• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : ابن تيمية إمام المتطرّفين .
                          • رقم العدد : العدد الخامس والثلاثون .

ابن تيمية إمام المتطرّفين

ابن تيمية إمام المتطرّفين

ورث ابن تيمية([1]) نهج الحنابلة ومعتقداتهم، وعمل على بعثها من جديد، بعد أن طواها الزمان لقرون طويلة منذ سقوط الدولة العباسية وتحوّل الحنابلة إلى مذهب من أقلّ المذاهب الإسلامية شأناً.

ورث فكر ابن حنبل([2])، والبربهاري، وابن بطّة، ولالكائي واصطدم به مع واقعه وفقهاء عصره.

إلا أن التوقيت الذي برز فيه ابن تيمية بأفكار ومعتقدات الحنابلة لم يكن مناسباً له وللحنابلة، وكانت النتيجة هي الثورة عليه من قبل فقهاء عصره ومن بينهم فقهاء الحنابلة.

برز ابن تيمية في عصر سلاطين المماليك العبيد، ذلك العصر الذي سادته المظالم وصور الاستبداد والفساد والانتهاكات والتلاعب بالمذاهب والفِرق من قبل الحكام.

ولم يعلن ابن تيمية الحرب على المماليك، بل أعلن الحرب على المسلمين المخالفين لفكره ومعتقداته، والذين أطلق عليهم اسم أهل البدع وأصحاب العقائد الفاسدة، وهو بهذا السلوك إنما يتقمّص شخصية الحنابلة ويتبنّى مواقفهم التي تركّزت على المسلمين، وأُشهرت الحراب في وجوههم وتغاضت عن الحكام ومنكراتهم وجرائمهم.

والحنابلة لم يكن يعنيهم أمر المسلمين ولا مصالحهم، وإنما كان يعنيهم رواياتهم وآثارهم التي تمثّل الدين في تصورهم القاصر والفرقة الناجية من النار، وكل من يحاول المساس بهذه الروايات والآثار أو يقلل من شأنها هو من الضآلين الهالكين.

وأبصار الحنابلة كانت متجهة دائماً نحو الآخرة، ولم يكن يعنيهم من أمر الدنيا شيء، فمن ثم تسلحوا بعقل الماضي وغابوا عن الواقع وعن قضاياه ومستجداته التي اعتبروها من عمل الشيطان بمثابة بِدع، وتضل الناس عن سبيل الله.
وقد حمل ابن تيمية هذا العقل وتصدّى به لخصومه من المسلمين ليخلق لنا صوراً جديدة من فتن الحنابلة لم يحتملها الواقع آنذاك.

الفقهاء وابن تيمية

وكان رد الفعل من قبل الفقهاء هو ما يلي:

منهم من طالب بقطع لسانه.

ومنهم من طالب بنفيه.

ومنهم من طالب بحبسه.

كان ابن تيمية طويل اللسان وكثير السب لمخالفيه، ولم يسلم من لسانه أحد، فقد سب: الغزالي، والأشاعرة، وسيبويه، وابن عربي، والرازي الذي كان كثير الحطّ عليه، وكان لسانه مسلّطاً على الشيعة أكثر من غيرهم.

في ربيع الأول من عام 698هـ ثار عليه الفقهاء بسبب فتوى له سميت بالفتوى الحموية وعقدت له جلسات، وأعلنت عليه الحرب من قبل الجميع.

وطلب إلى مصر أيام ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وعقد له مجلس في مقالة قال بها، فطال الأمر وحكموا بحبسه بالإسكندرية، ثم إن الملك الناصر لما جاء من الكرك أخرجه.

ولم يزل العوام بمصر يعظمونه إلى أن أخذ في القول على السيدة نفيسة فأعرضوا عنه، وثار عليه فقهاء مصر وأفتوا بقتله إلا أن السلطان عارضهم ولم يوافقهم.([3])

وحضر إلى دمشق في أيام القاضي جلال الدين فتكلموا معه في مسألة الزيارة، أي: قوله بتحريم زيارة قبر الرسول(ص) وكتبوا في ذلك إلى مصر، فورد مرسوم السلطان باعتقاله في القلعة، فلم يزل بها إلى أن مات سنة ثمان وعشرين وسبعمائة.

وسوف يأتي تفصيل أقواله ومواقفه.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو:

لماذا اختار الوهابيون ابن تيمية، وركزوا عليه واعتبروه شيخ الإسلام من دون بقية فقهاء أهل السنة؟

والجواب هو ما يلي:

أولاً: إن شخصية ابن تيمية هي صورة من شخصية ابن حنبل.

