• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : الإمام الصادق(ع) وتحدي سلطان الجور .

الإمام الصادق(ع) وتحدي سلطان الجور

بسم الله الرحمن الرحيم

الإمام الصادق(ع) وتحدي سلطان الجور

الشيخ علي سليم سليم

لسنا في صدد بيان علم الإمام الصادق عليه السلام، فذلك أشهر من أن يحتاج إلى إشهار، فهو ظاهر كضياء الشمس في رابعة النهار، بل ما الفتني أن عصر التأليف والتصنيف لم يكن معروفاً قبل زمن الصادق(ع).

يقول البحاثة الهندي الشهير السيد أمير علي:

"ولا مشاحة في أن انتشار العلم في ذلك الحين قد ساعد على فك الفكر من عقاله، فأصبحت المناقشات الفلسفية عامة في كل حاضرة من حواضر العالم الإسلامي، ولا يفوتنا أن نشير إلى أن الذي تزعم تلك الحركة هو حفيد علي بن أبي طالب المسمى بالإمام جعفر والملقب بالصادق، وهو رجل رحب أفق التفكير، بعيد أغوار العقل، ملم كل الإلمام بعلوم عصره، ويعتبر في الواقع أول من أسس المدارس الفلسفية المشهورة في الإسلام، ولم يكن يحضر حلقته العلمية أولئك الذين أصبحوا مؤسسي المذاهب فحسب، بل كان يحضرها طلاب الفلسفة والمتفلسفون من الأنحاء القاصية" (دائرة المعارف الإسلامية الشيعية: حسن الأمين ج1 ص 573).

يقول كمال الدين بن طلحة الشافعي يقول عنه(ع): .. أما مناقبه وصفاته فتكاد تفوق عدد الحاصر، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتى أن كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الاحكام التي لا تدرك عللها، والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بها، تضاف إليه وتروى عنه.

من أهم إنجازات الإمام جعفر الصادق(ع) (83هـ ـ 148هـ) هو أنه وضع أساس التأليف في الإسلام، فانطلق الناس بعده يؤلفون ويدونون تبعاً لتعليماته، ولم يكن تأليف الكتب معروفاً قبل الصادق(ع)، بل كان نادر الوقوع ـ ويذكر أن بداية التدوين الرسمي للسنة كانت بأمر من عمر بن عبد العزيز، وقبله كان تدوين شخصي، بعد أن كان التدوين ممنوع ـ وإذا بالصادق عليه السلام ينهض بهذا العبء، ويحرض على التدوين والتأليف، حتى يبلغ عدد ما ألفوه أربعمائة كتاب لأربعمائة مؤلف، وتبرز دعوته إلى التدوين بمثل قوله لتلاميذه: اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا، ومثل قوله لمفضل بن عمر: أكتب وبث علمك في إخوانك، فإن مت فورث كتبك بنيك. (م. ن ص 577)

الله أعلم حيث يجعل رسالته، فلم يكتفِ الإمام الصادق(ع) وهو يبني بأحاديثه الإسلامية واقعها النقي الأصيل، ويدلل على شمولها واستيعابها، ويحملها عدداً وفيراً من العلماء، بل حرص على أن يجعل من شيعته، في أقوالهم وأعمالهم وتفكيرهم تجسيداً للفكرة الإسلامية.

وقد أوصاهم بتلك التعاليم: أوصيكم بتقوى الله، واجتناب المعاصي وأداء الأمانة لمن أئتمنكم، وحسن الصحبة لمن صحبتموه وأن تكونوا دعاة لنا صامتين، فقالوا: كيف ندعو ونحن صامتون؟ قال: تعملون بما أمرناكم به من العمل بطاعة الله، وتعاملون الناس بالصدق والعدل، وتؤدون الأمانة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ولا يطلع الناس منكم إلا على خير، فإذا رأوا منكم ما أنتم عليه، علموا فضل ما عندنا فسارعوا إلينا.

وقد طغت في عصره الروح الإنهزامية في المجتمع بدعوى الزهد والإيغال في التصوف والاستغراق فيه استغراقاً يخرجه عن حقيقته الخيرة لذلك كان عليه السلام يحث على الجدية في الحياة، والكفاح من أجل العيش الكريم، وكان من أقواله: إن الله يحب الجمال والتجمل ويبغض البؤس والتباؤس، فإن الله إذا أنعم على عبده نعمة أحب يرى أثرها عليه.

وقد واجه عليه السلام الخطابية وغيرها من فرق الغلاة بشدة، قال المفضل بن يزيد: قال لي الصادق، وذكر أصحاب أبي الخطاب والغلاة: يا مفضل لا تقاعدوهم، ولا تواكلوهم، ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا توارثوهم.

كذلك حارب الملحدين أمثال ابن أبي العوجاء وابن طالوت وغيره وله معهم محاورات كثيرة أحرجهم بها.

وقد كان هؤلاء يحترمون جانب الصادق ويقدرون سعة علمه وسمو شخصيته، قال ابن المقفع لأبن أبي العوجاء وكانا معاً في المسجد الحرام ينظران الناس: لا واحد من هؤلاء يستحق اسم الإنسانية إلا هذا الشيخ الجالس مشيراً إلى الإمام الصادق عليه السلام.

