• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : عاشوراء .
                    • الموضوع : مراحل حياة سيّد الشهداء عليه السلام .

مراحل حياة سيّد الشهداء عليه السلام

 مراحل حياة سيّد الشهداء عليه السلام 

 

ولد الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام في الثالث من شعبان للسنة الرابعة من الهجرة في المدينة المنوّرة

وقد اختار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لحفيده الثاني  اسم "حسين" ، وهو اسم من أسماء أهل الجنّة لم يكن معروفاً حتّى ذلك الحين بين أعراب الجاهليّة.

 

وعندما جاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لرؤيته أخذه في أحضانه فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى. ثمّ أخذ ينظر إليه ويبكي وعندما سئل عن سبب بكائه أجاب قائلاً: "تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ج1، ص377.

وقد اقترنت السنوات السبع الأولى من حياة الإمام الحسين عليه السلام مع السنوات الأخيرة من حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يتعهّد أمر حفيده   مظهراً للناس شعاعاً من أشعة علاقته تجاه الحسين عليه السلام، يقول يعلى بن مرّة أنّه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى طعامٍ دُعوا إليه فإذا حسينٌ مع الصبيان يلعب في السكّة (الطريق)، قال: فتقدّم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أمام القوم وبسط يديه  فجعل الغلام يفرّ هنا وههنا، ويضاحكه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حتّى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى تحت قفاه، ثمّ قنّع رأسه فوضع فاه على فيه فقبّله وقال: "حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً"  صحيح ابن حبّان، ج15، ص428؛ سنن ابن ماجة، ج1، ص62؛ المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج6، ص233.

 

 

لقد كان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على علم بشهادة الحسين عليه السلام على يد أمّته وقد أخبر بذلك بعض أصحابه، ومن جملة ذلك ما قاله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يوماً لزينب بنت جحش: "أتاني جبرائيل فأخبرني أنّ أمّتي ستقتل ابني هذا -يعني الحسين- وأتاني بتربة من تربته حمراء" كنز العمّال، ج6، ص223.

إنّ الحسين عليه السلام هو خامس أصحاب الكساء، حيث إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم جمعه مع أبيه الإمام عليّ عليه السلام وأمّه فاطمة عليها السلام وأخيه الحسن عليه السلام تحت الكساء، وقد سمّاهم بأنّهم "أهل بيتي" وطلب من الله أن "يذهب عنهم الرجس ويطهّرهم تطهيراً" الطحاويّ، مشكل الآثار، ج1، ص334.

ومن بعد ذلك نزلت آية التطهير في شأن الحسين وبقيّة أهل البيت عليهم السلام حيث يقول تعالى:

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾  الأحزاب، الآية: 33.

  وفي السنة الحادية عشرة للهجرة جلس الحسين عليه السلام وهو في السابعة من عمره الشريف في عزاء جدّه العزيز صلى الله عليه وآله وسلم، وفي نفس تلك السنة أيضاً وبعد مدّة قصيرة جدّاً لم يلبث الحسين عليه السلام أن فجع بأمّه الزهراء عليها السلام فكان شاهداً على شهادتها وهي في ريعان شبابها.

في عهد أبيه

 

تابع الإمام الحسين عليه السلام حياته وحيداً يرقب إقصاء أبيه ومظلوميّته في فترة ليس فيها لعليّ عليه السلام أيّ ناصرٍ ومعين ومدافع عنه سوى أقربائه وأهل بيته وقد وصفهم قائلاً: "فنظرت فإذا ليس لي رافدٌ ولا ذابٌّ ولا مساعد إلّا أهل بيتي، فضننت بهم عن المنيّة" نهج البلاغة، الخطبة 217.

 

وعندما جلس الإمام عليّ عليه السلام على مسند الخلافة وبايعه الناس تكلّم الحسين إليهم في المسجد وقال فيما قال:

"معاشر الناس، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: إنّ عليّاً مدينة هدى، فمن دخلها نجى، ومن تخلّف عنها هلك" الشيخ الصدوق، الأمالي، ص280.

 ومنذ الأيّام الأولى لخلافة أمير المؤمنين عليه السلام نكث البعض بالبيعة وقسط آخرون فثاروا عليه، وخرجت عن الدين طائفة ثالثة أفسدت فيه، فنهض الإمام عليّ عليه السلام لحرب الناكثين والقاسطين والمارقين، وشارك الإمام الحسين مع أخيه الإمام الحسن عليهما السلام إلى جانب أبيهم عليه السلام في حروب الجمل وصفّين والنهروان موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السلام ، ص13/6.

وسعى الإمام الحسين عليه السلام جاهداً حين الخروج إلى صفّين باستنهاض أهل الكوفة   ودعوتهم للالتحاق بجيش أمير المؤمنين عليه السلام فقال لهم بعد أن اعتبرهم الأحبّة الكرماء: "ألا إنّ الحرب شرّها ذريع وطعمها فظيع، وهي جرع مستحساة فمن أخذ لها أهبتها واستعدّ لها عدّتها ولم يألم كلومها فذاك صاحبها، ومن عاجلها قبل أوان فرصتها واستبصار سعيه فيها فذاك كمن لا ينفع قومه وأن يهلك نفسه، نسأل الله بقوّته أن يدعمكم بالفئة" محمّد باقر المجلسيّ، بحار الأنوار، ج32، ص405.

وفي أثناء المسير إلى صفّين وعندما وصل الجيش إلى أرض كربلاء وقف أمير المؤمنين عليه السلام على شطّ الفرات فتغيّر لون وجهه المبارك وبكى وتأوّه وقال لولده الحسين عليه السلام: "اصبر يا أبا عبد الله فلقد لقي أبوك منهم (آل أبي سفيان) مثل الذي تلقى من بعدي" الفتوح، ص505.

وكان الحسين عليه السلام في صفّين إلى جانب أخيه الحسن عليه السلام على الميمنة قائداً وعندما ضُرب أمير المؤمنين عليه السلام كان الحسين عليه السلام في المدائن ووصله الخبر29 عبر رسالة من الإمام الحسن عليه السلام فحضر شهادة أبيه عليه السلام.

مع وحدة أخيه

 

وبعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام بيومين بايع أربعون ألفاً الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، ولم تكد تمضي سبعة أشهر على خلافته حتّى واجه مسلسلاً من جفاء أهل الودّ ظاهراً وفتنِ الناكثين للبيعة من "أشباه الرجال كما وصفهم أمير المؤمنين عليه السلام، وكذلك أساليب معاوية العدائيّة.

وفي هذه الفترة وقف الحسين إلى جانب وحدة أخيه حامياً ومسانداً ومؤازراً له في حربه ضدّ معاوية.

إلّا أنّ الإمام الحسن عليه السلام ومع مواجهته لضعف الجيش وخوفه وجبنه وركونه إلى الدنيا وخيانة قوّاده وانسحاب البعض أفواجاً أفواجاً من ذوي الشأن وغيرهم اضطرّ في نهاية المطاف مُكرهاً للقبول بالصلح وتسليم الخلافة إلى معاوية. وها هو يقول لأخيه الإمام الحسين موضحاً السبب في ذلك: "... بأيّ معين وناصرٍ أقاتل عدوّي، وبأي عضدٍ ومغمومٍ أطالب بحقّي، ألا ترى ما فعلت هذه الجماعة مع أبينا المعظّم، وما يصنعون اليوم معي، فأيّ اعتمادٍ يعتمد على هذه الطائفة وأيّ أملٍ يعقد عليهم؟"

الفتوح، ص764.