ثانياً: إن محمد بن عبد الوهاب لم يكن صاحب فقه أو مؤهلات دعوية أو مقومات قيادية تمنحه القدرة على إبراز دعوته معتمداً على ذاته.

ثالثاً: إن الوهابيين هم امتداد للحنابلة، ضعاف العقول، المتعصبين الباحثين لهم عن سند وركن يركنون إليه في وسط واقع يعارضهم وينبذهم.

رابعاً: إن الوهابيين يتميزون بغلظة القلوب والعدوانية وأصحاب طبيعة بدوية.

لأجل هذه الأسباب وغيرها مال الوهابيون لابن تيمية واعتبروه مرجعهم وسندهم في مواجهة مخالفيهم من المسلمين.

وشكّل ابن تيمية بمواقفه المتطرفة وفتاواه الشاذة نموذجاً جاذباً لمحمد بن عبد الوهاب، صاحب الميول العدوانية الباحث عن دور وسند يركن إليه في دعواه.

ولما جاء محمد بن قلاوون إلى السلطة استقبل ابن تيمية بالأحضان وأطلق يده فانطلق هو وأتباعه في الأسواق يعتدون على العامة ويكسرون الحانات ويعتدون على زوار القبور مما أقلق ابن قلاوون فقرر الحد من نشاطه، فكتب ابن تيمية له كتاباً يثبت فيه بطلان زيارات القبور وما يجري فيها.([4])

مقالته في الفلاسفة والجهمية والمعتزلة

والمتأمل في تراث ابن تيمية وأقواله يتبين له بوضوح أن هذا التراث ينسجم مع طبيعة الوهابيين وميولهم العدوانية وضعف عقولهم أيضاً، وأن هذه الأقوال هي بمثابة آثار تضم إلى آثار الحنابلة السابقين، وتعفيهم من البحث والتنقيب وإعمال عقولهم، الأمر الذي لا يقدرون عليه ولا يملكونه.

وما يسر على الوهابيين الأمر وجعلهم يتمسكون بابن تيمية هو أنه يتكلم دائماً بلغة الاجماع، وعقيدة السلف، ونصب نفسه ناطقاً بلسان أهل السنة والجماعة، فمن ثم تبدو الأمور لديه محسومة ومقررة، ولا حاجة للاجتهاد أو إعادة النظر فيها، وهو ما يُسرّ الوهابيون منه ويجعلهم يتعصبون له، لكونه في تصورهم ينطق بلسان الفرقة الناجية.

وقد شن ابن تيمية حرباً شعواء على الجهمية، والمعتزلة، والفارابي، وإخوان الصفا، والسهروردي المقتول، وابن رشد الحفيد، ومن سماهم بملاحدة الصوفية كابن عربي، وابن سبعين، وابن الطفيل صاحب رسالة حي بن يقظان، وغيرهم.

وتحت عنوان شرك الفلاسفة أشنع من شرك الجاهلية قال: العرب مع شركهم وكفرهم يقولون: إن الملائكة مخلوقون، وكان من يقول منهم، إن الملائكة بنات، ويقولون أيضاً: إنهم محدثون، ويقولون: إنه صاهر إلى الجن فولدت له الملائكة، وقولهم هذا من جنس قول النصارى في أن المسيح ابن الله، وقول الفلاسفة شر من قول هؤلاء كلهم.

وقال ابن تيمية عن ابن سينا: وابن سينا تكلم في اشياء من الإلهيات والنبوات والمعاد والشرائع، فإنه إستفادها من المسلمين وإن كان إنما أخذ عن الملاحدة المنتسبين إلى المسلمين كالإسماعيلية، وكان أهل بيته من أهل دعوتهم من أتباع الحاكم العبيدي الذي كان هو وأهل بيته وأتباعه معروفين عند المسلمين بالإلحاد، أحسن ما يظهرون دين الرفض، وهم في الباطن يبطنون الكفر المحض.

وقد صنف المسلمون في كشف أسرارهم وهتك أستارهم كتباً كباراً وصغاراً، وجاهدوهم باللسان واليد، إذ كانوا أحق بذلك من اليهود والنصارى.

وقال: من قال من المتأخرين أن تعلم المنطق فرض على الكفاية فإنه يدل على جهله بالشرع وجهله بفائدة المنطق وفساد هذ القول معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، وأجهل منه من قال: إنه فرض على الأعيان، مع أن كثيراً من هؤلاء ليسوا مقرّين بإيجاب ما أوجبه الله ورسوله وتحريم ما حرّم الله ورسوله.

