• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : علماء .
                    • الموضوع : علماء قدوة : العلاّمة الجليل الشيخ محمد جواد مغنية (ره) .
                          • رقم العدد : العدد العشرون .

علماء قدوة : العلاّمة الجليل الشيخ محمد جواد مغنية (ره)

علماء قدوة : العلاّمة الجليل الشيخ محمد جواد مغنية (ره)


إعداد : هيئة التحرير

هو العلاّمة الجليل والمفكر الإسلامي الكبير الشيخ محمد جواد بن الشيخ محمود مغنية ، من أبرز علماء لبنان ، ولد سنة 1322 هـ في قرية طير دبا من جبل عامل
درس على شيوخ قريته ثم سافر إلى النجف الاشرف ، وأنهى هناك دراسته ، ومن أبرز أساتذته ، السيد حسين الحمامي ( قدس سره ) ، والسيد الخوئي ( قدس سره ) ثم عاد إلى جبل عامل وسكن قرية طير حرفا ، ثم عين قاضيا شرعيا في بيروت ثم مستشارا للمحكمة الشرعية العليا فرئيسا لها بالوكالة ، إلى أن أحيل للتقاعد
والشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ من الذين أبدعوا في شتى الميادين ، توجَّه بإنتاجه وأفكاره بصورة خاصة إلى جيل الشباب في المدارس والجامعات والحياة العامة ، فكان يعالج في كتبه المشاكل والمسائل التي تؤرقهم وتثير قلقهم كمسائل العلم والإيمان ، ومسائل الحضارة والدين ، ومشاكل الحياة المادية والعصرية
توفاه الله عام 1979، بعد رحلة طويلة من الكدح والجهاد باللسان والقلم، حتى ترك لنا ثروة ضخمة من المعرفة ولج فيها العلامة الفقيد رحمه الله شتى مناحي العلم، بأُسلوب سلس يفهمه الجميع، وبروح واعية لمداخلات العصر وهمومه وتحدياته وهذا ما ساعد على انتشار كتبه التي أصبحت ذائعة الصيت رغم محاولات العديد من الأنظمة لمنعها ومصادرتها.
وكان يقضي في مكتبته بين 14 إلى 18 ساعة من اليوم والليلة ، وأما مؤلفاته فإنها تربو على اثنين وستين كتابا ، أشهرها ، فقه الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ ، تفسير الكاشف ، في ظلال نهج البلاغة ، وله الكثير من المقالات والنشرات ، وكان كثير الذب عن التشيع بلسانه وقلمه ضد التجني والافتراءات
توفي ليلة السبت في التاسع عشر من محرم الحرام سنة 1400 هـ ، ونقل جثمانه إلى النجف الاشرف وشيع تشييعا باهرا حيث صلّى عليه السيد الخوئي ( قدس سره ) ، ودفن في إحدى غرف مقام الامام علي ـ عليه السلام.

محطات من حياة الشيخ الجليل
أيام مريرة من حياة الشيخ مغنية
يسرد الراحل الفقيد، وبشيء من التفصيل، بعضاً مما لاقاه في حياته خلال الطفولة، وهي على أية حال مترعة بالأسى، والإحساس باليتم، والعوز ولكنه قابل قدره بالصبر والمثابرة والكفاح
ففي سيرته الذاتية، التي كتبها بقلمه (تجارب محمد جواد مغنية) يورد العديد من تلك الصور.. سواء في قريته أو في بيروت.. وهو يتجول في شوارعها بائعاً للحلوى.. والكتب.. حتى يتخذ قراره الخطير، في السفر إلى النجف الأشرف ويعرض وقائع رحلته إلى النجف عام 1925 المحفوفة بالمجازفة والمغامرة.. وكيف كان بلا مال يكفي ولا جواز سفر.. وكاد أن يقع في قبضة السلطات لتعيده من حيث أتى، ولكن المشيئة الإلهية حالت دون ذلك، ووقفت إلى جنب هذا الشاب الوديع المفعم إصراراً، وهو ابن العشرين من عمره.. وليصل إلى بغيته ـ النجف ـ والتي من أجلها شدّ الرحال..