وقد اتسمت حياة الإمام الصادق عليه السلام بالكثير من الغموض، لقد كان رجل الجهاد ورجل العلم والمعرفة، ورجل التنظيم والتشكيلات.. ومحافل دراسته وميادين تعليمه لم يكن لها نظير لا قبله ولا بعده في تاريخ حياة أئمة الشيعة، ولقد بين كل ما ينبغي أن يقال بشأن المفاهيم الإسلامية الصحيحة والقرآنية الأصيلة، التي تعرضت للتحريف طيلة قرن ونيف من الزمان، لكن في ما يخص عمله السياسي لا نجد له انعكاساً، لا في التاريخ، ولا في أقوال المحدثين بنحو منظم.

فالتاريخ الرسمي هو تاريخ بني العباس، الذين استمر حكمهم إلى منتصف القرن السابع الهجري، وجميع التواريخ القديمة المعروفة قد كتبت في مرحلة سلطة هذه السلالة المتجبرة، وعليه فمن غير المتوقع على الاطلاق، من أي مؤرخ من مؤرخي العصر العباسي، أن يوثق المعلومات الصحيحة حول حياة الإمام في كتابه.

لقد اتيح للإمام الصادق عليه السلام في الفترة الانتقالية أن يبين للناس دون تقية أن الإمام بحق هو جعفر بن محمد وليس أبو جعفر المنصور، خاصة في عرفة حيث اجتماع المسلمين من كل الاقطار الإسلامية، كان ذلك يحصل في بداية الأمر، إلا أنه اختلف فيما بعد، حيث صارت تحركات الإمام تشكل خطراً على بني العباس، أصبح الوضع صعباً، وبدأت ممارسة القمع والنفي إلى أمكنة عديدة، حتى بلغ الأمر بالمنصور أن قال للإمام عليه السلام: " قتلني الله إن لم أقتلك".

هذا التوجه بحد ذاته جهاد سياسي يتطلب شجاعة كبيرة، أن يعرف الناس على نفسه كصاحب حق واقعي للولاية والإمامة، ومن أجل إثبات هذه الحقيقة التاريخية، فإن أكثر الوثائق قاطعية هي الروايات الكثيرة التي نقل فيها دعوى الإمامة عن لسان الإمام الصادق عليه السلام بوضوح وصراحة تامة.

وهناك شواهد على وجود شبكة تبليغية واسعة للإمام عليه السلام في كل أنحاء الدولة الإسلامية، ووكلاء يجتمعون حول الإمام خاصة في موسم الحج ولا يمكن اعتبار هذا الوجود المترابط المنسجم من باب الصدفة.

ولم يكن هذا الجمع يأتون إليه بهدف عرض المحبة، وتلقي معارف الدين فحسب، بل يطلبون التحرك العسكري، فلو كان سلاح الشيعة منحصراً في إثبات علم الأئمة وزهدهم فماذا سيكون معنى المطالبة بالقيام والخروج؟!

فالإمام قائد كما كان النبي (ص) يتحمل مسؤولية المجتمع بكافة شؤونه الدينية والتوجيهية والإرشادية والسياسية والاخلاقية، ذلك أن لقب الخليفة للحاكم الإسلامي يدل على حقيقة أنه أكبر من قائد سياسي، فهو خليفة النبي(ص) يتولى نفس المهام والأعباء.

ويمكننا بيان ما كان خفياً، ولم يدونه التاريخ، التهديدات والضغوط والشدائد اللامحدودة للمنصور تجاه النشاطات التعليمية والفقهية للإمام عليه السلام، قد ذكرت ودونت في العديد من الروايات التاريخية، ففي مباحثات الإمام ووصاياه إلى أصحابه والمقربين يشاهد بوضوح استفادته من عامل "أن لا نصيب للخلفاء من العلم" كدليل على أنه لا يحق لهم الحكم بالمنظار الإسلامي، وهذا المضمون الإعتراضي الذي كان موجوداً في تدريسه للفقه والقرآن.

إن مسألة التنظيمات السرية والعمل بمبدأ التقية الذي يعني الاحتراس لا الخوف فالتقية ترس المؤمن" يستخدم في الميدان وفي مورد المواجهة، ولكن بالسر والخفاء وعدم السماح للعدو بالاختراق وإدراك ما يجري، بهذه السياسة واجه الإمام الصادق(ع) مدة عشر سنين، وهي الفترة ما بين نهاية الحكم الأموي وبداية سلطة بني العباس، كانت الظروف مؤاتية للعمل..(انسان بعمر 250 سنة: الإمام الخامنئي ص 345 بتصرف)

غير أن تلك الظروف تبدلت وصار من الصعوبة بمكان القيام بأي تحرك علني، أو حتى مجرد التحدث، بسبب الرقابة الصارمة وبث العيون وتتبع أنفاس الإمام عليه السلام، خوفاً منه على الحكم لمعرفتهم بمكانة هذه الشخصية وحقانيتها.

لقد أراد الإمام(ع) بالعمل السري أو التقية ضمان وحماية دعوته أمام مقاومة الأعداء إلى حين اكتمال مقومات مرحلته بعد أن يمنحها فاعلية الصمود ومرونة التحرك، والتقية كما فهمها الإمام(ع) كانت تعني استمرار العمل مع خفائه. (الأئمة الأثنا عشر عادل أديب: 175)


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1099
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 05 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28