وقال: ما معهم ـ أي الفلاسفة ـ من الحق أقل مما مع اليهود والنصارى والمشركين.

مقالة في الشيعة

وضع ابن تيمية قاعدة لأتباعه والسائرين على نهجه تجاه الشيعة تقول: إن تبيين السنة وفضائل الصحابة وتقديمهم الصدّيق والفاروق من أعظم أمور الدين عند ظهور بدع الرافضة ونحوهم.

وابن تيمية بقوله هذا قد أسس للصراع المذهبي ووطن له بين المسلمين، وهو ما نراه واقعاً عند الوهابيين، ويبدو بوضوح من خلال كمّ المنشورات التهديدية المتطرفة التي تحرم الخوض في أمر الصحابة، وتبالغ في إضفاء القداسة عليهم، وتنذر بالعقاب الشديد لكل من يخوض في أمرهم، والتي يظهرونها ما بين الحين والآخر لإرهاب المسلمين.

وكان بعض أنصار ابن تيمية قد أحضروا له نسخة من كتاب (منهاج الكرامة في معرفة الإمامة) للعلامة ابن المطهر الحلي أحد فقهاء الشيعة المعاصرين لابن تيمية، فاستفزه الكتاب وقرر أن يرد عليه في كتاب عرف باسم (منهاج السنة النبوية) اعتبره الوهابيون المرجع الأساس والقول الفصل في الشيعة.

قال ابن تيمية في مقدمة كتابه: قد أحضر إلي طائفة من أهل السنة والجماعة كتاباً صنفه بعض شيوخ الرافضة في عصرنا منفقاً لهذه البضاعة، يدعو إلى مذهب الرافضة الإمامية من أمكنه دعوته من ولاة الأمور وغيرهم من أهل الجاهلية ممن قلّت معرفتهم بالعلم والدين، ولم يعرفوا أصل دين المسلمين، وأعانه على ذلك من عادتهم إعانة الرافضة من المتظاهرين بالإسلام من أصناف الباطنية الملحدين، الذين هم في الباطن من الصابئة الفلاسفة الخارجين عن حقيقة متابعة المرسلين، الذين لا يوجبون اتباع دين الإسلام، ولا يحرمون اتباع ما سواه من الأديان، بل يجعلون الملل بمنزلة المذاهب والسياسات التي يسوغ اتباعها، وأن النبوة نوع من السياسة العادلة التي وضعت لمصلحة العامة في الدنيا.

إن هذا الصنف يكثرون ويظهرون إذا كثرت الجاهلية وأهلها، ولم يكن هناك من أهل العلم بالنبوة والمتابعة لها من يظهر أنوارها الماحية لظلمة الضلال، ويكشف ما في خلافها من الإفك والشرك المحال.

هؤلاء لا يكذبون بالنبوة تكذيباً مطلقاً، بل هم يؤمنون ببعض أحوالها ويكفرون ببعض الأحوال، وهم متفاوتون فيما يؤمنون به ويكفرون به من تلك الخلال، فلهذا يلتبس أمرهم بسبب تعظيمهم للنبوات على كثير من أهل الجهالات.

والرافضة الجهمية هم الباب لهؤلاء الملحدين منهم، منه يدخلون إلى سائر أصناف الإلحاد في أسماء الله وآيات كتابه المبين، كما قررت ذلك رؤوس الملحدة من القرامطة الباطنية وغيرهم من المنافقين.

هذا المصنف سمّى كتابه: منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، وهو خليق بأن يسمى منهاج الندامة، كما أن من ادعى الطهارة وهو من الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، بل من أهل الخبث والطاغوت والنفاق، وكان وصفه بالنجاسة والتكدير أولى من وصفه بالتطهير.

وقد قام الذهبي تلميذ ابن تيمية بتلخيص كتابه منهاج السنة وأسماه: (منهاج الاعتدال في نقض أهل البدع والاعتزال)

ونقل عن ابن حنبل قوله: من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله، ونهى عن مناكحته، وهو متفق عليه، وإنما يخالفهم في ذلك بعض أهل الأهواء من أهل الكلام ونحوهم كالرافضة الطاعنين في خلافة الثلاثة.

