• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع :  الذنب من الشيطان والعفو من الرحمن .
                          • رقم العدد : العدد الثامن والثلاثون .

 الذنب من الشيطان والعفو من الرحمن

بسم الله الرحمن الرحيم

 الذنب من الشيطان والعفو من الرحمن

الشيخ إبراهيم نايف السباعي

كل واحد منا ينظر إلى الدنيا بشكل يختلف عن الآخر، لأن الدنيا ملونة وتغر الإنسان وتضعف إرادته، ناهيك عن الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وما لديهم من أدوات، كفيلة بحرف المؤمن عن الصراط الذي رسمه سبحانه للإنسان، كي يصل إلى مبتغاه من الخلق وإلى حب ورضا الله تعالى.

يتلخص لدينا أن الدنيا ساحة قتال، بين الإنسان المخلوق المميز عند ربه وبين أعدائه الممثلين بالشيطان والنفس الأمارة بالسوء، أما الشيطان فهو طريد الرحمن من السماوات، لم يطرد سبحانه من ملكوته من خلقه سوى هذا الجن الخسيس، الذي أسقطه تكبره وعلوه على غيره، فبات طريداً رجيماً لا عون له سوى إنظاره إلى يوم يبعثون، كي يحاسب ويجازى على ما فعل وعلى من أضل من بني آدم. وأما النفس الأمارة بالسوء فحدث ولا حرج، تعتبر بالنسبة للإنسان عدو داخلي، يصعب التغلب عليه إلا بعون من الله تعالى، وتحكيم العقل في جميع الأمور، وأمام هذا المشهد نجد الرحمة الإلهية والنعمة الربانية ـ اللتين لا تخلو منهما زاوية من زوايا الكون الشاسع، تحصن المؤمن وتحميه من كل ذلك، فقد حمى الله تعالى الإنسان بالشهادتين؛ فعند قولك أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فإنك تلوذ به تعالى وتصبح في حماه عزّ وجلّ، وزاد سبحانه على ذلك تحصينات يومية وأموراً أُعتبرت أساسية في حياتنا في الدنيا ولما بعدها، فالواجبات العشرة التي شرعها تعالى لنا من: صلاة وزكاة وصوم وحج.. هذه الواجبات تعتبر فسيفساء جميلة، وإذا ما رسمها المؤمن كانت له حرزاً يحميه وتشكل صورة من أجمل الصور، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصوم جنة من النار، والزكاة تطهير لنا ولأموالنا، فهذه الواجبات تهمنا لأنها تعين لنا درجاتنا في الجنة وتبعدنا عن النار.

وأما الذي يعكر مزاج حياتنا فهو المعاصي والذنوب، حيث تعتبر الثغرة التي يأتي من خلالها الشيطان ووساوس النفس الأمارة بالسوء، وإذا أردنا دفع الشر عن أنفسنا والابتعاد عن الأذية التي ستلحقنا منها في الدنيا والآخرة، علينا أن نعرف كنه المعصية، وأصلها وفصلها وكيفية الوقاية منها، عندها سيسهل علينا صدها وابعادها عن أنفسنا.

طبائعنا الإيمانية تنفر من المعاصي

ورد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: وإِنَّمَا يَنْبَغِي لأَهْلِ الْعِصْمَةِ والْمَصْنُوعِ إِلَيْهِمْ فِي السَّلَامَةِ، أَنْ يَرْحَمُوا أَهْلَ الذُّنُوبِ والْمَعْصِيَةِ، ويَكُونَ الشُّكْرُ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ، والْحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ.

المؤمن ينفر ويشمئز من المعاصي، بل ورفضنا لها يكون بشكل تلقائي، لأن المشاعر والأحاسيس الإنسانية ترفضها وتذمها، وأزيد عليه أن الإيمان الصادق بالله تعالى الذي نحمله في داخلنا ينفر من الروائح الكريهة والأشياء القذرة والقضايا الموبوءة، وهذا ما نراه واضحاً من خلال ممارستنا لحياتنا، حيث نلاحظ عند مرورنا بالمنكرات أو المخالفات الشرعية لا نمر عليها مرور الكرام، ننكرها أشد الإنكار تارة باليد وأخرى باللسان وثالثة بالقلب، حيث نرفضها ونتمنى ذهابها وزوالها، أما لماذا؟ وذلك لأمور لا بد من التنبيه عليها:

  1. نعلم أن المعاصي والذنوب تخرب الأرض وتهدمها، مع أن الله تعالى أمرنا أن نعمر الأرض ولا نهدمها، والمعاصي نوع من أنواع الهدم لها، قال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا}الأعراف/56، والمعاصي والذنوب تمرد مشابه تماماً لما قام به إبليس من العصيان والتمرد، فقد عصى ربه بعدم السجود والعاصي يعصي ربه بأكثر من السجود، لذا كانت جرأة من العبد على أوامر الله تعالى، وهذا يسخط الله من جهة ومن جهة أخرى يسيء إلى المحيط الذي يعيش وإلى شركائه في العبودية، في حال أن المؤمن يعلم أن الله يسخط لذلك ويغضب لهذا، إ  ضافة إلى النصوص والأخبار الدينية الكثيرة التي كانت وما زالت تدعو المؤمن إلى البقاء إلى جنب الله تعالى في فرحه وفي غضبه وفي كل حركة وسكنة تصدر منه.

