• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : شهر رمضان .
                    • الموضوع : ليلة القدر .

ليلة القدر

ليلة القدر
ما هي الأمور التي تقدّر في ليلة القدر؟
في سبب تسمية هذه الليلة بليلة القدر قيل الكثير من ذلك
1_ في هذه الليلة تعيّن مقدرات النّاس لسنة كاملة، و هكذا أرزاقهم، و نهاية أعمارهم، و أمور أخرى تفرق و تبيّن في تلك الليلة المباركة
هذه المسألة طبعا لا تتنافى مع حرية إرادة الإنسان و مسألة الإختيار، لأنّ التقدير الإلهي عن طريق الملائكة إنّما يتمّ حسب لياقة الأفراد و ميزان إيمانهم و تقواهم و طهر نيّتهم و أعمالهم
أي يقدر كلّ فرد ما يليق له و بعبارة أخرى، أرضية التقدير يوفرها الإنسان نفسه، و هذا لا يتنافى مع الإختيار بل يؤكّده
2_ و قال بعض إنّها سمّيت بالقدر لما لها من قدر عظيم و شرف كبير (في‏ القرآن جاء قوله سبحانه: ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ « الحج، الآية 74
3_ و قيل لأنّ القرآن بكل قدره و منزلته نزل على رسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بواسطة الملك العظيم في هذه الليلة
4_ إنّها الليلة التي قدّر فيها نزول القرآن
5_ إنّها الليلة التي من أحياها نال قدرا و منزلة
6_ و قيل أيضا لأنّها الليلة التي تنزل فيها الملائكة حتى تضيق بهم الأرض لكثرتهم. لأنّ القدر جاء بمعنى الضيق أيضا كقوله تعالى: وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ « الطلاق، الآية 7
كل هذه التفاسير يستوعبها المفهوم الواسع لليلة القدر مع أنّ التّفسير الأوّل أنسب و أشهر
أية ليلة هي ليلة القدر؟
لا شك أنّ ليلة القدر من ليالي شهر رمضان، لأنّ الجمع بين آيات القرآن يقتضي ذلك. فالقرآن نزل في شهر رمضان من جهة (البقرة- 185)، و من جهة أخرى تقول آيات السّورة التي نحن بصددها أنّه نزل في ليلة القدر
و لكن، أية ليلة من شهر رمضان؟ قيل في ذلك كثير، و ذكرت تفاسير عديدة من ذلك: أنّها أوّل ليلة من شهر رمضان المبارك، الليلة السابعة عشرة، الليلة التاسعة عشرة، الليلة الحادية و العشرون، الليلة الثّالثة و العشرون، الليلة السابعة و العشرون، و الليلة التاسعة و العشرون.
و المشهور في الرّوايات أنّها في العشر الأخيرة من شهر رمضان، و في الليلتين الحادية و العشرين أو الثّالثة و العشرين. لذلك ورد في الرّوايات أنّ‏ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يحيي كل الليالي العشر الأخيرة من الشهر المبارك بالعبادة و روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّها الليلة الحادية و العشرون أو الثّالثة و العشرون. و عند ما أصر عليه أحدهم في تعيين واحدة بين الليلتين لم يزد الإمام على أن‏  يقول: «ما أيسر ليلتين فيما تطلب!!»
ثمّة روايات متعددة عن أهل البيت عليهم السّلام تركز على الليلة الثّالثة و العشرين
بينما روايات أهل السنة تركز على الليلة السابعة و العشرين.
و روي عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام قال: «التقدير في ليلة القدر تسعة عشر، و الإبرام في ليلة إحدى و عشرين، و الإمضاء في ليلة ثلاث و عشرين» «».
3_ لماذا خفيت ليلة القدر؟
الإعتقاد السائد أنّ اختفاء ليلة القدر بين ليالي السنة، أو بين ليالي شهر رمضان المبارك يعود إلى توجيه النّاس إلى الاهتمام بجميع هذه الليالي مثلما أخفى رضاه بين أنواع الطاعات كي يتجه النّاس إلى جميع الطاعات، و أخفى غضبه بين المعاصي، كي يتجنب العباد جميعها، و أخفى أحباءه بين النّاس كي يحترم كلّ النّاس، و أخفى الإجابة بين الأدعية لتقرأ كل الأدعية، و أخفى الاسم الأعظم بين أسمائه كي تعظم كل أسمائه، و أخفى وقت الموت كي يكون النّاس دائما على استعداد
و يبدو أن هذا دليل مقبول
 4_  ليلة القدر خير من ألف شهر 
لماذا كانت خيرا من ألف شهر ... الظاهر لأهمية العبادة و الإحياء فيها. و ما جاء من روايات بشأن فضيلة ليلة القدر و فضيلة العبادة فيها في كتب الشيعة و أهل السنة كثير، يضاف إلى ذلك، فإنّ نزول القرآن في هذه الليلة، و نزول البركات و الرحمة الإلهية فيها يجعلها خيرا من ألف شهر
عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام قال: لعلي بن أبي حمزة الثمالي: «فاطلبها (أي ليلة القدر) في ليلة إحدى و عشرين و ثلاث و عشرين و صل في كل واحدة منهما مائة ركعة و أحيهما إن استطعت إلى النور، و اغتسل فيهما» قال: قلت: فإن لم أقدر على ذلك و أنا قائم؟ قال: فصلّ و أنت جالس
قال: قلت: فإن لم أستطع
 قال: فعلى فراشك، لا عليك أن تكتحل أوّل الليل بشي‏ء من النوم إنّ أبواب السماء تفتح في رمضان و تصفد (تقيّد) الشياطين، و تقبل أعمال المؤمنين .. نعم الشهر رمضان!» «

