبدأ بي؟ فأجاب رضي الله عنه: ما كنت لأبدأ بأحد قبل رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وذُكر في كتب التاريخ أنه بعد أن تكاثر عدد المسلمين من أهل المدينة أمر النبي الأكرم صلّى الله عليه وآله بإقامة صلاة الجمعة بإمامة مُصعَب بن عُمَير وكان يُسمى مُصعَب بن عُمَير في المدينة المُقرئ.

الحروب التي شارك فيها

لقد شارك مُصعَب بن عُمَير في أول حربين وقعتا بين المسلمين والمشركين وقد استُشهد في ثانيهما، وهما:

معركة بدر حيث قام رسول الله  يوم بدر بإعطاء لواء المهاجرين لمُصعَب بن عُمَير .

معركة أحد حيث اعطاه رسول الله صلّى الله عليه وآله اللواءَ يوم أُحدٍ وقاتل حتّى استُشهد رحمه الله. وقد قتله ابن قمئة الليثي، وهو يظنه رسول الله ، فرجع إلى قريش، فقال: قتلتُ محمدا.

ولما استشهد مُصعَب بن عُمَير مرَّ عليه النبي صلّى الله عليه وآله عند انصرافه من أحد فوقف عليه ودعا له ثم قرأ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا﴾ ثم قال: أشهد أنَّ هؤلاء شهداء عند الله يوم القيامة فأتوهم وزوروهم، والذي نفسي بيده لا يُسلِّم عليهم أحد إلى يوم القيامة إلَّا ردُّوا عليه السلام.

 

الشهادة

قال المؤرخون: كان عمره يوم استشهد أربعين سنة أو أكثر بقليل حيث قاتل مصعبُ بن عمير دون الرسالة والرسول، ومعه لواؤه حتّى قُتِل رضوان الله عليه، والذي أصابه هو ابن قَميئة الليثي ظانّاً أنّه رسول الله صلّى الله عليه وآله.

كتب الواقدي في ( المغازي:239 ): حمل مصعب اللواء، فلمّا جال المسلمون ثبت، فأقبل ابن قميئة وهو فارس، فضرب يده اليمنى فقطعها ومصعب يقرأ قوله تعالى:  وما مُحمَّدٌ إلاّ رسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلهِ الرُّسُل  [ آل عمران:144 ] . ثمّ أخذ اللواء بيده اليسرى وحنى عليه، فقُطعت يده اليسرى أيضاً، فحنى على اللواء يضمُّه بعَضُدَيه إلى صدره وهو يقرأ قوله تعالى:  وما محمّدٌ إلاّ رسولٌ قد خَلَت مِن قَبلهِ الرسُل . ثمّ حُمِل عليه الثالثة واندقّ الرمح فوقع.

قال البلاذري: ووقف رسول الله صلّى الله عليه وآله على مصعب بن عمير وهو مقتول في بُردة، فقال: « رحمك الله، لقد رأيتُك بمكّة وما بها أرقُّ حلّةً ولا أحسنُ لُمّةً منك، ثمّ أنت أشعثُ أغبراً، وأمَرَ به فقُبِر. أنساب الأشراف 336:1

ودعا رسول الله صلّى الله عليه وآله على الذين تعاقدوا على قتل مصعب، وقال: اَللهمَّ لا تُحِل على أحدٍ مِنهمُ الحَول ». يُقال: إنّه لمّا رمى ابنُ قميئة مصعبَ بنَ عمير فقتله قال: أنا ابن قميئة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « أقْماك الله! »، فعمد ابن قميئة إلى شاةٍ له بعد الوقعة فنطحته وهو مُعتَقِلُها، فقتَلَتْه! ( أنساب الأشراف 323:1

وكتب ابن سعد: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وقف على مصعب بن عمير وهو مُنْجَعِف على وجهه ( أي صريع )، فقرأ هذه الآية:  مِنَ المُؤمنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيه..  [ الأحزاب:23 ] ثمّ قال: « إنّ رسول الله يَشهد أنّكمُ الشهداء عند الله يومَ القيامة.

ثمّ أقبل على الناس فقال: « أيُّها الناس، زُورُوهُم، وأْتُوهم، وسَلِّموا عليهم؛ فَوَالذي نفسي بيده لا يُسلّم عليهم مُسلِّمٌ إلى يوم القيامة إلاّ رَدُّوا عليه السلام ». ( الطبقات الكبرى 121:3

ماذا قالوا عنه؟

وقف الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم عند مصعب بن عمير بعد شهادته قال : “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه”، ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي كفن بها وقال “لقد رأيتك بمكة، وما بها أرق حلة، ولا أحسن لمّة منك. ثم ها أنتذا شعث الرأس في بردة”

وروي عن النبي  أنه قال: انظروا إلى رجل قد نوَّر اللَّه قلبه ولقد رأيته وهو بين أبوين يغذِّيانه بأطيب الطعام وألْيَن اللِّباس فدعاهُ حُبُّ اللَّه ورسوله إلى ما ترون، بعد أن رأه  وقد ظهرت عليه آثار الفقر والزهد.

وقال عنه البراء بن عازب: “أول المهاجرين مصعب بن عمير”.

ويقول خبّاب بن الأرت “هاجرنا مع رسول الله في سبيل الله، نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله.. فمنا من مضى، ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد. فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة.. فكنا إذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه برزت رأسه، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلوها مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من نبات الأذخر” .


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1094
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 05 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18