روي عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه قال:

أوحَـى اللّه ُ تـعالى إلى شُعَيبٍ النبيِّ: إنّي مُعَذِّبٌ مِن قومِكَ مائَةَ ألفٍ: أربعينَ ألفًا مِن شِرارِهِم وسِتّينَ ألفًا مِن خِيارِهم.

فقالَ: يا ربِّ، هؤلاءِ الأشرارُ، فما بالُ الأخيارِ؟! فَأوحَى اللهُ عزّ وجلّ إلَيهِ: داهَنوا أهلَ المعاصِي فلَم يَغضَبُوا لِغَضَبِي. (ميزان الحكمة، محمد الريشهري ج٤ ص٣٠٩٠)

أي رأوا المعاصي والحرمات تنتهك والذنوب ترتكب فلم يعترضوا ولم يهتموا ولم ينكروا ذلك حتى بقلوبهم، وكانوا يمرّون على المعاصي مرور الكرام، فلم يغضبوا لغضب الله ولم يسخطوا لسخطه، وهذا يجعلهم كالمشاركين في أعمالهم السيئة.

قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيّها الناس انّما يجمع الناس الرضى والسخط وإنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد منهم فعمهم اللَّه بالعذاب لما عموه بالرضا. (كتاب  نهج البلاغة، الخطبة 201)

وأيضاً عنه عليه السلام: الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم وعلى كل راض بالإثم ذنبان؛ ذنب الرضى به وذنب العمل به. (المصدر السابق)

وورد في زيارة الأربعين لجابر بن عبداللَّه الانصاري أنّه انكب على‌ قبر الحسين عليه السلام قائلاً: أشهد أنّك أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف و‌نهيت عن المنكر وجاهدت في اللَّه حق جهاده حتى أتاك اليقين، والذي بعث محمداً بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.

فلما سمعه صاحبه عطية تعجب من قوله قائلا: كيف ذاك ولم نهبط وادياً وقد قاتل القوم دون الحسين عليه السلام فطاحت رؤوسهم وترملت نساؤهم ويتمت أولادهم فقال جابر: سمعت حبيبي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: من أحبّ قوماً حشر معهم ومن أحبً عمل قوم اشرك في عملهم، أمّا والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله بالنبوة لنيتنا نية الحسين عليه السلام وأصحابه. (بحار الانوار 65/ 131).

إضافة إلى أن القرآن من جانبه خاطب يهود المدينة على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله تكراراً، ووبخهم على الأعمال التي أتى بها أصحابهم، على عهد نبي اللَّه موسى عليه السلام؛ بينما كانت هنالك عدّة قرون بين القومين، فجعلهم القرآن كأولئك لانتهاجهم مسيرتهم ورضاهم بأعمالهم، ومن ذلك قوله‌: {قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}. (سورة آل عمران/ 183)

وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام في ذيل هذه الآية أن اللَّه اعتبر هؤلاء- ممن عاصر النبي صلى الله عليه وآله من اليهود- قتلة الأنبياء السابقين رغم عدم ارتكابهم لجريمة القتل ولكن حيث كانوا على‌ عقيدة أولئك القتلة وراضين بفعلهم فقد عدهم قتلة. (بحار الانوار 97/ 94)

  1. من طبيعة المؤمن أنه خيّر ويريد الخير للغير وهذا سلوكه وفطرته فهو يريد الإصلاح، والصلاح لنفسه ولغيره، وهذه رسالته في الأرض، حيث كلّفه الله تعالى أن يكون خليفة الله في أرضه والخليفة كما هو معلوم مؤتمن وأمين، وارتكاب المعاصي والذنوب منه ممنوع ومن غيره مرفوض لأن فيها نقصاناً وخسارة للذات وحرماناً، لذا المؤمن يتألم وينزعج لحالهم، وقد بكى الإمام الحسين عليه السلام عليهم في كربلاء وعندما سئل لما البكاء قال: سيدخلون النار بسببي، فالمؤمن لا يمكن أن يبقى صامتاً ويقف وقفة اللامبالاة مع هؤلاء العصاة والمرتكبين للذنوب والمعاصي.
  2. إن قبح المعاصي والذنوب وقذارة الآثام يدركها كل أحد فلا تحتاج لدليل لإثبات ذلك؛ لأن الإنسان بطبعه ينفر من الغلط ويمج النشاز، والمعصية شيء قبيح ومن الطبيعي أن ينفر ويشمئز منها، فكل ذي ذوق سليم لا يحب القذارة ولا الروائح الكريهة.