عظمة ليلة القدر
  لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ
و «ألف شهر» تعني أكثر من ثمانين عاما، حقّا ما أعظم هذه الليلة التي تساوي قيمتها عمرا طويلا مباركا
القرآن نزل فيها، و عبادتها تعادل عبادة ألف شهر، و فيها تنزل الخيرات و البركات، و بها يحظى العباد برحمة خاصّة، كما إنّ الملائكة و الروح تتنزل فيها ...
وهي ليلة مفعمة بالسلامة من بدايتها حتى مطلع فجرها. و الرّوايات تذكر أنّ الشيطان يكبل بالسلاسل هذه الليلة فهي ليلة سالمة مقرونة بالسلامة
سَلامٌ هِيَ فليس فيها أيّ معنى يوحي بالشرّ و البغض و الأذى مما يرهق مشاعر السّلام للإنسان. إنه سلام الروح الذي يمتد في روحانية هذه الليلة، في كل دقائقها و ساعاتها في رحمة اللَّه و لطفه. حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ليبدأ يوم جديد يتحول فيه الإنسان- في ما أفاض اللَّه عليه من روحه و ريحانه- إلى إنسان جديد، هو إنسان الخير و المحبة و السّلام، في آفاق اللَّه الرحمن الرحيم الذي هو السّلام المؤمن العزيز الجبّار المتكبر.
و تلك هي ليلة القدر التي قد يكون لها موعد معيّن معلوم، لأن اللَّه ربما أخفاها في الليالي، لينطلق العباد في أيامه، ليصلوا إليها، ليتعبدوا إلى اللَّه في أكثر من ليلة، لاحتمال أنها ليلة القدر، حتى يتعوّدوا أن تكون لياليهم في معنى ليلة القدر، في العبادة و الخضوع و القرب من اللَّه. و ذلك ما يريده اللَّه لعباده، أن يقربوا إليه، و يلتقوا به، ليصلوا إليه بأرواحهم و قلوبهم، لأنهم لا يملكون الوصول إليه بأجسادهم.
النظرة الشعبية لليلة القدر
و قد تكون من مشكلة الوعي الشعبي لهذه الليلة، أن الناس يتطلعون إليها في نظراتهم إلى السماء، ليراقبوا ظاهرة كونية لامعة فيها، أو شبحا غامضا يطوف في أرجائها، أو ملكا سابحا في الفضاء أو نورا، أو شيئا- أيّ شي‏ء- مما يكون إيحاؤه الساذج، أن هذا الإنسان قد طلعت عليه ليلة القدر، ليكون ذلك بمثابة الكرامة الإلهية التي توحي له بالاعتزاز، و تبعثه على الرضى بنتائج ليلته
و لكن ذلك الوهم الروحي الباحث عن الظاهرة في خارج الذات هو المشكلة الناشئة من التخلف الفكري و الروحي، في فهم العبادة و في وعي الدين، و في الإحساس بأسرار الذات في عمق المضمون، حيث يتطلع الإنسان إلى خارج ذاته لا إلى داخلها، و إلى شكل العبادة لا إلى مضمونها، و إلى سطح الدين لا إلى عمقه، و من خلال ذلك تجمّد الدين و تحوّل إلى طقوس و عادات و تقاليد و ابتعد الإنسان عن وعي حقيقته الإنسانية التي هي قبضة من طين الأرض، و نفخة من روح اللَّه، ليبقى متعبدا لذاته، في ما هو الجسد الخالي من معنى الروح، الغارق في ضباب الشهوة، الذي هو مادّة تتحرك لتتحول إلى تراب و رماد، و ليس روحا تتجسد لتحلّق في رحاب اللَّه، حيث‏  هو معنى الإنسان في ليلة القدر

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=301
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 08 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29