• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : فكر .
                    • الموضوع : الإحسان .

الإحسان

 الإحسان

 

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾[1].

 وقال أمير المؤمنين عليه السلام: "رأس الإيمان الإحسانُ إلى الناس"[2].

 

معنى الإحسان

يختلف معنى الإحسان اصطلاحًا باختلاف السياق الذي يردُ فيه لفظ الإحسان:

فلو اقترن الإحسان بالإيمان:

كان المرادُ به الإشارةَ إلى المراقبة ، وحسن الطاعة، وهذا هو الذي فسَّره النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث بينه وبين جبرائيل عليه السلام : "الْإِحْسَانِ أنْ تَعْبُدَ الْلَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"[3].

 أما لو ورد مطلقاً:

دون أن يكون مقترناً بالإسلام والإيمان، فإن المراد به فعل ما هو حسن

 والحسن وصفُ مشتقُ من الحسن الذي يراد به اصطلاحا، أي "ما يكون متعلق المدح في العاجل، والثواب في الآجل"، وهو محلّ الكلام  .

 

 

 

ما المعين على إتقان العمل وإحسانه؟

استشعار العبد لمراقبة الله - عزّ وجلّ -:

أن يعلم العبد أن الله - عزّ وجلّ - معه، رقيب ومطلع عليه في كل زمان وفي كل مكان، كما قال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[4].

 

فمَن علم عِلمَ يقين أنّ الله - عزّ وجلّ - ناظر إليه مطّلع على عمله، هل يجدر به بعد ذلك أن يضيع عمله، أن يفرط فيما يجب عليه! أم هل هو في حاجة إلى من يراقبه من البشر! ﴿كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا﴾[5].

 

وقد رُوِيَ عن الإمام الحسين عليه السلام أَنَّه جَاءَهُ رَجُلٌ وقَالَ: أَنَا رَجُلٌ عَاصٍ ولَا أَصْبِرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فَعِظْنِي بِمَوْعِظَةٍ، فَقَالَ عليه السلام: "افْعَلْ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ وأَذْنِبْ مَا شِئْتَ: فَأَوَّلُ ذَلِكَ لَا تَأْكُلْ رِزْقَ اللَّهِ وأَذْنِبْ مَا شِئْتَ، والثَّانِي اخْرُجْ مِنْ وَلَايَةِ اللَّهِ وأَذْنِبْ مَا شِئْتَ، والثَّالِثُ اطْلُبْ مَوْضِعاً لَا يَرَاكَ اللَّهُ وأَذْنِبْ مَا شِئْتَ، والرَّابِعُ إِذَا جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَكَ فَادْفَعْهُ عَنْ نَفْسِكَ وأَذْنِبْ مَا شِئْتَ، والْخَامِسُ إِذَا أَدْخَلَكَ مَالِكٌ فِي النَّارِ فَلَا تَدْخُلْ فِي النَّارِ وأَذْنِبْ مَا شِئْتَ"[6]، وفي الراوية مضامين عظيمة في كيفية تفعيل الرقابة الإلهية بطريقة فطرية بسيطة.

 

تذكر العبد ليوم الحساب:

 فمَن أيقن بالحساب والوقوف بين يدي ربه سبحانه، لا بدّ من أن يحسن في عمله، ويسعد به عند لقاء ربه.

قال سبحانه: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً * وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾[7].

 

العلم بأن العمل أمانة ومسؤولية:

فلا بدّ من أن يحافظ الإنسان على أمانته التي يحملها، وأن يؤدي واجبه المناط به، ويحسن الرعاية لعمله، وتطويره، والإسراع في إنجازه، وبذْل الوسع والطاقة في اجتِناب الوقوع في الأخطاء في أدائه وإنتاجه، كما في الرواية عن رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ"، وفي رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "قدر كُلِّ امْرِئٍ ما يُحسِنُ".[8]

 

التعاون مع الآخرين:

قال ربُّنا - عزّ وجلّ -: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[9].[10]

ومن صُوَرِ هذا التعاون: تعاونُ العاملين فيما بينهم في أداء العمل فيما يُحَقِّق النفع والخير للعامِلين، ويُفعِّل أنظمةَ العمل وقوانينه، ويحقِّق الفائدة والتطوير لهذا العمل، وقضاء حوائج الإخوان، أو المجتمع. في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "أن أسعى مع أخٍ لي في حاجة حتى تقضى أحبُّ إلي من أن أعتق ألف نسمة، وأحمل على ألف فارس في سبيل الله مسرجة ملجمة"[11].