فحينما نرى أشخاصًا يرمون الأوساخ في الشارع، أو يرمون أوراق المحارم من السيارات وحتى فضلاتهم، فإننا نرفض هذه التصرفات لأنها خلاف الذوق السليم، وهذا الشعور يجب أن يكون سائدًا في المجتمع تجاه الذنوب والمعاصي.

  1. قد ذكرنا أن السكوت عن الظلم والوقوف في صف اللامبالاة حركة مَرَضية، تدل على نفسية مريضة غير سليمة فعلينا علاجها، وقلنا أن هذا الموقف لا يحسب سكوتاً عن الظلم والمعصية، بل يكون كالمشارك فيها تماماً، وأضيف أن هذا السكوت وعدم الإنكار تجاه المعاصي والذنوب، لا يخفى أنه سيفسح المجال لمرتكبيها بالتعنت أكثر وبانتشارها أكثر وأكبر، ولعل من أهم نكات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو: أن السلوك السيئ إن لم يُستنكر ويُواجه باليد أولاً وباللسان ثانياً وبالقلب ثالثاً فسوف ينتشر ويسود في المجتمع، وهذا كالنار في الهشيم سيمتد فساد السيئة إلى فساد المجتمع ثم ستصل آثار تلك المعاصي والذنوب إلى المجتمع المؤمن نفسه.

فالعقل يحكم ـ من باب المقدمة التي قد تصل بنا إلى ما لا يحمد عقباه ـ أن على المؤمن أن يكون كارهاً مشمئزاً منزعجًا من حصول تلك الذنوب والمعاصي، وهي المرحلة الأدنى، حيث ينكرها في قلبه، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِه، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ. (الترغيب والترهيب: 3 / 223 / 1)

وفِي حديث عنه عليه السلام: مَنْ شَهِدَ أَمْراً فَكَرِهَهُ كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهُ، وَمَنْ غَابَ عَنْ أَمْرٍ فَرَضِيَهُ كَانَ كَمَنْ شَهِدَهُ. (تحف العقول: ٤٥٦)

وورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: اِنَّما يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضا وَالسُّخْطَ، فَمَنْ رَضِيَ أَمْراً فَقَدْ دَخَلَ فيهِ، وَمَنْ سَخَطَهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهُ. (جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج ١٤ - الصفحة ٤٠٥)

وعن الإمام الصادق عليه السلام: حَسْبُ الْمُؤْمِنِ عِزّاً إِذَا رَأى مُنْكَراً أَنْ يَعْلَمَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ مِنْ قَلْبِهِ إِنْكَارَهُ. (وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ١٦ - الصفحة ١٣٧)

كيفية التعامل مع العصاة

الرحمة هي من الأمور التي تعطي انطباعاً إيجابياً للمخطئ، وتساعده على اجتياز مرحلة القنوط واليأس، لأن اليأس حرام وهو من الشيطان، فالرحمة نافذة أمل لكل الناس جعله الله للعاصين والمذنبين، فالمعصية تمرد على أوامر الله تعالى وهي قبيحة ومبغوضة، إلا أنه يجب أن نميز بين بعض العصاة والبعض الآخر، وليس ذلك من باب الدفاع عن العاصي! لكن أعتبره حالة مرضية وقد أصيب بفايروس الشيطان وهي المعصية، فعلينا التمييز بين من ارتكب المعصية مرة وبين من فعلها مرات، وبين المصر عليها وبين النادم على فعلها، وبين من فعلها معانداً وبين من فعلها عند ضعف إرادته، وبين من فعلها ملتبساً عليه الأمر وبين من فعلها عالماً بها، وبين من يتجاهر بها وبين المتستر بها ويعملها بالخفاء، كما أنّ الظروف الاجتماعية تختلف من عصرٍ لآخر ومن مكانٍ لآخر.

نهايته لا بد من التفريق بين الأول الذي تعمد وبين الثاني الذي ندم، وعليه لا بد من علاجهما وتطبيبهما، لأن هذا الاختلاف في الحالات التي ذكرت يحتم علينا التنوع في كيفية التعامل وأسلوب التعاطي معهم.

الأطباء هم نحن أنا وأنت وباقي أفراد المجتمع المؤمنين المتدين الملتزم، فعلينا احتواءهم واحتضانهم حتى يعودوا إلى حظيرة المؤمنين، ونساعدهم كي يقعلوا عن استعمال هذا المنتج الشيطاني.

