من احكام الصيام
قال تعالى : يأيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له، وأن تصوموا خير لكم إن كنت تعلمون شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم البقرة: 180_ 183
تدل الآيات الكريمة على تشريع الصوم في حق المؤمنين وانه ثابت عليهم كما هو ثابت على الأمم السالفة. والأحكام المستفادة منها هي كما يلي:
1 تشريع وجوب الصوم على المؤمنين وانه في أيام معدودات. ويلزم أن تكون معينة حتى يكون عدم صومها لمرض أو سفر موجبة للقضاء في عدة من أيام أخر وإلا فلا فوات للصوم الواجب ليلزم قضاؤه.
ويتعين أن تكون تلك الأيام هي شهر رمضان الذي أشير إليه بعد ذلك في الآية الثالثة بقوله تعالى: شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن ....)
2 يستثنى من وجوب الصوم طوائف ثلاث: المريض، والمسافر، والذي لا يتمكن من الصوم إلا بمشقة لكبر سن ونحوه. والمريض والمسافر يلزمهما القضاء بعد شهر رمضان بالمقدار الفائت، والأخير يلزمه دفع الفدية، وذلك بإطعام مسكين عن كل يوم.
والمراد من «الإطاقة» في فقرة وعلى الذين يطيقونه هو التحمل بمشقة لان الإطاقة غير الطاقة، فإطاقة الفعل هي صرف تمام الطاقة في الفعل، ولازم ذلك ثبوت المشقة في الفعل وإلا لما احتيج إلى بذل تمام الطاقة لتحقيقه.
3 _ ان كل من شهد الشهر يجب عليه صومه. والمقصود من شهود الشهر حضور الشهر وإدراكه يقال: فلان شهد واقعة صفين، اي حضرها أجل حضور شهر رمضان يتوقف تحققه على أمرين: بقاء الشخص حيا إلى شهر رمضان ورؤية الهلال ليصدق بذلك تحقق الشهر والحضور عنده.
_هل المرض بنفسه مسوغ للإفطار حتى ولو لم يكن الصوم موجبة للإضرار بالمريض؟
أن المرض بما هو ليس مسوغا للإفطار بل له حد وهو يسأل عن ذلك الحد
ففي موثقة سماعة «سألته (الامام ) ما حد المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار كما يجب عليه في السفر من كان مريضا أو على سفر؟ قال هو مؤتمن علیه مفوض إليه فان وجد ضعفا فليفطر وان وجد قوة فليصمه کان المرض ما كان»
هل أن المسافر يباح له الصوم أو يجب عليه الإفطار؟
المعروف بین الإمامية وجوب الإفطار أما المعروف بين غيرهم فإباحة الإفطار لا وجوبه
واستندوا في ذلك إلى نصوص رووها عن النبي ص تدل على التخيير بين الصوم والإفطار، فقد روى مسلم والبخاري أنه سئل عن الصيام في السفر فقال: «ان شئت فصم وان شئت فافطر»
مع انهم رووا روایات تدل على عدم جواز الصوم علی المسافر، من قبيل ما رواه مسلم بسنده عن جابر بن عبدالله: «أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب فقيل له بعد ذلك: أن بعض الناس قد صام فقال: أولئك العصاة أولئك العصاة»
وقد جاءت أحاديث أهل البيت (ع) ترد بلهجة شديدة على الصيام في السفر، فقد ورد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر ع : «سمع رسول الله انه قوما صاموا حين أفطر وقصر عصاة وقال: هم العصاة إلى يوم القيامة وإنا لنعرف أبناءهم وأبناء أبنائهم إلى يومنا هذا
وفي رواية أخرى: «قال رسول الله ص: ان الله عز وجل تصدق على مرضى أمتي ومسافريها بالإفطار في شهر رمضان أيحب أحدكم لو تصدق بصدقة أن ترد عليه؟»
وفي رواية ثالثة عن أبي عبد الله ع : «لو أن رجلا مات صائما في السفر ما صليت عليه »
وبالجملة: لزوم الإفطار حالة السفر أمر لا إشكال فيه، وتدل عليه الروايات السابقة كما ان قوله تعالى: (فعدة من أيام أخر ) تعين القضاء على المسافر، أي فعليه عدة من أيام أخر، وليس الحكم هو التخيير ولا الجمع بين القضاء والفداء..
نعم ان المسافر من وطنه بعد الزوال يلزمه البقاء على الصوم للروايات الدالة على ذلك
الثالث : ان فقرة وعلى الذين يطيقونه، فدية طعام مسكين دلت على أن من يطيق الصوم لا يلزمه الصوم بل يدفع الفدية. وهذا الحكم لا يمكن الالتزام به فكيف الجواب؟
ان المقصود ان من يتمكن من الصوم بمشقة لكبر ونحوه فبامكانه الإفطار ودفع الفدية.
ولكن هل يجوز له الصوم بحيث يكون مخيرا بين الأمرين؟
اختار البعض ان الحكم بالإفطار ترخيصي وليس إلزاميا بل ان الصوم أفضل لقوله تعالى: ( وأن تصوموا خير لكم ) ومن المحتمل أن تكون فقرة فمن تطوع خير فهو خير له إشارة إلى ان التطوع بالصوم الاستحبابي خير.
فكأن الآية الكريمة فرغت من البحث عن الصوم الواجب وأخذت من فقرة فمن تطوع .. وبالبحث عن الصوم الاستحبابي، أو هي إشارة إلى أن من تطوع بدفع الفدية بمقدار أزيد من الواجب عليه فهو خير له من الاقتصار على المقدار الواجب.
وأما جملة ( وأن تصوموا خير لكم ) فهي إشارة إلى مطلب جديد آخر وهو ان الصوم سواء كان واجبا أو مستحبا لا ترجع فائدته إلى الله سبحانه بل ترجع إليكم.
وبالرجوع إلى الروايات، يستفاد تعين الإفطار، كصحيحة عبدالله بن سنان: «سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان قال: يتصدق كل يوم بما يجزي من طعام مسکین
من الأحكام الأخرى للصوم
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
اشتملت الآية الكريمة على عدة أحكام:
1- جواز الجماع في الليالي التي يراد الصوم في صبيحتها.
وكلمة الرفث تعني الألفاظ الفاحشة المستعملة حالة الجماع ولكن كنّي بها عن الجماع، كما في قوله تعالى فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج البقرة: ۱۹۷
ويستفاد من الآية الكريمة أن الحكم قبل نزولها كان حرمة الجماع والأكل والشرب في ليلة الصيام. ثم نزلت الآية لتحكم بالحل إلى الفجر.
2 ان الحلّ يستمر إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وهو ما يعبر عنه بالفجر.
3 ان الحد الثاني للصوم الذي يجب انتهاؤه إليه هو الليل.
4 ان جواز الجماع ليلة الصيام يختص بحالة عدم الاعتكاف
|