• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : القلب السليم .

القلب السليم

القلب السليم
قال الله تعالى : وَلَاتُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُون إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ"

هناك موردان في القران الكريم تحدث فيهما عن القلب السليم وكلا الموردين يرتبطان بنبي الله إبراهيم عليه السلام.

ففي هذه الآيات دعاء من نبي الله إبراهيم لربه " وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُون إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ"

المورد الآخر إخبارٌ من الله عز وجل أن نبي الله إبراهيم تحقق له هذا الطلب " " وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيم إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيم"

فأثبت القرآن الكريم أن القلب السليم في أعلى درجاته لنبي الله إبراهيم عليه السلام.

القلب ذُكر كثيرا وذُكر بصفات حسنة وأخرى سيئة لكن تركيب القلب السليم جاء في هذين الموردين  بحق نبي الله إبراهيم عليه السلام

فماذا يعني القلب وماذا تعني السلامة!

القلب إذا اخذناه من الزاوية البدنية التشريحية للإنسان فهو عبارة عن عضلة داخل الصدر تتكون من أربع غرف وعملها اشبه بعمل المضخة (الدينمو التي تأخذ السائل من جهة وتضخه في جهة أخرى) هذه العضلة تضخ في عمر الانسان (معدل الحياة ٧٠-٧٥ سنة) ما يقارب ١٧٠ مليون لتر دم يضخها ويوزعها على كل جهات البدن ثم يسترجعها من جديد هذا الدم الذي حُمل بثاني أكسيد الكربون يمر بالقلب ويُصفى ثم يرجع للقلب مرة أخرى ويضخه من جديد وهكذا. في كل يوم يضخ هذا القلب ٧٠٠٠ لتر في حياة الإنسان. هذا القلب العضوي والبدني وعمله واضح ومحدد وهو تزويد البدن بالدم المحمل بالأوكسجين وايصاله لكل العروق و الشعيرات الدموية.

والقلب الآخر الذي يُفترض أن خطابات القرآن الكريم وروايات المعصومين عليهم السلام تتعلق به يطلق على مركز المعرفة أو مركز إدارة حياة الانسان أو بالعقل الباطني، هذا الذي تتوجه اليه الصفات (قلب منيب، مطمئن، أواب إلى غير ذلك)

وعن بعض المفسرين ويؤيد ذلك روايات أهل البيت عليهم السلام أن في كل موضع ذكر فيه القرآن الكريم القلب لا يُراد منه العضلة التي في الصدر إنما المقصود منه العقل، مركز المعرفة.

في الحديث عن الامام الكاظم -ع-في وصيته لهشام ابن الحكم عن العقل: "يقول قال تعالى" لمن كان له قلب" أي لمن كان له عقل"

هذا القلب الذي يعقل ويدير حياة الانسان هدايته أو ضلاله يدير معرفته أو جهله هذا القلب المقصود في القرآن الكريم والروايات..

في الحديث عن نبينا المصطفى محمد (ص) أنه سُئل ما القلب السليم؟ فقال دين بلا شك وهوى وعمل بلا سمعة ورياء".

كأنما من آثار هذه القلب العقلي والتوجيهي جهتين:

جهة نظريةحيث أن عقائده في دينه تكون راسخة لا شك فيها

ومن جهة أن تكون أعماله وسلوكياته تكون صحيحة وهادفة.

في حديث آخر عنه (ص)  أنه سُئل ايضاً عن القلب السليم فقال:

"هذا قلب من لا يدخل الجنة بكثرة الصلاة والصيام إنما يدخلها برحمة الله وسلامة الصدر

(صدره سليم على اخوانه لا يحمل حقداً وضغينة أو بغضاء) وسخاوة النفس والشفقةعلى المسلمين".

فقلب الانسان هو مركزه وأصل الهداية والتعقل وقد ورد في الروايات بمعنى العقل

 هذا القلب يُوصف بالقلب المطمئن والسليم.

