• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : رجوع النفس إلى بارئها .

رجوع النفس إلى بارئها

 رجوع النفس إلى بارئها

الشيخ إبراهيم نايف السباعي

لا بد للروح من الرجوع، والعودة إلى خالقها وبارئها، المؤمن التي أدت ما عليها من واجب، والتزمت بما عليها من التزامات، فسعت إلى ربها راغبة راضية مرضية.

بعد أن  حُبست في جسد ترابي لا تكافؤ بينهما، فيعود الجسد إلى وضعه الوضيع، إلى تراب من حمإٍ  مسنون، والروح تعود إلى علوها وسموها، لأنها خلقت من الأعلى: " يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ..."([1])

وهذا الأمر لا فرق منه بين المؤمن والكافر، والمسلم والفاسق، القريب والبعيد الرجل والمرأة، العبد والسيد، والطفل والكبير، كلٌ آتي الرحمن عبداً، فالموت خُطّ على ولد آدم جمعيهم  "وكل نفس ذائقة الموت" والموت عبارة عن عودة هذه الروح إلى عالمها.

لكن شتان بين نداء المؤمن من ربه، ونداء الكافر؛ قال الله سبحانه وتعالى: "أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون"([2])

 ففي نداء المؤمن دعوة الحبيب إلى حبيبه ودعوة ملؤها البشرى والرضا والوعد الحسن، وأما الكافر فإعلان ساعة الصفر بالنسبة إلى اللذائذ الدنيوية، ونهاية الجنة الأنسية، وابتداءٌ للحساب وسبيل إلى العقاب، حيث لا مفر ولا ملجأ، ولا عاصم اليوم من أمر الله.

المؤمن حالة خاصة:

وأما المؤمن فطبيعي أن النداء سيختلف؛ من حيث الكيف والكم والطريقة والأسلوب.

قال الله تعالى: "يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي"([3])

ذكرت الروايات، فيما تنادي به الروح بعد خروجها من الجسد؟ : "إذا فارق الروح من البدن نودي من السماء بثلاث صيحات: يا ابن آدم أتركت الدنيا أم الدنيا تركت؟ أجمعت الدنيا أم الدنيا جمعتك؟ أقتلت الدنيا أم الدنيا قتلتك؟

وإذا وضع على المغسل نودي بثلاث صيحات: يا ابن آدم أين بدنك القوي؟ ما أضعفك، وأين لسانك الفصيح؟ ما أسكتك، وأين أحباؤك؟ ما أوحشك، وإذا وضع على الكفن نودي بثلاث صيحات: تذهب إلى سفر بعيد بغير زاد، وتخرج من منزلك فلا ترجع أبداً، وتصير إلى بيت ما أهوله. وإذا حمل على الجنازة نودي بثلاث صيحات: طوبى لك إن كان عملك خيراً، وطوبى لك إن كنت صحبك رضوان الله، وويلٌ لك إن صحبك سخط الله.

وإذا وضع للصلاة نودي بثلاث صيحات: يا ابن آدم كل عمل عملته تراه الساعة إن كان عملك خيراً تراه خيراً، وإن كان شراً تراه شراً.

وإذا وضعت الجنازة على شفير القبر نودي بثلاث صيحات:

يا ابن آدم كنت على ظهري ضاحكاً فصرت في بطني باكياً، وكنت على ظهري فرحاً فصرت في بطني حزيناً، وكنت على ظهري ناطقاً فصرت في بطني ساكتاً، وإذا أدبر الناس عنه يقول الله تعالى: "يا عبدي بقيت فريداً وحيداً وتركوك في ظلمة القبر، وقد عصيتني لأجلهم وأنا أرحمك اليوم رحمة يتعجب منها الخلائق، وأنا أشفق عليك من الوالدة بولدها"([4])

طرق إخراج الأرواح:

روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "قيل لملك الموت كيف تقبض الأرواح بعضها في المغرب  وبعضها في المشرق في ساعة واحدة؟ فقال: أدعوها فتجيبني، قال: وقال ملك الموت: إن الدنيا بين يدي كالقصعة بين يدي أحدكم يتناول منها ما يشاء، والدنيا عندي كالدرهم في كف أحدكم يقلّبه كيف يشاء"([5])

والطريقة المتبعة في قبض الأرواح هي، كما روي عن الصادق عليه السلام: "يعلم ملك الموت نفس من يقبض؟ قال: لا إنما هي صِكاكٌ تنزل من السماء اقبض فلان بن فلان"([6]).

