• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : حكاية المتكلمة بالقرآن .
                          • رقم العدد : العدد السابع والعشرون .

حكاية المتكلمة بالقرآن

 لطائف وفوائد

حكاية المتكلمة بالقرآن

قال عبد اللّه بن المبارك : خرجت حاجا إلى بيت اللّه الحرام و زيارة قبر نبيه عليه الصلاة و السلام، فبينما أنا في بعض الطريق إذا أنا بسواد على الطريق، فتميزت ذاك، فإذا هي عجوز عليها درع من صوف و خمار من صوف، فقلت: السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته، فقالت: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ

قال: فقلت لها: يرحمك اللّه ما تصنعين في هذا المكان؟ قالت: مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ‏

فعلمت أنها ضالة عن الطريق، فقلت لها: أين تريدين؟ قالت: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى‏

فعلمت أنها قد قضت حجها، و هي تريد بيت المقدس، فقلت لها: أنت منذ كم في هذا الموضع؟

قالت: ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا

فقلت: ما أرى معك طعاما تأكلين؟ قالت: هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ‏

فقلت فبأي شي‏ء تتوضئين؟ قالت: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً

فقلت: لم لا تكلميني مثل ما أكلمك؟ قالت: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ

فقلت: فمن أي الناس أنت؟ قالت: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا

فقلت قد أخطأت فاجعليني في حل، قالت: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ‏

فقلت: فهل لك أن أحملك على ناقتي هذه فتدركي القافلة، قالت: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ‏

قال: فانخت ناقتي، قالت: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ‏

فغضضت بصري عنها و قلت لها: اركبي، فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها فقالت: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ‏

فقلت لها: اصبري حتى أعقلها، قالت: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ‏

فعقلت الناقة و قلت له اركبي فلما ركبت قالت: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَ إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ

قال فأخذت بزمام الناقة، و جعلت أسعى و أصيح فقالت وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ‏

فجعلت أمشي رويدا رويدا و أترنم بالشعر، فقالت: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ‏

فقلت لها: لقد أوتيت خيرا كثيرا، قالت وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ‏

فلما مشيت بها قليلا قلت: ألك زوج؟ قالت: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏

فسكت، ولم أكلمها حتى أدركت بها القافلة، فقلت لها: هذه القافلة فمن لك‏ فيها؟

فقالت: الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا فعلمت أن لها أولاد

فقلت: و ما شأنهم في الحج؟ قالت وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ

فعلمت أنهم أدلاء الركب، فقصدت بها القباب و العمارات فقلت: هذه القباب فمن لك فيها؟ قالت: وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا  وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى‏ تَكْلِيماً    يا يَحْيى‏ خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ

فناديت يا إبراهيم يا موسى يا يحيى فإذا أنا بشبان كأنهم الأقمار قد أقبلوا، فلما استقر بهم الجلوس قالت: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى‏ طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ‏

فمضى أحدهم فاشترى طعاما فقدموه بين يدي فقالت كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ

فقلت: الآن طعامكم علي حرام حتى تخبروني بأمرها

فقالوا: هذه أمنا لها منذ أربعين سنة لم تتكلم إلا بالقرآن مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن، فسبحان القادر على ما يشاء، فقلت: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ‏

و اللّه أعلم بالصواب و صلى اللّه على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم

 

& قال بعضهم: الحقوق أربعة:

 حقّ للّه، و قضاؤه الرضا بقضائه، و العمل بطاعته، و إكرام أوليائه

 وحقّ لنفسك، و قضاؤه تعهّدها بما يصلحها و يصحّها و يحسم موادّ الأذى عنها

 وحقّ للنّاس، وقضاؤه عمومهم بالمودّة، ثم تخصيص كلّ امرئ منهم بالتوقير و التفضيل و الصّلة

 وحقّ للسلطان، و قضاؤه تعريفه بما خفى عليه من منفعة رعيّة، و جهاد عدوّ، و عمارة بلد، و سدّ ثغر.

 

 & و قالوا: عشر خصال فى عشرة أصناف أقبح منها فى غيرهم:

 الضيق فى الملوك، و الغدر فى الأشراف، و الكذب فى القضاة، و الخديعة فى العلماء، و الغضب فى الأبرار،  و الحرص فى الأغنياء، و السّفه فى الشيوخ، و المرض فى الأطبّاء، و الزّهو فى الفقراء، و الفجور فى القرّاء «

 

 & وقالوا: ثمانية إذا أهينوا فلا يلوموا إلّا أنفسهم:

 الآتي طعاما لم يدع إليه، و المتأمّر على ربّ البيت فى بيته، و طالب المعروف من غير أهله، و راج منن الفضل من اللئام،   والداخل بين اثنين لم يدخلاه، و المستخفّ بالسلطان، و الجالس مجلسا ليس له بأهل، والمقبل بحديثه على من لا يسمعه