يصف لنا بعض المحطات المريرة من حياته فيقول: كنت اقضي الأيام طاوياً لا أذوق الطعام، إلا حبات من الحمص المقلي، أو من الفستق آكلها مع القشور اشتريها من دكان القرية، حتى هذه كان يحرمني منها صاحب الدكان لعجزي عن وفاء الدين القديم، وما زلت اذكر حتى الآن أني أمضيت ثلاثة أيام لم أذق فيها شيئاً.
ويصف حالته المؤلمة بكلام موجع فيقول: (كنت اخشي فصل الشتاء والبرد خاصة اذا غابت الشمس واقبل الليل، كنت أقيم في بيت أبي القديم أجلس على الأرض واثني ساقي واضعاً صدري على فخذي وساعدي على رأسي أغطي جسدي بعضه ببعض حتى أصبح كالصرة المربوطة عسى أن تخفّ وطأة البرد، فأصبت من جرّاء ذلك بمرض الروماتيزم ولازمني أكثر من 72 عاماً
وقد عدّ سنوات البؤس التي قضاها في بيروت (نعمة من الله) يقول: (من نعم الله عليّ إني نشأت يتيم الأبوين ولليتيم أكثر من صورة وكلها عواصف وقواصف لكن آثاره على الرغم من ذلك أضداد متنافرة فقد يؤدي اليتم الى التسوّل وارتكاب الجرائم وقد يجعل الله فيه خيراً كثيراً فيصنع اليتيم كيانه من آلامه ويحقق ذاته من أوصابه تماماً كما تصنع الشعوب المغلوبة من أغلالها معولاً تحطم به السدود والقيود.
ولم تفارق أيام البؤس والشقاء الشيخ حتى بعد عودته الى بلدة (معركة) فعاش أياما في ضيق شديد يقول فيها : (مرّ عليّ أسبوع أو أكثر وأنا اقترض الخبز لي ولعائلتي)!
هو .. والنجف
يقول عن النجف: يدخلها واحد من الناس، لا يُعرف له أصل ولا فرع، لا مال له، ولا كفيل من إنسان أو نظام، ولا شغل في تجارة أو مهنة أو غير ذلك، لا شيء على الإطلاق إلاّ القصد إلى طلب العلم.. ثم تمضي الأيام وإذا بهذا النكرة المعدم علم بين الأعلام.. أليس هذا في ظاهره خارقا للمعتاد؟.. إن النجف لا نظير لها في العالم كلِّه ـ على ما اعتقد ـ لا نظير لها في وضعها المعقد، وفي عيش الطلبة فيها، فأول مشكلة تواجه الطالب الغريب هي مشكلة التوافق والانسجام بينه وبين أوضاعها، فإذا استطاع أن يصبر عليها، ويلتحم معها أمكن أن يصل إلى ما يبتغيه من طلب العلم، وإلاّ فليرجع من حيث أتى.
وبعد عشرة أعوام قضاها في النجف عاد جسده إلى وطنه لبنان أما روحه فبقيت في مجالس النجف وظل طوال حياته يحن إليها ويصف الأيام التي قضاها في النجف على أنها من أروع أيام حياته وتجلى حبه العميق للنجف في كتاباته.
عودته الى لبنان
عاد شيخنا إلى لبنان عالماً دينياً في قرية (معركة) بقضاء صور وبدأ يمارس مهمته في نشر الوعي الإسلامي بإلقاء دروس في تفسير القرآن الكريم وسيرة الرسول (ص) وفضائل أهل البيت (ع)
في قرية (طير دبا) قضى شيخنا عشرة أعوام تقريباً وقد تحسنت أموره المادية ورزق بأول أولاده (عبد الحسين) ولقد انطلق في هذه القرية في رحلته مع القراءة والكتابة وقد ساعدته أجواء الطبيعة الخلابة على التأمل والتفكير .

هو .. والعلم
يقول العلامة محمد جواد مغنية: (إن العالم وبخاصة في هذا العصر، عصر التغيير السريع والتطور الهائل هو الذي يواصل السير على طريق المعرفة والعلم، فإذا أحجم عن طلبه، لأنه بلغ النهاية بزعمه، فقد انتهى العلم منه، ولم ينته هو إلى شيء منه.