وتحدّث عن أنواع البدع بقوله عن الاحتفال بعيد الغدير وعاشوراء: ما جرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً، ولا كان السلف الصالح يعظمونه كثامن عشرة ذي الحجة الذي خطب فيه النبي(ص) بغدير خم مرجعه من حجة الوداع فإنه خطب فيه خطبة وصى فيها باتباع كتاب الله، ووصى فيها بأهل بيته، كما روى مسلم، فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك حتى زعموا أنه عهد إلى علي باطلاً وعملاً، وقد علم بالاضطرار أنه لم يكن من ذلك، وزعموا أن الصحابة تمالؤوا على كتمان هذا النص، وغصبوا الوصي حقه وفسقوا وكفروا إلا نفراً قليلاً، وهو عيد محدث لا أصل له.

كذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى (ع)، وإما محبة للنبي(ص) وتعظيماً له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي عيداً، ومثل ما أحدث بعض أهل الأهواء في يوم عاشوراء، فأحدث بعض أهل البدع في مثل هذا اليوم خلاف ما أمر به الله عند المصائب، وضموا إلى ذلك الكذب والوقيعة في الصحابة، وأحدث بعض الناس فيه من أشياء مستندة إلى أحاديث موضوعة لا أصل لها، والأشبه أن هذا وضع لما ظهرت العصبية بين الناصبة والروافض، فإن هؤلاء أعدوا يوم عاشوراء مأتماً فوضع أولئك فيه آثاراً تقتضي التوسع فيه واتخاذه عيداً، وكلاهما باطل، وهؤلاء فيهم بدع وضلال، وأولئك فيهم بدع وضلال، وإن كانت الشيعة أكثر كذباً وأسوأ حالاً.

وسئل ابن تيمية: عمن يزعمون أنهم يؤمنون بالله عز وجل وملائكته ورسله واليوم الآخر، ويعتقدون أن الإمام الحق بعد رسول الله(ص) هو علي بن أبي طالب، وأن رسول نص على إمامته، وأن الصحابة ظلموه ومنعوه حقه، وأنهم كفروا بذلك، فهل يجب قتالهم، ويكفرون بهذا الاعتقاد أم لا؟

فأجاب: أجمع علماء المسلمين على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله.

فالرافضة يوالون من حارب أهل السنة والجماعة، ويوالون التتار، ويوالون النصارى، فقد كان بالساحل بين الرافضة والافرنج مهادنة.

وقد ذكر أهل العلم أن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق عبد الله بن سبأ، فإنه أظهر الاسلام وأبطن اليهودية وطلب أن يفسد الإسلام كما فعل بولص النصراني الذي كان يهودياً في إفساد دين النصارى، وأيضاً فغالب أئمتهم زنادقة، إنما يظهرون الرفض، لأنه طريق إلى هدم الإسلام.

وقد أشبهوا اليهود في أمور كثيرة، ولا سيما السامرة من اليهود، فإنهم أشبه بهم من سائر الأصناف: يشبهونهم في دعوى الإمامة في شخص أو بطن بعينه، والتكذيب لكل من جاء بحق غير ما يدعونه، وفي اتباع الأهواء وتحريف الكلم عن مواضعه، وتأخير الفطر، وصلاة المغرب، وتحريم ذبائح غيرهم، وغير ذلك.

ويشبهون النصارى في الغلو في البشر والعبادات المبتدعة، وفي الشرك، وغير ذلك، وهم يوالون اليهود والنصارى والمشركين على المسلمين، وهم لا يرون جهاد الكفار مع أئمة المسلمين ولا الصلاة خلفهم ولا طاعتهم في طاعة الله ولا تنفيذ شيء من أحكامهم، لاعتقادهم أن ذلك لا يسوغ إلا خلف إمام معصوم، ويرون أن المعصوم قد دخل في السرداب.

وهم مع هذا يعطلون المساجد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فلا يقيمون فيها جمعة ولا جماعة، ويبنون على القبور المكذوبة وغير المكذوبة مساجد يتخذونها مشاهد، ويرون أن حج هذه المشاهد المكذوبة وغير المكذوبة من أعظم العبادات حتى أن من مشائخهم من يفضلها على حج البيت الذي أمر الله به ورسوله، ووصف حالهم يطول.

وقد اختتم ابن تيمية جوابه للمسائل بقوله: ومن اعتقد من المنتسبين إلى العلم أن قتال هؤلاء ـ الرافضة ـ بمنزلة قتال البغاة الخارجين على الإمام بتأويل سائغ، كقتال أمير المؤمنين لأهل الجمل وصفين، فهو غالط بحقيقة شريعة الإسلام وتخصيصه هؤلاء الخارجين عنها.