ونهض الإمام الحسين عليه السلام بعد زمن الصلح والذي يمكن تسميته بزمن الغربة والوحدة في حماية أخيه والدفاع عنه بعدما واجه الإمام الحسن عليه السلام أيّاماً عصيبة ممتزجة بشماتة الأصحاب ولومهم مع عداوة معاوية وآل أميّة وقد تعرّض سلام الله عليه للكثير من حملات الافتراء والتشويه

والجدير بالذكر أنّ أهمّ أهداف معاوية كانت رفع منزلة صحابة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من جهة والقضاء والحدّ من منزلة ومكانة وفضائل أهل البيت عليهم السلام من جهة أخرى، وفي هذا المجال كان شغله الشاغل وهمّه الدائم معاداة الإمام عليّ عليه السلام فأوعز إلى عمّاله بذلك وممّا قاله للمغيرة الذي عيّنه والياً على الكوفة سنة 41هـ : ولست تاركاً إيصاءك بخصلة لا تتحمّ عن شتم عليّ وذمّه والترحّم على عثمان والاستغفار له، والعيب على أصحاب عليّ والاقصاء لهم وترك الاستماع منهم34.

 وفي هذه الفترة أيضاً كان مروان بن الحكم والياً على المدينة من قبل معاوية وقد بالغ في التعرّض لعليّ عليه السلام والجرأة عليه إلى أقصى الحدود ولأيّ سبب كان، ولم يرتدع عن ذلك بل وتعرّض في إحدى المرّات وفي حضور أبنائه المعصومين عليهم السلام لمقام أهل البيت ومنزلتهم.

 العقد الأوّل لإمامة الحسين عليه السلام

 

بعد استشهاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام انتقل منصب الإمامة الإلهيّ إلى الإمام الحسين عليه السلام، وفي عقد الإمامة الأوّل له كانت الخلافة بيد معاوية الذي فرح وسرّ عندما بلغه خبر استشهاد الإمام الحسن عليه السلام وسجد لله شكراً على ذلك.

وسعى معاوية إلى تثبيت سلطة الأمويّين وإبعاد وإقصاء أهل البيت عليهم السلام حتّى أنّه قسّم فدكاً بين مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان وابنه يزيد.

 وفي هذه المدّة من خلافة معاوية قام بتصفية وقتل أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام بسبب ولائهم له عليه السلام، وهيّأ الأرضيّة اللازمة لإعلان يزيد وليّاً للعهد من بعده.

 

ومن طرفٍ آخر فقد كان الحسين عليه السلام وفيّاً للعهد والصلح الذي أمضاه أخوه الإمام الحسن عليه السلام فأعلن عدم إمكان القيام في وجه معاوية وأنّ ذلك خلاف المصلحة، ولذا فقد قال لبعض مواليه من شيعة الكوفة عندما دعوه إلى القيام والثورة: "وليكن كلّ رجلٍ منكم حلساً من أحلاس بيته ما دام معاوية حيّاً، فإنّها بيعة كنت والله لها كارهاً، فإن هلك معاوية نظرنا ونظرتم ورأينا ورأيتم"  أنساب الأشراف، ج3، ص151.

 إنّ موقف الإمام هذا لا يعني السكوت على أفعال معاوية القبيحة، ولذا يمكن النظر إلى دور الإمام الفعّال والمؤثّر في هذه المدّة من خلال هذه الأمور:

 أـ الدفاع عن أمير المؤمنين عليه السلام:

 

لقد سعى معاوية من خلال لعنه للإمام عليّ عليه السلام إلى أن: "يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكرٌ فضلاً"

 

وفي مقابل هذا الفكر الباطل سعى الإمام الحسين عليه السلام إلى تبيين المنزلة الإلهيّة الرفيعة لأمير المؤمنين عليه السلام فقال يوماً في محضر معاوية:

"أنا ابن ماء السماء وعروق الثرى، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالحسب الثاقب والشرف الفائق والقديم السابق، أنا ابن من رضاه رضى الرحمن وسخطه سخط الرحمن"، ثمّ ردّ وجهه للخصم (معاوية) فقال له: "هل لك أبٌ كأبي أو قديم كقديمي، فإن قلت لا، تُغلب، وإن قلت نعم، تكذب" نور الله التستريّ، إحقاق الحقّ، ج11، ص595.

في سنة 59 للهجرة وقبل موت معاوية بسنة قام الحسين عليه السلام، وقبل التوجّه إلى الحجّ بدعوة بني هاشم والموالين والأتباع والوجهاء وكلّ من قدم إلى الحجّ للاجتماع فاجتمع إليه في منى أكثر من سبعمائة رجلٍ وفيهم مائتا رجلٍ من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقام فيهم خطيباً44 ومنتقداً لمعاوية الساعي إلى تثبيت السلطة في بني أميّة قائلاً لهم: "أمّا بعد، فإنّ هذا الطاغية -يعني معاوية- قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم"، فدعا الحاضرين إلى إذاعة ونشر أحقيّة الحاكميّة الدينيّة المتمحورة في شخص أمير المؤمنين عليه السلام، وناشد بالله الصحابة التابعين في سبعة عشر مورداً من الفضائل المنحصرة في أمير المؤمنين عليه السلام وأحقيّته في خلافة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وقد صدّق الحاضرون كلّ ما سمعوه من الإمام الحسين عليه السلام، ومن ثمّ أكّد الإمام عليهم قائلاً:

"اسمعوا مقالتي واكتموا قولي، ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم. فمن أمنتم من الناس ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون، فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحقّ ويذهب، والله متمّ نوره، ولو كره الكافرون" كتاب سليم بن قيس، ص206.

ب ـ مواجهته للتصفية الدمويّة:

 

قام معاوية إلى جانب سعيه في حذف اسم عليّ عليه السلام وفضائله وأخباره بتصفية دمويّة لأصحاب ومحبّي أمير المؤمنين عليه السلام فقتل بالسيف وجوهاً معروفة- أمثال حجر بن عديّ- في محبّتها لعليّ عليه السلام ونشرها لأفكاره من جهة، ومخالفتها لظلم معاوية وبدعه من جهة أخرى.

 

لقد كان حجر من المدافعين الأشدّاء عن أمير المؤمنين عليه السلام فوقف بكلّ شهامة أمام محاولات بني أميّة للنيل منه وتوهينه. وقام زياد بن أبيه باعتقاله وأرسله مع أصحابه مكبّلين بالسلاسل إلى الشام، وفي رسالته إلى معاوية يصف زياد حجراً بأنّه رأس الطواغيت الموالين لأبي تراب عادّاً له من المخالفين لمعاوية، بشهادة بعض من الوجوه والأعيان عنده. أبو الفرج الأصفهانيّ، الأغاني، ج17، ص153.

 واعتراضاً من الإمام الحسين على شهادة أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام كحجر بن عديّ وأصحابه في سنة 53 للهجرة، أكّد لمعاوية في رسالة أرسلها إليه بأنّه مطّلع على وقوعه بأبي الحسن واعتراضه على بني هاشم بالعيوب وقال له:

"يا معاوية... وأيم الله لقد أوترت غير قوسك ورميت غير غرضك وتناولتها بالعداوة من مكان قريب ولقد أطعت امرءاً ما قدم إيمانه ولا حدث نفاقه..." الأربليّ، كشف الغمّة، ج2، ص240.

وكتب سيّد الشهداء عليه السلام إلى معاوية مندّداً به وقائلاً له: "ألست قاتل حجر وأصحابه العابدين المخبتين، الذين كانوا يستفظعون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فقتلتهم ظلماً وعدواناً، من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة والعهود المؤكّدة، جرأة على الله واستخفافاً بعهده، أولست قاتل عمرو بن الحمق الذي أخلَقَت وأبلَت وجهه العبادة، فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم نزلت من شعف الجبال... أولست قاتل الحضرميّ الذي كتب إليك فيه زياد أنّه على دين عليّ كرم الله وجهه ودين عليّ هو دين ابن عمّه صلى الله عليه وآله وسلم الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشّم الرحلتين، رحلة الشتاء والصيف، فوضعها الله عنكم بنا مِنّة عليكم" ابن قتيبة الدينوريّ، الإمامة السياسة، ج1، ص180.

