• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : شهر رمضان .
                    • الموضوع : من صفات القرآن : هدى وبينات .

من صفات القرآن : هدى وبينات

 من صفات القرآن : هدى وبينات

قوله تعالى: هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَ الْفُرْقانِ

أشارت الآية إلى ثلاثة أوصاف للقرآن الكريم كأهداف رئيسية لإنزاله: هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ؛ أما توضیح ذلك فكما يلي

«هُدىً لِلنَّاسِ» هي أولى المراحل لهدي القرآن، حيث الناس يعم كل الناس

الهداية: هي الدلالة بلطف، والهدية: الإعطاء، ففي الإعطاء والبذل تسمى هدية، وفي الدلالة هداية، وقد ذكرت هذه المادة بجميع مشتقاتها في القرآن الكريم في ما يزيد على ثلاثمائة مورد، وفي جميع استعمالاتها مقرونة بالشرف والتعظيم، إلا في مثل قوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى‏ صِراطِ الْجَحِيمِ‏ [الصافات- 23]، وقوله تعالى: وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ‏ [البلد- 10]. و يمكن الاستعمال بداعي التهكم لا الحقيقة.

و المعروف بين الأدباء أنّ الهداية إن تعدت إلى المفعول الثاني بنفسها كانت بمعنى الإيصال إلى المطلوب، و إن تعدت (باللام أو إلى) كانت بمعنى إراءة الطريق، وهذا من إحدى القرائن التي يجدها المتتبع في الكلمات.

والهداية: إن كانت بمعنى الإيصال إلى المطلوب بالنسبة إلى اللّه عز وجل فهو غير متناه. لأنّ المطلوب لا حد له بوجه من الوجوه. نعم استعداد من يهدى له مراتب متناهية، لفرض إمكانه.

وإن كانت بمعنى إراءة الطريق فهي كثيرة، وللمجاهدات والرياضات الشرعية دخل كثير في الهدايتين، قال تعالى: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت- 69].

يعتبر وصف الهداية من أوصاف الله تعالى الفعلية وهو عز وجل مستقل وتام في الوصف المذكور: وكفى بربك هاديا ونصيرا. الفرقان: ۳۱ واستنادا إلى التوحيد في الهداية، فإنه سبحانه کافي في الهداية ولا حاجة بعدئذ لغيره: (ومن يهد الله فما له من مضل) الزمر: 37

وأما إسناد الهداية لغير الله تعالى فيكون ذلك الغير مظهر من مظاهر هداية الحق تعالى، كما أن هذا الوصف «أي الهداية» مستخدم للقرآن الكريم كذلك - کا ورد في الآية المفسرة - وهو وصف للكعبة المشرفة أيضا لقوله تعالى: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركة وهدى للعالمين" آل عمران: 96. فالكعبة كما نعلم ليست كتابا لتقوم بهداية الناس لفظا، بل هي قبلة المسلمين ومطاف الزائرين ومعجزة الإسلام الخالدة: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) الحج: ۲۵ ولذلك فهي مظهر من مظاهر الهداية الإلهية والمثل الأعلى للشعائر العملية الخاصة بالله سبحانه، وهي البيت العتيق الطاهر الذي علم الحرية وهدى إلى التزكية .

وهذا القرآن الذي هو هدى للناس البقرة: 2 قد وصف كذلك بانه هدى للمتقين ، لأنه هو الهادي للمتقين بالفعل، والمتقون الذين يؤتون التقوى هم وحدهم الذين ينتفعون بهذا الكتاب السماوي، وهذا يشبه ما وصف به النبي الكريم ، من أنه للعالمين نذيرا"الفرقان 1 لكنه وصف كذلك بأنه المنذر للذي يخشى القيامة هو وحده دون غيره وهو المتقي في قوله تعالى إنما أنت منذر من يخشاها النازعات:45

والمعنى: إنّ القرآن أنزل في شهر رمضان لهداية الناس إلى الصراط المستقيم بحسب اختيارهم، ولا معنى للهداية الجبرية و إن كانت مقدورة للّه تعالى، قال عز و جل: أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً [الرعد- 31]. و لكن عنايته الأزلية اقتضت أن تكون اختيارية لأنّ الكمال في الهداية بالاختيار.