حكايات تُذكّر ومواعظ تُعبّر:

روي أن ملكاً من ملوك الأرض أراد أن يركب إلى أرض، فدعا بثياب ليلبسها فلم تعجبه فلم تعجبه فطلب غيرها، حتى لبس ما أعجبه بعد مرات، وكذلك طلب دابة فلم تعجبه، حتى أتى بدواب فركب أحسنها، فجاء إبليس فنفخ في منخريه فملأه كبراً، ثم سار وسارت معه الجنود. وهو لا ينظر إلى الناس كبراً، فجاءه رجلٌ رث الهيئة فسلم عليه فلم يرد عليه السلام فأخذ بلجام دابته، فقال: أرسل اللجام فقد تعاطيت أمراً عظيماً، وقال إنّ لي إليك حاجة، قال: اصبر حتى أنزل، قال: لا ، الآن فقهره على لجام دابته، فقال: اذكرها، قال: هي سر فأدنى إليه رأسه فساره فقال أنا ملك الموت، فتغير لون الملك واضطرب لسانه، ثم قال: دعني حتى أرجع إلى أهلي فأقضي حاجتي وأودعهم، قال: لا ، والله لا ترى أهلك وثقلك أبداً، فقبض روحه فخّر وكأنه خشبة، ثم لقي عبداً مؤمناً في تلك الحال فسلم عليه فرد السلام، فقال: إن لي إليك حاجة، اذكرها في أذنك، فقال: هات فساره، فقال: أنا ملك الموت، فقال: مرحبا وأهلاً بمن طالت غيبته عليّ، فوالله ما كان في الأرض غائب أحب إلي أن ألقاه منك، فقال: ملك الموت أقضي حاجتك التي خرجت لها، فقال: ما لي حاجة أكبر عندي، ولا أحب إليّ من لقاء الله، فقال: فاختر على أي حال شئت أن أقبض روحك، فقال: نقرر ذلك؟ قال: نعم إني أمرت بذلك، قال: فدعني حتى أتوضأ، وأصلي ركعتين فاقبض روحي، وأنا ساجد فقبض روحه وهو ساجد.([7])  

قبض أرواح الملوك وكيفيتها:

قال يزيد الرقاشي: بينا جبار من الجبابرة من بني إسرائيل كان جالساً في منزله، فدخل ببعض أهله إذ نظر إلى شخص قد دخل إلى باب بيته، فثار إليه فزعاً مغضباً، فقال: من أنت ومن أدخلك داري؟ قال: أما الذي أدخلني الدار فربها، أما أنا فالذي لا يمنعني الحجاب، ولا استأذن على الملوك، ولا أخاف سطوة السلاطين، ولا يمتنع عني كل جبار عنيد، ولا شيطان مريد، قال: فسقط في يدي الجبار وأرعد حتى سقط منكباً لوجهه، ثم رفع إليه رأسه مستعطفاً متذللاً ، فقال له: أنت إذاً ملك الموت، قال: أنا هو، قال: فهل أنت ممهلي حتى أحدث عهداً، قال: هيهات، انقطعت مدتك، وانقضت أنفاسك، ونفدت ساعاتك، فليس إلى تأخيرك سبيل، قال: فإلى أين تذهب بي؟ قال: إلى عملك الذي قدمته، وإلى بيتك الذي مهدته؟ قال: فإني لم أقدم عملاً صالحاً، ولم أمهد بيتاً حسناً، قال: فإلى لظى نزاعة للشوى، ثم قبض روحه فسقط بين أهله فمن صارخ وباك ونائح.([8])

وقيل: لو تعلمون سوء المنقلب، كان العويل على ذلك أكثر.

