• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : فكر .
                    • الموضوع : تعريف الحرب الناعمة ومصادرها ومواردها .
                          • رقم العدد : العدد الثالث والعشرون .

تعريف الحرب الناعمة ومصادرها ومواردها

 تعريف الحرب الناعمة ومصادرها ومواردها

 

هي مصطلحٌ جديدٌ في الاستعمال العالمي، وعلى الرغم من مشابهتها في المضمون لمصطلحات أخرى كانت تستخدم للتعبير عنها بأشكال مختلفة: كحرب المعنويات، وغسل العقول، والغزو الثقافي، والحرب السياسية.... فإنَّ الحرب الناعمة هي التي تستخدم القوة الناعمة، التي عرفها جوزيف ناي1    بأنها " القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام، وهي القدرة على التأثير في سلوك الآخرين للحصول على النتائج والأهداف المتوخاة بدون الاضطرار إلى الاستعمال المفرط للعوامل والوسائل العسكرية والصلبة، وهذا ما حصل مع الاتحاد السوفياتي حيث تم تقويضه من الداخل، لأن القوة لا تصلح إلا في السياق الذي تعمل فيه، فالدبابة لا تصلح للمستنقعات، والصاروخ لا يصلح لجذب الآخرين نحونا  . (جوزيف ناي، القوة الناعمة ، مكتبة العبيكان 2007 ص 12 ، ص 20.)

وعندما نتحدث عن قوة ناعمة   إنما نتحدث عن مشروعٍ أمريكي معاصر، اختار القوة الناعمة المقابلة للقوة الصلبة (المادية العسكرية)، لعجزه عن الوصول إلى أهدافه عن طريق القوة الصلبة، أو لتخفيف التكلفة الباهظة المترتبة عليها. وقد لجأ إلى القوة الناعمة ليخرِّب من داخلنا، وليسقطنا من داخلنا، بأيدينا وأدواتنا، من دون أن نلتفت في كثير من الأحيان إلى ما يحصل، بل نعيش أحياناً حالة الغبطة بما يحصل، يترافق ذلك مع تعديل القيم التي يريدون تأسيسنا عليها لتسود قيمهم، ثم نندفع بشكل طبيعي وعادي لتصديقها وتنفيذها، فيتعدّل سلوكنا تبعاً لها، فنتحول أتباعاً بدل أن نكون مستقلين وأصحاب قرار.

وقد اقتبس الكاتب جوزيف ناي ثنائية الصلب والناعم من التقسيم المعروف لتكوين أجهزة أو قطع الكومبيوتر الذي يتألف من أدوات ناعمة software وأدوات صلبة hardware ، فهذا التقسيم راج في التسعينات على أثر انتشار الكومبيوتر والانترنت 

وقد افرد قسما خاصا لعنوان " الطبيعة المتغيرة للقوة " وعلاقات وتوازنات القوة على المسرح الدولي، وتوصل إلى أهمية وضرورة تكامل القوة الناعمة إلى جانب القوة الصلبة، لما للقوة الناعمة من ميزات وخصائص تفوق عائدات القوة الصلبة، وسرد لتأثيرات وميزات الحرب الناعمة خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية، وشرح للتكاليف الباهظة التي تدفع في حالة الحرب الصلبة على ضوء مجموعة من المتغيرات أبرزها عدم ردعية السلام النووي للمجموعات المسلحة المسماة " إرهابية " حيث إن السلاح النووي أصبح كالعضلات المربوطة، ولا يمكن استعماله لأسباب دولية وعملية إلا في الحالات الاستثنائية جداً ويكفي للاستدلال على ذلك خسارة أميركا للحرب ضد فيتنام بالرغم من امتلاكها للقدرات النووية، كما أن توسع انتشـــار تكنولوجيا الاتصال والإعلام، وما سماها "عولمة وديمقراطية المعلومات" ورخصها وتوفرها بسهولة ويسر في السوق العالمي، ويقظة المشاعر القومية والدينية، كـل هذه العوامل قوضت من قدرة الدول الكبرى على منع التنظيمات الإرهابية من امتلاك هذه الوسائل واستخدامها للتسبب في إحداث الدمار للغرب، والنموذج الأكثر وضوحا لهذا الوضع الجديد إحداث 11 أيلول2001..

