فيما قاله علي عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله بعد دفن فاطمة عليها السلام
الكافي : أحمد بن مهران - رحمه الله - رفعه وأحمد بن إدريس عن محمد ابن عبد الجبار الشيباني قال : حدثني القاسم بن محمد الرازي قال : حدثني علي ابن محمد الهرمزاني ، عن أبي عبد الله الحسين بن علي ( عليهما السلام ) قال : لما قبضت فاطمة ( عليها السلام ) دفنها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سرا وعفا على موضع قبرها ثم قام فحول وجهه إلى قبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم قال : السلام عليك يا رسول الله عني ! والسلام عليك عن ابنتك ، وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك ، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك ، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي ، إلا أن في التأسي لي بسنتك في فرقتك ، موضع تعز ، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت نفسك بين نحري وصدري
بلى ! وفي كتاب الله لي أنعم القبول ، إنا لله وإنا إليه راجعون قد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ، وأخلست الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله ! أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهد ، وهم لا يبرح من قلبي ، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم ، كمد مقيح وهم مهيج ، سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها ، لم تجد إلى بثه سبيلا ، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين.
والسلام عليكما سلام مودع ، لا قال ولا سئم ، فإن أنصرف فلا عن ملالة وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.
واها واها والصبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين ، لجعلت المقام واللبث لزاما معكوفا ، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية.
فبعين الله تدفن ابنتك سرا ، وتهضم حقها ، ويمنع إرثها ! ؟ ولم يتباعد العهد ، ولم يخلق منك الذكر ، وإلى الله يا رسول الله المشتكى ، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء ، صلى الله عليك وعليها السلام والرضوان
بيان : ( العفو ) المحو والانمحاء ( والتجلد ) القوة
قوله ( عليه السلام ) ( إلا أن في التأسي لي بسنتك ) أي بسنة فرقتك ، والمعنى أن المصيبة بفراقك كانت أعظم فكما صبرت على تلك مع كونها أشد فلان أصبر على هذه أولى ، والتأسي الاقتداء بالصبر في هذه المصيبة ، كالصبر في تلك . ( وفاضت نفسه ) خرجت روحه
قوله ( عليه السلام ) : ( في كتاب الله أنعم القبول ) أي فيه ما يصير سببا لقبول المصائب أنعم القبول ، واستعار عليه السلام لفظ الوديعة والرهينة لتلك النفس الكريمة لان الأرواح كالوديعة والرهن في الأبدان أو لأن النساء كالودائع والرهائن عند الأزواج ، ويمكن أن يقرء ( استرجعت ) وقرائنه على بناء المعلوم والمجهول
والتخالس : التسالب
والسهود قلة النوم
( أو يختار ) أي إلى أن يختار
و ( الكمد ) بالفتح وبالتحريك الحزن الشديد ، ومرض القلب منه وهو إما خبر لقوله هم ، أو كل منهما خبر مبتدأ محذوف
و ( الهضم ) الظلم و ( الاحفاء ) المبالغة في السؤال و ( الغليل ) حرارة الجوف
واعتلجت الأمواج : التطمت وفي نهج البلاغة وكشف الغمة : والسلام عليكما سلام مودع
وعكفه يعكفه : حبسه
والاعوال : رفع الصوت بالبكاء والصياح
قوله : ( فبعين الله ) أي تدفن ابنتك سرا متلبسا بعلم من الله وحضوره وشهوده قوله عليه السلام : و ( فيك ) أي في إطاعة أمرك |