• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : عاشوراء .
                    • الموضوع : الشيعة وذكرى الحسين عليه السلام .

الشيعة وذكرى الحسين عليه السلام

 الشيعة وذكرى الحسين عليه السلام

 

العلامة الشيخ محمد جواد مغنية(ره)

لماذا يهتم الشيعة الإمامية هذا الاهتمام البالغ بذكر الإمام الحسين عليه السلام ، ويعلنون عليه الحداد، ويقيمون له التعازي عشرة أيام متوالية من كل عام؟

هل الحسين عليه السلام أعظم وأكرم على الله من جده محمد وأبيه علي صلى الله عليهم أجمعين، وإذا كان الحسين إماماً فإن جده خاتم الرسل والأنبياء، وأباه سيد الأئمة والأوصياء؟

ولماذا لا يحيي الشيعة ذكرى النبي والوصي كما يفعلون ويذكرون ولده الشهيد؟

 

الجواب: إن الشيعة لا يفضلون أحداً على الرسول العظيم، إنه أشرف الخلق دون استثناء، ويفضلون علياً على الناس باستثناء الرسول.

 إن الشيعة الإمامية يعتقدون أن محمداً لا يوازيه عند الله ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وأن علياً خليفته من بعده، وخير أهله وأصحابه، وإقامة عزاء الحسين في كل عام مظهر لهذه العقيدة، وعمل مجسّم لها، وتتضح هذه بعد معرفة الأسرار التالية:

_ انحصر نسل الرسول بفاطمة وولديها من علي الحسن والحسين، فهم أهله الذين ضمنهم وإياه "كساء" واحد وبيت واحد.

وماتت فاطمة بعد أبيها بـ 72 يوماً.

ثم قتل علي عليه السلام فظل الحسنان عليهما السلام ، وكان حب المسلمين لهما لا يعادله شيء إلا الحب والإخلاص لنبيهم الكريم، لأنهما البقية الباقية من نسله وأهل بيته، وبعد أن ذهب الامام الحسن عليه السلام إلى ربه لم يبق من أهل البيت إلا الحسين عليه السلام ، فتمثلوا جميعاً في شخصه، فكان حب المسلمين له حباً لأهل البيت أجمعين، للنبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلى الله عليهم أجمعين تماماً كما لو كان لك خمسة أولاد، وفقدت منهم أربعة، وبقي واحد، فإنه يأخذ سهم الجميع، وتوازي منزلته من قلبك  منزلتهم مجتمعين، وبهذا نجد تفسير قول سيدة الطف زينب عليها السلام ، وهي تندب أخاها الحسين عليه السلام يوم العاشر من المحرم: "اليوم مات جدي رسول الله، اليوم ماتت أمي فاطمة، اليوم قتل أبي علي، اليوم سم أخي الحسن".

 

_ إن وقعة الطف كانت وما زالت أبرز وأظهر مأساة عرفها التاريخ على الاطلاق، فلم تكن حرباً وقتالاً بالمعروف للحرب والقتال، وإنما كانت مجزرة دامية لآل بيت الرسول كباراً وصغاراً.

وبعد أن سقط الجميع صرعى قطعوا الرؤوس، ووطؤوا الجثث بحوافر الخيول مقبلين ومدبرين، وبقروا بطون الأطفال، وأضرموا النار في الأخبية على النساء، إذن فجدير بمن والى وشايع نبيه الأعظم وأهل بيته أن يحزن لحزنهم، وأن ينسى كل فجيعة ورزية إلا ما حل بهم من الرزايا والفجائع معدداً مناقبهم ومساوئ أعدائهم ما دام حياً.

لقد شاء الله وقدّر أن تكون حادثة كربلاء أعظم وأخلد من كل حادثة عرفها التاريخ، كما أنها أفجع وأوجع مأساة مرّت وتمر على وجه الأرض.

 

-       إن الحسين عليه السلام عند شيعته والعارفين بمقاصده وأهدافه ليس اسماً لشخص فحسب، وإنما هو رمز عميق الدلالة، رمز للبطولة والإنسانية والأمل، وعنوان للدين والشريعة، وللفداء والتضحية في سبيل الحق والعدالة، كما أن يزيد رمز للفساد والإستبداد والتهتك والرذيلة.

فإحياء بطولة الحسين عليه السلام وجهاده ومبدئه إحياء للحق والخير والحرية، والتضحية من أجلها بالنفس والأهل والأصحاب، واحتجاج صارخ على الحاكم الظالم وأعوانه، وعلى كل مسرف يعبث بمقدرات الشعوب، ويغرق في لهوه وملذاته، وينطلق مع شهواته ومآثمه كيزيد وأعوان يزيد.

أراد ابن معاوية من التنكيل بأهل البيت أن يطفئ نور الله، وأن تكون الكلمة العليا للفساد والاستبداد، وظن أنه انتصر وتم له ما أراد بقتل الحسين، ولكن سرعان ما زالت دولة الأمويين، وظلت ذكريات كربلاء ومبادئ الحسين عليه السلام حية إلى يوم يبعثون، وقد جابهت السيدة زينب عليها السلام يزيد بهذه الحقيقة حيث قالت من كلام تخاطبه فيه:

"أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هواناً، وبك عليه كرامة.. فمهلاً مهلاً.. فوالله ما فريت إلا جلدك، وما حززت إلا لحمك.. ولأن اتخذتنا مغنماً لتجدنّ وشيكاً مغرماً حين لا تجد إلا ما قدمت يداك.. فكد كيدك، واسع سيعك، وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد؟"

وصدقت نبوءة السيدة العظيمة، فقد سقط يزيد وخلفاء يزيد الواحد بعد الآخر، وانهارت دولة الأمويين بعد مصرع الحسين عليه السلام بنصف قرن، وظل المسلمون يلعنون يزيد، ويحتفلون بذكرى الإمام الشهيد، يحتفلون يوم مقتله ويوم مولده من كل سنة ليستخلصوا منه الثورة على الظلم.

 نحن الشيعة ثوريون بعقيدتنا وتعاليمنا نتفاءل بالثورات التحررية، ونستبشر الخير بها، ونحس بعطف عميق نحوها ونحو شهدائها، فإذا كرمنا الحسين عليه السلام  فإنما نكرمه بصفته الباعث الأكبر للثورات، والمعلم الأول للثائرين من أجل الحق، نحن لا نعبد الأفراد، بل نقدس المبادئ لأننا مسلمون وقبل كل شيء، والحسين يمثل مبادئ جده الرسول صلى الله عليه وآله خير تمثيل، ومن أجلها قتل هو وأهله وأصحابه، وسبيت نساؤه وأطفاله.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=692
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 10 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29