• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : سيرة .
                    • الموضوع : من مكارم اخلاق الامام الصادق (ع) .

من مكارم اخلاق الامام الصادق (ع)

جــوده وكرمــه :

 

   1 - قال سعيد بن بيان : مرَّ بنا المفضل بن عمر - أنا وأخت لي - ونحن نتشاجر في ميراث فوقف علينا ساعة ثم قال لنا : تعالوا إلى المنزل ، فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم دفعها إلينا من عنده حتى إذا استوثق كل واحد منا صاحبه قال المفضل : أما إنها ليست من مالي ولكن أبا عبد اللـه الصادق أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا أن أصلح وأفتد بها من ماله - فهذا مال أبي عبد اللـه - .

 

  2 - وجاء إليه رجل وقال : لقد سمعت أنك تفعل في عين زياد - وكان ذلك اسم قرية له - شيئاً أحب أن أسمعه منك .

  فقال (ع) : “ نعم كنت آمر إذا أدركت الثمرة أن يثلم ( أي يشق ويهدم ) في حيطانها الثلم ليدخل الناس ويأكلوا . وكنت آمر أن يوضع بنيات يقعد على كل بنية عشرة ، كلما اكل عشرة جاء عشرة أخرى يلقي لكل منهم مدّ من رطب ، وكنت آمر لجيران الضيعة كلهم الشيخ والعجوز والمريض والصبي والمرأة ومن لا يقدر أن يجيء فيكال لكل إنسان مدّاً فإذا أوفيت القوام والوكلاء آجرتهم وأحمل الباقي إلى المدينة ففرقت في أهل البيوت والمستحقين على قدر استحقاقهم ، وحصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار وكان غلتها أربعة آلاف دينار “.

  يعني ذلك أنه كان يصرف تسعة أعشار تلك الضيعة في الوجوه الخيرية بينما يجعل لنفسه عشراً واحداً منها فقط .

 

  3 - وينقل هشام بن سالم أحد أصحاب الإمام البارزين فيقول : كان أبو عبد اللـه إذا اعتم - أي أظلم - وذهب من الليل شطره أخذ خناً فيه لحم وخبز ودراهم فحمله على عنقه ثم ذهب إلى أهل الحاجة من أهل المدينة فقسمه فيهم ولا يعرفونه .  فلما مضى “ وتوفي “ أبو عبد اللـه فقدوا ذلك ، فعلموا أنه كان أبا عبد اللـه  [1] .

 

  4 - يحدّث الهياج البسطامي عن كرم الإمـام فيقول : كـــــان أبو عبد اللـه ينفق حتى لا يبقى شـــــيء لعيالـــــه  [2] .

  5 - وقال بوابه المصادف : كنت مع أبي عبد اللـه بين مكة والمدينة فمررنا على رجل في أصل شجرة وقد ألقى بنفسه فقال (ع) مل بنا إلى هذا الرجل ( أي إعدل الطريق إلى جانبه ) فإني أخاف أن يكون قد أصابـــه العطش ، فملنا إليه فإذا هو رجل من النصارى طويل الشعر ، فسأله الإمام : عطشان أنت ؟ فقال : نعم فقال الإمام : إنزل يا مصادف فاسقه ، فنزلت وسقيته ثم ركب وسرنا ، فقلت له : هذا نصراني أفتصرف على نصراني ؟

  فقال : نعم إذا كانوا بمثل هذه الحالة  [3] .

  6 - كان مريضاً ذلك النهار الذي دخل عليه الشاعر اشجع السلمي فجلس إليه يسأل عن أحواله فقال له الإمام (ع) تعدّ عن العلة واذكر ما جئت له .

  فقال الشاعر :

  ألبســــــــــــــك اللـــــــــــه منـــــــــــــــــــــه عــــــــــــــــافيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــة                    فـــــــــــــــي نومــــــــــــــك المعتــــــــري وفــــي أرقـــــــــــك

  يخــــــــــــرج مـــــــــــــن جسمــــــــــك السقـــــــــــــــام كمــــــــــــــا                أخــــــــــــــــــــــرج ذل الســـــــــــؤال مــــــــــــــــن عنقــــــــــــــك

  فقال الإمام : يا غلام أي شيء عندك ؟

 قال : أربعمائة . قال : أعطها لأشجع .

