• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : معرفة أهل البيت عليهم السلام .... أصول الكرم ـ المُكَرَّمُون .
                          • رقم العدد : العدد الثاني والثلاثون .

معرفة أهل البيت عليهم السلام .... أصول الكرم ـ المُكَرَّمُون

 

 

 

معرفة أهل البيت عليهم السلام .... أصول الكرم ـ المُكَرَّمُون

في رحاب الزيارة الجامعة

  آية الله الشيخ عبد الله جوادي آملي

 

كلمة "مكرّمون": جمع "مكرّم"، وهو اسم مفعول، مشتقٌ من المادة "كرم"([1])

معنى الكرم: الكَرَم: كَرُم الشيء نَفُس وعزّ، قال الراغب: وكل شيء شَرُف في بابه فإنه يوصف بالكرم.([2])لكن بعضهم ذكر أن الشرافة أكثر ما تستعمل في العلو والامتياز المادي، فلا يقال: إن الله تعالى شريف([3]). وذكروا في معنى "الكرم": إن الكرامة تقابل الهوان والذلّة. وقد جاء التقابل بينهما في القرآن الكريم أيضاً، قال تعالى: {من يهن الله فما له من مكرم}الحج/18، {وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن}الفجر/15و16.

فالشيء هو كريم ومحمود الذكر بقدر ما هو بعيد عن الهوان، منزّه عن الحقارة.

 

معنى الكرم

يقول العلامة الطباطبائي: إذا حظي المرء بمقام العبودية الخالصة لله تعالى، والإباء عن الخضوع والطاعة لغيره سبحانه، فقد حظي بمقام الكرامة.

وتوضيح كلامه: إن المرء كلما اقترب من العبودية المحضة ابتعد ـ وبالمقدار نفسه ـ عن الهوان والذل وحظي بالكرامة، فإذا ما تحلى بالعبودية الكاملة فقد برء كاملاً من الهوان، وتلك هي الكرامة المطلقة، وإن لم يكن له حظ في العبودية فهو مهين مطلق، ولا نصيب له في الكرامة.

ملاحظة: المراد من الاطلاق في قولنا "الكرامة المطلقة" الاطلاق بلحاظ المرتبة الوجودية للإنسان، لأن الاطلاق الحقيقي هو لله تعالى لا غير.

وقد وصف القرآن الكريم عدداً من المخلوقات والاشياء بالكرامة: {رسول كريم}التكوير/19، {لقرآن كريم}الحاقة/40، {وزروع ومقام كريم}الواقعة/77 {زوج كريم}لقمان/10، {رزق كريم}سبأ/4، {أجر كريم}يس/11، {كتاب كريم}النمل/29، {ملك كريم}يوسف/31، {قولاً كريماً}الاسراء/23، {مدخلاً كريماً}النساء/31، إلى غير ذلك.

ولكن لا شيء من الموجودات منزّه ومبرّء من الهوان كتنزّه الله سبحانه، فهو ليس كريماً وحسب، بل هو الأكرم على الاطلاق: {اقرأ وربك الأكرم}العلق/3.

 

مكارم الاخلاق

بناء على ما ذكر، يتضح أن الكرامة صفة لكل شيء جميل حميد حسن، لذا يقال للخصال المرضية " مكارم الاخلاق" فلا تختص بالعطاء والجود، وفي الحديث: "بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"([4])، ولأنّ الرسول ذو أخلاق رفيعة قيل له: {وإنك لعلى خلق عظيم}القلم/4، والذوات النورانية لأهل بيت العصمة وذات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم نور واحد، فهم بحق ذوو الخلق العظيم وأصول المكارم.

وكما للتنزه عن الهوان درجات، للكرامة درجات أيضاً وكل موجود كريم بقدر ما هو مبرء من الهوان.

 

الإنسان موجودٌ  كريم

الكرامة هي التنزّه عن كل ما يوجب الضعة والذلّة.

وتكريم الإنسان قد يكون ظاهرياً وقد يكون معنوياً، والأول مشترك بين أفراد البشر جميعاً، وذلك لأنّ تكريمهم الظاهري في اختلاف صورهم الجسمية عن بقية الحيوانات، مثل انتصاب القامة، وطريقة المشي، والأكل والشرب باليدين، والقدرة على الكتابة، وتناسق التركيب، وحُسن الصورة، واعتدال المزاج، والقدرة على التفاهم والتفهيم بالكلام والإشارة، وإخضاع الطبيعة لمنافعه، وإعداد أسباب العيش والراحة و.. وقد جاء بعض هذه المعاني في كلام بعض المفسّرين([5]) وجاء بعضها في الروايات.

