• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : عاشوراء .
                    • الموضوع : قداسة حركة الامام الحسين عليه السلام .

قداسة حركة الامام الحسين عليه السلام

قداسة حركة الامام الحسين عليه السلام

 

القداسة هي الحرمة، فمن وصل إلى مقام يتسامى على النقص والعيب، فقد وصل إلى مقام مقدس ولكن، القداسة قد تكون ذاتية، وقد اكتسابية

القداسة الذاتية تكون لمن كان كماله ذاتيًا، من كانت ذاته عين الكمال كالله (الْقُدُّوسِ)

أما القداسة الاكتسابية، فهي القداسة التي يكتسبها المخلوق من الخالق.

كال”روح القدس“ الذي وظيفته: إفاضة القداسة .فهو واسطة بين الله وبين المخلوق في إفاضة القداسة من الله القدوس ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِالبقرة 87

والقداسة قد يكتسبها الإنسان كما في عيسى بن مريم(ع)

 قد يكتسبها الزمن كما في ليلة القدر

 قد يكتسبها المكان كما في قوله تعالى﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)طه 12

هذا المكان، الذي كلم الله فيه موسى بن عمران (ع) أفيضت فيه أنوار الهية

هذا المكان الذي أُفيضت عليه أنوار عُبّر عنه بالمكان المقدس.

كما أن القداسة وصف للإنسان والزمان والمكان، القداسة تكون وصفًا للحركة

حركة الحسين «صلوات الله وسلامه عليه» حركة مقدسة، لماذا؟

لعوامل أربعة:

العامل الأول: أن تكون الحركة نادرة الوجود، عزيزة الظهور.

أن ينادي الإنسان بالحرية والكرامة في زمن لا حرية فيه ولا كرامة

عندما تكون الحركة غير مسبوقة، تنقل المجتمع من الظلام إلى النور تكون مقدسة.

القرآن الكريم يتحدث عن حركة النبي النور ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) يعني نقلهم من عالم الظلام إلى عالم الهدى، فكانت حركتهم حركةً مقدسة.

هذا العامل توفر في حركة الحسين (ع) قال: ”لقد سمعنا ممن سمع عن رسول الله أنه قال: «من رأى سلطانًا جائرًا، مستحلًا لحرم الله، ناكثًا لعهد الله، فلم يغير عليه بقول ولا فعل، كان حقًا على الله أن يدخله مدخله»

 أفلا ترون إلى الحق لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه، ألا إني لا أرى الموت إلا سعادةً، والحياة مع الظالمين إلا برمًا“  

فنقل المجتمع من الضلالة إلى المجتمع المتحرك، الواعي

 

العامل الثاني: هو رشد القيادة

عندما تمتلك القيادة الرشد والوعي والحكمة، فإن تتنزه عن النقائص، فتصبح حركةً كاملة، والكمال هو الطريق إلى القداسة.

الإمام الصادق  (ع)”السلام على الحسين الشهيد الرشيد قتيل العبرات وأسير الكربات.

 

العامل الثالث: قدسية العطاء

إذا كان العطاء في الحركة أكمل عطاء، اكتسبت الحركة صفة القداسة.

 القرآن يحث على العطاء ويقول (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) آل عمران 92

 هناك من ينفق أمواله وعلمه في سبيل الله، وهناك من ينفق وقته في سبيل الله، ويقضي حوائج الناس، فإذا اقترنت الحركة ببذل النفس، كانت حركة مقدسة، لأنها اقترنت بأعظم عطاء، ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّاالتوبة 111

الإمام  الصادق(ع)  يقول: ”وبذل مهجته فيك حتى استنقذ عبادك من الجهالة وحَيرة الضلالة“  

العامل الرابع: قداسة الهدف، كل حركة قيمتها بقيمة هدفها.

لكن متى يكون الهدف هدفًا مقدسُا

فحتى يكون الهدف هدفًا مقدسُا، يمر بمراحل أربع

المرحلة الأولى: التحرر من الذات.

فالمرحلة الأولى هي التحرر من الذات، عندما يتجاوز ذاته، يكون هدفه هدفُا مقدسًا

النبي محمد يذهب إلى الطائف، فيخرجون ويمرمونه بالحجارة، بالأشواك، بالأوساخ، رفع يديه إلى السماء وقال: ”اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون“ لو كانت الحركة لذاتي، لأعولت، لبكيت، لقلت: ظلموني، لم يحترموني، ولكن الحركة حركة غيرية وليست حركةُ نفسية.

