• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : زيارات المعصومين (ع) علم وعقيدة .

زيارات المعصومين (ع) علم وعقيدة

بسم الله الرحمن الرحيم

زيارات المعصومين (ع) علم وعقيدة

الشيخ إبراهيم نايف السباعي

نلاحظ أساليب الأنبياء في تبليغهم لرسالة الله تعالى لأممهم، كيف اختلفت من نبي لآخر، وذلك حسب الزمان والمكان، فقوم نبي نوح مثلاً اختلفوا من حيث الزمان والمكان والبيئة والمحيط عن قوم نبي إبراهيم(ع)، وهكذا باقي الأنبياء(ع) حسب الأزمان والشعوب، واقتضى هذا الاختلاف واستدعى التعددَ في خطاب الأنبياء لشعوبهم، والاختلاف في أسلوبهم والتنوع في الدور، وحتى المعجزات كانت تتغير من أمة إلى أخرى، فلا يمكن أن تسلك الرسالة وتؤدى نتائجها بخطاب وأسلوب ثابت.

الزمن يتقدم وتتطور معه البشرية، تربوياً واجتماعياً وسياسياً وعلمياً وتكنولوجيا ودينياً، فكلما تقدم الزمن تقدم معه الفكر وتطور معه المجتمع، وعليه لا بد من التعدد في أدوار المعصومين في التبليغ والاختلاف في الأساليب وإن كان الهدف واحداً، ونأخذ مثالاً على ذلك: من زمن الأئمة عليهم السلام حيث اختلفت أدوارهم وتنوعت أساليبهم من إمام إلى إمام، فالإمام الحسن عليه السلام هادن الطاغية الذي كان في زمانه لأهداف ظهرت نتائجها بعد حين، وأما الإمام الحسين عليه السلام فقد قام بنهضة كانت نتيجتها استشهاده ومن معه أجمعين، وكذا ظهرت نتائجها بعد حين، وهذا يسري على باقي الأئمة عليهم السلام.

أما الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام فقد اتبع أسلوباً جديداً يختلف فيه عن باقي الأئمة عليهم السلام، وهذا الإمام الباقر عليه السلام اختلف بدوره وأسلوبه عن دور وأسلوب الإمام زين العباد عليه السلام، وأما الإمام الصادق عليه السلام فقد أسس جامعة عظيمة، جمعت كل أطياف المجتمع آنذاك من مسلمين وكفار وملحدين ودهريين ومخالفين ومبغضين، لكنها غذت الأمة الإسلامية في زمانه وما بعده بعلوم ما كشف عنها إلا الإمام الصادق عليه السلام، وما زلنا ننهل من معينها الذي لا ينضب.

إذن: عندما يختلف الزمان يتوجب التنوع في الخطاب والاختلاف في الأسلوب التبليغي، لأن الناس في زمن ما تختلف بالأفكار والعلوم عنهم في زمن آخر، وللتأكد من هذا المعنى فلنراجع كتب علمائنا الذين كتبوا ونقلوا لنا احتجاجات الأئمة عليهم السلام ومناقشاتهم لمن حاورهم وجادلهم وناقشهم في كافة المجالات العلمية والعقائدية، ككتاب الاحتجاج للطبرسي وكتاب مواقف الشيعة للشيخ علي الأحمدي وكتب أخرى، تعرضت إلى هذه المناقشات مع المعصومين عليهم السلام، لكن تبقى الحصة الأكبر من مناقشاتهم للجانب العلمي والعقائدي.

مناسبات كثيرة تمر علينا في كل يوم أو كل شهر أو كل سنة، فلا يصح أو ينبغي منا أن نمر عليها مرور الكرام، كعاشوراء مثلاً حدثت فيها النهضة الحسينية العظيمة للإمام الحسين عليه السلام، فلا ينبغي منا أن نجعلها للبكاء والنوح ولبس السواد فقط، بل علينا أيضاً أن نأخذ منها الدروس والعبر والمواعظ المهمة التي نستفيد منها في حياتنا، وهذا يسري على باقي مناسبات الأئمة عليهم السلام، فلا بُدّ إذن أن نستلهم من المناسبات الدروسَ والعِبَر، في عموم القضايا التربويّة والأخلاقيّة والعقائديّة، والتي ربّى بها الأئمة عليهم السلام المسلمين وأتباعَهم.

ونحن بدورنا نريد استعراض، ما يمكن أن يدعم بحثنا هذا؛ كي تكون الفائدة عامة شاملة، والخطاب جامعاً لكل الناس وما نريد بحثه والحديث عنه هو جوانب عديدة:

الأول: الجانب الإصلاحي للنفوس وتهذيبها وتربيتها، وهذا المهذب للفرد والمؤدب للنفس، كما ورد عن الأزدي، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال لفضيل: تجلسون وتحدثون (تتحدثون)؟ قال: نعم جعلت فداك قال: إن تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا يا فضيل! فرحم الله من أحيى أمرنا.. (بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٢٨٢)، وورد عن الإمام الرضا عليه السلام ـ كيف يوجه الناس إلى كيفية التبليغ ـ: رحم اللهُ من أحيى أمرَنا فقال أحد أصحابه: وكيف نُحيي أمركم؟ قال عليه السلام: تتعلّمون أحاديثَنا وتعلّمونها الناسَ، فإنّهم لو عَلِموا محاسنَ كلامِنا لاتّبعونا. (بحار الأنوار العلامة المجلسي ج ٢ - الصفحة ٣٠)

من هنا نعتقد أن الأئمة عليهم السلام، أو المعصومين بشكل عام من أنبياء وأوصياء ورسل، لم يقتصر عملهم على تعليم الناس الأحكام الشرعية من صلاة وغيرها، بل كان يتعدى ذلك، وكانوا حريصين كل الحرص، على تعليم الناس وتقويتهم عقائدياً، وتربيتهم وتهذيب نفوسهم كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}. (الجمعة/2)

لهذا نرى حرص الأئمّة عليهم السلام على تربية أتباعهم على التحصين العلميّ والعقائديّ، وذلك بأخذ هذه العلوم والمعارف من أهل العلم الذين يُطمأنّ الى مقامِهم الدينيّ والعلميّ، ويُطمأنّ الى تقواهم وورعِهم وأخلاقِهم وزهدِهم في الدنيا، من هؤلاء تؤخذ هذه العلومُ والمعارف مع الاهتمام أيضاً بإصلاح النفوس.