 

اجتناب الغش والخداع:

وهو ممَّا يُعِين على إتقان العمل وإحسانه، عبر اجتناب المؤمن كل شيء يؤدي إلى الغش والمكر والخديعة.

وقد حذّر المولى سبحانه وتعالى من خيانة الأمانة، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[12]

 وفي الرواية: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إذا أحسن المؤمن عمله، ضاعف الله عمله، لكل حسنة سبعمائة، وذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء﴾، فأحسِنوا أعمالكم التي تعملونها لثواب الله، فقلت له: وما الإحسان؟ (قال:) فقال: إذا صليت فأحسن ركوعك وسجودك، وإذا صمت فتوقَّ كلّ ما فيه فساد صومك، وإذا حججت فتوقَّ ما يحرم عليك في حجك وعمرتك، قال: وكل عمل تعمله لله، فلْيكن نقياً من الدَّنَس"[13].

 

 

 

أثار الإحسان

محبّة الله عزّ وجلّ:

فالمحسن ينال محبة الناس ومحبة الله، والقرب منه، قال تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾[14].

 

رعاية الله وعنايته:

والفوز بمعية الله تعالى، وتسديده، فقد أكد القرآن الكريم ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[15]، والمعية هنا تعني الإسناد، والنصر، والتسديد، والتأييد.

 

ضمان الأجر وحفظه:

أجر المحسنين عند الله مضمون محفوظ، لا تضيع منه ذرة أبدًا، كما في الآية الشريفة: ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾[16].

 

الرحمة الإلهية:

فعل الإحسان في أي شيء بقصد طاعة الله يقرّب الإنسان من رحمته تعالى، فإنَّ رحمته قريبة من المحسنين ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾[17].

 

 

جذب القلوب:

ليس من أمر يجذبها ويشدها إلى الإنسان كالإحسان، فإنَّها جَبلت على حبّ مَن أحسن إليها. يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "جُبلت القلوب على حبّ مَن أحسن إليها، وبغض من أساء إليها"[18].

 

وهذا على حدّ سواء عند كل ذوي الفِطَر السليمة. يقول سيد المحسنين علي عليه السلام: "أحسن إلى من شئت تكن أميره"[19].

 

إطفاء الفتن:

فهي وسيلة لإزالة ما في النفوس من الكدر وسوء الفهم وسوء الظن وأسباب الصراع. قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾[20].

 

العلم والحكمة:

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾[21].

 

لا يضيع أجرهم:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾[22].

 

دخول الجنة:

﴿فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ﴾[23].

 

لهم ما يشاءون:

﴿لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ﴾[24].

 



[1] سورة النحل، الآية 128.

[2] الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص364.

[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج62،ص116.

[4] سورة المجادلة، الآية 7.

[5] سورة الإسراء، الآية 96.

[6] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج75، ص126

[7] سورة الإسراء، الآيات 12-15

[8] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص51.

[9] البرّ هو اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأعمال الظاهرة والباطنة، من حقوق الله، وحقوق الآدميين. والتقوى في هذه الآية: اسم جامع لترك كل ما يكرهه الله ورسوله، من الأعمال الظاهرة والباطنة. والعدوان "وهو التجرّي على المعاصي التي يأثم صاحبها.." والعدوان "وهو التعدي على الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم".

[10] سورة المائدة، الآية 2.

[11] الشيخ الطوسي، التهذيب، ج2، ص 326.

[12] سورة الأنفال، الآية 27.

[13] البرقي، المحاسن، ج1، ص255.

[14] سورة الأعراف، الآية 56.

[15] سورة العنكبوت، الآية 69.

[16] سورة يوسف، الآية 90.

[17] سورة الأعراف، الآية 56.

[18] الصدوق، من لا يحضره الفقيه ،ج4، ص 381.

[19] السيد المرعشي، إحقاق الحق، ج1، ص65.

[20] سورة فصّلت، الآية 34.

[21] سورة يوسف، الآية 22.

[22] سورة الكهف، الاية 30

[23] سورة المائدة، الاية 85

[24] سورة الزمر، الاية34


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=742
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 07 / 13
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28