 

  7 - وبعث إلى ابن عم له من بني هاشم صرَّة بيد أبي جعفر الخشعمي - وكان من وراته الموثوقين - فأمره بأن يكتمه عنه . فلما جاء إلى الهاشمي وأعطاه ، قال : جزاه اللـه خيراً ، ما يزال كل حين يبعث بها فنعيش به إلى عام قابل ، ولكني لا يصلني جعفر بدرهم مع كثرة ماله .

  وحينما حضرته الوفاة أمر بسبعين ديناراً لابن عمه الحسن بن علي الأفطس ، فقيل له : أتعطي رجلاً حمل عليك بالشفرة ليقتلك ؟

  فقال عليه السلام : ويحكم أما تقرأون :

{ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ اللـه بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ } (الرعد /20)

  “ إن اللـه خلق الجنة فطيَّبها وطيَّب ريحها ليوجد من مسيرة ألف عام ، ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم “  [4] .

 

حلمــه ورأفتــه :

  1 - كان (عليه السلام ) إذا بلغه من أحد نيلاً منه أو وقيعة فيه قام إلى مصلاّه فأكثر من ركوعه وسجوده وبالغ في ابتهاله وضراعته وهو يسأل اللـه أن يغفر لمن ظلمه بالسب ونال منه .

  وإن كان من أقربائه الأدنين فكان يوصله بمال ويزيد في بره قائلاً : إني لأحب أن يعلم اللـه أني أذللت رقبتي في رحمي ، وأني لأبادر أهل بيتي أصلهم قبل أن يستغنوا عني .

 لله سيدي ما أعظمك واحلمك .. وماأكبرك نفساً وأرحبك صدراً وأحسنك خلقاً .

 

  2 - وبعث غلامه إلى حاجة فأبطأ ، فذهب على أثره يتفقده فوجده نائماً على بعض الأرصفة ، فجاء حتى جلس بجانبه يروح له فلما انتبه قال له : يا فلان ما ذلك لك تنام الليل والنهار ، لك الليل ولنا منك النهار.

  إذا أضفنا هذه القصة الصغيرة إلى الوضع الإجتماعي ذلك اليوم الذي كان الرقيق يعاملون معاملة البهائم فيشبعونهم ضرباً بمجرد أن تبدر منهم بادرة ، نعرف مدى نضوج الإنسانية الرفيعة في فؤاده الكبير .

 

  3 - بعث غلاماً له أعجمياً في حاجة فلما رجع بالجواب لم يستطع أن يفصح به العبد لأنه لم يكن يجيد العربية تماماً ، فبدلاً من أن ينهره ويطرده - شأن الناس ذلك اليوم - سكن قلبه وهدأ اضطرابه وقلقه حيث قال له : لإن كنت عيّ اللسان فما أنت بعيّ القلب ثم أضاف :

  “ إن الحياء والعفاف والعيّ - عيّ اللسان لا عيّ القلب - من الإيمان “  [5] .

 

 4 - ونهى أهل بيته عن الرقي إلى السطح عبر سلّم مشيراً لهم بأفضلية الدرج المألوف للصعود ، فدخل ذات مرة الدار ورأى إحدى الجواري التي كانت تربي ولداً له تتسلق السلَّم والطفل بيدها فلما بصرت الجارية بالإمام خافت وارتعدت فرائصها وسقط الصبي من يدها ومات .

  فخرج (ع) إلى مجلسه متغيراً لونه ، فلما سئل عن ذلك قال : ما تغير لوني لموت الصبي ، وإنما تغير لوني لما أدخلت على الجارية من الرعب ، في حين أن الإمام قال لها حينما شاهدها خائفة مذعورة : أنت حرة لوجه اللـه ، أنت حرة لوجه اللـه . [6] .

 

  4 - كانت الحجـــاج تتقاطر على مكة والمدينة وكان بعضهم يفضل المبيت فــــي مسجد النبي (ص) بــــدلاً  من أن يستأجروا مقابل بعض الدراهم ، فكان أحدهم نائماً بالمسجد والإمام يصلي بجانبه فلما انتبه لم ير هميانه الذي حفظ فيه نقوده ، فتعلق بالإمام - ولم يكن يعرفه - قائلاً له أنت سرقت همياني .

  قال له الإمام : كم كان عندك من النقود ؟

  قال : ألف دينار . فحمله إلى منزله وأعطاه ألف دينار فذهب الرجل ثم وجد هميانه وفيه ألف دينار فعاد بالمال إلى الإمام متعذراً ، فأبى قبوله قائلا : شيء خرج من يدي لا يعود إليّ .