وفهمي هذا للعالم هو الذي خلق فيّ الصبر والاحتمال من أجل العلم وتحصيله، وأيضاً صبري على ما لاقيت في طلبه هو الذي أوحى إليّ بهذا الفهم، وجرَّأني على أن أقول: كل من ادّعى العلم، وقطع صلته بالكتاب بعد المدرسة فهو كاذب في دعواه .. ولست أعرف كلمة أصدق من قول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (إذا أعطيت العلم كلك أعطاك بعضه). فأن كلمة (كلك) تومئ إلى الاستمرار في طلبه ليل نهار. أما قوله: (قيمة كل امرئ ما يحسن) فمعناه إن يتقن معرفة ما يتصدى لمعرفته ويضطلع به، وليس من شك أن الإتقان يستدعي إعادة النظر والبحث مرات ومرات
هو.. والقراءة
عرف عن الشيخ الفقيد ولعه الشديد بالقراءة. يذكر هذه الحالة بفخر واعتزاز فيقول .. (.. أنا من أفنى في المطالعة والكتابة عمره.. لقد قرأت آلاف الكتب والمجلات والصحف وكتبت ستين مؤلفاً ـ بعض منها بعدة مجلدات ..
وفي مجال آخر يقول رحمه الله: (أحب أن أقرأ كثيراً، واكتب قليلاً، بل لا أحب أن أكتب إلاّ إذا لم أجد مفراً من الكتابة، أي عندما أحس في نفسي شيئاً لا يدعني أهدأ واستقر حتى أعلنه للناس، إني أتعطش إلى القراءة والمطالعة وأود أن أشغل وقتي كلّه فيها ليل نهار.
وعن ومواكبته لحركة الصحافة فانه ذات يوم كان يمشي وبيده مجموعة من المجلات والجرائد، وفي الأثناء صادفه شيخ فتعجب الأخير منه وقال للفقيد: حرام عليك شراؤها، وكان الأولى أن تدفع ثمنها للشعب الفلسطيني! فما كان من الشيخ مغنية إلاّ أن أجاب: الحرام ما حرمه الله، وأنا بهذه الصحف أعرف من هم أعداء الشعوب والإنسانية وأطلع على أخبار الفلسطينيين ومدى وعيهم وصمودهم وتضحياتهم، وأطلع على حركات التحرر في كل مكان وأشاركها آمالها وأقول كلمة الحق بقلمي ولساني، وأنا على بصيرة منه.
رحلة القلم والتأليف
فقد كان شيخنا نهماً في قراءاته فإلى جانب كتب الفقه والأصول والأدب والفلسفة والتاريخ التي كان يقرأها فقد كان متابعاً لما تخرجه المطابع في مصر ولبنان والخليج من كتب في الدين والأدب والثقافة المتنوعة، كان يقرأ لطه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ومحمد حسنين هيكل وشكيب أرسلان وأديب المهجر جبران، كما يقرأ لتولستوي ونيتشة وولز وشبنهور وشكسبير وبرنارد شو ويتابع أيضاً ما كتب عن غاندي وأديسون، أما في مجال التأليف في تلك القرية - طير دبا- فقد كتب رسالة في الضمان وثانية في الإرث وهما بحثان فقهيان وكتب في الأصول رسالة بعنوان (في مجهولي التاريخ) وبحثاً في (التضمين) وهو دراسة لغوية وألّف كتاباً بعنوان (المرأة) وصنف كتاباً في دعبل والكميت ثم وضع كتاب (المجالس الحسينية)، نُشر وأعيد طبعه مراراً كما وضع كتاب (الوضع الحاضر في جبل عامل)، وهو أول كتاب ينشر له وكان ذلك عام 1947
إنصرف إلى التأليف بشكل كامل منذ عام 1957 واستمر على ذلك حتى وافاه الأجل في 8/12/1979