وأمّا تكريمه المعنوي فهو بالعقل، وهو منشأ الكثير من محاسنه وفضائله الظاهرية، وبه فُضّل على سائر الحيوانات.

ونعمة العقل هي أعظم نِعم الله تعالى وأحبها إليه، وهو دليل الإنسان ونوره في تمييز الحق من الباطل، والخير من الشر، والصلاح من الفساد، والحسن من القبيح، وهو مبدأ انطلاقة التكامل الحياتي البشري.

والبشر كافة محبوون بهذين التكريمين معاً، بلا فرق بينهم من حيث اللون والعِرق والجغرافيا، بل لا أثر في ذلك حتى للملاكات الواقعية في الكمال الحقيقي، كالإيمان والعلم والجهاد وغير ذلك، فالإنسان بما هو إنسان موجود مكرّم ظاهرياً ومعنوياً: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}([6]). وعليه فليس لاختيار الانسان تأثيرٌ في هذا التكريم، لأنه تكريم إجباري.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك تكريم آخر، لكنه اختياري، فللإنسان أن يرفضه وله أن يقبله، وهو التكريم بالإيمان والتقوى، وهو تكريم مبدؤه التكليف.

والعقول وإن تفاوتت قوة وضعفاً في إنسان وآخر، وبالتالي تتفاوت درجات التكريم بها، إلا أن القرآن يقرر أن معياره في التكريم ودرجاته هو التقوى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}([7])، وإلا فإن اختلاف الصور الجسمية الظاهرية للأفراد واختلاف انتماءاتهم القبلية كاف في التمييز بينهم، لو أُريد ذلك، كما أن تفاوت الأفراد في الاستفادة من عقولهم وتفعيلها أو تعطيلها هو في حد ذاته مائز طبيعي.

والأهم هو أن التكريم بنعمة العقل إنما تظهر ثماره وتبرز عظمته فيما إذا استفيد به الإيمان وحُصّلت به التقوى. قال الإمام الباقر عليه السلام: "وما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً أكرم على الله عزّ وجلّ من المؤمن، لأن الملائكة خدّام المؤمنين، وأنّ جوار الله للمؤمنين، وأن الجنة للمؤمنين، وأنّ الحور العين للمؤمنين"([8])

وعن الباقر عليه السلام أيضاً قال: "إنّ الله لا يكرّم روح الكافر، ولكن يكرّم أرواح المؤمنين".([9])

 

المنعِمون بالكرامة

وُصف الأئمة عليهم السلام في فقرة أصول الكرم، لأنهم الواسطة في إفاضة خيرات وبركات الوجود كافة، المادية والمعنوية: "بكم فتح الله، وبكم يختم، وبكم يُنزل الغيث، وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه..."([10])، وما كرمت الملائكة الذين هم: {عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}الانبياء/26 ـ 27، إلا لتعلمهم من تلك الذوات المقدسة، بل الأنبياء، بل وكل من سوى الله تعالى هم متعلمون لديهم.

قال علي عليه السلام في بعض خطبه: "إنّا ـ آل محمد ـ كنا أنواراً حول العرش، فأمرنا الله بالتسبيح فسبّحنا، فسبّحت الملائكة بتسبيحنا، ثم أهبطنا إلى الأرض فأمرنا الله بالتسبيح فسبّحنا فسبحت أهل الأرض بتسبيحنا، فإنّا لنحن الصّافّون وإنّا لنحن المسّبحون"

فكل موجودات عالم الإمكان متحلّقة حول مائدة كرم الأئمة عليهم السلام.

 

الأئمة المكرّمون

قد عرفت أن بني آدم كافة مكرمون عند الله تعالى، وأن للمؤمنين منهم به المصدّقين برسله تكريماً خاصاً، ثم إن هذا التكريم نسبيٌّ، يتفاوت عظمة من إنسان لآخر، فهناك الكريم وهناك الأكرم منه، فليسوا سواء في درجة التكريم، بل يتدرّجون في مستوياته، وينقطع هذه التدرج عند مقام الأئمة الأطهار عليهم السلام، فلا تكريم يفوق تكريمهم، ولا درجة تعلو درجتهم، لبلوغ تقواهم درجة العصمة، فتكريمهم تكريم مطلق، وهذه الدعوى يمكن إثباتها بما يلي:

إنّ التكريم يقابله الهوان والإذلال: {من يهن الله فما له من مكرم}الحج/18، وهو نتيجة التقوى والتوكل على الله تعالى: {إن أكرمكم عند الله اتقاكم}الحجرات/13، "الحمد لله الذي وكلني إليه فأكرمني، ولم يكلني إلى الناس فيهينوني"([11]).