أما قتل الواحد المقدور عليه من الخوارج كالحرورية ونحوهم، فهذا فيه قولان للفقهاء هما روايتان عن أحمد، والصحيح أنه يجوز قتل الواحد منهم كالداعية إلى مذهبه ونحو ذلك مما فيه فساد، وأما تكفيرهم وتخليدهم في النار ففيه أيضاً للعلماء قولان مشهوران وهما روايتان عن أحمد.

ونصوص ابن تيمية العدوانية ضد الشيعة كثيرة، ولا يتسع المجال لذكرها هنا.

فتاوى متطرفة

وفتاوى ابن تيمية أكثر من أن تحصى، وهي تشكل تراثه الفكري، فالرجل لم يدون كتباً بالمعنى المألوف، وإنما كتب رسائل وردوداً وأصدر فتاوى، جمعت فيما بعد من قبل أتباعه وتلاميذه، وهي تعكس مدى تطرفه وعدوانيته على الآخرين.

وهي فتاوى مفتوحة من ابن تيمية متحصّنة الشافعية والمالكية بالإضافة إلى الحنابلة للقضاء على أهل البدع المخالفة للكتاب والسنة م ن منظور فقهاء أهل السنة، ويقصد بهم ـ بالطبع ـ كل من تصدى للدعوى والبيان لأي طرح خارج دائرتهم.

وعلى رأس هؤلاء الشيعة والمعتزلة.

وكلمة بدعة كلمة مطاطة يمكن أن تستخدم على وجوه عدة، وهنا تكمن خطورتها عندما تطلق على لسان حملة الأسفار والفقهاء الصغار من الوهابيين، وعناصر الفرق المتطرفة التي يريقون على أساسها الدماء ويرفعون لأجلها راية الجهاد.

والواقع المعاصر محكوم عليه بالجاهلية مقدماً من قبل هذه الجماعات، فمن ثم هو مستنقع للبدع وتكفي فتوى كهذه لإشعال النيران فيه.

وكان ابن تيمية قد أفتى في عام 704 باستباحة دماء الشيعة، وأقنع السلطان محمد بن قلاوون بتسيير حملة اشترك فيها لمقاتلة الشيعة في جبال كسروان بلبنان.

وكانت نتيجة هذه الحملة أن خربت كسروان وقتل النساء والشيوخ والأطفال.

ولم يقصر ابن تيمية فتاواه على المسلمين، بل تعداهم إلى المسيحيين، وأفتى بوجوب هدم الكنائس في: مصر، والقاهرة، والكوفة، والبصرة، وواسط، وبغداد، ونحوها من الأمصار، سواء كانت تلك المعابد قديمة قبل الفتح أو محدثة.

ومثل هذه الفتاوى وغيرها يوجد منها الكثير في كتب ابن تيمية.

والسؤال هنا هو:

هل بعد حبس ابن تيمية وموته سكتت مدافعه؟

والإجابة: إن بعض تلامذته، مثل: ابن قيّم، وابن كثير، حاولا تسليط هذه المدافع نحو المسلمين إلا أن مصيرهما كان كمصير إمامهما أن ضربا وضيق عليهما، ولحق بهما الأذى، فاتجها نحو الكتاب والتصنيف.

ومنذ ذلك الحين أسدل الستار على ابن تيمية وعطلت مدافعه، وحل بها الخراب حتى ظهر محمد بن عبد الوهاب في جزيرة العرب، فكشف عنها، وقام بتنظيفها وتجهيزها، ثم سلطها مرة أخرى على المسلمين، وبنصرة ابن سعود قامت لأول مرة في التاريخ دولة للحنابلة، وأصبح ابن تيمية شيخ الإسلام بعد أن كان منبوذاً.

ومن هنا حملت الفرق الإسلامية مدافع ابن تيمية من جديد وأخذت توجهها نحو المسلمين وأيضاً المسيحيين والآمنين والمسالمين في كل مكان.

 

 

[1] المولود في حران ـ تركيا سنة 1263 م ـ القرن السابع الهجري، والمتوفي سنة 1328 م في دمشق

[2] (164 ـ 241 هـ) (780 ـ 855 م ) المدفون ببغداد

[3] السيدة نفيسة جدها الإمام الحسن (ع) وكان الشافعي من مريديها، ولما توفي في عام 204هـ صلّت عليه، توفيت في عام 209هـ.

[4] هو كتاب الجواب الباهر في زوار المقابر، وفي مقدمته أثنى على ابن قلاوون ومدحه.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=918
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 04 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19