• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : شهر رمضان .
                    • الموضوع : اهل كرامة الله .

اهل كرامة الله

اهل كرامة الله

ورد في الخطبة النبوية في استقبال شهر رمضان المبارك : وجعلتم فيه من أهل كرامة الله

ذكروا في معنى "الكرم": إن الكرامة تقابل الهوان والذلّة. وقد جاء التقابل بينهما في القرآن الكريم أيضاً، قال تعالى: {من يهن الله فما له من مكرم}الحج/18، {وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن}الفجر/15و16.

فالشيء هو كريم ومحمود الذكر بقدر ما هو بعيد عن الهوان، منزّه عن الحقارة

إن المرء كلما اقترب من العبودية المحضة ابتعد ـ وبالمقدار نفسه ـ عن الهوان والذل وحظي بالكرامة

 

الإنسان موجودٌ  كريم

الكرامة هي التنزّه عن كل ما يوجب الضعة والذلّة.

وتكريم الإنسان قد يكون ظاهرياً وقد يكون معنوياً

والأول مشترك بين أفراد البشر جميعاً، وذلك لأنّ تكريمهم الظاهري في اختلاف صورهم الجسمية عن بقية الحيوانات، مثل انتصاب القامة، وطريقة المشي، والأكل والشرب باليدين، والقدرة على الكتابة، وتناسق التركيب، وحُسن الصورة، واعتدال المزاج، والقدرة على التفاهم والتفهيم بالكلام والإشارة، وإخضاع الطبيعة لمنافعه، وإعداد أسباب العيش والراحة و.. وقد جاء بعض هذه المعاني في كلام بعض المفسّرين([1]) وجاء بعضها في الروايات.

وأمّا تكريمه المعنوي فهو بالعقل، وهو منشأ الكثير من محاسنه وفضائله الظاهرية، وبه فُضّل على سائر الحيوانات.

ونعمة العقل هي أعظم نِعم الله تعالى وأحبها إليه، وهو دليل الإنسان ونوره في تمييز الحق من الباطل، والخير من الشر، والصلاح من الفساد، والحسن من القبيح، وهو مبدأ انطلاقة التكامل الحياتي البشري.

والبشر كافة محبوون بهذين التكريمين معاً، بلا فرق بينهم من حيث اللون والعِرق والجغرافيا، بل لا أثر في ذلك حتى للملاكات الواقعية في الكمال الحقيقي، كالإيمان والعلم والجهاد وغير ذلك، فالإنسان بما هو إنسان موجود مكرّم ظاهرياً ومعنوياً: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}([2]).

وعليه فليس لاختيار الانسان تأثيرٌ في هذا التكريم، لأنه تكريم إجباري.

ما معنى من أهل كرامة الله؟

عندنا رحمة عامة وعندنا رحمة خاصة

الرحمن يعبّر عن الرحمة العامة ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ . هذه الرحمة العامة

والرحيم يعبّر عن الرحمة الخاصة (فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) . هذه الرحمة الخاصة

كذلك هناك كرامة عامة وهناك كرامة خاصة

فالكرامة العامة هي التي قال عنها عز وجل: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾[36] .

الكرامة العامة كرامة تكوينية: أن أعطي الإنسان الإرادة، هذه كرامة تكوينية

وكرامة تشريعية وهي قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾[38] .

فمن كرامته أن لا يُساء الظن به، ومن كرامته أن لا يُتجسس عليه، و أن لا يُغتاب.

وكلا الكرامتين التشريعية والتكوينية كرامة عامة، نحن لا نبحث عنها لأنها موجودة.

ما هي الكرامة الخاصة التي تتحقق في شهر رمضان ”وجعلتم فيه من أهل كرامة الله“؟

آيات من القرآن الكريم ترشد إلى أنه هناك عناية خاصة من الله ببعض الناس

 مثلاً: قوله عز وجل: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾[39] .

 آية أخرى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ [40] .

 كيف «الله» يأخذ الصدقات؟! هذا إسناد إلهي خاص.

هناك بعض العباد - بدون ملائكة وبدون وسائط - الله تبارك وتعالى بشكل مباشر يعتني بهم، ويسبغ عليهم رحمته وحنانه ورأفته وكرامته، هؤلاء هم أهل كرامة الله.

أما نحن باقي العباد فتنالنا الرحمة منه بوسائط: بوساطة الملائكة، بوساطة الطبيعة، بوساطة الكون، لكن أهل كرامة الله تنالهم رحمته وعطفه بشكل مباشر.

﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾ 42  هؤلاء هم أهل كرامة الله،

 أنت في شهر رمضان من أهل كرامة الله، تمطرك الرحمة الإلهية والعناية الإلهية بشكل مباشر ”وجعلتم فيه من أهل كرامة الله“.

هذه مظاهر لكرامة الله ومظاهر لعناية خاصة به:

”أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول“

المقصود ب ”ونومكم فيه عبادة“ يعني النوم الذي يحصل عن العبادة

”وعملكم فيه مقبول“ قبول العمل منوط بالإخلاص والتوجه.

أقرأ الدعاء لكني لست مع الدعاء، في غير رمضان غير مقبول، أما في رمضان فهو مقبول:

أيّها النّاس إنّ أبواب الجنان في هذا الشّهر مفتحة فسلوا ربّكم أن لا يغلقها عليكم“

تضبط نفسك عن الأكل فاضبط نفسك عن المعصية، فما الفرق؟

لتكن لك إرادة أمام شهوة المعصية وغريزة الرذيلة

”وأبواب النّيران مغلقة فسلوا ربّكم أن لا يفتحها عليكم“

والشياطين مغلولة، فسلوا ربكم أن لا يسلطها عليكم“.حاذر أن تقع في وحل المعصية.

 

[1] تفسير كنز الدقائق، ج 5 ص 561، نقلاً عن تفسير البيضاوي.

[2] الإسراء/70


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=848
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 05 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18