المسارعة الى اقتناص الفرص شهر رمضان فرصة زمنية محدودة وبحسب التعبير القرآني (اياما معدودات) وسبيل الزمن الفوت لذا فالعاقل والحريص على حسن الختام لا ينبغي له ان يفوّت فرص الخير وخصوصا ما له ارتباط بمصير الانسان وعقباه روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذ دخل شهر رمضان، فاجهدوا أنفسَكم, فإنّ فيه تُقسّم الأرزاق، وتُكتب الآجال، وفيه يُكتَب وفدُ الله الذين يَفِدون إليه، وفيه ليلةٌ العملُ فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر.فشهر الله فرصة ينبغي استغلالها في فعل الطاعات وتحصيل الزاد الى المعاد . وقد ورد في بعض الروايات الشريفة بيان الاثر السلبي لتفويت الفرص ومن جملة ما ورد : ترك الفرص غصص_ من أخر الفرصة عن وقتها فليكن على ثقة من فوتها _ إذا أمكنت الفرصة فانتهزها، فإن إضاعة الفرصة غصة - أفضل الرأي ما لم يفت الفرص، ولم يورث الغصص من الخرق المعاجلة قبل الإمكان، والأناة بعد الفرصة . من هنا كان لا بد من المسارعة الى اقتناص فرص الخير التي تعقب الخير الكثير كما قال تعالى: وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ آل عمران 133 اي سارعوا الى أسباب المغفرة وأسباب دخول الجنة. فهي أمر بالمسارعة الى طاعة اللّه والرّسول(ص) وأمر بالمسارعة الى الأعمال الصّالحة. والسرعة المشتقّ منها سارعوا مجاز في الحرص والمنافسة والفور إلى عمل الطاعات التي هي سبب المغفرة والجنة والمسارعة المبادرة والاشتداد في السرعة، وهي في الخير ممدوحة وفي الشر مذمومة، والمسارعة إلى الخيرات هي المبادرة إليها وجيء بصيغة المفاعلة، مجرّدة عن معنى حصول الفعل من جانبين، قصد المبالغة في طلب الإسراع، والعرب تأتي بما يدلّ في الوضع على تكرّر الفعل وهم يريدون التأكيد والمبالغة دون التكرير، ونظيره التثنية في قولهم: لبيك وسعديك، و تعالى: ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ [الملك: 4]. وانما امر سبحانه وتعالى بالمسارعة إليها باطاعة اللّه تعالى والرسول للتنبيه على ترك التسويف الذي يفوت به الأجر والحظ وكثرة المثبطات ووسوسة الشيطان التي توهن العزائم. وهذه دعوة عامة إلى الغفران، وبشارة عظيمة لجميع اهل الذنوب والعصيان واستضافة من الجواد الغني لجميع الواردين عليه، وترغيب إلى العباد في إزاحة جميع الاغشية والظلمات، ودفع انواع الجهالات، ووعد منه عز وجل لمن أطاع اللّه وأطاع الرسول، وقد ذكر جزاء المتقين المطيعين اتباعا للوعيد بالوعد الجميل، واقترانا للترهيب بالترغيب كما هو سنته عز وجل. يقول تعالى: «وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ» أى: خذوا المغفرة وخذوا الجنة بسرعة، لأنك لا تعرف كم ستبقى فى الدنيا، إياك أن تؤجل عملا من أعمال الدين أو عملا من أعمال الخير؛ لأنك لا تعرف أتبقى له أم لا. فانتهز فرصة حياتك وخذ المغفرة وخذ الجنة وكيف السباق الى غفران اللّه، وبأية وسيلة؟ إنها ترك السيئات والإتيان بالحسنات، والإنابة إلى اللّه، والتوبة النصوح، وتبنّي الحياة إيمانية. فِي كِتَابِ الْخِصَالِ فِيمَا عَلَّمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَصْحَابَهُ مِمَّا يُصْلِحُ لِلْمُسْلِمِ فِي دِينِهِ وَ دُنْيَاهُ «سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ» فَإِنَّكُمْ لَنْ تَنَالُوهَا إِلَّا بِالتَّقْوَى. وفِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ «وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ» وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ: سَارِعُوا إِلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ. توحي المسارعة إلى مغفرة، أنه كما التوبة واجبة، كذلك السرعة لها والمسارعة إليها واجبة، فان في تأجيلها قسوة فحسرة وندامة، وفي تعجيلها تنوير للقلب المظلم ورجعة الى الرب و كرامة. ولماذا (إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) وهو من فعل اللّه لا المستغفر؟ ولم يقل: (إلى استغفار ربكم)! لأن كل استغفار لا تتبعه المغفرة، وإنما استغفار التوبة النصوح: (أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ...) (11: 3). فالواجب تهيئة الوسائل لغفران اللّه كما يحق، وبما يشاء اللّه ويرضى، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ (5: 9) (أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ (49: 3) (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (67: 12) ... هؤلاء ممن تحق لهم المغفرة فالجنة.
|