 

ج ـ مخالفته تنصيب يزيد وليّاً للعهد:

وفي محاولة مفاجئة قام معاوية بالتمهيد لإعلان يزيد وليّاً للعهد وهذا ما لم يكن له سابقة في الإسلام، وقد بدأ بهذا الأمر منذ سنة 56 للهجرة من الشام ومن ثمّ طلب من أعيان المدينة الرضوخ لهذه الولاية، ولكن الإمام الحسين عليه السلام مضافاً إلى سائر الأصحاب اعترضوا عليه في ذلك وفي هذه المدّة جرت مراسلات عديدة بين الإمام عليه السلام وبين معاوية وفي إحداها يحذّره من ذلك، يدعوه إلى الخوف من الله في هذا الأمر، قائلاً له: "واعلم أنّ الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظنّة وأخذك بالتهمة، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب ويلعب بالكلاب"50. محمّد بن الحسن الكاشانيّ، معادن الحكمة، ج1، ص582.

 وكتب الحسين عليه السلام كتاباً إلى معاوية يقرّعه فيه ويؤنّبه على أمور صنعها قال فيه: "ثمّ ولّيت ابنك وهو غلام يشرب الشراب ويلهو بالكلاب فخنت أمانتك وأخربت رعيتك ولم تؤدّ نصيحة ربّك، فكيف تولّي على أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من يشرب المسكر، وشارب المسكر من الفاسقين، وشارب المسكر من الأشرار، وليس شارب المسكر بأمين على درهم فكيف على الأمّة، فعن قليلٍ تَرِد على عملك حين تطوى صحائف الاستغفار" النعمان بن محمّد التميميّ، دعائم الإسلام، ج2، ص133.

 

ومن أجل استتباب الأمر ليزيد قام معاوية بالقدوم إلى المدينة ومن ثمّ إلى مكّة واستدعى ابن عبّاس والإمام الحسين عليه السلام، وحين قال معاوية قد أصبتُ ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ما أعياني مثله عندكما وعند غيركما... وأنّه وصل إلى حدّ الكمال وهو خير لأمّة محمّد في إدارة أمورها، ردّ عليه الحسين عليه السلام قائلاً: "... وفهمت ما ذكرت عن يزيد من اكتماله وسياسته لأمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، تريد أن توهم الناس في يزيد كأنّك تصف محجوباً أو تنعت غائباً أو تخبر عمّا كان احتويته بعلمٍ خاصّ وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبق لأترابهن، والقيان ذوات المعازف وضرب الملاهي تجده باصراً، ودع عنك ما تحاول" الإمامة والسياسة، ج1، ص186؛ تاريخ اليعقوبيّ، ج2، ص228.

 وعندما تكلّم معاوية عن فضائل يزيد وقراءته للقرآن وفضله على الإمام الحسين عليه السلام تعجّب الإمام عليه السلام من هذا الكلام الباطل ومن كذب معاوية وقال في جوابه: "يزيد شارب الخمر، ومشتري اللهو خير منّي؟!" الفتوح، ص802.

فغضب معاوية من ردّ فعل الإمام الحسين عليه السلام وقال لابن عبّاس لقد ساءني رفض الحسين بن عليّ البيعة لابني يزيد وتوهينه إيّاه  نفس المصدر، ص804.

 وعلى الرغم من رفع قادة جيش الشام سيوفهم وتهديدهم الإمام الحسين وثلاثة آخرين كانوا معه، وطلب الإذن من معاوية لضرب أعناقهم إن لم يبايعوا يزيد، وظنّ الناس أنّ الحسين عليه السلام ومن معه قد بايعوا، إلّا أنّ الحسين عليه السلام يخرج إلى الناس ويقول لهم:  "والله ما بايعنا يزيد، لا سرّاً ولا جهراً"

 وها هو معاوية يوصي ابنه يزيد في لحظات عمره الأخيرة حول كيفيّة التعاطي مع الإمام الحسين عليه السلام قائلاً له:

"ولا تؤذه، ولكن أرعد له وأبرق، وإيّاك المكاشفة له في سلّ سيفٍ أو محاربة طعن رمحٍ..."

 د ـ توجيه النخب وهدايتها:

 وفي خطبة للإمام الحسين عليه السلام - قيل إنّه خطبها في منى- تكلّم فيها مخاطباً النخب والعلماء من ذوي المنزلة والمكانة في المجتمع والمشهورين بالمعروف والخير والصلاح والموفّقين بلطف من الله بتحصيل المهابة في قلوب الناس... قائلاً لهم:

"ثمّ أنتم أيّها العصابة، عصابة بالعلم مشهورة، وبالخير مذكورة، وبالنصيحة معروفة، وبالله في أنفس الناس مهابة، يهابكم الشريف، ويكرمكم الضعيف، ويؤثركم من لا فضل لكم عليه ولا يد لكم عنده، تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلّابها، وتمشون في الطريق بهيبة الملوك وكرامة الأكابر..." وها هنا يتوجّه الإمام عليه السلام إليهم بالسؤال المفاجئ:

 "أليس كلّ ذلك إنّما نلتموه بما يرجى عندكم من القيام بحقّ الله وإن كنتم عن أكثر حقّه تقصّرون فاستخففتم بحقّ الأئمّة".

 فالإمام يذكّرهم بأنّ هذه المنزلة والمكانة إنّما نلتموها عند الناس بسبب الله عزَّ وجلَّ وها هو يقرّعهم في تهاونهم عن الدفاع عن دين الله بقوله: "فلا مالاً بذلتموه، ولا نفساً خاطرتم بها للّذي خلقها، ولا عشيرة عاديتموها في ذات الله...".

 لقد سلّط الإمام عليه السلام الضوء على مسألة خطيرة في الأمّة تستدعي ردّ فعلٍ من النخب والعلماء وتدعوهم إلى التفكّر والتأمّل فقال لهم:

، وباعتقاد الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام فإنّ: "مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه..."، وبالتالي فإنّ وهن أمثال هؤلاء النخب في الإسلام وتقصيرهم في "حفظ مكانة العلماء" سيؤدّي إلى سلب هذه ا"وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تقرعون، وأنتم لبعض ذمم آبائكم تقرعون، وذمّة رسول الله محقورة، والعمي والبكم والزمن في المداين مهملة، لا ترحمون ولا في منزلتكم تعملون، ولا من عمل فيها تعتبون، وبالإدهان والمصانعة عند الظلمة تأمنون..."لمنزلة منهم ويعلّل الإمام عليه السلام ذلك بقوله: "وما سلبتم ذلك إلّا بتفرّقكم عن الحقّ واختلافكم في السنّة بعد البيّنة الواضحة".

 ومن الطبيعيّ أنّ غرّة هذا الأمر لن تكون سوى أن مكّنتم الظلمة من منزلتكم وأسلمتم أمور الحكومة الإلهيّة في يد أرذل خلق الله الذين:"في كلّ بلدٍ منهم على منبره خطيب مصقع فالأرض لهم شاغرة، وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول لا يدفعون يد لامسٍ..." ولذا: "لو صبرتم على الأذى وتحمّلتم المؤونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم تردّ، وعنكم تصدر، وإليكم ترجع، ولكنّكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم، وأسلمتم أمور الله في أيديهم، يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات...". ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ترجمة پرويز اتابكي، ص238.

ومن ثمّ يظهر سيّد الشهداء عليه السلام العجب والأسى من تصدّي الأمويّين للخلافة والحكومة فيقول:

"فيا عجباً وما لي لا أعجب والأرض من غاشٍ غشوم، ومتصدّقٍ ظلوم وعامل على المؤمنين بهم غير رحيم، فالله الحاكم فيما فيه تنازعنا والقاضي بحكمه فيما شجر بيننا، أللهم إنّك تعلم أنّه لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان، ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنُري المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك، ويُعمل بفرائضك وسننك وأحكامك...".

ومن ثمّ ينهي الإمام الحسين عليه السلام خطابه بهذه الكلمات: "فإنّكم إلّا تنصرونا وتنصفونا قوي الظلمة عليكم، وعملوا في إطفاء نور نبيّكم، وحسبنا الله وعليه توكّلنا، وإليه أنبنا وإليه المصير" نفس المصدر، ص327 ـ 329.

