كلمات وردت في القرآن : النفس
إعداد هيئة التحرير
كثر ورود كلمة النفس مفردة ومجموعة كثيرا وبصيغ مختلفة مضافة وغير مضافة في القرآن الكريم: غير مضافة : نَفْسٌ نَفْسًا وَنَفْسٍ لِنَفْسٍ كَنَفْسٍ وَالْأَنفُسِ النُّفُوسُ
ومضافة الى ضمائر مختلفة : أَنفُسَهُمْ أَنفُسَكُمْ لِأَنفُسِكُم نَفْسَهُ بِأَنفُسِهِنَّ أَنفُسِهِنَّ فَلِأَنفُسِكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ لِأَنفُسِهِمْ نَفْسِكَ وَأَنفُسِهِمْ نَفْسِي فَلِنَفْسِهِ بِأَنفُسِهِمْ أَنفُسِنَا لِنَفْسِي لِنَفْسِهِ نَفْسِهَا بِنَفْسِكَ نُفُوسِكُمْ فَلِأَنفُسِهِمْ .
وقد ذكر الله سبحانه وتعالى النّفس وجعلها محلّ الخطاب الرّبانيّ في أكثر من آيةٍ ومناسبة، كقوله تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً* فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) {الفجر:27-30}
والنفس لفظ مشترك بين عدة معانٍ
النَّفْسُ: الرُّوح، يقال: خرجت نَفْسُه، أَى رُوحُه قال:
*نَجا سالِمٌ والنَّفْسُ منهُ بشِدْقِه * ولم يَنْجُ إِلاَّ جَفْنَ سَيْف ومِئزَرَا*
أَى بجَفْنِ سَيْف وبمئزر.
وقد يُراد بلفظ النَّفس الدمّ السائل الخارج من العروق والذي يكون في الحيوان
وربّما سُمّي الدم نفساً لأنّ للحياة توقّفاً عليها، ومنه النفس السائلة.
او أنه إذا فُقِد الدم من الإنسان فَقَد نَفْسه؛
أو لأن النَّفْس تخرج بخروجه، يقال: سالت نفسه
والنَّفْس: الجَسَد.
والنَّفْس: العَيْنُ، أَصابَتْه نَفْسٌ أَى عَيْن. والنافِسُ: العائن.
ونَفْسُ الشىء: عَيْنهُ، يؤكَّد به يقال: رأَيتُ فلانا نَفْسَه، وجاءَنى المَلِكُ بنَفْسِه.
وقال ابنُ الأَعرابىّ: النَّفْسُ: العَظَمةُ، والنَّفْسُ: الكِبْرُ، والنَّفْسُ: العِزَّةُ، والنَّفْسُ: الهِمَّةُ، والنَّفْسُ: الأَنْفَةُ. والنَّفْسُ بالتحريك: واحدُ الأَنْفاسِ.
استعمالات النفس في القرآن
ولفظ (النفس) بمشتقاته ورد في القرآن الكريم في ثمانية وتسعين ومائتي (298) موضع، وجاء بصيغة الاسم في ستة وتسعين ومائتي (296) موضع بصيغة الاسم
وقد استعمل بمعاني عديدة:
1 للتأكيد اللّفظيّ وبهذا المعنى يطلق على كلّ شيءٍ ، حتّى عليه تعالى كما قال: ﴿..كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ..﴾ الأنعام:12 وقال: ﴿..وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ..﴾ آل عمران:30
2_ في شخص الإنسان خاصّة، وهو الموجود المركّب من روحٍ وبدنٍ، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا..﴾ الأعراف:189 أي من شخصٍ إنسانيٍّ واحد.
وقال: ﴿..مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ المائدة:32، أي مَن قتل إنساناً ومن أحيا إنساناً
وفي قوله تعالى: ﴿..كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِها..﴾ النحل:111، اجتمع معنيان
الاول أي التوكيد في (عن نفسها) , والثاني بمعنى الانسان في ( كُلُّ نَفْسٍ) .
