• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : الامام علي عليه .
                    • الموضوع : سر حب عليّ عليه السلام .

سر حب عليّ عليه السلام

سر حب عليّ عليه السلام

أن رجال الحقيقة يموتون وتبقى مدارس أفكارهم ويظل الحب الّذي أشعلوا فتيلة سراجه على مر الدهور يزداد تلألؤاً وإشراقاً.

ما سبب وقوع حب عليّ في القلوب؟

كان عليّ محبوب القلوب ومعشوق الناس، فلماذا ؟ وكيف؟

لماذا ترى القلوب أنّها شديدة القرب منه، ولا تحسبه قد مات، بل تراه حياً يرزق؟

إننا نقرأ في التاريخ أ نّه بعد مضي قرون على وفاة عليّ(عليه السلام) ما يزال هناك أشخاص يستقبلون سهام أعدائه بصدورهم.

إنّ حبه ليس من قبيل حب الأبطال الشائع في الأُمم.. كما نكون قد جانبنا الصواب إن قلنا: إنّ حبنا عليّاً تابع لحبنا الفضائل الأخلاقية والإنسانية، وإنّ حب عليّ هو حب الإنسانية.. صحيح أنّ عليّاً كان تجسيداً للإنسان الكامل، وصحيح أنّ الإنسان يحب مثل الإنسانية السامية.

ولكن لو أنّ جميع الفضائل الّتي امتاز بها عليّ من الحكمة، والعلم، والتضحية، ونكران الذات، والتواضع، والأدب، والمحبة، والعطف، والأخذ بيد الضعيف، والعدالة، والحرية، وحب الحرية، واحترام الإنسان، والإيثار، والشجاعة، والمروءة، والفتوة نحو العدو، والسخاء والجود والكرم.

أقول: لو أنّ كلّ ما تحلى به عليّ من الفضائل لم يكن مصطبغاً بالصبغة الإلهية، لما كان على هذا القدر الّذي نراه عليه اليوم من استثارة للانفعال واجتذاب للحب. فعليّ محبوب لكونه مرتبطاً بالله. إنّ قلوبنا ترتبط في أعماقها، وبغير وعي منا، بالله.

ولما كان عليّ آية الله العظمى ومظهر صفات الله في أعيننا، فقد عشقناه.. في الحقيقة إنّ سند حب عليّ هو ما يربط النفوس بالله، ذلك الرابط الّذي كان في الفطرة دائماً. ولما كانت الفطرة خالدة، فحب عليّ خالد أيضاً.

سودة الهمدانية المحبة لعليّ وقفت أمام معاوية تصف عليّاً فقالت:

صلى الإله على روح تضمنها *** قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحقّ لا يبغي به بدلا *** فصار بالحقّ والإيمان مقرونا

_ صعصعة بن صوحان العبدي واحد آخر من المولعين بعليّ حباً. كان من القلة الّذين حضروا دفن عليّ في ذلك الليل البهيم. وبعد أن تم الدفن وقف صعصعة على القبر واضعاً احدى يديه على فؤاده والأُخرى قد أخذ بها التراب ويضرب به رأسه، ثمّ قال: «بأبي أنت وأُمي ـ يا أمير المؤمنين ـ هنيئاً لك يا أبا الحسن، فلقد طاب مولدك، وقوي صبرك، وعظم جهادك، وظفرت برأيك، وربحت تجارتك، وقدمت على خالقك، فتلقاك الله ببشارته، وحفتك ملائكته، واستقررت في جوار المصطفى، فأكرمك الله بجواره، ولحقت بدرجة أخيك المصطفى، وشربت بكأسه الأوفى، فاسأل الله أن يمن علينا باقتفائنا أثرك والعمل بسيرتك، والموالاة لأوليائك، والمعاداة لأعدائك، وأن يحشرنا في زمرة أُولئك.