كانت لديه لقاءات كثيرة مع أكثر من عالم في أسفاره دار فيها حوار ونقاش وبحث وقراءة لأفكارهم ومحاولة الإقناع بالكلمة الطيبة وهذا هو منهجه وقد كتب كل هذا في بعض كتبه وكتابه التجارب وفي عام 1977 ظهرت موجة المذهب الوجودي الذي سيطر على عقول الكثير من الشباب فما كان من شيخنا إلا أن يرد عليه بكتابه (الوجودية والغثيان) ثم تلاه بـ(فلسفة
الأخلاق الإسلامية) ثم (الاسلام بنظرة عصرية
من أخلاقه ومواقفه
كان مثال العالم الذي لا تأخذه في الله لومة لائم وكان للشيخ الكثير من المواقف التي تعكس حقيقة إنسانيته وعدم استعداده للمساومة أو المهادنة ونعرض لبعض تلك :
1_ في عام 1956 م طلب أحد المسؤولين اللبنانيّين من مغنيّة أن يصدر حكماً قضائياً وفقاً لما يريده هو، حتّى قال له فيما قال: «استجب لطلبي، فإنّي سأُثبّتك في الرئاسة»، فامتنع الشيخ عن ذلك قائلاً له: «إنّي أهتمّ أوّلاً بتثبيت ديني قبل تثبيتي في الوظيفة. أمّا الكرسي فظلّ زائل بعد هذه الحادثة ـ تحديداً في عام 1968 م ـ اعتزل مغنيّة عن جميع مسؤولياته، واشتغل بالبحث والتأليف.
2_ في الأربعينيات عندما كان الإقطاع يتسلط على الأجنة في الأرحام ـ كما عبر أحد الأدباء العاملين ـ كان محمد جواد مغنية بدوره يتصدى بضراوة للإقطاعيين العتاة رموز السلطة الجائرة في ذلك الزمان، تصدى لهم بصوته وقلمه وحث الشعب على الثورة وقد ألف محمد جواد مغنية سنة 1945 كتاب (الوضع الحاضر في جبل عامل) ونشره سنة 1947
ً3_ كان ينظر رحمه الله في دعوى مرفوعة أمامه ويراجع فحواها.. وإذا برسول من رئيس الوزراء يدخل عليه وبعد السلام والتحية يقول له: إن دولة رئيس الوزراء يسلم عليك ويطلب منك أن لا تصدر حكماً في الدعوى التي صادف انه ينظر فيها... فما كان منه إلاّ أن استبقى الرجل في المحكمة، وتابع النظر في الدعوى واصدر حكمه العادل فيها ثم حمَّل الرسول نسخة من قرار الحكم وبعثه إلى رئيس الوزراء الذي طار صوابه عند قراءته للحكم الذي جاء لغير مصلحته.
4_كان يسافر متخفياً دون إعلام أحد حتى لا يجري له أي استقبال، وإذا عرفته السلطات في البلد الذي يزوره، وأرادت أن تفتح له صالون الشرف في المطار، أو أن تستضيفه في ديارها، كان يرفض ذلك بشدة ويفضل الرجوع إلى وطنه ومرة في أحد المطارات العربية أصر أحد المسؤولين الكبار أن يقدّم له هدية، وهي عبارة عن عباءة فاخرة، وعندما رأى الشيخ أنه لا خلاص له من هذا الموقف المحرج، خلع عباءته التي يرتديها أعطاها بالمقابل لهذا المسؤول، وبعد دقائق خرج محمد جواد مغنية إلى الشارع وأعطى العباءة الهدية إلى أول صديق التقاه
5_ يقول : اعترضت طريقي عجوز فقيرة، وقالت: أنا ذاهبة إلى الحج، وعندي من حق الله 300 ليرة، وأنت بها أولى وأدرى. قلت: لعلك ضالة عن الذي تريدين. قالت: كلا، أنت الشيخ مغنية؟ قلت لها ملاطفاً: عندي غير جبتي هذه ثلاث جبب، وإذا أخذت منك أل 300 ليرة فأشتري جبة خامسة تفوق بأبهتها جبب الشيوخ مجتمعة، أليس الأولى أن تنظري البائسين والمعوزين في بلدك، وتوزعي عليهم المبلغ على أن يكون نصفه للسادة الفقراء من نسل الرسول (صلى الله عليه وآله) والنصف الآخر لغيرهم من المحتاجين، وإذا عرفت عاملاً يضيق كسبه عن عياله، ويعجز عن تعليم أطفاله فادفعي عنه ثمن الكتب وقسط المدرسة، فاقتنعت وقالت: افعل
