• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : العبادة ومنها الحج غاية الخلق لا الخالق. .

العبادة ومنها الحج غاية الخلق لا الخالق.

 العبادة  ومنها الحج  غاية الخلق لا الخالق.

والسرّ في ذلك هو أن كل فاعل يفعل فعلاً لغرض يناله وغاية يطلبها فهو ناقص، وكل ما ليس بناقص فهو لا يفعل فعلاً لغرض وغاية (الفصل الخامس في المقالة السادسة من إلهيات الشفاء).

وحيث أن الخالق تعالى غني عن العالمين فليس بناقص، فلا يفعل فعلاً لغرض يتوخاه وغاية يطلبها، وإلاّ لزم أن يكون بذاته ناقصاً ومحتاجاً، ويصير بغيره كاملاً ومستغنياً؛ وحاشا الغني المحض عن الفاقة، وسبحان الكامل الصرف عن النقص.

ولا ميز في الغرض المنفي والغاية المسلوبة عنه تعالى، بين أن يكون هو جلب النفع إلى نفسه أو إيصال الخير إلى الغير؛ إذ لو كان إيصال ذلك الخير إلى الغير فرضاً  له وغاية لذاته، يلزم أن يكون ذاته تعالى بدون ذلك الإيصال ناقصاً، ومعه يصير كاملاً وهو محال. بل هو تعالى جواد محض، يهب ما ينبغي كما ينبغي، لا لعوض ولا غرض، وإن كان فعله تعالى متن الحكمة وينبوع الخير ومعدن البركة.

فمن هنا يتبين الجمع بين قوله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات/56)، وقوله تعالى {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}(إبراهيم/8)، لأن معنى الآية الكريمة الأولى هو بيان غاية الخلق، أي الهدف السامي للمخلوق والكمال النهائي له، هو أن يصير عبداً له تعالى، كما قال مولى الموحدين علي بن أبي طالب عليه السلام: "إلهي كفى بي فخراً أن أكون لك عبداً".

ومعنى الآية الكريمة الثانية، هو بيان أن الله تعالى لم يكن محتاجاً إلى أن يصير معبوداً، بحيث لو لم يُعبَد لبقى على نقصه وحاجته، فإذا صار معبوداً ارتفع نقصه وسُدّ حاجته. سبحان الغني المحض عن الفقر إلى شيء أصلاً، بل هو الغني الجواد عُبد أم لم يُعبد.

وهكذا تبين مغزى القول في بيانه تعالى "كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف، فخلقت الخلق لكي أُعرف" لأن معرفة الله تعالى كعبادته تعالى، غاية الخلق لا الخالق، إذ الهدف إنما هو للمحتاج لا للغني، والغرض إنما يتصور للناقص لا للكامل بالذات، لأن ذاته هو الهدف لجميع ما سواه.

ثم إن هناك بياناً حكيماً، في ضرورة الغاية لكل فعلٍ، وفي تحتّم الغرض لكل فيض، وفي كون كلّ فاعل إنما هو يفعل لغاية يتوخاها حتى يستكمل بها ويصير كاملاً. وأما إذا كان الكمال المحض مبدء لفيض وسبباً لأمر، كيف يُفرض له غرض زائد على ذاته، بل هو الغرض الذاتي لكل فعل وفيض، كما هو المبدء الذاتي لكل أثر وخير، حسبما أفاده القرآن الحكيم بقوله تعالى {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ..}(الحديد/3).

الآية تبيّن أنه تعالى هو الغاية بالذات فلا غاية له، كما أنه تعالى هو الفاعل بالذات لما عداه فلا فاعل له، وهو تعالى خالق كل شيء وإليه تصير الأمور {..كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}(الأعراف/29).

فمن ذلك يظهر سر قوله تعالى {..وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ}(آل عمران/97).

حيث أنّ الحج عبادة مفروضة من الله تعالى على الناس، وهم محتاجون إلى أن يحجّوا ويعتمروا، فإن كفروا وتمردوا فإن الله غني عن العالمين فضلاً عنهم وعن عبادتهم.

فالحج إذاً كغيره من العبادات، غاية الخلق لا الخالق؛ والحاج يتزود بحجّه خير الزاد، والله غني محض، لأنه نفس الغني ومحض الكمال، فلا يتصور له غاية زائدة على ذاته، إذ لا غاية للغاية الذاتية.

 

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=440
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28