ومجالات التقوى واسعة عديدة، من اعتقادات وأخلاق وخصال وأعمال، لذا فهي ليست مقصورة على الأئمة المعصومين، بل قد توجد في غيرهم، لكنّ "التقوى الخالصة" مرتبة خص بها الإمام المعصوم دون غيره، أما غيره فتقواه مشوبة بغيرها، وهو ما سمّاه تعالى بالفجور: {فألهمها فجورها وتقواها} كما أن غير المعصوم ربما توكل في حياته على غير الله تعالى، وإن في الجملة، فغير المعصوم يشوب سببي التكريم (التقوى والتوكل على الله) بسببي الهوان (الفجور والتوكل على غير الله)([12])، فيكون تكريمه تكريماً نسبياً، وأما المعصوم فتقواه وتوكله خالصان نقيان، في علمه وعمله، فيكون تكريمه تكريماً مطلقاً خالصاً.

 

إشارات

1-  طرق إثبات كرامة أهل البيت

يمكن إثبات التكريم الخاص لأهل بيت العصمة عليهم السلام بطرق عديدة:

أ‌-      إنهم عِدل القرآن، وهو كتاب كريم([13])، فيجب كونهم متصفين بكمال الكرامة، وإلا تفرقا.

ب‌-            إنّ الملائكة ـ وهي موجودات مجردة ـ وصفت بالكرامة، فقال تعالى: {بل عباد مكرمون}الانبياء/26، والأئمة الأطهار عليهم السلام بلغوا في الكمال الوجودي إلى درجة التجرد التام أيضاً، ولذا وصفوا أيضاً بأنهم "عباد مكرمون"، كما ثبتت لهم العصمة، وهي من خصائص العباد المكرمين: {لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}الانبياء/27، فلهم عليهم السلام كمالات الملائكة على الوجه الأكمل.

2-  الكرامة في الحكمة النظرية والعملية

إن الكرامة في الحكمة العملية فضيلة أخلاقية، وهي في الحكمة النظرية كمال وجودي، وما يدل على جامعية وصف الكرامة للفضيلة الأخلاقية والكمال الوجودي هو اتصاف الله تعالى بذلك: {اقرأ وربك الأكرم}العلق/3، ووصف القرآن به: {إنه لقرآن كريم}الواقعة/77، والرسول: {إنه لقول رسول كريم}الحاقة/40، والملائكة: {كرام بررة}عبس/16.

والكرامة بنوعيها (النظري والعملي) ثابتة للأئمة عليهم السلام، فهم ذوو كرامة حقيقية (وجودية) واعتبارية (أخلاقية). قال أمير المؤمنين عليه السلام عن فضائله وملكاته الأخلاقية: "..وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي"([14])، وقال عن أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "فيهم كرائم القرآن، وهم كنوز الرحمن"([15]). وهذا البيان العلوي بيان جامع، لأن القرآن موصوف بالكرامة بنوعيها المذكورين، فما يكون عِدلاً له ـ وهم أهل البيت عليهم السلام ـ لا بد أن يكون كذلك.

ملاحظة: إن أهل البيت "مكرمون" بصيغة الأفعال، و "مكرمون" بصيغة التفعيل، فبأي الصيغتين كانت في هذه الفقرة فهي صادقة على أهل البيت عليهم السلام.

 



[1] انظر: جم 1 من هذا الكتاب، بحث فقرة "وأصول الكرم".

[2] مفردات غريب القرآن، مادة "كرم".

[3] التحقيق في كلمات القرآن، مادة "كرم"

[4] بحار الأنوار ج 67 ص 372

[5] تفسير كنز الدقائق، ج 5 ص 561، نقلاً عن تفسير البيضاوي.

[6] الإسراء/70

[7] الحجرات/13

[8] الكافي ج 2 ص 33

[9] تفسير القمي، ج 2 ص 22، ذيل الآية 70 من سورة الإسراء.

[10] الزيارة الجامعة.

[11] بحار الأنوار ج 95 ص 39

[12] التقوى والفجور ذكرا هنا من باب التمثيل لا الحصر، لأن بقية أسباب التكريم والتوهين على هذا المنوال أيضاً.

[13] {إنه لقرآن كريم} الواقعة:77

[14] نهج البلاغة، الخطبة 87

[15] نفس المصدر، الخطبة 154


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=805
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2018 / 09 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28