هو وأهل البيت (ع)
يعتقد الشيخ مغنيّة بل يقسم أنّه قرأ مختلف الكتب، وطالع الآراء قديمها وجديدها، شرقها وغربها، فتوصّل إلى أنّ كلّ ما يفيد الناس موجود بشكل أكمل وأفضل في التراث الإسلامي، لاسيّما تراث أهل البيت، وبالأخصّ في كلمات الإمام علي ونجله الإمام الصادق (عليهما السلام)
_عندما حل شهر محرم عام 1400 للهجرة 1979م حضر شيخنا مجلس العزاء في الليلة الأولى وأخذ يبكي ويبكي بحرارة أكثر من أي عام مضى وفي الليلة الرابعة طلب الحاضرون منه أن يلقي كلمة ولو قصيرة قبل المجلس فاعتذر بسبب مرضه فألحّ الحاضرون لكنه لم ينطق سوى بكلمات حتى وقع على الأرض مغشياً عليه وعندما أسعفوه وعملوا له تنفساً اصطناعياً إذ كان في المجلس أربعة أطباء عاتبهم الشيخ بعد ذلك وبكى لأنهم فوتوا عليه الفرصة لأن يتوفاه الله وهو يتكلم من على المنبر الحسيني وفي ذكرى عاشوراء الحسين، وتمنى لو أنه مات في الحسينية في أيام عاشوراء
من مواقفه السياسية
في مواجهة أمريكا
وصف أميركا بأنها (أطغى دولة في الكرة الأرضية وأكثرها فساداً واعتداء.. وما من خائن لأمته ووطنه إلاّ ويجد في أحضانها مقاماً كريماً، وعريناً أميناً
ويقول : زارني في سنة 1953 في منزلي، القائمُ بأعمال السفارة الأمريكية ودعاني باسم السفير إلى لقاء على ظهر إحدى حاملات الطائرات الأمريكية الراسية في مياه بيروت فطردته ورفضت ..
وقال لمن طلب منه ذلك بالحرف الواحد: «اسمع يا هذا، إنّ أميركا ألدّ عدوّة للإسلام والأُمّة العربية، أميركا أوجدت إسرائيل، وقتلت شعبنا في فلسطين، وشرّدته من دياره. إنّ دماء أبنائنا ما زالت تنزف في دير ياسين وعلى أرض فلسطين، وأُخوتنا يقتلون بسلاح أميركا الذي تغدقه على إسرائيل... وبعد هذا تدعوني إلى زيارة الأُسطول السادس
وقال لي مدير عام في الدولة ـ لن اذكر اسمه ـ: ستدفع الثمن غالياً، أجبته: اعرف ذلك.
في مواجهة الصهيونيّة
تجده في أغلب كتاباته التي يتحدّث فيها عن الاستكبار يتهجّم على إسرائيل أيضاً، ويرى في أمريكا المدافع الأوّل عن هذا الكيان المجرم، بل يعدّه صنيعته ويلقي باللوم الشديد على المسلمين; لضعفهم وعجزهم تجاه إسرائيل وعنجهيتها، على كثرة عددهم وامتلاكهم لثروات حيث يقول: «كلّ هذه القدرات والإمكانات متوفّرة لدى المسلمين، ولا أثر للمسلمين على أيّ مستوى يذكر! اللهمّ، إلاّ مؤتمرات وصرخات لا شي وراءها إلاّ الشماتة والفضيحة! وأيّ عار على العرب والمسلمين أشدّ وأعظم من هوانهم على إسرائيل؟! أبداً كلّما عقدوا مؤتمراً تمادت إسرائيل في الغي والتوسّع، وكلّما رفعوا صوتاً استهانت بهم وبكلّ حقّ وشرعية، ولا سرّ إلاّ الأوضاع الفاسدة السائدة.