 

«وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى

ثم‏ «وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏» لمن اهتدى حيث الهدى درجات تتدرج الى أهدى فأهدى: «الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ».

لقد أدرك البعض وجود المبدأ والمعاد وحاجة البشر- إلى الأنبياء والرسل وأن الوحي هو السبيل الوحيد لإصلاح المجتمعات الإنسانية، وأدركوا كل ذلك بطريق البرهان العقلي وأصبحت معارف القرآن الكريم واضحة بالنسبة لهذه الفئة، وأضحت آياته لهذه المرة النادرة كبينة وشاهد، وأمسى الدليل العقلي مؤيد برهانهم النقلي. وأما الذين لا تبدو عليهم أية بوادر للابتكار والاستدلال فإن القران بمجمله يعتبر هاديا لهم.

 

والفرقان

بينات من «الفرقان» لمن اتقى بعد ما اهتدى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً» (8: 29) و هي هداية على ضوء القرآن‏

‏ البينات جمع البينة، و هي الدلالة الواضحة الكافية عقلا لإتمام الحجة، قال تعالى: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال- 42].

والفرقان: ما يفرق بين الحق و الباطل، و هو كثير مثل الكتب السماوية، قال تعالى: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏ [البقرة- 53].

فالقرآن الكريم هو الفارق بين الحق والباطل لاشتماله على المعارف الإلهية والأحكام العملية ، كما أنه المعيار الأصيل للتمييز بين الحق والباطل.  

وإذا وضعنا عنوان الهداية في مقابل الفرقان، فإن الهداية ستكتسب معناها الخاص بها؛ لأن التفصيل يحول دون الاشتراك في  المعنى، وإذا ذكرت بشكل مطلق فهي الهداية العامة التي يعد التمييز والتفريق  بين الحق والباطل أحد تطبيقاتها. وذكرت الهداية في الآية الشريفة مرتين، مرة بشكل مطلق، حيث لم يرد أن تقابل الفرقان، والمقصود من الهداية هنا هو المعنى العام الذي أشرنا إليه. أما المرة الأخرى فقد ذكرت في مقابل الفرقان وكان المقصود بها هي الهداية المختصة.

 

واطلق الفرقان على الزمان الذي يغلب فيه الحق على الباطل، قال تعالى: وَما أَنْزَلْنا عَلى‏ عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ‏ [الأنفال- 41].

والمكان الذي يقضى فيه بالحق و يعمل فيه.

والمعاجز الصادرة من الأنبياء فرقان، كما أنّ السنة المقدسة فرقان، والعقل الداعي إلى عبادة الرحمن واكتساب الجنان فرقان، والعالم الذي يعمل بعلمه فرقان. وكلّ ما يضاف إليه تعالى فرقان مقابل ما يضاف إلى الشيطان.

والقرآن أجلى تلك المظاهر بل هي منطوية في القرآن فهو قرآن بوجوده الجمعي، وفرقان بوجوده التفصيلي. وفي الحديث: «إنّ الفرقان المحكم الواجب العمل، و القرآن جملة الكتاب» وهو من بيان بعض المراتب، و إلا فالقرآن بجميع آياته فرقان.

فالخاصة المستكملون في ناحيتي العلم و العمل، المستعدون للاقتباس من أنوار الهداية الإلهية والركون إلى فرقان الحق فالقرآن بينات وشواهد من الهدى والفرقان في حقهم فهو يهديهم إليه ويميز لهم الحق ويبين لهم كيف يميز، قال تعالى: «يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ:» المائدة- 16.

ومن هنا يظهر وجه التقابل بين الهدى والبينات من الهدى، وهو التقابل بين العام والخاص فالهدى لبعض والبينات من الهدى لبعض آخر.

 

 

وقد ذكر بعض المفسرين أن تكرار الهداية هو لأغراض عديدة، منها:

 التأكيد والمبالغة .

_المراد من الهداية الأولى هو أصول الدين ومن الثانية فروعه .

_ الهداية الأولى تشير إلى الصراط والطريق أما الثانية فإلى الهدف.

 وهناك وجوه أخرى قيلت ، لكن معظمها لا شاهد له ولا دليل عليه .

 

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1147
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 04 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19