  فخرج الرجل يسأل الناس عن الإمام فقيل هذا جعفر بن محمد فقال : لا جرم هذا فعال مثله  [7] .

 

   صبــره وأمانتــه :

 

   كان للإمام ولداً يدعى ( إسماعيل ) وكان أكبر أولاده ، فلما شبَّ كان جمَّاع الفضائل والمكارم حتى حسب أنه خليفة أبيه والإمام من بعده ، ولما اكتمل نبوغه صرعته المنية ، فلم يخرج لوفاته بل دعا أصحابه إلى داره لمراسم الدفن وأتى إليهم بأفخر الأطعمة وحثهم على الأكل الهنيء ، فسألوه عن حزنه على الفقيد الفتي الذي اختطفه الموت في ربيعه ولما يكمل من الحياة نصيبه ، قال لهم : ومالي لا أكون كما ترون في خير أصدق الصادقين - أي الرسول (ص) - : { إنك ميت وإنهم ميتون }

 

    2 - وكان له ولد آخر كان في بعض طرقات المدينة يمشي أمامه غضاً طرياً ، اعترضته غصة في حلقه فشرق بها ومات أمامه ، فبكى (ع) ولم يجزع بل اكتفى بقوله مخاطباً لجثمان ولده الفقيد :

  “ لئن أخذت لقد أبقيت ، ولئن أبليت لقد عافيت “ .

 

  ثم حمله إلى النساء فصرخن فأقسم عليهن ألا يصرخن .

  ثم أخرجه إلى المدفن وهو يقول : “ سبحان من يقتل أولادنا ولا نزداد له إلاّ حبّاً “ .

  وقال بعد الدفن : “ إنا قوم نسأل اللـه ما نحب فيمن نحب فيعطينا ، فإذا أحب ما نكره فيمن نحب رضينا “ .

 

 

   نظرته الإنسانيــة :

 

  1 - أعطى بوابه ومـولاه - مصـادف - ألف دينار وقال له تجهز حتى نخرج إلى مصر ( أي في رحلة تجارية ) فإن عيالي قد كثروا ، فتجهز وخرج مع التجار إلى مصر فلما دنوا منها استقبلتهم قافلة خارجة منها فسألوهم عن المتاع الذي معهم ما حاله في المدينة ؟ فأخبرهم أن ليس بمصر منه شيء فتحالفوا وتعاقدوا على أن لا ينقصوا من أرباح دينار ديناراً - يعني يجعلون الربح مضاعفاً - فلما قبضوا أموالهـــم انصرفوا إلى المدينة .

  فدخل مصادف على أبي عبد اللـه (ع) ومعه كيسان في كل واحد ألف دينار وقال : جعلت فداك هذا رأس المال وهذا الآخر ربح فقال (ع) : إن هذا الربح كثير ولكن ما صنعتم في المتاع ؟ فحدَّثه مصادف بقصة تجارتهم .

  فقال :

  “ سبحان اللـه تحلفون على قوم مسلمين ألا تبيعوهم إلاّ بربح الدينار ديناراً ؟ ثم أخذ أحد الكيسين فقال هذا رأس مالي ولا حاجة لنا في الربح . ثم قال يا مصادف مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال “  [8].

 

  2 - كان للإمام صديق لا يكاد يفارقه ، فغضب يوماً على عبده وسبه قائلاً : أين كنت يا ابن الفاعلة !! فلما سمع أبو عبد اللـه دفع يده فصك بها جبهة نفسه . ثم قال : سبحان اللـه تقذف أمه ، قد كنت أرى لك ورعاً .

  فقال الرجل : جعلت فداك إن أمه أمة مشركة ، فقال (ع) : أما علمت أن لكل أمة نكاحاً .

 

  3 - انقطع شسع نعله وهو يسير مع بعض أصحابه يشيعون جنازة ، فجاء رجل بشسعه ليناوله ، فقال: أمسك عليك شسعك فإن صاحب المصيبة أولى بالصبر عليها .

  4 - قال بعض أصحابه : أصاب أهل المدينة غلاء وقحط حتى أقبل الرجل الموسر يخلط الحنطة بالشعير ويأكله ، وكان عند أبي عبد اللـه طعام جيد - فيه كفاية - قد اشتراه أول السنة فقال لبعض مواليه : إشتر لنا شعيراً واخلط بهذا الطعام ، أو بعه فإنا نكره أن نأكل جيدا وياكل الناس رديئاً .