• هو .. واليسار .. والشيوعية
كانت التهمة باليسار والشيوعية (موضة العصر في الخمسينيات) على حد تعبير الشيخ محمد جواد مغنية، يطلقها الخونة والرجعيون ضد كل وطني ينادي بالعدل والحرية، ولم يسلم الشيخ رحمه الله من هذه التهمة بسبب مواقفه المعادية للغرب وأمريكا وتحتَ عنوان (الدس الرخيص) كتب في هذا الموضوع قائلاً :
التهمة باليسار والشيوعية فلا تفزعني، لأن هذه الفرية وألفاً من أمثالها لا تؤثر عليَّ بمقدار تأثير الغبار على حذائي، لأني على يقين من ديني وإيماني وعدله، وأني أحمده تعالى على حظي عند شرار خلقه.
مغنيّة والإمام الخميني
كتب عن الثورة الإسلامية والدولة الإسلامية ـ والتي نادى بها الإمام الخميني ومن ثمّ شيّدها بنفسه الزكية ـ ما هذا نصّه:
وصدع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمره تعالى، وأسّس دولة السلام والمحبّة والرحمة والإنسانية، وانتشلت ملايين المعذّبين في الأرض من رعايا الإمبراطورية الرومانية المسيحية والإمبراطورية الفارسية المجوسية، ورحّب الكثير منهم بالإسلام والمسلمين; ليتحرّروا من ظلم القادة وطغيانهم، وينعموا في ظلّ العدل والرحمة. هذه هي دولة الإسلام التي يدعو إليها الإمام الخميني، ولأنّها رحمة للعالمين المسلمين وغير المسلمين يحاربها المستعمرون والصهاينة وأذنابهم الأدعياء والعملاء. ولكن الإيمان الحقّ الذي ليس بسلعة تباع وتشترى وتعار أقوى من كلّ سلاح ومن دول الضلال وأحزابه... وليست هذه فورة عاطفية، بل عين الواقع، والشاهد تاج الشاه الذي تحصّن بالمال والرجال وأسلحة الدمار ودول الشرق والغرب، ومع ذلك تحطّم على صخرة دين الخميني وإيمانه وعزم أنصاره وأعوانه في سرعة كأنّها لغز من ألغاز القرن العشرين.. وأخيراً هذه النبوءة التي جاءت في الجزء الثاني من كتاب «سفينة البحار» ص446 طبعة سنة 1936م نقلاً عن مصادر مضى عليها العديد من القرون، وهذا نصّها: «يخرج رجل من قم يدعو الناس إلى الحقّ، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تُزِلهم العواصف، ولا يملّون، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكّلون، والعاقبة للمتّقين». وهذا الوصف أصدق وألصق بالإمام الخميني وقومه، حيث أمضى معظم حياته في مدينة قم درساً وتدريساً، وفيها أعلن الثورة على الشاه، ومنها نفي. أمّا دعوته فهي دعوة الحقّ والعدل التي يستجيب لها كلّ محقّ ومخلص، ويرهبها كلّ مبطل وآثمّ، والله ولي المتّقين
الوحدة والتقريب
لقد بذل الشيخ محمّد جواد مغنيّة جهوداً حثيثة في سبيل تحكيم الوحدة الإسلامية. حيث كان يستغلّ كلّ فرصة للانفتاح على علماء أهل السنّة والتحاور معهم، في خصوص الوحدة، وما هي السبل والآليات التي تكفل تحقيقها على أرض الواقع
في عام 1960م التقى بالشيخ محمّد أبي زهرة بدمشق. وفي عام 1970م زاره الدكتور مصطفى محمود. كما كانت له لقاءات مع كلّ من الشيخ الفحّام فقيه الأزهر، والشيخ الشرباصي.
وفي عام 1382 هـ المصادف لسنة 1963م سافر الشيخ محمّد جواد مغنيّة إلى مصر وزار كلاًّ من جامعة الأزهر والقاهرة وعين شمس، كما زار مؤسّسة دار الكتب بعد ذلك التقى بشيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت، ودار بينهما حديث حول الوحدة الإسلامية.
رحم الله شيخنا الجليل وجزاه الله خيرا عن الإسلام والتشيع ونفعنا بعلمه ووفقنا للاقتداء بنهجه واستلهام مواقفه .
 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=355
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 08 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29