• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : بحث عرفاني عن الصلاة .

بحث عرفاني عن الصلاة

  

بحث عرفاني عن الصلاة

من أسباب تزكية النفس و رقيّها الصلاة، بل هي من أهمّها و أسماها- لما علم اللّه تعالى من وجود الشره المؤدّي إلى الهلاك و الخسران في الإنسان، جعل الطاعات و العبادات- خصوصا الصلاة صونا للنفس و حفظا لها عن الهلاك و الخسران، بل لرقيّها إلى مراتب الكمال، ففي الحديث: «ما افترض اللّه على خلقه بعد التوحيد شيئا أحبّ إليه من الصلاة، و لو كان شي‏ء أحبّ إليه من الصلاة تعبّد به ملائكته، فمنهم راكع و ساجد و قائم و قاعد»، فبها يزول الدنس كما في بعض الروايات، و إنّها مطهرة للقلوب من المساوئ و العيوب، و بها تفتح أبواب الغيوب، و بها تطمئن القلوب، و بها ترفع الدرجات، و فيها المناجاة برفع الأستار، و تتسع فيها ميادين الأسرار، و بها تشرق شوارق الأنوار، و بها تزال الحجب و الأستار بالقرب إليه، و بها تصفو المحبّة من كدر الجفاء و يتّصل المحبّ مع حبيبه في محلّ الصفا.

و لقد علم اللّه تعالى ضعف الإنسان و وساوس الشيطان، فقلّل أعدادها و فرض في ليلة المعراج خمس صلوات في خمس أوقات بشفاعة نبيّنا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله، و هذا لعوام الخلق، و إلّا فالعارفون من الخواص: الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ دائِمُونَ [سورة المعارج، الآية: 23]، منحهم ديمومة الصلاة من الأزل إلى الأبد و هذا لا يدرك بالعقول القاصرة المشوبة بالمادّة الزائلة، فلا يعقلها إلّا العالمون باللّه تعالى

و إنّ المقصود و الأثر المطلوب من إقامة الصلاة معنويّتها، لا مجرّد وجودها و شبحها، فإنّ الإقامة هي الإكمال و الإتقان، يقال: (فلان أقام داره)، أي: أكملها و جعل فيها كلّ ما يحتاج إليه. و إنّ إقامة الصلاة تعديلها من جميع الجهات- بالتوجّه فيها إليه تعالى و التقرّب بها لديه جلّ شأنه و حفظ أركانها و شرائطها حتّى تترتّب آثارها- فليس كلّ مصلّ مقيم، و كم من مصلّ ليس له من صلاته إلّا التعب، و في بعض الأحاديث: «من لم تنه صلاته من الفحشاء و المنكر، لم تزده من اللّه إلّا بعدا»، و عن نبيّنا الأعظم صلّى اللّه عليه و آله: «إذا صلّى العبد فلم يتم ركوعها و لا سجودها و لا خشوعها، لفت كما يلف الثوب الخلق ثمّ يضرب بها وجهه»، فالمصلّون كثيرون و المقيمون قليلون و أهل الأشباح كثير و أهل القلوب و أرباب المعرفة قليل

و التعبيرات الواردة في القرآن الكريم في مدح المصلّين أكثرها و أغلبها جاء بلفظ الإقامة أو بمعنى يرجع إليها، قال تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ [سورة البقرة، الآية: 3]، و قال تعالى حكاية عن إبراهيم (عليه أفضل الصلاة و السلام): رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ [سورة إبراهيم، الآية: 40]، و قال تعالى: وَ الْمُقِيمِي الصَّلاةِ [سورة الحج، الآية: 35]، و قال تعالى: وَ أَقامَ الصَّلاةَ [سورة التوبة، الآية: 18]، و لما ذكر المصلّين بالغفلة قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ [سورة الماعون، الآية: 5]، و لم يقل سبحانه و تعالى: فويل للمقيمين الصلاة، و في الحديث: «انّ العبد إذا قام الى الصلاة رفع اللّه الحجاب بينه و بينه و واجهه بوجهه و قامت الملائكة من لدن منكبه إلى الهويّ يصلّون بصلاته»، إلى غير ذلك من الروايات و الأحاديث.

والتوجّه أو الخشوع فيها على مراتب:      

الأولى: خشوع خوف و إذلال و انكسار لعظمته و قهّاريته، و هي للعبّاد الزهاد.

الثانية: خشوع تعظيم و هيبة و إجلال، و هي للمتّقين الأبرار.

الثالثة: خشوع فرح و سرور و إقبال، و هي للمقرّبين العارفين، و يسمّى هذا المقام بقرّة العين، قال تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [سورة الم سجدة، الآية: 29].

الرابعة: الجمع في مقام الجمع، و هذه تختصّ بالأولياء و المقرّبين، فيها تتمّ التصفية و تظهر المحبّة و تفتح الأبواب و يرتفع الحجاب، فتخرج الروح من ضيق الأشباح إلى فضاء الكمال في عالم الأرواح، أو من ضيق الملك إلى سعة عالم الملكوت.

و لا شكّ أنّ إمداداته و إفاضاته جلّت عظمته غير محدودة بحدّ و لا بزمان معين لصدورهما عن ذات غير المتناهي.

نعم، ترد على العبد حالات خاصّة و ظروفا معيّنة يكون التوجّه فيهما إليه أشدّ و أكثر، فلها آثار مخصوصة لنجح المقاصد و إنجاز المطالب، منها حالة الصلاة، خصوصا عند الانقطاع إليه تعالى كالسفر و الخوف و المرض و غيرها، و لأجل ذلك ورد الاستعانة بها و قالوا: إنّ الصلاة لا تسقط في أي حال لأنّه لا بد للعبد من حفظ الصلة بينه و بين ربّه، و بها تتمّ المحبّة و تحصل المودّة.

                         المصدر : مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏9، ص: 231 _233

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=597
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19