  وقال الآخر دخلنا على أبي عبد اللـه في حائط - أي بستان - له وبيده مسحاة يفتح بها الباب وعليه قميص ، وكان يقول إني لأعمل في بعض ضياعي وإن لي من يكفيني ليعلم اللـه أني أطلب الرزق الحلال .

 

  عبادتــه وطاعتــه :

   كل من وصف جعفر بن محمد الصادق (ع) بالعمل شفعه بالزهد والطاعة وإليك بعض كلماتهم في ذلك :

  قال مالك - إمام المذهب - : “ كان جعفـر لا يخلو مـن إحـدى ثلاث خصـال ، إما مصلٍّ وإما صائم وإما يقرأ القرآن “ [9] .

  وقال : “ ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق (ع) علماً وعبادةً وورعاً [10] .

  وقــــال الوزير أبو الفتح الأربلـــــي : “ وقف نفسه الشريفة علــــى العبادة وحثَّها على الطاعة والزهادة واشتغــــل  بأوراده وتهجده وصلاته وتعبده “ .

 

  ويـروي بعض معاصـريه : رأيت أبا عبـد اللـه (ع) ساجداً في مسجـد النبي (ص) فجلست حتى أطلت ، ثم قلت : لأسبحنّ ما دام ساجداً فقلت : سبحان ربي وبحمده استغفر ربي وأتوب إليه ثلاثمائة ونيفاً وستين مرة فرفع رأسه [11] .

 

  “ إنه كان يلبس الجبة الغليظة القصيرة من الصوف على جسده ، والحلة من الخز على ثيابه ويقول : نلبس الجبة لنا والخز لكم [12]، ويرى عليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه وفوقه جبَّة صوف وفوقها قميص غليظ “ .

  “ ويطعم ضيوفه اللحم ينتقيه بيده وهو ياكل الخل والزيت ويقول : “ إن هذا طعامنا طعام الأنبياء “  [13] .

 

  مــن روائع الامام الصادق (ع)  :

 

  “ أوصى إلى المنصور الخليفة المعاصر له فقال : عليك بالحلم فإنه ركن العلم ، واملك نفسك عند أسباب القدرة ، فإن تفعل ما تقدر عليه كنت كمن شفي غيظاً أو تداوى حقداً أو يجد ذكراً بالصولة ، واعلم بانك إن عاقبت مستحقاً لم تكن غاية ما توصف به إلاّ العدل ، والحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر “ .

  فقال المنصور : “ وعظت فأحسنت وقلت فأوجزت “ .

 

  ومن وصية له إلى ولده الإمام الكاظم (ع) :

 

  “ يا بني إفعل الخير إلى كل من طلبه منك . فإن كان من أهله فقد أصبت موضعه ، وإن لم يكن له بأهل كنت أهله ، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك واعتذر إليك فاقبل عذره “ .

  قال سفيان الثوري لقيت الصادق ابن الصادق جعفر بن محمد (ع) فقلت : يابن رسول اللـه أوصني .

  فقال : يا سفيان لا مروءة لكذوب ، ولا أخ لملوك ، ولا راحة لحسود ، ولا سؤدد لسيّئ الخلق .

  فقال : يابن رسول اللـه زدني .

  فقال لي : يا سفيان ثق باللـه تكن مؤمناً ، وارض بما قسم اللـه لك تكن غنياً ، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلماً ، ولا تصحب الفاجر معك يعلمك من فجور ، وشاور في أمرك الذين يخشون اللـه عز وجل .

 

 

 

 

 

 

 

 

 



1 الإمام الصادق - محمد أبو زهرة : ( ص 81 ) .

([2]) المصدر : ( ص 81 ) .

([3]) الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : ( ج 4 ص 38) .

([4]) تجد هذه الأخبار كلها في كتاب الإمام الصادق للعلاَّمة المظفر في ( ص 352- 255 ) .

([5]) بحار الأنوار : ( ج 47 ، ص61 ) .

([6]) المناقب .

([7]) الإمام الصادق (ع) للعلاّمة المظفر : ( ج 1 ، ص 258 ) .

([8]) المصدر : ( ص 267 ) .

([9]) تهذيب التهذيب : ( ج 2 ، ص 105 ) .

([10]) المصدر : ( ص 105 ) .

([11]) أعيان الشيعة : ( ج 4 ، ص 138 ) .  

([12]) الإمام الصادق للعلامة المظفر : ( ج 1 ، ص 270) .

([13]) المصدر : ( ص 270) . 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=393
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28