لاحظنا عند البعض كيف أن موقفهم من العصاة موقف المعادي والحاقد عليهم، وهذا لا ينسجم مع التعاليم الدينية، أن يتحول موقفنا من بغضنا للمعصية إلى موقف حقد ذاتي على شخص العاصي.

فالمعصية حالة مرضية، والعاصي كالمريض الطالب للمساعدة، قال أمير المؤمنين الإمام علي المرتضى عليه السلام إذ وصف النبي صلى الله عليه وآله في إحدى خطبه قائلا: طبيبٌ دوّار بطبّه، قد أحكم مراهمه، وأحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة إليه، من قلوبٍ عُمْيٍ، وآذان صُمٍ، وألسنة بُكمٍ. متتبعٌ بدوائه مواضع الغفلة، ومواطن الحَيرة! (نهج البلاغة، الخطبة 108 في الملاحم)

وفي هذا السياق أيضاً، قال أمير المؤمنين عليه السلام: وإِنَّمَا يَنْبَغِي لأَهْلِ الْعِصْمَةِ والْمَصْنُوعِ إِلَيْهِمْ فِي السَّلَامَةِ، أَنْ يَرْحَمُوا أَهْلَ الذُّنُوبِ والْمَعْصِيَةِ، ويَكُونَ الشُّكْرُ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ ـ والْحَاجِزَ لَهُمْ عَنْهُمْ. (نهج البلاغة، خطبة 140)

نعم، علينا أن ننظر إلى العصاة نظرة رحمة وشفقة، لا نظرة حقد ولؤم وعدوانية!

في حديث ورد عن أحد أصحاب الإمام موسى الكاظم عليه السلام يسأله: الرَّجُلُ مِن مَواليكُم يَكونُ عارِفاً يَشرَبُ الخَمرَ ويَرتَكِبُ الموبِقَ مِنَ الذَّنبِ، نَتَبَرَّأُ مِنهُ؟

فَقالَ: تَبَرَّؤوا مِن فِعلِهِ ولا تَتَبَرَّؤوا مِنهُ، أحِبّوهُ وأَبغِضوا عَمَلَهُ. (بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٥ - الصفحة ١٤٨)

فعلينا أن نطبق تعاليم الدين الحنيف، بحقه وبحق الآخرين باسم الدين والعنوان الدائم هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نضع في أذهاننا دائماً  استقطابهم والتأثير فيهم، ولا نكنّ لهم عند التعامل معهم إلا الاحترام كما علمنا ديننا، ولنعلم أن لهم حقوقاً علينا ونكمن في أنفسنا أنهم قد يعيشون في وضع نفسي متأزم، فلا يصح أن ننبذهم ونهينهم ونفضحهم، فهذا غير مشروع ويحرّمه الدين. فالدين لا يريد منّا أن نتعامل بجفاء وغلظة مع الشخص المذنب، بل يدعو إلى الرحمة والشفقة به.

الدعاء مستحب على كل حال، بأن ندعوا لهؤلاء العصاة بالهداية والمغفرة، لعل الله يهديهم لسبيل الرشاد، وأما الدعاء عليهم ـ فإن أستجيب دعاؤنا فسيبعدهم عن سبيل الخير ـ، إذاً فلنتبع بذلك سلوك الأنبياء عليهم السلام في القرآن الكريم، قال تعالى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} المائدة/118، وفي قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ}هود/74، مع أن قوم لوط كانوا يعملون الخبائث، وقد وصلت هدايتهم إلى نقطة اليأس، ومع ذلك كان إبراهيم يجادل في رحمتهم والصبر عليهم.

وفي الحديث ذكر الراوي أنَّ رَسُولَ اللهِ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: اضْرِبُوهُ، فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ، وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ، وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللهُ!

 فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ، وَلَكِنْ قُولُوا رَحِمَكَ اللهُ. (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، بَابُ حَدِّ الْخَمْرِ)

وفي دعاء الإمام زين العابدين: يا إلهَ الْحَقِّ: ارْحَمْ دُعاءَ الْمُسْتَصْرِخِينَ، وَاعْفُ عَنْ جَرائِمِ الْغافِلِينَ، وَزِدْ فِي إحْسَانِ الْمُنِيبِينَ يَوْمَ الْوُفُودِ عَلَيْكَ يا كَرِيم. (الصحيفة السجادية (ابطحي) - الإمام زين العابدين (ع) - الصفحة ٣٩٤)

الدين أراد أن يوجه المؤمن توجيهاً دينياً، ليملأ قلبه بالرحمة والحب والعطف والشفقة حتى على العاصين، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(آل عمران159)، وهي تشمل كل الناس المؤمن والعاصي.

فالمصلح يتمنى صلاح المذنب، ويسعى في إنقاذه وتوبته، وهذا مما لا يتناسب مع الحقد عليه والنظرة العدوانية له.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1067
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 01 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18