عدم الاعتراف بسلطة يزيد

بعد موت معاوية في سنة للهجرة جلس ابنه يزيد على مسند الخلافة، وأرسل من فوره رسالة إلى واليه على المدينة يطالبه فيها بأخذ البيعة من الإمام الحسين عليه السلام وكبار الصحابة وأعطى أوامره بأن يرسل إليه برأس الحسين إن امتنع الإمام عليه السلام عن البيعة.

 وقد أعلن الإمام الحسين من قبل- وفي زمن تصدّي معاوية للأمر- موقفه من تولّي يزيد العهد من بعد أبيه، وأنّه لا يليق بمنصب الخلافة. ولهذا وقبل إعلان موقفه لحاكم المدينة الطالب للبيعة للخليفة الجديد قال سلام الله عليه لابن الزبير: "إنّي أبايع ليزيد؟! ويزيد رجل فاسق معلن الفسق يشرب الخمر ويلعب بالكلاب والفهود ويبغض بقيّة آل الرسول، لا والله لا يكون ذلك أبداً" الفتوح، ص823؛ الخوارزميّ، مقتل الحسين عليه السلام ، ج1، ص182.

 وأمّا جواب الإمام الحسين عليه السلام للوليد والي المدينة، فقال له: "أيّها الأمير، إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحلّ الرحمة، وبنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق، شاربُ خمرٍ، قاتل النفس المحترمة، معلنٌ بالفسق، مثلي لا يبايع لمثله" الفتوح، ص826.

 وواجه الإمام عليه السلام مروان بن الحكم الذي دعاه إلى بيعة يزيد بتكراره آية الاسترجاع فقال:

"إِنَّا لِلهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمّة براعٍ مثل يزيد الفتوح، ص827؛ بحار الأنوار، ج44، ص326.

ومن قبل قال عليه السلام لمعاوية: "فكيف تولّي على أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم من يشرب المسكر وشارب المسكر من الفاسقين وشارب المسكر من الأشرار

 وعندما اطلع يزيد على عدم بيعة الإمام عليه السلام كتب إلى الوليد قائلاً له: "وليكن مع جوابك إليّ رأس الحسين بن عليّ".

 وكما ترى فقد ابتدأ يزيد خلافته بسعيه لقتل الإمام الحسين عليه السلام، ومن بعد ذلك أمضى الحسين عليه السلام ليلتين في جوار القبر النورانيّ لجدّه النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يصل ليله بنهاره ويقيم الصلاة ولم يزل راكعاً وساجداً في كلّ ليله يشكو إلى جدّه صلى الله عليه وآله وسلم حال أمّته التي لم ترع حرمته من بعده ويبث إليه همومه وأحزانه ويودّعه، وممّا قاله عليه السلام في مناجاته: "أللهم إنّ هذا قبر نبيّك محمّد وأنا ابن بنت محمّد وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، أللهم وإنّي أحب المعروف وأكره المنكر... الفتوح، ص831..

 وتهيّأ الإمام عليه السلام للخروج إلى مكّة وقبل الرحيل التقى بأخيه محمّد بن الحنفيّة الذي اقترح على الإمام عليه السلام قائلاً: "وإنّي أريد أن أشير عليك برأيي فاقبله منّي... أشير عليك أن تنجو بنفسك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت وأن تبعث رسائلك إلى الناس وتدعوهم إلى بيعتك...".

 

فأجابه الإمام عليه السلام: "يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت والله يزيد بن معاوية أبداً..." الفتوح، ص832.

 

 من المدينة إلى مكّة

 توجّه الإمام الحسين عليه السلام في ليلة  رجب سنة  للهجرة من المدينة المنوّرة قاصداً مكّة المكرّمة مصطحباً معه في سفره أولاده وإخوته وأخواته وأولادهم وجمع من أقربائه وأصحابه، وكان وصوله إلى مكّة في الثالث من شعبان ، ففرح أهلها وكبار الصحابة فيها بحضوره وصاروا يختلفون إليه بكرة وعشيّاً70. وأمضى الإمام الحسين عليه السلام في مكّة بقيّة شهر شعبان وشهر رمضان وشوّال وذي القعدة والأيّام الأول من شهر ذي الحجّة الحرام.

 وفي المشهد الآخر فإنّ أهل الكوفة الذين أضناهم كثرة الضغوطات والمضايقات عليهم من قبل الأمويّين كانوا يبحثون عمّن يقودهم إلى الثورة ضدّهم. فتوجّهوا نحو الإمام الحسين عليه السلام وأرسلوا إليه أثناء إقامته في مكّة المكرّمة بالعديد من الرسائل في سبيل هذا الأمر، وفي المرحلة الأولى وصلته الكتب من أشراف أهل الكوفة أمثال سليمان بن صرد الخزاعيّ والمسيّب بن نجيّة وحبيب بن مظاهر ورفاعة بن شدّاد وعبد الله بن وال وغيرهم، وممّا قالوه في رسالتهم الأولى له وطلبوه منه عليه السلام:

 "فأقبل إلينا فرحاً مسروراً مأموناً مباركاً سديداً وسيِّداً أميراً مطاعاً... ولو بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا أخرجناه- أي النعمان بن بشير والي الكوفة- عنّا حتّى يلحق بالشام فأقدم إلينا فلعلّ الله عزَّ وجلَّ أن يجمعنا بك على الحقّ".

 وبعدما قرأ الإمام الحسين عليه السلام رسالتهم لم يجبهم، ورجع رسولا أهل الكوفة إليها.

 وفي المرحلة الثانية التقى الإمام عليه السلام بقيس بن مسهّر الصيداويّ وجماعة معه من وجهاء أهل الكوفة المعروفين، حاملين معهم الرسائل الكثيرة من أهل الكوفة، فسلّموها للإمام الحسين عليه السلام سائلين منه القدوم معهم إلى الكوفة ولكنّه عليه السلام تأنّى في أمره ولم يجبهم أيضاً بشيء.

 ولكن في المرحلة الثالثة جاءه رسولان من أهل الكوفة هما هانئ بن أبي هانئ وسعيد بن عبد الله يحملان إليه رسالة أشراف الكوفة وأكابرها، أمثال: شبث بن ربعيّ، حجّار بن أبجر، يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم ، عروة بن قيس، عمرو بن الحجّاج ومحمّد بن عمير بن عطارد وقد أعلموه في رسالتهم:

 "أمّا بعد، فإنّ الناس منتظرون لا رأي لهم في غيرك، فالعجل العجل يا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قد اخضرّت الجنّات، وأينعت الثمار، وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار، فأقدم إذا شئت، فإنّما تقدم إلى جندٍ لك مجنّدة..." الفتوح، ص841.

 وحينئذٍ أجابهم الحسين عليه السلام فأرسل مسلم بن عقيل ليستخبر أوضاع الكوفة، وبعث معه برسالة لهم يقول فيها:"... وقد بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي، مسلم بن عقيل بن أبي طالب (رضي الله عنه) وقد أمرته أن يكتب إليّ بحالكم ورأيكم ورأي ذوي الحجى والفضل منكم، وهو متوجّه إلى ما قبلكم إن شاء الله تعالى، والسلام ولا قوّة إلّا بالله، فإن كنتم على ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فقوموا مع ابن عمّي وبايعوه وانصروه ولا تخذلوه، فلعمري ليس الإمام العامل بالكتاب والعادل بالقسط كالذي يحكم بغير الحقّ ولا يهدي ولا يُهتدى" نفس المصدر، ص841 و842؛ تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص278.

 وقام الإمام الحسين كذلك بإرسال سليمان بن رزين إلى البصرة محمّلاً إيّاه الرسائل إلى رؤوس الأخماس فيها وأشرافها يدعوهم إلى بيعته ونصرته وممّا قاله لهم:

"وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أميتت، وإنّ البدعة قد أحييت، فإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد" وقعة الطفّ، ص107؛ محمّد بن طاهر السماويّ، إبصار العين، ص95.