وقال تعالى: " مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيب"

القلب المنيب هو الذي ينتهي بالإنسان بالإنابة والتوبة والرجوع حين تصدر منه المعصية يتراجع ويخشى الرحمن ويكون قلبه النائب التائب دليله إلى العودة لله.

في موضع آخر يذكر القلب المطمئن بالايمان: "إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ"

هذا القلب المطمئن بالايمان ليس هذه العضلة التي في الصدر!

وكذا القلب التقي " ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَاللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ"

وهذه القلوب التقية تدفع الإنسان لتعظيم شعائر الله.

كل الناس لديها قلوب عضوية الكافر والمؤمن الصالح والطالح لكن القلب بالمعنى العقلي والتوجيهي هؤلاء من لهم قلب أي عقل.

 وبالمقابل هناك صفات سيئة للقلوب كالغلظة " ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك".

والقلب المرتاب "وارتابت قلوبهم" أي جانب التعقل والهداية كان مرتابا.

وأيضا القلب المريض "في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا"

أيضا القلب الآثم "آثم قلبه"

والقلب المختوم عليه "ختم الله على قلوبهم"

كذلك الصفات الأخرى في سائر الموارد.

 

عدة أمور يجب أن يلاحظها الانسان حتى يصل إلى درجة سلامة القلب

في الوصايا لأمير المؤمنين علي (ع) للإمام الحسن المجتبى(ع) : يا بني وجدتك بعضي بل وجدتك كلي فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي حتى لو كأن الموت لو أصابك أصابني فبادرت إلى نصيحتك، بني احي قلبك بالموعظة وأمته بالزهادة وقوه باليقين ونوره بالحكمة وذلله بذكر الموت"  

وصية قالها الامام له بعد منصرفه من صفين أي بعد سنة ٣٨ هـ أي أن عمر الامام المجتبى ٣٤-٣٥ سنة وهو إمام ومع ذلك تجد الامام أمير المؤمنين ينصحه ويعظه.

 

اختبر قلبك بالنسبة لسلوكياته ومحبته للغير

 بعض الاختبارات تفضح توجه الانسان مثال ذلك أن تسمع أحدهم يتحدث عن عالم علاقتك معه غير حسنة، فهل تتمنى أن هذا الكلام غير صحيح! فإن تمنيت أن ما قيل عنه صحيح فيجب أن تراجع سلامة قلبك! فان فيه بغضاء ومشكلة.

وإذا وصلت لدرجة أن تحب لهم ما تحب لنفسك فقد وصلت للسلامة. حتى وإن كان زيد من الناس علاقتي معه ليست جيدة أحب له الهداية والخير فإن كنت كذلك فأنت من أصحاب القلوب السليمة.

 

وأخيرا القلب السليم لا يتطبع مع المعصية، لو أن انسانا أذنب ذنبا يختبر قلبه هل استنكر المعصية فإن استنكرها فهذه خطوة في اتجاه القلب السليم، وأما إن مرت مرورا عابرا فالامر خطير.

فمن وصية نبينا محمد (ص) لأبي ذر الغفاري: "وإن المنافق ليذنب الذنب فيكون كذباب مر على انفه وطار، وأن المؤمن إذا أذنب ذنبا كان كجبل يكاد يسقط عليه". لا يجب أن ينظر الانسان لصغره ذنبه بل لعظمة من أذنب في حقه.

إن المعاصي الصغيرة تتطبع في نفس الانسان إلى أن يظلم قلبه. إن خاف من ذنبه كأن جبلا على صدره هذا هو القلب المنيب التائب، ولكن إن استصغر الذنب وسار في اتجاه آخر أكبر هذا من قيل فيه: بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته!

وهذا القلب على أثر تراكم السواد فيه لا يكاد يبصر الطريق ابداً. يرتكب الجرائم دون أن يفكر في عاقبة ما يفعله .


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1151
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2023 / 05 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29