فقد نلت ما لم ينله أحد، وأدركت ما لم يدركه أحد، وجاهدت في سبيل ربّك بين يدي أخيك المصطفى حقّ جهاده، وقمت بدين الله حقّ القيام، حتّى أقمت السنن، وأبرت الفتن، واستقام الإسلام، وانتظم الإيمان، فعليك مني أفضل الصلاة والسلام.

بك اشتد ظهر المؤمنين، واتضحت أعلام السبل، وأقيمت السنن، وما جمع لأحد مناقبك وخصالك. سبقت إلى إجابة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) مقدماً مؤثراً، وسارعت إلى نصرته، ووقيته بنفسك، ورميت سيفك ذا الفقار في مواطن الخوف والحذر، قصم الله بك كلّ جبار عنيد، وذل بك كلّ ذي بأس شديد، وهدم بك حصون أهل الشرك والكفر والعدوان والردى، وقتل بك أهل الضلال من العدى.

فهنيئاً لك يا أميرالمؤمنين. كنت أقرب الناس من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قرباً وأولهم سلماً وأكثرهم علماً وفهماً، فهنيئاً لك يا أبا الحسن. لقد شرف الله مقامك، وكنت أقرب الناس إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) نسباً، وأولهم إسلاماً، وأوفاهم يقيناً، وأشدهم قلباً، وأبذلهم لنفسه مجاهداً، وأعظمهم في الخير نصيباً.

فلا حرمنا الله أجرك، ولا أذلنا بعدك، فو الله لقد كانت حياتك مفاتح للخير ومغالق للشر، وإنّ يومك هذا مفتاح كلّ شر ومغلاق كلّ خير. ولو أنّ الناس قبلوا منك لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة» بحار الأنوار: 42/295 و296 ط جديدة

فيما نقرأ عن عشاق عليّ والمنجذبين اليه، عن ميثم التمار، الّذي راح يتحدث عن فضائله وسجاياه الإنسانية، وهو على أعواد المشنقة. في ذلك العهد حيث أُهدرت الحريات وخنقت الأنفاس في الصدور، أخذ ميثم من أعلى المشنقة ينادي بأعلى صوته: تعالوا أُحدّثكم عن عليّ. فهجم الناس من جميع الأطراف يريدون أن يسمعوا حديث ميثم. وإذ ترى الحكومة الأموية أن مصالحها في خطر، تأمر بإلجام فمه، وبعد أيام تقتله.

إن تواريخ أمثال هؤلاء العشاق يدور كثيراً حول عليّ ع .

هذا الجذب لا يختص بعصر دون عصر، ففي جميع العصور تجد تجليات من هذا الجذب الطاغي الّذي فعل فعله العميق.

هنالك شخص باسم (ابن السكّيت) من كبار علماء العرب وأُدبائهم. عاش هذا الرجل في عصر الخليفة المتوكل العباسي. وكان متهماً بالتشيع لعليّ بعد موت عليّ بمائتي سنة، ولكن لفضله وسعة علمه اتخذه المتوكل معلماً لولديه.. في أحد الأيام دخل على المتوكل ولداه بحضور ابن السكّيت، فأبدى المتوكل رضاه عنهما لتفوقهما في أداء الامتحان، وخطر له ـ استناداً إلى ما كان يشاع عن ابن السكّيت من تشيع لعليّ ـ أن يسأله:

أتراك تحب ولدي هذين أكثر من الحسنين ولدي عليّ؟

فاستفزت هذه المقارنة ابن السكّيت فغضب لها أشد الغضب، وقال في نفسه: أبلغت الجرأة بهذا المغرور أن يقارن ولديه بالحسنين؟! إنّني أنا المقصر لكوني قبلت تعليمهما. ثمّ قال للمتوكل:

«والله ان قنبر مولى عليّ لأحب إليَّ مرات من هذين وأبيهما».

فغضب المتوكل، وأمر به فقطعوا لسانه من أصله.

ليس لعليّ (عليه السلام) نظير من حيث كونه موضع حب عارم من لدن أُناس ضحوا برؤوسهم في سبيل حبه، وارتقوا المشانق في سبيل الولاء له.

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=975
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 02 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20