ومن الأبيات المناسبة لهذا الفصل  

         لكلّ ضيق من الهموم سعه                 والمسا و الصبح لا بقاء معه‏

             فصل حبال البعيد إن وصل ال            حبل وأقص القريب إن قطعه‏

             وخذ من الدهر ما أتاك به                من قرّ عينا بعيشه نفعه‏

             لا تحقرنّ الفقير علّك أن                  تركع يوما و الدهر قد رفعه‏

             قد يجمع المال غير آكله                  و يأكل المال غير من جمعه‏

 

& دخلت امرأة على هرون الرشيد و عنده جماعة من وجوه أصحابه، فقالت: يا أمير المؤمنين: أقر اللّه عينك، و فرحك بما آتاك، وأتم سعدك لقد حكمت فقسطت، فقال لها: من تكونين أيتها المرأة. فقالت: من آل برمك ممن قتلت رجالهم، و أخذت أموالهم، و سلبت نوالهم

فقال: أما الرجال فقد مضى فيهم أمر اللّه، و نفذ فيهم قدره، وأما المال فمردود إليك، ثم التفت إلى الحاضرين من أصحابه، فقال: أتدرون ما قالت هذه المرأة، فقالوا ما نراها قالت إلا خيرا. قال: ما أظنكم فهمتم ذلك، أما قولها أقر اللّه عينك، أي أسكنها عن الحركة، وإذا سكنت العين عن الحركة عميت، و أما قولها: و فرّحك بما آتاك، فأخذته من قوله تعالى: حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً

 وأما قولها: و أتم اللّه سعدك، فأخذته من قول الشاعر

         إذا تمّ أمر بدا نقصه             ترقّب زوالا إذا قيل، تم‏

 وأما قولها لقد حكمت فقسطت، فأخذته من قوله تعالى: أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً

فتعجبوا من ذلك

 

 

 

& و حكي: أن الحجاج سأل يوما الغضبان بن القبعثري عن مسائل يمتحنه فيها من جملتها أن قال له: من أكرم الناس؟

قال: أفقههم في الدين و أصدقهم لليمين، و أبذلهم للمسلمين، و أكرمهم للمهانين، و أطعمهم للمساكين

قال: فمن ألأم الناس؟

 قال: المعطي على الهوان، المقتر على الإخوان، الكثير الألوان.

 قال: فمن شر الناس؟

قال: أطولهم جفوة، و أدومهم صبوة، و أكثرهم خلوة، و أشدهم قسوة.

 قال: فمن أشجع الناس؟ قال: أضربهم بالسيف. و أقراهم للضيف. و أتركهم للحيف.

قال: فمن أجبن الناس؟ قال: المتأخر عن الصفوف المنقبض عن الزحوف، المرتعش عند الوقوف، المحب ظلال السقوف الكاره لضرب السيوف

قال: فمن أثقل الناس؟

قال: المتفنن في الملام، الضنين بالسلام، المهذار في الكلام، المقبقب على الطعام

قال: فمن خير الناس؟

قال: أكثرهم إحسانا و أقومهم ميزانا، و أدومهم غفرانا، و أوسعهم ميدانا

قال: للّه أبوك، فكيف يعرف الرجل الغريب، أحسيب هو أم غير حسيب؟

قال: أصلح اللّه الأمير إن الرجل الحسيب يدلك أدبه و عقله و شمائله و عزة نفسه و كثرة احتماله و بشاشته و حسن مداورته على أصله، فالعاقل البصير بالأحساب يعرف شمائله، و النذل الجاهل يجهله، فمثله كمثل الدرة إذا وقعت عند من لا يعرفها ازدراها، و إذا نظر إليها العقلاء عرفوها و أكرموها، فهي عندهم لمعرفتهم بها حسنة نفيسة

فقال الحجاج: للّه أبوك، فما العاقل و الجاهل؟

قال: أصلح اللّه الأمير، العاقل الذي لا يتكلم هذرا، و لا ينظر شزرا، و لا يضمر غدرا، و لا يطلب عذرا، و الجاهل هو المهذر في كلامه، المنان بطعامه، الضنين بسلامه المتطاول على إمامه، الفاحش على غلامه.

قال: للّه أبوك، فما الحازم الكيس؟

قال: المقبل على شأنه، التارك لما لا يعنيه

قال العاجز؟

قال: المعجب بآرائه الملتفت إلى ورائه

قال: هل عندك من النساء خبر؟

قال: أصلح اللّه الأمير إني بشأنهن خبير إن شاء اللّه تعالى. إن النساء من أمهات الأولاد بمنزلة الأضلاع إن عدلتها انكسرت، و لهن جوهر لا يصلح إلا على المداراة، فمن داراهن انتفع بهن و قرت عينه، و من شاورهن كدرن عيشه، و تكدرت عليه حياته، و تنغصت لذاته، فأكرمهن أعفهن، وأفخر أحسابهن العفة، فإذا زلن عنها فهن أنتن من الجيفة

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=564
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 12 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29