 وفي هذه الأثناء أوعز يزيد- في خطوة ماكرة قبيحة- إلى عمرو بن سعيد بن العاص بأن يتوجّه مع جماعة في مكّة وفي الخفاء لاعتقال الإمام الحسين عليه السلام وإن لم يفلحوا في ذلك فليقتلوه بحار الأنوار، ج45، ص99.

 ولكنّ الإمام عليه السلام ومن أجل حفظ حرمة حرم الله هيّأ نفسه للخروج من مكّة والتوجّه نحو العراق وقال عليه السلام: "لا نستحلّها ولا تستحلّ بنا" نفس المصدر، ص85.

 السعي من أجل الإصلاح والتغيير

 ومع ورود كتاب مسلم بن عقيل  إلى الإمام الحسين عليه السلام وتقييمه الإيجابيّ عن أوضاع الكوفة وأحوال أهلها اتضحت معالم وجهة الإمام عليه السلام، وممّا جاء في كتاب مسلم إليه، قال له: "أمّا بعد، فإنّ الرائد لا يكذب أهله، وإنّ جميع أهل الكوفة معك، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي، فإنّ الناس كلّهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هدى، والسلام"

 وبالتالي تجهّز الإمام الحسين عليه السلام للتوجّه إلى العراق ليهيّئ الأرضيّة اللازمة للثورة ضدّ يزيد بن معاوية وتأسيس حكومة منبثقة من حكومة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وحكومة أمير المؤمنين عليه السلام. ويلحظ هذا الاتجاه بشكل واضح في وصيّته عليه السلام لأخيه محمّد بن الحنفيّة حينما قال له:

 "إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام " ومع تأكيد الإمام الحسين عليه السلام على أحقيّة أهل بيت الرسالة بالخلافة والقيادة- والتي سلبت منهم بعد ارتحال النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم - فإنّه يشير أيضاً إلى أهمّ ما ابتليت به الأمّة الإسلاميّة في حينها والمصيبة الكبرى على الإسلام والمسلمين بتولّي آل أبي سفيان زمام الخلافة وقيادة الأمّة، قال عليه السلام:

 "إنّا أهل بيت الكرامة، ومعدن الرسالة، وأعلام الحقّ، الذين أودعه الله عزَّ وجلَّ قلوبنا، وأنطق به ألسنتنا، فنطقت بإذن الله، ولقد سمعت جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الخلافة محرّمة على ولد أبي سفيان" الشيخ الصدوق، الأمالي، ص151.

 ولذا نهض الإمام الحسين عليه السلام من أجل إصلاح هذا الوضع الخطير والمؤسف ولم ير إلّا القيام بالسيف والثورة طريقاً لإيجاد التغيير في الأمّة، لاعتقاده بأنّه الأحقّ    بالأمر ولم يكن قيامه بذلك من أجل المال والسلطان ممّا يسعى له أهل الدنيا، وقد قال عليه السلام بأنّه: "لم يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فضول الحطام، ولكن لنري المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك ويعمل بفرائضك وسننك وأحكامك"83. ولم يكن جديراً بهذا التحوّل والتغيير سوى الإمام الحسين عليه السلام الذي يقول:

 "وقد علمتم أنّ هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وإنّي أحقّ بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..."

 ويؤكّد الإمام الخمينيّ(قدس سره) على هذا النهج السياسيّ للإمام الحسين عليه السلام فيقول:

 "إنّ سيّد الشهداء قد قام من أجل استلام الحكومة، وهذا ما سعى إليه وهو فخر كبير في حدّ ذاته، ومن ظنّ غير ذلك فهو واهم ومخطئ، وأنّ هؤلاء قد قاموا من أجل الحكومة أيضاً لأنّ مثل هذه الحكومة يجب أن تكون في يدٍ كَيَد سيّد الشهداء وفي يد كَيَد شيعة سيّد الشهداء أيضاً  الإمام الخمينيّ، صحيفة نور، ج20، ص190.

 نحو كربلاء

إنّ خطر قتل الإمام عليه السلام في مكّة اتخذ بعداً جدّياً، فقد كان جنود يزيد متخفّين بلباس الإحرام في موسم الحجّ يتحيّنون الفرصة لقتل الإمام عليه السلام.

وفي آخر ليلة أمضاها الحسين في مكّة يقول لأخيه محمّد بن الحنفيّة:

"يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت"

 وبعد أن قام الإمام بالطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فكّ إحرامه بإتيان العمرة105، وخرج من مكّة في يوم الثلاثاء الثامن من ذي الحجّة للسنة 60 للهجرة يوم التروية واتجه نحو الكوفة مستقبلاً للمصاعب والمحن وقال في ابتداء سيره

 "خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه..."  اللهوف، ص61

 وعند انتصاف النهار أخبر أحد روّاد القافلة الإمام عليه السلام بأنّه يرى عن بعد رؤوس الفرسان على خيولهم الكثيرة، فرأى الإمام أن يلتجئ إلى مكانٍ ما، فغيّر مسيره بمشورة بعض من معه إلى مرتفعٍ يدعى ذو حسم، وسبق فرسان العدوّ في الوصول إليه، ونزل فيه الحسين عليه السلام وجاء القوم وهم ألف فارس يقودهم الحرّ بن يزيد الرياحيّ نحو خيمة الإمام عليه السلام حتّى وقفوا في مقابله، فقال الحسين عليه السلام لفتيانه: "اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشّفوا الخيل ترشيفاً"، يقول عليّ بن طعان: بأنّ الإمام الحسين عليه السلام أخذ السقاء وقام بإرواء الحرّ وحصانه

وفي يومه الأوّل في هذا المنزل وبعد إقامة صلاة الظهر والعصر بحضور أصحابه وأصحاب الحرّ أشار الإمام عليه السلام في خطبته الأولى معهم إلى دعوة أهل الكوفة له فلم يجبه الحرّ، وفي الخطبة الثانية أكّد عليه السلام على معرفة الحقّ وأنّ الحقّ لمن؟ فقال:

 "أمّا بعد، أيّها الناس فإنّكم إن تتّقوا وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقّنا وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم، وقدمت به عليّ رسلكم انصرفت عنكم"، فقال له الحرّ بن يزيد، إنّا والله ما ندري هذه الكتب التي تذكر، وحينئذٍ أمر الحسين عليه السلام أن تنشر الرسائل بين أيديهم.

 فقال الحرّ: فإنّا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك، وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألّا نفارقك حتّى نقدمك على عبيد الله بن زياد.

 فقال له الحسين عليه السلام: "الموت أدنى إليك من ذلك".

 ثمّ قال لأصحابه: "قوموا فاركبوا"، فركبوا، وانتظروا حتّى ركبت نساؤهم فقال لأصحابه: "انصرفوا بنا"، فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، وفي هذه الأثناء جرى كلام طويل بين الإمام الحسين عليه السلام والحرّ، ومن ثمّ قال الحرّ:"فإذا أبيت فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردّك المدينة، لتكون بيني وبينك نصفاً حتّى أكتب إلى ابن زياد..  وقعة الطفّ، ص169 ـ 171.

 وفي هذا المنزل خطب الحسين عليه السلام في أصحابه وأصحاب الحرّ فقال لهم:

 "أيّها الناس إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قولٍ كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنّا أحقّ من غَيَّرَ، وقد أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم، أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم عليّ بيعتكم تصيبوا رشدكم... وإن لم تفعلوا ونقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، والمغرور من اغترّ بكم، فحظّكم أخطأتم، ونصيبكم ضيّعتم ومن نكث فإنّما ينكث على نفسه...".

 ثمّ استفسر الإمام عليه السلام من  بعض الكوفيّين عن أوضاع مدينتهم، فقال له مجمع بن عبد الله العائذيّ: "أمّا أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم وملئت غرائرهم، يستحال ودّهم ويستخلص به نصيحتهم، فهم ألبّ واحدٍ عليك، وأمّا سائر الناس بعد فإنّ أفئدتهم تهوي إليك وسيوفهم غداً مشهورة عليك".

 ثمّ استخبرهم الحسين عليه السلام عن سفيره قيس بن مسهّر، فأخبروه بشهادته، فترقرقت عينا الحسين عليه السلام ولم يملك دمعه، ثمّ تلا قوله تعالى:

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ .

 ومن ثمّ توجّه بالدعاء قائلاً:

"أللهم اجعل لنا ولهم الجنّة نزلاً، واجمع بيننا وبينهم في مستقرٍّ من رحمتك، ورغائب مذخور ثوابك" .

 نينوى

 

ولمّا وصل موكب الحسين عليه السلام إلى نينوى، وصل رسول من الكوفة يحمل كتاب ابن زياد إلى الحرّ بن يزيد، وممّا جاء فيه: "أمّا بعد، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي، ويقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلّا بالعراء في غير حصنٍ وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتّى يأتيني بإنفاذ أمري"

 وطلب الحرّ من الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه النزول في هذا المكان، ولكن الإمام عليه السلام صمّم على أن ينزل وأصحابه إمّا في قرية الغاضريّة أو قرية الشفيّة، ولكن الحرّ رفض ذلك بشدّة، ومن ثمّ سار سيّد الشهداء عليه السلام بالقافلة ونزل  في كربلاء .

 في أرض البطولات

 وصل الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء  في يوم الخميس الثاني من محرّم سنة   للهجرة.

 ومن ثمّ أمر بنصب الخيام وضرب أخوته وأولاد عمّه خيامهم من حول خيمته، وكذلك نصب الأصحاب ومواليه خيامهم في أطراف خيمة الحسين عليه السلام .

 وفي الليلة الأولى أرسل الإمام عليه السلام رسالة إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة كتب فيها: "أمّا بعد، فكأنّ الدنيا لم تكن، وكأنّ الآخرة لم تزل" .

 وصول ابن سعد

 وفي اليوم الثالث من المحرّم قدم إلى كربلاء عمر بن سعد في أربعة آلاف فارس، وانضمّ إليه الحرّ بن يزيد الرياحيّ في ألف فارس .

  "كتب إليَّ أهل مصركم هذا أن أقدم، فأمّا إذا كرهوني فأنا أنصرف عنهم".

 فكتب ابن سعد إلى عبيد الله بن زياد يخبره بما جرى، فكتب إليه ابن زياد أن يطلب من الحسين عليه السلام البيعة ليزيد.

 ومن بعد ذلك حصل اللقاء الأوّل بين الإمام الحسين عليه السلام وبين عمر بن سعد فنصحه الإمام بنصائح لكن ابن سعد رفضها ومن بعد هذا اللقاء قام ابن سعد بإرسال كتاب إلى عبيد الله بن زياد.

 وكتب ابن زياد في جوابه وبتوصية من الشمر: إن لم يستسلم الحسين فاقتله واركض الخيل على صدره وظهره143.

 منع الماء

وفي كلّ يوم كان يزداد عدد جيش العدوّ، وفي المقابل كانت تزداد الضغوط والتضييق على الإمام وأصحابه، إلى أن كتب ابن زياد في اليوم السابع إلى عمر بن سعد كتاباً يأمره فيه بأن يحولوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء وأن لا يدعهم يذوقوا من الماء قطرة.

فأمر ابن سعد عمرو بن الحجّاج أن يسير في خمسمائة فارس فينيخ على الشريعة ويحولوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء.

ولكنّ العبّاس عليه السلام قام ومعه بعض الأصحاب بإحضار مقدارٍ من الماء  إلى أهل البيت عليهم السلام، "وفي هذه الأثناء اشتدّ العطش من الحسين وأصحابه وكادوا أن يموتوا عطشاً"

تأخير الهجوم

وفي عصر اليوم التاسع من المحرّم وبينما كان الحسين عليه السلام جالساً أمام خيمته مستنداً إلى سيفه وقد خفق برأسه على ركبتيه. نادى عمر بن سعد بجيشه: يا خيل الله اركبي وأبشري، وسمعت زينب عليها السلام الصيحة فدنت من أخيها تخبره بهجوم الأعداء، فقال لها الحسين عليه السلام:

"إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام فقال لي إنّك تروح إلينا...".

ثمّ طلب من أخيه العبّاس أن يذهب للقائهم واستعلام الحال منهم، وتوجّه العبّاس نحوهم وسألهم فأجابوه: جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم ولمّا أخبر العبّاس الإمام الحسين بجواب القوم، قال له: "ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشيّة لعلّنا نصلّي لربّنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أنّي قد كنت أحبّ الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار".

وبعد أن استشار ابن سعد قوّاد جيشه قَبِلَ  بطرح الإمام عليه السلام بالتأجيل إلى غد.

اختبار الأصحاب

وفي غروب ذلك اليوم جمع  الإمام عليه السلام أصحابه الذين قال عنهم بأنّه "لا أعلم  أصحاباً خيراً ولا أوفى من أصحابي... لم ولن تقصّروا في حقّي". ومن ثمّ قال لهم:

"هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، ثمّ ليأخذ كلّ رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي ثمّ تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتّى يفرّج الله، فإنّ القوم إنّما يطلبونني ولو أصابوني لهوا عن طلب غيري".

 وما أن أتمّ الحسين عليه السلام كلامه حتّى قام أخوته وأهل بيته وأصحابه وأعلنوا عزمهم الراسخ على الوقوف معه والدفاع عنه .

 وعندما جاءته زينب عليها السلام تستعلم منه نيّات أصحابه طمأنها الإمام عليه السلام وقال لها: "أما والله لقد نهرتهم وبلوتهم وليس فيهم إلّا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطفل بلبن أمّه"

وحلّت ليلة عاشوراء، وجلس الحسين عليه السلام في خيمته حاملاً سيفه بيده يكرّر هذه الأبيات:

 

"يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيلِ                   كَمْ لَكَ بِالإِشْرَاقِ وَالأَصِيلِ

 مِنْ طَالِبٍ وَصَاحِبٍ قَتِيلِ                    وَالدَّهْرُ لا يَقْنَعُ بِالبَدِيلِ

 وَإِنَّمَا الأَمْرُ إِلى الجَلِيلِ                      وَكُلُّ حَيٍّ سَالِكٌ سَبِيلِي"

وما أن سمعت زينب هذه الأبيات على لسان أخيها لم تملك نفسها أن وثبت وجاءت نحوه وقالت: واثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة...

 فنظر إليها الحسين عليه السلام وقال لها: "يا أخيّة، لا يذهبنّ حلمك الشيطان"، وترقرقت عيناه بالدموع وقال:

"لو ترك القطا ليلاً لنام".

وقام الحسين عليه السلام إليها يصبّ الماء على وجهها بعد أن وقعت مغشيّاً عليها وقال لها: "يا أختاه اتق الله، وتعزّي بعزاء الله، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون، وأنّ كلّ شيءٍ هالك إلّا وجه الله الذي خلق الخلق بقدرته..."

 وأمضى أصحاب الحسين عليه السلام ليلة عاشوراء في خيمهم مشتغلين بالدعاء والصلاة ومناجاة الله ولهم دويٌّ كدويِّ النحل153، وكذلك أمضى الحسين ليلته تلك بالعبادة يتلو قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾154/155.

 عاشوراء 61 للهجرة

 وفي صبيحة عاشوراء صلّى الحسين عليه السلام مع أصحابه ومن ثمّ التفت إليهم قائلاً: "إنّ الله قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر"156.

 وفي ساعات النهار الأولى أمر ابن سعد جيشه بالتهيّؤ للحرب  والقتال،  وقد تفاوتت الروايات والمتون التاريخيّة في عدد الجيش الأمويّ وأشهرها أنّهم ثلاثون ألفاً،   وفي المقابل استعدّ الحسين عليه السلام وأصحابه للدفاع ورفع الإمام عليه السلام يديه إلى السماء وهو يقول:

"أللهم أنت ثقتي في كلّ كربٍ ورجائي في كلّ شدّة وأنت لي في كلّ أمرٍ نزل بي ثقة وعدّة..."

