• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : كاتب يهودي يكشف .
                          • رقم العدد : العدد الخامس عشر .

كاتب يهودي يكشف

 

 


كاتب يهودي يكشف:
المحرقة وراء وجود إسرائيل!


بمناسبة مرور ستين عاما على احتلال فلسطين وإنشاء إسرائيل قامت الأوساط الإعلامية الأوروبية والفرنسية ببث ونشر مجموعة من المقالات والتحقيقات الصحفية، والأفلام التى تدور حول المحرقة «الهولوكوست» وإبادة اليهود.. ولكن فى كتاب جديد «اسم.. لا يفنى» للمؤرخ والكاتب اليهودى الفرنسى «جورج بنزوسان» تحدث لأول مرة عن مدى شرعية وطفيلية الدولة العبرية.
وقد ظل الرأي العام الغربي ولفترة طويلة يروج لفكرة أن بناء دولة إسرائيل جاء كرد فعل مباشر، ونتيجة حتمية بعد أحداث المحرقة. أما المؤرخ «بنزوسان» فتحدث فى كتابه الجديد عن أحد وأكبر الأساطير التى وظفت ببرامجه، وعلى أحسن وجه فى القرن الحادى والعشرين.
وذكر بعض النقاد أن هذا الكتاب فى صالح إسرائيل على اعتبار أن الكاتب اعتمد على السرد، والتسلسل التاريخى من حيث ميلاد دولة إسرائيل فى عام 1948، وطبيعة العلاقة التى جمعت فى آن واحد بين «الكارثة» والدولة اليهودية. أما الجانب الآخر من النقاد فرأوا فى الكتاب جرأة من شخص «يهودى» تحدث عن حقيقة العلاقة السياسية التى أدت إلى تكوين الدولة العبرية. خاصة أن المركز القومى اليهودى كان قد وظف أعماله لتغطية الفترة التاريخية ما بين عامى 1933 و1945، وكيفية إدارة إسرائيل لهذه الذكرى فى تأرجح بين مشاعر البطولة والإحساس بالجبن، الأمر الذى خلف ولزمن طويل المعاناة من العار والإزدراء.
وجورج بنزوسان كاتب ومؤرخ وله العديد من الأعمال التى تدور حول «المحرقة» إذ قدم فى عام 1998 كتابا بعنوان «ميراث أوشفيتز» وفى عام 2002 كتب «التاريخ الثقافى والسياسى للصهيونية»، ودراسة فى عام 2006 بعنوان «تاريخ الثقافة» حرص فى عمله الجديد على تغطية فترة تاريخية بدءا من يوم 14 مايو عام 1948 وحتى يوم 14 مايو عام 2008 – ولأول مرة يتناول كاتب، وخاصة يهودى مسألة تلك العلاقة الوثيقة التى تربط بين المحرقة النازية وبين إقامة دولة إسرائيل يدور الكتاب حول عدة محاور:
أولا حول كشف الستار عن دور الدولة الإسرائيلية ونموها التدريجي- تحت ضغوط الأحداث الخارجية الخطيرة- مع استخدام مسألة المحرقة شيئا فشيئا لتحقيق المشروع الكبير الذي وظفت من أجله ذلك الإرث «المؤلم» الذى ساعدها على التعرف على نفسها عبر تاريخ اليهودية، وفكرة «الشتات».
ثانيا الاعتماد على الوقائع التاريخية ليتضح أنه منذ قرن ويهود الشتات حريصون على ترسيخ وتجسيد فكرة «أرض الميعاد».
ثالثا متابعة حركة الهجرة المكثفة إلى إسرائيل. لذا قدم الكاتب تحليلا موضوعيا عن ردود الأفعال ليهود فلسطين في مواجهة التهديدات الآتية إليهم مع يهود أوروبا إذ تساءل: «ألم يفكر يهود فلسطين فى أنهم نفذوا بجلدهم تاركين ورائهم يهود أوروبا ليلقوا مصيرهم الحزين.. أى الموت المحقق؟ الأمر الذي كان قد دفع «بن جوريون» إلى الدفاع عن نفسه مرارا، إلا أن الوقائع التي سردها الكتاب مازالت تثير القلق حول حقيقة ما حدث بالفعل. فهذا الكتاب الذي يقع فى حوالى 297 صفحة تناول جذور دولة قامت على أساس القومية اليهودية وكما تصورها «تيدور هرتزل» بما فى ذلك عقيدة المحرقة، كما يتناول مراحل الصراع مع العالم العربي، وسلسلة من الحروب أدت إلى طرد 800 ألف فلسطيني من ديارهم، وإنكار حقهم الشرعي فى العودة وتقرير المصير والحكم الذاتى كما بحث تطور ونمو مجتمع يهودى فى شجار وصراع دائم مع قوى الطرد المركزية بسبب الهجرة المكثفة على أمل التحديث الذى أدى إلى نوع من الرأسمالية المعولمة. كما أوضح «بنزوسان» معالم فلسفة «المحرقة» التى باتت نواة لدين مدنى لدولة ذات استثنائية يهودية على عكس حلم التسوية الصهيونية متأصلة، وذلك دون مراعاة البيئة الاجتماعية والسياسية والآثار المترتبة على الشعب الفلسطيني. لذا تناول الكاتب أبعاد البنيان القومى للصهيونية التى زرعت وغرست منذ نهاية القرن التاسع عشر، والتى تأسست على إثبات هوية أعيد بناؤها ويقول الكاتب إن العلاقة بين المحرقة والدولة شديدة التعقيد، وذلك لسببين: أولا لأن الإبادة استخدمت كوسيلة لضرورة وجود دولة قوية لحماية اليهود. وثانيا بلورة رؤية «محصورة» ومعزولة للدولة الجديدة، إلى درجة أن الدولة الإسرائيلية احتكرت الديانة اليهودية إذ استخدم الكاتب الفرنسى المعروف فرانسوا موريال فى عام 1958 مصطلح»بعث أى إحياء ليعرف القومية اليهودية، ليهود استقروا فى فلسطين، بمعنى أن هذه الأمة ولدت من الموت. وعلى الرغم أن التاريخ ليس تكرارا «لآلام المسيح» تفوقت الأسطورة على الواقع، إذ أن دولة إسرائيل كان لها وجود فعلى فى الأذهان الصهيونية قبل نظرية «المحرقة». فإن دراسة «بنزوسان» تتعدى مجرد حدود التأمل، بل من زاوية تاريخية وأدبية، وسياسية ونفسية. أى مزيج من كتابة موجعة، ونظرة شفافة واضحة، وتحليل عميق حول العلاقة بين الصهيونية وإسرائيل والمحرقة. الأمر الذى يؤكد على مدى التمزق الذى يعيشه المجتمع الإسرائيلى بسبب اتهامين واضحين: الأول أن الجيش الإسرائيلى تفوح منه رائحة الجرائم النازية. ثانيا أن الصهيونية استخدمت «المحرقة» كأداة لتحقيق المكاسب السياسية على الأرض.
فعندما اتجهت أوروبا إلى الشمولية، كان يعيش فى فلسطين فى عام 1942 حوالى 484 ألف فلسطينى تحت حكومة الانتداب الإنجليزى، ويقول الكاتب: «لم تنجح القوى الصهيونية فى إقناع الغالبية العظمى من يهود القارة العجوز للهرب إلى فلسطين، واختيار المنفى بعيدا عن قارة عملت مرارا على بناء ذيل لليهودية. «خاصة أن التوقع بكارثة أوروبية كان حاضرا بالنسبة لزعيم الصهيونية الإصلاحية «زيف جابوتسنكى» الذى أعلن فى عام 1934: «فى حالة الحرب لن نكون الشعب الوحيد الذى سوف تتم إبادته، لكننا سنكون أول من يباد». «لذا أكد المؤرخ الفرنسى «بنزوسان» على أن الحركة الصهيونية كانت واضحة منذ البداية لكونها سياسية وليست اتجاها إنسانيا. موضحا: «إن ذكرى المحرقة هى اختراع حديث لم يفرض نفسه إلا بعد قضية «أدولف ايخمان» الذى تمت محاكمته فى القدس فى عام 1961. «أى بعد اختطافه، ليحاكم سرا فى إسرائيل وليس على غرار محاكمات «نورمبرج» وذلك بسبب الأسرار التى كان يعرفها عن ظروف المحرقة وتورط بعض الشخصيات الثرية اليهودية فى ذلك. هذه القضية التى انتهت بإعدامه جاءت خرقا لكافة المعايير القانونية ليصبح (إيخمان) فى نظر الرأى العام الأوروبى واليهود الناجين «الشبح» فبات نصبا تذكاريا وأثرا حيا. هكذا يضع الكاتب المحرقة فى موضعها الحقيقى معترفا بأنها «اختراع حديث».
وما أغضب الجاليات اليهودية أن المؤرخ «بنزوسان» تساءل: «هل كان يمكن أن يكون لإسرائيل وجود بدون مسألة المحرقة؟!» هذا الطرح الذى يدور حول العلاقة القائمة بين العلة والمعلول، أى بين المحرقة وإنشاء دولة إسرائيل، يتوافق والرواية العربية الفلسطينية التى أكدت دوما أن الدول الأوروبية بسبب شعورها بالذنب تجاه ما حدث لليهود، منحتهم دولة وحرمت الفلسطينيين من أرضهم، هم الأبرياء من إبادة يهود أوروبا. وبالطبع لم يغوص الكاتب فى هذه الجزئية بما يكفى من الناحية التاريخية بسبب ما يحمله الواقع من حقائق ومغالطات. فالغرب يعترف أحيانا بطرد الفلسطينيين من أراضيهم، لكن ليعود ويتحدث عن الجانب الدينى لليهود «وأرض الميعاد» وأرض الأسلاف. مع ذلك عمد