3 الاهل واصحاب البيوت او سائر المسلمين
قال تعالى:«فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً»النور 61
المراد بقوله:(فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) السّلام على الزوجة والأبناء والأهل، حيث هم بمنزلة النفس، لهذا استخدمت الآية تعبير «الأنفس» كما في آية المباهلة (آل عمران 61)
عن الإمام الباقر عليه السّلام: «هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثمّ يردون عليه فهو سلامكم على أنفسكم».
او السلام على نفسه هو حيث لا احد . عن الباقر عليه السلام قال: إذا دخل الرّجل منكم بيته فان كان فيه أحد يسلم عليهم وإن لم يكن فيه أحد فليقل السلام علينا من عند ربّنا يقول اللَّه تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً.
او المراد فسلموا على من كان في البيوت المذكورة في قوله تعالى : أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ.
والتعبير ب «عَلى أَنْفُسِكُمْ» للدلالة على أن بعضهم من بعض فهم مؤمنون والإيمان يجمعهم مثلما جاء في قصّة بني إسرائيل فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ. (البقرة 54)
4المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة والأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان
او الهوى وميل الطبع.قال تعالى (ان النفس لأمارة بالسوء) يوسف 53
5 وتستعمل في الروح الإنساني؛ذلك الجوهر النوراني الذي له تعلّق بالبدن تعلّق التدبير والتّصرف كما في قوله تعالى (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُون ) الأنعام93
لما أن الحياة والعلم والقدرة التي بها قوام الإنسان قائمة بها.
وفي نهج البلاغة يتحدّث الإمام عليه السلام عن حال المحتضر وهو بين أهله فيقول: ﴿يردّد طرفه بالنظر في وجوههم، يرى حركات ألسنتهم، ولا يسمع رجع كلامهم، ثمّ ازداد الموت التياطاً، فقبض بصره كما قبض سمعه، وخرجت الروح من جسده، فصار جيفةً بين أهله﴾
قال الصدوق في رسالة العقائد : « اعتقادنا في النفوس أنّها الأرواح التي بها الحياة ، وأنّها الخلق
الأوّل لقول النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم : « إنّ أوّل ما أبدع الله سبحانه وتعالى هي النفوس
مقدّسة مطهّرة فأنطقها بتوحيده ، ثمّ خلق بعد ذلك سائر خلقه" بحار الأنوار / المجلّد : 6 / ص249
وقد أطلق القرآن هذه الكلمة على الله في قوله: ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ) المائدة 116 والمراد: تعلم ما أعلم وما أضمره، ولا أعلم ما عندك علمه او ما في غيبك.
وهنا إضافة النفس إلى اسم الجلالة وفي جواز إطلاق النفس على ذات اللّه تعالى بدون مشاكلة خلاف. (والمُشاكَلةُ لُغةً: بمَعْنى المُوافَقةُ والمُشابَهة ,واصْطِلاحًا: "ذكْرُ الشَّيءِ بلفْظِ غيرِه؛ لوُقوعِه في صُحبتِه، مِثلُ قولِه تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى: 40] فجعَل سُبحانه الجَزاءَ على السَّيِّئةِ سَيِّئةً، وهُو ليس كذلك، وإنَّما لمُناسَبةِ السَّيِّئةِ الَّتي سبَقته.)
فمن منع ذلك يجعلون ما ورد من ذلك في الكتاب نحو وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ* [آل عمران: 28] من قبيل المتشابه.
ومن جوّز ذلك , يشهد له تكرّر استعماله في القرآن وكلام النبي صلى اللّه عليه وآله كما في الحديث القدسي في كتاب ( المحاسن ) : عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال الله عز وجل : ابن آدم ، اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي ، ابن آدم ، اذكرني في خلأ أذكرك في خلأ ، يابن آدم اذكرني في ملأ أذكرك في ملأ خير من ملئك ، وقال : ما من عبد يذكر الله في ملأ من الناس إلا ذكره الله في ملأ من الملائكة.
النفس والروح واحد ام متعدد
كثرت في ذلك الأقوال واضطربت المذاهب
فهناك من العلماء من فرّق بينهما ومنهم من ساوى بينهما واعتبرهما أمرًا واحدًا.