 

 الخطبة الأولى

 

وركب الحسين عليه السلام على فرسه قاصداً نحو الكوفيّين لإتمام الحجّة وقطع العذر فوقف في مقابلهم وناداهم بأعلى صوته، وعلى حدّ قول الناقل لهذا الخبر: "فوالله ما سمعت متكلّماً قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطقٍ منه"، ثمّ قال الحسين عليه السلام:

"الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناءٍ وزوال، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرّته والشقيّ من فتنته، فلا تغرّنّكم هذه الدنيا، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها، وتخيّب طمع من طمع فيها...".

 تابع كلامه قائلاً: "فانسبوني فانظروا من أنا، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك  حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمّه وأوّل المؤمنين المصدّق لرسول الله بما جاء به من عند ربّه، أوليس حمزة سيّد الشهداء عمّي؟ أوليس جعفر الطيار في الجنّة بجناحين عمّي؟ أولم يبلغكم ما قال رسول الله لي ولأخي: هذان سيّدا شباب أهل الجنّة؟

فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ، والله ما تعمّدت كذباً منذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاريّ، وأبا سعيد الخدريّ، وسهل بن سعد الساعديّ، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لي ولأخي، أما في هذا حاجزٌ لكم عن سفك دمي؟".

 فقال له شمر بن ذي الجوشن: "هو يعبد الله على حرفٍ إن كان يدري ما يقول".

 فقال له حبيب بن مظاهر: "والله إنّي لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً، وأنا أشهد أنّك صادقٌ ما تدري ما تقول، قد طبع الله على قلبك"162.

 ثمّ تابع الإمام الحسين كلامه الناصح لهم فقال:

"فإن كنتم في شكٍّ من هذا! أفتشكّون أنّي ابن بنت نبيّكم، فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم أتطلبوني بقتيلٍ منكم قتلته؟ أو مالٍ لكم استهلكته، أو بقصاصٍ من جراحةٍ" فلم يجبه أحدٌ منهم، وحينئذٍ توجّه الإمام عليه السلام إلى أشراف أهل الكوفة وزعمائها الموجودين في جيش ابن سعد فسمّاهم وناداهم وذكّرهم بدعوتهم له، فقال لهم:

"يا شبث بن ربعيّ، يا حجّار بن أبجر، يا قيس بن الأشعث يا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار واخضرّ الجناب، وإنّما تقدم على جندٍ لك مجنّدة!". فأنكروا أمام الإمام عليه السلام إرسال الرسائل إليه، فقال لهم: "أيّها الناس، فإن كنتم لا تريدون فذروني ألتجئ إلى مكان آخر".

وقال له قيس بن الأشعث ما ندري ما تقول وعرض عليه التسليم والبيعة، فقال له الحسين عليه السلام:

"لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد".

 ثمّ أناخ سيّد الشهداء عليه السلام راحلته وأمر عقبة بن سمعان بعقلها، فأقبل القوم يزحفون نحوه .

 وبدأ الهجوم من كلّ طرفٍ وعلت أصوات جيش العدوّ وخرج الحسين عليه السلام بين أصحابه، واقترب من العدوّ وطلب منهم السكوت والإنصات له فأبوا أن ينصتوا فقال لهم:

"ويلكم، ما عليكم أن تنصتوا إليّ فتسمعوا قولي، وإنّما أدعوكم إلى سبيل الرشاد فمن أطاعني كان من المرشدين، ومن عصاني كان من المهلكين، وكلّكم عاصٍ لأمري غير مستمع لقولي. فقد مُلئت بطونكم من الحرام وطبع الله على قلوبكم، ويلكم ألا تنصتون، ألا تسمعون؟"  .

 الخطبة الثانية: كشف قناع الكوفيّين

 وأخذ الإمام عليه السلام يوبّخ أهل الكوفة على قلّة وفائهم وغدرهم وانخداعهم بعدوّه وعدوّهم، فقال لهم:

"تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً، حين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين، سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم، فأصبحتم إلباً لأعدائكم على أوليائكم بغير عدلٍ أفشوه فيكم، ولا أملٍ أصبح لكم فيهم".

 ثمّ عرّض الإمام عليه السلام بجيش ابن سعد الرافع راية العداوة والظلم سائلاً لهم: "فهلّا لكم الويلات تركتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لمّا يستحصف، ولكن أسرعتم إليهم كطيرة الدَّبا، وتداعيتم إليهم كتهافت الفراش" ومن ثمّ كشف عليه السلام القناع عن وجوه الكوفيّين اللئيمة وعرّفهم بهذه الأوصاف:

"فسحقاً لكم يا عبيد الأمّة، وشذّاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرّفي الكلم، وعصبة الآثام، ونفثة الشيطان، ومطفئي السنن، وقتلة أولاد الأنبياء، ومبيري عترة الأوصياء، وملحقي العهار بالنسب، ومؤذي المؤمنين، وصراخ أئمّة المستهزئين، الذين جعلوا القرآن عضين...".

 وتابع الإمام الحسين عليه السلام كلامه مؤكّداً على عدم استسلامه قائلاً لهم:

 "ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد تركني، بين السلّة والذلّة، وهيهات له ذلك منّي، هيهات منّا الذلّة" وتابع كلامه قائلاً:

 "يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجورٌ طابت وطهرت، وأنوفٌ حميّة، ونفوسٌ أبيّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام".

ثمّ حذّر أهل الكوفة قائلاً:

"ثمّ أيم الله، لا تلبثون بعدها إلّا كريث ما يركب الفرس، حتّى تدور بكم دور الرحى، وتقلق بكم قلق المحور..." ومن بعد هذا الكلام قام الإمام عليه السلام بالدعاء على هؤلاء القوم الناكثين للعهد والملتحقين بجيش أعداء الله166.

 وبعد إتمام كلامه لم يلتحق به سوى الحرّ بن يزيد الرياحيّ وجمع قليل معه167.

 بداية الحرب

 

ثمّ إنّ عمر بن سعد وضع سهمه في كبد قوسه ورمى به نحو أصحاب الحسين عليه السلام وقال: "اشهدوا أنّي أوّل من رمى، فرمى أصحابه كلّهم بأجمعهم في أثره رشقة واحدة".

 فنادى الحسين عليه السلام في أصحابه قائلاً لهم: "قوموا يا كرام، هذه رسل القوم إليكم".وتوالت الحملات واسفرت عن سقوط الشهداء في معسكر الامام الحسين (ع) .

وعند زوال الشمس من يوم العاشر جاء أبو ثمامة الصائديّ يؤذن الحسين عليه السلام بحلول وقت الصلاة فقال له: "ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلّين الذاكرين، نعم هذا أوّل وقتها".

 وقام الحسين عليه السلام إلى الصلاة في نحو نصفٍ من أصحابه حتّى صلّى بهم صلاة الخوف وبعدما أتمّ الإمام صلاته تكلّم مع أصحابه بكلام موجز وذكّرهم بانتظار الجنّة لهم واشتياق أهلها للقائهم، وقال لهم: "فحاموا عن دين الله وذبّوا عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ".

 عروج الأصحاب

 

وبعد إقامة الصلاة بدأ أصحاب الحسين عليه السلام بالنزول إلى الميدان واحداً تلو الآخر، وبعد المبارزة والقتال سقطوا شهداء وتهيّأ بنو هاشم للقتال، وكان أوّل المبارزين منهم عليّ الأكبر عليه السلام الذي نزل إلى الميدان فبارزهم ثمّ خرّ شهيداً، ومن بعده استشهد بقيّة آل هاشم ومن جملتهم أبو الفضل العبّاس عليه السلام وفي تلك اللحظات الأخيرة استدعى الإمام عليه السلام طفله الرضيع وبينما هو في حجره رماه حرملة بسهمٍ في عنقه ففار الدم منه وعندئذٍ قال الإمام عليه السلام: "هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله"174.