الحسين بن علي يجسد مرحلة التحرر من الذات : اللهم إنك تعلم أن ما كان لم يكن منافسةً في سلطان، ولا طلبًا لجاه ولا مال وإنما كان طلبًا لصلاح عبيدك“

 ”إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن أعمل بالمعروف، وأنهى عن المنكر.

 

المرحلة الثانية: أن يكون المشروع نفسه مشروعًا معنويًا مجردًا عن المادة

الحسين كان هدفه أن يستثير إرادة الأمة، ويحرك إرادتها، وأيقاظها من سباتها، وجعل المجتمع مجتمعًا واعيًا، يقصد طريق الانتصار بعدالته ومبادئه وقيمه.

 

المرحلة الثالثة: عندما يكون الهدف ملونًا بالإخلاص التام لذلك الهدف

فليس هناك قصد لشهرة ولا للقب، ولا لألوانٍ مادية أخرى يكون الهدف هدفًا مقدسًا

 

المرحلة الرابعة: أن يكون لله وحده ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا الانسان 9

﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا) البقرة 127هذا العمل لك

النبي موسى بن  عمران ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي) الصافات 99 كيف ذاهب إلى ربي؟

إنه الذهاب الروحي والنفسي مشروعي يتلخص في هدفي، هدفي يتلخص في الله وحده

يتحدث التاريخ عن النبي محمد (ص) : والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه.

يتحدث التاريخ عن علي أمير  المؤمنين(ع)  والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها، على أن أعصي الله في نملة، أسلبها جلب شعيرة ما فعلت، ولو شئت لاهتديت الطريقة إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز ولكن هيهات أن يبلغني هواي أو يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل باليمامة أو الحجاز من لا عهد له بالشبع ولا طمع له بالقرص، أأبيت مبطانًا وحولي بطون غرثاء وأكباد حرى، أأقنع من نفسي أن يقال لي أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر

وحسبك داءً أن تبيت ببطنة    وحولك  أكباد تحن إلى القد

إذن، الهدف خالص لله عند: إبراهيم، موسى، أمير المؤمنين.

الحسين يجسد هذا الخلوص، أن الهدف الذي جعل حركته حركة مقدسة نزيهة من النقص والعيوب ، أنها حركة متمحضة في الله «تبارك وتعالى».

 ”رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفينا أجور الصابرين، ألا إني زاحف بهذه الأسرة - نحو الله- مع قلة العدد وخذلان الناصر، وأيم والله لا تلبثون بعدها إلا كريثما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور، عهد عهد إلي أبي عن جدي رسول الله“  هذا هدفي

إلهي تركت الخلق طرًا في هواك  وأيتمت    العيال    لكي   أراك

فلو   قطعتني  في  الحب  إربًا   لما   مال   الفؤاد  إلى  سواك

وأصبح  الحسين (ع)قُدسًا في قدس، قداسةً معطرة بالقداسة؛ لأن هدفه الله، لأنه فني في الله، وهو الذي كان يقول: "أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر له، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك، ومتى كانت الآثار هي التي توصل إليك، عميت عين لا تراك عليها رقيبًا، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من ودك نصيبًا»

وإذ به يوم عاشوراء: يأخذ الدم يصبغ شيبته، يصبغ وجهه، وهو فرح، مستبشر، مقبل على الموت بكل ثقة، وبكل اطمئنان اللهم رضًا بقضائك، وتسليمًا لأمرك، يا غياث المستغيثين.

نعم تلك النفس المطمئنة رقدت في كربلاء، فأصبحت كربلاء بذلك الدم الطاهر قبلةً للأحرار، قبلةً للواثبين، قبلة للزوار، يقصدونها لا لأنها تراب، يقصدونها لأن أنوار الحسين تتساطع من جوانبها، لأن المبادئ والقيم تشع من أرجائها، لأن الحرية والكرامة والعزة تتجلى على جوانبها، لأن الحسين المملوء اطمئنانًا وتوكلًا وتسليمًا، يظهر في كل نقطة من نقاط كربلاء، طوبى لهذه الأرض العظيمة.

 

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1113
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 08 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18