كما تحدث عن مصادر قوة أميركا الناعمة وقوة الآخرين الناعمة (أي أعداء أميركا أو منافسيها على الحلبة الدولية)، وعن البراعة في استخدام القوة الناعمة، وأخيرا القوة الناعمة وسياسة أميركا الخارجية   .

وقد تحدث مبكراً عن هذا الموضوع إمام الأمة مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني قدس سره   فقال: "مراكز الفساد الكثيرة التي أوجدوها, لنشر الفساد والدعارة ولإفساد الشباب, لم تظهر بلا غاية. لقد قاموا بإعلامٍ مكثَّف لهذا الأمر، فسخَّروا مجلَّاتهم ووسائلهم الإعلامية السمعية منها والبصرية خدمةً لهذا الأمر، الإذاعة والتلفزة، والوسائل السمعية والبصرية, كانت تدأب على جذب الشباب من الأسواق ومن الصحاري التي يعملون فيها، ومن الدوائر التي يخدمون فيها, إلى مراكز الفساد تلك, لكي يصنعوا من الجامعي إنساناً فاسداً، ويجعلوا من الموظف موجوداً فاسداً"  ( مؤسسة نشر وتنظيم تراث الإمام الخميني قدس سره، صحيفة الإمام، ج11، ص: 339.)

ويقول الإمام القائد الخامنئي (حفظه الله ورعاه): "الحرب الناعمة ترفع شعارات ودعايات محقة بالظاهر ولكنها باطلة في الباطن وتخلط الحق بالباطل، وللأسف فإن البعض يكرر دعايات وشائعات العدو عن قصد أو عن جهل"

وهذه الحرب تستخدم الاساليب الشيطانية والابليسية التي ذكرها القرآن الكريم    ﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (سورة الحجر، الآيتان: 39 و 40)،  اي الوسوسة والإفساد والإغواء فالإنسان خُلق حسياً أكثر منه عقلياً"  ولذلك هو يتأثر بالأمور المادية والإغراءات والغواية، وفي أحيانٍ كثيرة يبدو العقل وكأنَّه قد تعطَّل، مع أنه يعمل، ولكنَّ مؤثرات الجسد تسيطر في كثير من الحالات على منطق العقل.

   فالشيطان  لا يقوم بعمل عسكري، ولا يقوم بعمل مادي مباشر، فكل أعماله تدور حول التدليس والزينة والوسوسة. ويتحمل الناس مسؤولية الاختيار بأعمالهم، حيث يكون تأثيره على الذين يستجيبون له، والذين يتولونه والذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم كما قال تعالى:  ﴿لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ (الحج، الآية: 53 )، فلا بدَّ من وجود قابلية عند المتلقي، كي يتأثر بهذه التوجيهات والإغراءات التي يقوم بها إبليس (لعنه الله).

ثانيا ً: الفــرق بين الحرب الناعمة والحرب النفسية والدعاية

تركِّز الحرب الناعمة بأساليبها على الاستمالة والإغواء والجذب، من دون أن تظهر للعيان، ومن دون أن تترك أي بصمات. في حين تركِّز الحرب النفسية والدعاية على إرغام العدو وتدمير إرادته ومعنوياته بصورة شبه مباشرة وعلنية.

فالحرب الناعمة تستهدف الجميع، وفي كل الأوقات، وبوسائل متنوعة جداً، وبجاذبية. أما الحرب النفسية فتتجه لإضعاف الرأس والقدرة والحكام والموجهين وتماسك الجماعة، على قاعدة أنها إذا أضعفتهم أسقطتهم فيسهل التأثير على الناس، فلا يبقى للجماعة قائد مؤثر، ويسقط القائد عند جماعته، ولا يصمد الحاكم أمام الضغوطات فيفشل في توجيه الرعية التي تتخلى عنه، وهكذا...

هذا الفرق هو الذي يُظهر لنا كم هي قدرة القوة الناعمة على أن تدخل إلى كل تفاصيل حياتنا بدءًا من الأطفال وانتهاءاً بالشيوخ من دون تمييزٍ بين الرجال والنساء.

