• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : شهر رمضان .
                    • الموضوع : من آثار التقوى في الحياة الدنيا .

من آثار التقوى في الحياة الدنيا

 

من آثار التقوى في الحياة الدنيا

لم يخصّص القرآن الكريم  أثر التقوى على الإنسان في النشأة الآخرة، ومن حيث الثواب والعقاب الأُخروي فقط بل عمّم أثرها لكلتا النشأتين، وفي الذكر الحكيم آيات كثيرة تشير إلى أنّ المتّقين والفجّار ليسوا سواءً

 كقوله تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ[1].

وقوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ‏[2]

حيث نجد أنّ الآية تستنكر حسبان وظنّ الذين يكتسبون السيئات، أن يكونوا مثل الذين آمنوا وعملوا الصالحات، سواء في محياهم ومماتهم، أي تكون حياة هؤلاء كحياة أولئك، وموتهم كموتهم، فيكون الإيمان والعمل الصالح لغواً لا أثر له في حياة ولا موت، ويستوي وجوده وعدمه، لذا قالت الآية سَاءَ مَا يَحْكُمُون. فالفريقان لا يتساويان في الحياة ولا في الممات.

أمّا أنّهما لا يتساويان في الحياة، فلأنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات، في سلوكهم مسلك الحياة، على بصيرة من أمرهم، وهدىً ورحمة من ربّهم، كما ذكره الله سبحانه في قوله تعالى:

هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً‏ وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ‏[3]، والمسي‏ء صفر الكفّ من ذلك، حيث قال تعالى: وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً[4].

وأمّا أنّهما لا يتساويان في الممات، فلأنّ الموت رجوع إلى الله سبحانه، وانتقال من نشأة الدنيا إلى نشأة الآخرة، التي هي دار البقاء وعالم الخلود، يعيش فيها المؤمن الصالح في‏ سعادة ونعمة، وغيره في شقاء وعذاب.

أشار القرآن الكريم إلى جملة من الآثار الأساسية التي تترتّب على التقوى في الحياة الدنيا منها:

الفرقان بين الحقّ والباطل‏

قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً[5].

قال الراغب في المفردات: «فرقت بين الشيئين فصلت بينهما، سواء كان ذلك بفصل يدركه البصر، أو بفصل تدركه البصيرة. والفرقان أبلغ من الفرق، لأنّه يستعمل في الفرق بين الحقّ والباطل»[6].

وهو في الآية بقرينة السياق وتفريعه على التقوى: الفرقان بين الحق والباطل، سواء كان ذلك في الاعتقاد (بالتفرقة بين الإيمان والكفر، وكلّ‏ هدىً وضلال)، أو في العمل (بالتمييزبين الطاعة والمعصية، وكلّ ما يرضي الله أو يسخطه)، أو في الرأي والنظر (بالفصل بين الصواب والخطأ)، فإنّ جميع ذلك كلّه ممّا تثمره شجرة التقوى. وقد أطلق الفرقان في الآية ولم يقيّده»[7].

نظير هذه الآية قوله تعالى: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَانَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ‏[8].

قال الراغب في المفردات: «الجَهْدُ والجُهد: الطاقة والمشقّة، والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو، والجهاد ثلاثة أضرب: مجاهدة العدوّ الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس»[9].

وقال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ...[10].

من يتّق الله ويتورّع عن محارمه، ولم يتعد حدوده، واحترم شريعته، فعمل بها؛ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً من مضائق مشكلات الحياة، فإنّ شريعته فطرية، يهدي بها الله الإنسان إلى ما تستدعيه فطرته، وتقضي به‏ حاجته، وتضمن سعادته في الدنيا والآخرة وَيَرْزُقْهُ‏ من الزوج والمال، وكلّ ما يفتقر إليه من طيب عيشه، وزكاة حياته‏ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ‏ ولا يتوقّع، فلا يخف المؤمن أنّه إذا اتقى الله، واحترم‏حدوده، حرم طيب الحياة، وابتلي بضنك المعيشة، فإنّ الرزق مضمون، والله على ما ضمنه قادر.

وقال تعالى: وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً[11].

قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام):

«ولو أنّ السموات والأرضين كانتا على عبد رتقاً ، ثمّ اتقى الله، لجعل الله له منهما مخرجاً»[12]

وقال (عليه السلام): «واعلموا أنّه من يتَّقِ اللهَ يجعلْ له مَخْرجاً من الفتن، ونوراً من الظلم»[13]

وقال(عليه السلام): : «فإنّ تقوى الله مفتاح سداد، وذخيرة معاد، وعتق من كلّ ملكة، ونجاة من كلّ هلكة، بها ينجح الطالب وينجو الهارب وتُنال الرغائب»

 

 

أثر التقوى على ذرية الإنسان‏

عن إسحاق بن عمّار، قال: سمعت أبا عبدالله الصادق (عليه السلام) يقول: «إنّ الله ليُصلح بصلاح الرجل المؤمن وُلده ووُلد وُلدِه، ويحفظه في دُوَيْرته ودُويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله» ثمّ ذكر الغلامين، فقال: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً ألم ترَ أنّ الله شكر صلاح أبويهما لهما»[14]

وعن أبي جعفر الباقر وأبي عبدالله الصادق (عليهما السلام) قال: «يحفظ الأطفال بأعمال آبائهم، كما حفظ الله الغلامين بصلاح أبيهما»[15].

آثار اجتماعية مترتّبة على التقوى

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ‏[16]

أي أنّ أهل القرى لو آمنوا واتّقوا لفتح الله سبحانه بركات السماء من الأمطار والثلوج والحرّ والبرد وغير ذلك، كلّ في موقعه وبالمقدار النافع منه، وبركات الأرض من النبات والفواكه والأمن وغيرها، وهذا خير دليل على أنّ افتتاح أبواب البركات مسبّب لإيمان أهل القرى جميعاً وتقواهم، أي أنّ ذلك من آثار إيمان النوع الإنساني وتقواه»[17].

نظير هذه الآية قوله تعالى: وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً[18]

«والمراد بالطريقة: طريقة الإسلام، والاستقامة عليها: لزومها والثبات عليها، على ما تقتضيه من الإيمان بالله وآياته. والماء الغدق: الكثير منه.

 

[1] ص: 28.

[2] الجاثية: 21.

[3] الجاثية: 20.

[4] طه: 124.

[5]  الأنفال: 29.

[6]  المفردات في غريب القرآن، الراغب الإصفهاني: مادة« فَرَق».

[7]  الميزان في تفسير القرآن، ج 9 ص 56.

[8]  العنكبوت: 69.

[9]  المفردات في غريب القرآن، مادة« جهد».

[10]  الطلاق: 2، 3.

[11]  الطلاق: 4.

[12] نهج البلاغة، من كلام له عليه السلام، رقم: 130.

[13] نهج البلاغه، الخطبة: 183.

[14]  تفسير العيّاشي، ج 2 ص 363، ح 63، نقلًا عن البرهان في تفسير القرآن، العلّامة المحدِّث السيّد هاشم البحراني، ج 5 ص 60 منشورات مؤسّسة الأعلمي، بيروت لبنان.

[15] المصدر السابق.

[16]  الأعراف: 96.

[17]  الميزان في تفسير القرآن، ج 8 ص 201.

[18]  الجن: 16.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1146
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 04 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19