فمما تعلقوا به في أن الروح هي النفس قوله عز وجل ﴿الله يتوفى الأنفس﴾ والمقبوضة هي الأرواح
ولم يفرقوا بين القبض والتوفي (في صلاة الميت قبضت روحه اليك)
وقال آخرون: بل هما متغايران فالنفس شيء والروح شيء آخر
قال تعالى :(قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ ربي) الاسراء 85 فالروح في القرآن ليس لها علاقة بالإنسان فهي
إما مخلوق أعظم من الملائكة كما في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ..﴾النبأ38
أو هي ملك من الملائكة، كما يقول القرآن: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ الشعراء 193 (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا مريم (17)
أو الكلمات الموحى بها (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا الشورى(52)
أو هي أمر يؤيّد الأنبياء والمؤمنين، ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)المجادلة 22
فالروح يُقصَد بها، ما يمنحه الله للبشر من مددٍ وصلة، وقُرب من الله سبحانه.
إذا كانت (الروح) هي (نتاج السماء والنور الالهي)
فان (النفس) نتاج الارض والواقع المادي (الامزجة والعواطف والشهوات ووو).
لهذا قال عنها القرآن الكريم: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ). لانها هي وليست (الروح الالهية)، مسؤولة عن الخطايا. وهي التي تُصدِرُ الأوامرَ بالمعصية والسوء .
البعض زعم أن النفس تنشأ بنشوء البدن ، ولكنها تبقى بعد موت البدن.
والروح إنما تكون قبل البدن.
_ ان النفس مصدر القوة الشهوائية والغرائزية المادية في الإنسان
بخلاف الروح فإنها مصدر القوة العقلانية والمدركة فيه، فهي أعلى مرتبة من النفس.
والظاهر ان النفس والروح، يتحد مدلولهما تارة فتطلق النفس على الروح ، ويختلف تارة اخرى ، وصح في الأخبار إطلاق كل منها على الأخرى
لكن الله تعالى لم يسم في كتابه الروح حال ارتباطها بالبدن باسم الروح ولكن يسميها النفس قال الله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ...﴾ [المائدة:45
قال الله تعالى: ﴿.. وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الأنعام:151
قال الله تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٤٠﴾ [النازعات:40
ولكن إطلاق كل منها على الأخرى لا يفيد العلم بانهما واحد وقد يكون ذلك لمجوز للاطلاق لبعض وجوه التشابه او مجازا .
وقد نسب الى النفس في القرآن جملة من الامور
1جعلها الله تعالى محلّ التّكليف ومناطه
_ 2 وهي التي يقع عليها الموت : فالقرآن نسب الموت الى النفس فقالى تعالى : كل نفس ذائقة الموت آل عمران 185
والموت هو فقد الحياة وآثارها من الشعور والإرادة عمّا من شأنه أن يتّصف بها...
وإمّا أنّه مفارقة النفس للبدن بانقطاع تعلّقها التدبيري
أو أنّه الانتقال من دارٍ إلى دارٍ كما في الحديث النبويّ
والموت بالمعنى الذي ذُكر، إنّما يتّصف به الإنسان المُركّب من الروح والبدن
وأمّا الروح فلم يرد في كلامه تعالى ما ينطق باتّصافه بالموت...
وأما قوله تعالى: ﴿..كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلّا وَجْهُهُ..﴾ القصص:88
وقوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ..﴾ الزمر:68...
فالهلاكُ والصَّعق غير الموت، وإن انطبقا عليه أحيانا. (تفسير الميزان الطباطبائي ج : 14 صفحه : 286 )
3التوفي: قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها الزمر 42
4 الرجوع الى الله وقال سبحانه: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً الفجر 28
5 انها رهينة كسبها وعملها قال تعالى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ المدثر 38
6 انها(المفرطة) تلوم نفسها: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ
الزمر 56
7 انها التي تحاسب ويقع عليها الثّواب والعقاب قال تعالى: (الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ
بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ غافر:17 (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ ) ق 21
_ ظلم النفس وقتلها كما في قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿٥٤ البقرة﴾
وشراء النفس (بمعنى البيع) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ۗ ﴿٢٠٧ البقرة﴾
وغير ذلك من امور نسبت للنفس .