أما أساليب وتكتيكات الحرب النفسية المعروفة تاريخيا فنورد أمثلة عليها: (الدعاية ضد معتقدات الخصم / الإشاعة / بث الرعب / الخداع / افتعال الأزمات / أثارة القلق / إبراز التفوق المادي والتقني والعسكري / التقليل من قوة الخصم والعدو / التهديد والوعيد/ الإغراء والإغواء والمناورات / الاستفادة من التناقضات والخلافات / الضغوطات الاقتصادية / إثارة مشاعر الأقليات القومية والدينية / الاغتيالات / تسريب معلومات عسكرية وأمنية وسياسية حساسة عن العدو في الصحافة / الإفصاح عن امتلاك نوعية خاصة من الأسلحة الفتاكة / وغيرها من الوسائل طابعها العام عسكري أو شبه عسكري   (احمد نوفل . مصدر سابق . ص . 80 .)

في حين تعتمد الحرب الناعمة على نفس الأهداف مع اختلاف التكتيكات التي أصبحت تكتيكات ناعمة، فبدلاً من تكتيكات التهديد تعتمد الحرب الناعمة على الجذب والإغواء عبر لعب دور المصلح والمنقذ، وتقديم النموذج الثقافي والسياسي وزرع الأمل بان الخلاص في يد أميركا، المانحة لحقوق الإنسان والديمقراطية وحريات التعبير وما شاكل من عناوين مضللة للعقول ومدغدغة للأحلام وملامسة للمشاعر.

وفي التقيم والتشخيص نستنتج بعد المقارنة والمطابقة بين الحرب النفسية والحرب الناعمة انهما يسيران على خط سكة في الأهداف، ويتعاكسان في الوسائل والأساليب. فيتفقان ويشتركان في الهدف لجهة قصد تطويع إرادة العدو (الدول والنظم والشعوب والجيوش والرأي العام والمنظمات والجماعات) ولكنهما يختلفان ويتعاكسان في الوسائل والأساليب .

 فكل ما هو من الإرغام والضغط والفرض بوسائل أكثر صلابة دون أن تصل لمستوى الوسائل العسكرية هو من الحرب النفسية (خطابات عالية النبرة وتهديدات وعروض عسكرية وشائعات واغتيالات وحرب جواسيس) وكل ما هو من جنس الاستمالة والجذب والإغواء الفكري والنفسي بوسائل أكثر نعومة (أفلام وأقراص ممغنطة وصفحات face book ومسلسلات وsms ) يدخل في تعريف الحرب الناعمة .

ثالثاً: موارد ومصادر الحرب الناعمة

ومن أجل تحقيق أهدافها، تستفيد القوة الناعمة من كل المؤثرات والرموز البصرية والإعلامية والثقافية والأكاديمية والبحثية والتجارية والعلاقات العامة والدبلوماسية.

وقد حدد جوزيف ناي المنظر الأول لمصطلح القوة الناعمة  الموارد بثلاثة محاور: القيم والمؤسسات الأميركية/ جاذبية الرموز الثقافية والتجارية  والإعلامية والعلمية الأميركية / وصورة أميركا وشرعية سياساتها الخارجية وتعاملاتها وسلوكياتها الدولية.

كما حدد ناي مصادر القوى الناعمة بأنها: مصانع هوليـــود وكل الإنتاج الإعلامي والسينمائي الأميركي / الطلاب والباحثين الأجانب الوافدين للدراسة في الجامعات والمؤسسات التعليمية،   ورجال الإعمال الأجانب العاملين في السوق الأميركي وقطاع الأعمال/ شبكات الانتــــرنت والمواقع الأميركية المنتشرة في الفضاء الالكتروني/ برامج التبادل الثقافي الدولي والمؤتمرات الدولية التي ترعاها وتشارك في تنظيمها أميركا / الشركات الاقتصادية العابرة للقارات / الرموز والعلامات التجارية مثل كوكا كولا وماكدونالدز وغيرها.

وبالإجمال ترتكز القوة الناعمة على كل المؤثرات الإعلامية والثقافية والتجارية والعلاقات العامة، وكل مورد لا يدخل ضمن القدرات العسكرية المصنفة ضمن القوة الصلبة.

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=449
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 01 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29