 وحيداً فريداً

ولم يبق مع الحسين عليه السلام أيّ ناصرٍ ومعين فبقي وحيداً فريداً ينظر يميناً وشمالاً، فلم يَرَ أحداً من أصحابه وأهل بيته إلّا صرعى بدمائهم على وجه الأرض، فنادى الإمام عليه السلام مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وزهير بن القين وحبيب بن مظاهر وعليّ الأكبر وسائر الشهداء وصرخ قائلاً: "أيّها الكرام، ادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام، ولكن صرعكم والله ريب المنون وغدر بكم الدهر الخؤون، وإلّا لما كنتم عن دعوتي تقصّرون، ولا عن نصرتي تحتجبون، فها نحن عليكم مفتجعون، وبكم لاحقون، فإِنَّا لِلهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ".

 الوداع الأخير

 وانطلق الإمام عليه السلام إلى خيمة ولده والإمام من بعده زين العابدين عليه السلام فضمّه إلى صدره وودّعه ثمّ طلب ثوباً لا يرغب فيه ليلبسه تحت ثيابه لئلّا يبقى عارياً  فأخذ الثوب ففزره وخرّقه لكيلا يُسلبه ، ومن ثمّ توجّه عليه السلام لوداع أخته زينب الكبرى وسائر النساء فنادته ابنته سكينة: "يا أبتاه، أأسلمت نفسك للموت".

 فقال لها الإمام عليه السلام: "كيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين" فقالت له سكينة: أبتاه ردّنا إلى حرم جدّنا صلى الله عليه وآله وسلم.

 فقال لها الإمام عليه السلام: "هيهات لو ترك القطا لنام".

 وعلا صوت النساء بالبكاء فسكّتهنّ الحسين عليه السلام ومن ثمّ حمل على الأعداء

   كان الإمام الحسين عليه السلام يرى أنْ:"موت في عزٍّ خير من حياة في ذلّ"  وكان كلّما برز إليه أحد قتل، ويحمل على الميمنة وهو يقول:

 "القَتْلُ أَوْلَى مِنْ رُكُوبِ العَارِ                وَالعَارُ أوْلَى مِنْ دُخُولِ النَّارِ

 وَاللهِ مَا هَذا وَهَذا جَارِ"

ثمّ يحمل على ميسرة القوم وهو يقول:

 

أَنَا الحُسَيْنُ بْنَ عَلِي                          آلَيْتُ أَنْ لا أَنْثَنِي

 أَحْمِي عِيَالاتِ أَبِي                           أَمْضِي عَلَى دِينِ النَّبِي

وهجم عليه مالك بن نسر وضربه بالسيف على رأسه فشقّ برنسه ووصلت الضربة إلى أمّ رأسه وجرى الدم منه وامتلأ البرنس دماً، وخلع الإمام درعه ولبس خوذة بعد أن عمّم رأسه بخرقة سوداء، ولبس جبّة من خزّ، وقاتل قتال الفارس الشجاع، وكان يتّقي الرماة ويفترص العورة، ويشدّ على الخيل

 ورغم الجراحات الكثيرة التي أصابت جسد الإمام عليه السلام إلّا أنّه كان يحمل تارة على الميمنة وأخرى على الميسرة فيفرّون من بين يديه.

 يقول الراوي: "فوالله ما رأيت مكثوراً قطّ قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشاً منه، وإن كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ عليها الذئب...".

 ورجع الإمام عليه السلام إلى مركزه وهو يردّد قائلاً: "لا حول ولا قوّة إلّا بالله" .

   

 كونوا أحراراً

 وقاتل الإمام عليه السلام قتال الأبطال وابن سعد يحثّ جيشه على قتل الإمام قائلاً لهم:"احملوا عليه من كلّ جانب. وقام شمر مع جماعة من المقاتلين فحالوا بين الحسين عليه السلام وبين رحله. فقال لهم عليه السلام:

"ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون" .

 فحمل شمر على الإمام الحسين عليه السلام وحمل الإمام عليه السلام على العدوّ وهو يقول:

"أعلى قتلي تحاثون؟ أما والله لا تقتلون بعدي عبداً من عباد الله اللهُ أسخط عليكم لقتله منّي، وأيم الله إنّي لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ثمّ ينتقم لي منكم..."

 ليت السماء أطبقت على الأرض

 ولكثرة الجراحات التي أصيب بها الإمام عليه السلام، وقف يستريح وقد ضعف عن القتال، فطعنه صالح بن وهب برمحه على خاصرته طعنة منكرة فسقط الحسين عليه السلام عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن وهو يردّد قائلاً: "بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله".

 وفي ذلك الوقت خرجت زينب عليها السلام من خيمتها وهي تنادي: "وا أخاه وا سيّداه وا أهل بيتاه، ولهول ما رأت عليها السلام وما ألمّ بها قالت: "ليت السماء أطبقت على الأرض" .

 وقام العدوّ بمحاصرة الإمام عليه السلام والشمر يصيح بهم: ويحكم ما تنتظرون بالرجل، اقتلوه ثكلتكم أمّهاتكم، فحملوا عليه من كلّ جانب، وضربه زرعة بن شريك على عاتقه فجعل يكبو مرّة ويقوم أخرى، ثمّ كبا على وجهه وحمل عليه سنان بن أنس في تلك الحال فطعنه بالرمح في ترقوته، ثمّ انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره، ثمّ رماه سنان أيضاً بسهمٍ فوقع في نحره فسقط عليه السلام، وجلس قاعداً فنزع السهم من نحره، وقرن كفّيه  جميعاً فلمّا امتلأتا دماً خضّب بهما رأسه ولحيته، وقال: "هكذا حتّى ألقى الله مخضباً بدمي مغصوباً عليّ حقّي"

وكلّما دنا أحدهم من الحسين عليه السلام رجع عنه، حتّى صاح بهم ابن سعد طالباً منهم أن يجهزوا عليه، يقول بعض أتباع بن سعد: والله ما رأيت قتيلاً مضمّخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجهاً، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكر في قتله.

 وفي تلك الحالة وقد خرّ الإمام عليه السلام صريعاً مشرفاً على الموت استسقى الماء، فلم يسقوه وقال له رجلٌ منهم: والله لا تذوق الماء حتّى ترد الحامية.

 وبدر إليه خولّي بن يزيد الأصبحي ليحتزّ رأسه فأرعد وقفل راجعاً، وحينئذٍ قدم الشمر وجلس على صدر الإمام عليه السلام وقبض على لحيته، وهمّ بقتله فضحك الحسين عليه السلام وقال له: "أتقتلني؟ أولا تعلم من أنا؟!".

 فقال الشمر: أعرفك حقّ المعرفة، أمّك فاطمة الزهراء عليها السلام وأبوك عليّ المرتضى، وجدّك محمّد المصطفى، وخصيمك الله العليّ الأعلى، وأقتلك ولا أبالي

 وضربه بسيفه اثنتي عشرة ضربة ثمّ حزّ رأسه من القفا.

قَتَلُوكَ عَطْشَاناً وَلَمْ يَتَرَقَّبُوا                 فِي قَتلِكَ التَنْزِيلَ وَالتَّأْوِيلا

 وَيُكَبِّرُونَ بِأَنْ قُتِلْتَ وَإِنَّمَا                   قَتَلُوا بِكَ التَكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلا

 ثمّ أقبلوا على الحسين عليه السلام فسلبوا كلّ شيء عن بدنه الشريف ومن ثمّ صاح عمر بن سعد في أصحابه: من ينتدب للحسين فيواطئ الخيل ظهره وصدره؟ فانتدب منهم عشرة، فداسوا جسد الإمام عليه السلام المقطوع الرأس بحوافر خيولهم حتّى رضّوا صدره وظهره .

 ولمّا رأت زينب الكبرى جسد أخيها سيّد الشهداء مضمّخاً بدمائه نادت: "يا محمّداه صلّى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين بالعراء، مرمّلٌ بالدماء، مقطّع الأعضاء..." .

 وحمل الرأس المبارك للإمام عليه السلام إلى الكوفة، وبعد عدّة أيّام من واقعة عاشوراء، جاءت طائفة من بني أسد إلى كربلاء وقاموا بدفن جسد الإمام وسائر الأصحاب في التراب.

 

 

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=444
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 11 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29