تعريف النفس
التعريف الفلسفي: جوهر مجرَّد متعلَّق بالبدن تعلَّق التدبير والتصرّف
عند الحكماء: كمال أول لجسم طبيعي آلي
وهي على أنواع:
نفس نباتية وخاصيتها التغذية والنمو
ونفس حيوانية وخاصيتها الحس والحركة الإرادية
ونفس ناطقية وخاصيتها إدراك المعقولات
ونفس قدسية وخاصيتها أن تكون محلاً للفيوضات الربانية والأسرار الإلهية
النفس وصفاتها في القرآن الكريم
وكما تحدث القرآن الكريم عن النفس ونسب اليها اموراً عديدة بل أقسم الله سبحانه وتعالى بالنفس الإنسانية قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾ [الشمس: 7].
ثم بيّن الله تعالى أنّه ألهم نفوسنا دوافع الخير ونوازع الشر ﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ الشمس:8
ومنح الإنسان قدرة التشخيص والعقل، والضمير اليقظ بحيث يستطيع أن يميّز بين «الفجور» و «التقوى» عن طريق العقل والفطرة.
وبيّن أن بإمكان الانسان أن يزكو بنفسه ويرقى بها او ينحطّ بها ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) أفلح وفاز من زكى نفسه بالطاعة، وخسرت نفس أهملها صاحبها وتركها تنغمس في المعصية.
والتزكية يراد بها في الغالب تطهير النفس، و تنمية فضائلها، و إصلاحها، و تخليصها من الكفر و الجحود و الشرك و سائر المعاصي و الآثام.
اما من دسّ نفسه، أي: أغواها وأفسدها، وغمسها في أوحال الكفر أو الشّرك، أو كبائر الآثام و المعاصي، وأخفاها عن استقبال أضواء شمس الهداية، فإنه سيكون خائبا يوم الدّين.
ثم إن هذه النفس وهي نفس واحدة, لكنها باعتبار تعدد صفاتها أمارة,او لوامة, او مطمئنة, وهي غاية كمالها .
وان كثيراً من الآيات تعرضت لوصف أحوال النفس المختلفة كالنفس الأمارة بالسوء والنفس اللوامة والنفس المطمئنة وبيّنت أسباب انحرافها ومرضها، وطرق تهذيبها وتربيتها وعلاجها.
فإذا غلب على النفس هواها بفعلها للذنوب والمعاصي فهي النفس الأمَّارة بالسوء
وهذه النفس هي التي توسوس لصاحبها وتحدثه بالآثام، قال تعالى: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ يوسف 53
والنفس اللوَّامة هي التي تذنب ثم تلوم صاحبها وتتوب، سميت لوامة لأنها تلوم صاحبها على الذنوب، ولأنها تتلوَّم؛ أي: تترد بين فعل الخير والشر يقول تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ القيامة 2_ 1
فإذا قوي الإيمان صارت مطمئنة يقول تعالى: (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) الفجر 27
فتسمّى مطمئنة باعتبار طمأنينتها إلى ربها بعبوديته ومحبته والإنابة إليه والتوكل عليه والرضا به.
ولا يمكن حصول الطمأنينة الحقيقية إلّا باللّه وبذكره: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ
بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
تغيير النفس
واذا كانت النفس على ما ذكرنا امارة _ لوامة _ مطمئنة
فهل يمكن ان يتبدل حال المرء ؟
نعم , وذلك لقوله تعالى ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ الرعد-11
فهناك عوامل من خلالها يحارب الإنسان نفسه ويتقرب الى ربه:
كالعلم يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
والخشية من الله هي الرهبة الناشئة عن إدراك عظمته تعالى وهذا يختلف عن الخوف
لذا أمر تعالى بالقراءة وطلب العلم: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ العلق 1
_ ومعرفة هدف الوجود والمصير قال تعالى (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا)المؤمنون 115
الهدف هو عبادة الله وعمارة الأرض بالعدل والصلاح، والمصير بعد الموت: هو الحساب والجزاء .
_ التربية على حب الله عز وجل فإن حب الله يعيق الإنسان عن المعصية ويدفعه الى الطاعة ، كما أن حب الدنيا رأس كل خطيئة ومبعد عن الطاعة.وغير ذلك.
|