تعجيل عقوبة المؤمن في الدنيا:

تواترت الروايات في كتب الصحاح عن ابتلاء المؤمن وشدة ما يلاقيه في الدنيا، حيث ذكرت أنها تصفيه من الذنوب حتى إذا لاقى ربه لاقاه ولا شيء عليه يعاقب به.

قال الإمام الصادق عليه السلام: .... قال الله تعالى: وعزتي وجلالي لا أخرج عبداً من الدنيا، وأنا أريد أن أرحمه حتى أستوفى منه كل خطيئة عملها إما بسقم في جسده، وإما بضيق في رزقه، وإما بخوف في دنياه، فإن بقيت عليه بقيّة شدّدت عليه الموت.([9])

وعن أبي عبد الله عليه السلام: إن أولياءنا ليرتكبوا ذنوباً يستحق بها من الله العذاب فيبتليه الله في بدنه بالسقم حتى يمحّص عنه الذنوب، فإن عافاه في بدنه أبتلاه في ولده، فإن عافاه من بوائق الدهر شدّد عليه خروج نفسه حتى يلقى الله وهو عنه راضٍ قد أوجب له الجنة.([10])

 

 

 

    

تشييع الملائكة لنعش المؤمن:

أما ما ورد في تشييع الملائكة لنعش المؤمن، واستغفارهم وشفاعتهم له وفي عددهم، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ملاء من أصحابه، وإذا بأسود على جنازة تحمله أربعة من الزنوج (أي السودان) ملفوف في كساء يمضون به إلى قبره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عليّ بالأسود فوضع بين يديه فكشف عن وجهه، ثم قال لعلي: يا علي هذا رياح غلام آل النجار، فقال علي عليه السلام: والله، ما رآني قط إلا وحجل في قيوده، وقال: يا علي، إني أحبك، قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بغسله وكفنه في ثوب من ثيابه(ص) وصلى عليه وشيعه المسلمون إلى قبره، وسمع الناس دوياً شديداً في السماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد شيعه سبعون ألف قبيل من الملائكة، كل قبيل سبعون ألف ملك والله ما نال ذلك إلا بحبك يا علي، قال: ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في لحده، ثم أعرض عنه ثم سوى عليه اللبن، فقال له أصحابه: يا رسول الله رأيناك قد أعرضت عن الأسود ساعة، ثم سويت عليه اللبن، فقال: نعم، أن ولي الله قد خرج من الدنيا عطشاناً فتبادر إليه أزواجه من الحور العين بشراب من الجنة وولي الله غيور فكرهت أن أحزنه بالنظر إلى أزواجه فأعرضت عنه.([11])

نصيحة:

هل تعلم أخي المؤمن أن من استعاذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم معتصماً بحبل الله المتين يُعْصَم من وساوسه وزلاته ونوازعه وإغرائه.

نعوذ بالله من سخط الرحمن ونعوذ بالله من الذنوب والعصيان.

روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

"من استعاذ بالله في اليوم عشر مرات من الشيطان الرجيم، وكَلّ الله به ملكاً يذود عنه شر الشيطان كما تذاد ([12]) الغريبة من الإبل عن الحوض، فكيف لا يُسْلَم المستعيذ([13]) بالله من الشيطان، والملك يذود عنه بأمر الملك الديَّان؟!.([14])



[1] سورة الإسراء، آية رقم:85.

[2] سورة السجدة، آية رقم: 18.

[3] سورة الفجر، آية رقم: 28.

[4] كتاب لآلئ الأخبار ج 4 ص 240.

[5] كتاب من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 80.

[6] كتاب الكافي ج 3 ص 255.

[7] كتاب المحجة البيضاء، ج 8 ص 267.

[8] المصدر السابق، وراجع بستان الواعظين ص 248.

[9] كتاب لآلئ الأخبار ج 1 ص 334 و 335.

[10] المصدر السابق ج 2 ص 79.

[11] كتاب لآلئ الأخبار ج 4 ص 242.

[12] تذاد: يذود الإبل أي يسوقها ويطردها.

[13] المستعيذ: استعاذ به أي لجأ إليه، وقولنا معاذ الله أي أعوذ بالله معاذاً.

[14] كتاب بستان الواعظين ورياض السامعين ص 26.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=454
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2013 / 01 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29