الكاتب إلى الحد من أسطورة المحرقة التى استمرت على مدى ستين عاما وحتى الآن. إذ أراد أن يفرق بين الشرعية والقضية، وبين معانى الشجاعة والخزى. كما تحدث عن السلبية العربية فى مجلس الأمن، على اعتبار أن المحرقة هى «الرحم الحقيقى لدولة اليهود». مؤكدا أن ذلك النوع من التمييز العقلى والذهنى دار فى صمت، إلا أنه خلف نوعا من الكبت ومن ثم الصراع الذى دام عشرات السنين. والدليل على ذلك أن نهاية الحرب فى أوروبا باتت تعنى انتقال الحرب فى الحدود الإسرائيلية. وهنا تحدث المؤرخ عن حرب النكسة فى عام 1967، وحرب أكتوبر فى عام 1973 اللتين أكدتا على استحالة النسيان لأن مشاعر الكراهية تحيط بالجميع أصبحت شرعية الدولة اليهودية هشة للغاية. ويقول «بنزوسان» : «نجحت السلطات السياسية فى علمانية وتسييس ماض أليم أصبح ملكا لدولة بأكملها وليس قصرا على رجال الدين». ففى الفترة ما بين عامى 1945 و1950 تمكن حوالى 300 ألف يهودى من النجاة من المحرقة، ثم الهجرة وذلك على الرغم من الخطر الذى فرضته بريطانيا فى الفترة ما بين عامى 1945 و 1948. كما أوضح الكاتب أن مأساة «المحرقة» كانت وسيلة ضغط على تصويت الأمم المتحدة يوم 29 نوفمبر عام 1947 لتقسيم فلسطين. كما أكد العديد من المراقبين أن هذا القرار الذى تم بإجماع بعض الدول تم بدافع الشفقة والرحمة. ومن الغريب أن الدول التى شاركت فى هذا التصويت لم تكن معنية أو مسئولة عن جرائم النازية.
والحقيقة التى جاءت بين سطور الكتاب تؤكد أنه منذ أكثر من نصف قرن، واليهود يعدون أنفسهم لتكوين دولة خاصة بهم، الأمر الذى تزامن وحرب «هتلر» هذه العلاقة السببية أكدت نفسها على الدوام. لذا دعا المؤرخ إلى العودة إلى ما قبل عام 1940 حيث عمل يهود فلسطين لإقامة بنية تحتية بهدف إنشاء دولة المستقبل، فكان الاجتماع بالزراعة وتكوين جيش قوى. كما حرصوا على إحياء اللغة العبرية، وإصدار مجلدات من القاموس العبرى، وإصدار أعداد كبيرة من الصحف والدوريات العبرية، وإقامة الجامعة العبرية فى مدينة القدس، وتطوير حركة أدبية عبرية حديثة، وإقامة مدينة كبيرة فى تل أبيب، مع الحرص على ترابط وتشابك الدولة عن طريق إقامة القرى الزراعية والمستوطنات، وتأسيس الهيئة العلمية فى مدينة «حيفا» وإقامة معهد «فايتزمان» فهذه المحرقة التى استخدمت كورقة رابحة تحت مسمى الدفاع عن النفس دعمتها أموال يهود الولايات المتحدة الأمريكية ويهود أوروبا، وعدد كبير من الكتاب، وصناع السينما، أى هؤلاء الذين يجيدون قصص الحكى، وروايات الشهود. وذلك بهدف جمع يهود الشتات فى إسرائيل، على غرار عملية التبادل الشيطانية التى حدثت بين مليون يهودى من المجر مقابل عشرة آلاف شاحنة. وفى عام 1979 فى فترة رئاسة «جيسكار ديسنان» عرض فى فرنسا فيلم «المحرقة» وهو من إنتاج الولايات المتحدة، ليجىء بعده عرض فيلم آخر يحمل نفس الاسم للمخرج المعروف «كلود لنرمان» ويقول الكاتب إن اليهود يحاولون اليوم فرض دين جديد- المحرقة- تغلغل وغرس فى الهوية الإسرائيلية. فكانت الرحلات للمنطقة الإجبارية لطلبة المدارس وجنرالات الجيش الإسرائيلى لمدينة «أوشفيتز التى تقع فى جنوب بولونيا ويقول الكاتب: «من الإنسان وإلى الإنسان.. القدرة على عمل الشر بلا نهاية.. لذا أفضل أن يروى لابنتي حكاية سندريلا بدلا من قصة المحرقة.» مؤكدا أن هذه الآثار السلبية لم تخلق دولة إسرائيل فقط لكنها جعلت ميلادها ووجودها طفيفا. فهل كان الشرق الأوسط مجرد عملة تداول للتكفير عن غلطة أوروبية؟!


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=173
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 08 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28