وهذا كان يختلف من زمن لآخر حسب الهجمة العقائدية أو حدوث اختلال ما في عقيدة الناس في ذاك الزمن، بالأخص بعد اتساع رقعة الإسلام، ودخول قوميات متعددة إلى عالمنا الإسلامي، وبعد انتشار الإسلام الواسع إلى العالم الجديد في أفريقيا وأسيا وأوروبا، فالاختلاط الذي حصل في المجتمع الإسلامي الصغير أولد إرباكاً في أفكار الناس وعقائدها، ولإبعاد الأئمة عليهم السلام عن الحكم والخلافة، ووضعهم تحت الحراسة المشددة من قبل السلطات الظالمة آنذاك.

وهذا الفراغ العقائدي لدى الناس كان دافعاً مهماً للأئمة(ع) لعدم التصدي للحكم والحكومة، بل للإنطلاق ببرنامج ثقافي اصلاحي لتعليم الناس أمور دينهم، وإفهامهم العلوم الإسلامية كاملة، وتبيان أهمية الولاية ومعاني الإسلام الحقيقية، وبمعنى آخر تعريف الناس على دين النبي محمد(ص) الأصيل، فكان كل واحد منهم يتصدى بحسب ما كان يفرض عليه زمنه وظرفه الذي كان يعيش، وما كثرة الأحاديث وتنوعها، إلا لملأ الفراغ الذي كان يعانيه مجتمع تلك المرحلة، والحاجة التي تقتضيها.

وفي هذا المساق سنأخذ بعضاً ممّا ورد عن الإمام الهادي عليه السلام، ونأخذ حديثاً واحداً يُعدّ من الأساليب التي ينبغي اعتمادُها في تشخيص العيوب، والخلل في شخصيّة الإنسان، ففي كثيرٍ من الأحيان الإنسان، وإنْ كان على بصيرةٍ من نفسه ومما يأخذ من قرارات، ولكن في كثيرٍ من الأحيان بسبب بعض الظروف والأحوال، يغفل ولا يشخّص الخللَ والعيوبَ في شخصيّته، لكن أخاك المؤمن يرى بعض هذه العيوب والنواقص والخلل في شخصيّتك، فيُهدي إليك ببيان لطيف هذه العيوب من أجل إصلاحها، وانطلاقاً من قول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: صديقك من صدقك لا من صدّقك. (نهج البلاغة)

وما عليك إلّا أن تقبل هذه النصيحة أو الانتقاد البنّاء، بالأخص إذا كان نابعاً من نيّةٍ صادقة، وكان أخوك دقيقاً في تشخيص هذه العيوب، وكثير منّا لا يقبل بهذه النصيحة أو ذاك الانتقاد بل ويرفض التسليمَ له، ويعتبره انتقاصاً من شخصيّته وإظهاراً لعيوبه، لذلك الأئمّة عليهم السلام في كثيرٍ من الأحاديث نبّهونا الى أهمّية اتّباع هذا الأسلوب، لذلك ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال: توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه. (بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٥ - الصفحة ٣٥٨)

وورد عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، أنه قال: أحب إخواني إلي من أهدي إليَّ عيوبي. (الكافي - الشيخ الكليني - ج ٢ - الصفحة ٦٣٩)

لكن ينبغي من الأخ الناصح أن يلتزم بضوابط النصح والنصيحة، كما ورد عن الإمام العسكري عليه السلام: من وعظ أخاه سراً فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه. (تحف العقول: ٤٨٩)

الأمر الثاني: هي الأساليب العقائديّة التي اتّبعها الأئمّة عليهم السلام في تقوية الارتباط بالأئمّة عليهم السلام، وكانت تختلف بحسب الظروف التي تحيط بالأئمّة وأتباعهم، ومن جملة هذه الأساليب هي الحثّ على زيارتهم وتكرارها، فلا يكاد يمر أسبوع أو شهر إلا وهناك زيارة لإمام من أئمتنا عليهم السلام.

في حديث عن حَنان بن سَدير، عن أبيه ـ في حديث طويل ـ قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: يا سَدِيرُ وما عليك أن تزور قبر الحسين عليه السلام في كلِّ جُمُعة خمسَ مرَّات؛ وفي كلِّ يوم مَرَّةً؟ قلت: جُعِلتُ فِداك إنَّ بيننا وبينه فراسخ كثيرة، فقال: تصعد فوق سطحك، ثمّ تلتفتُ يُمنةً ويُسرة، ثمّ ترفع رأسك إلى السّماء، ثمَّ تتحوَّل نحو قبر الحسين، ثمَّ تقول: السَّلامُ عَلَيكَ يا أبا عَبْدِالله، السَّلامُ عَلَيكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، يكتب لك زَورة، والزَّورة حَجّة وعُمرة، قال سَدِيرُ: فربما فعلته في النّهار أكثر مِن عشرين مَرّة. (كتاب كامل الزيارات)

ورد عن يونس بن أبي وهب القصري قال: دخلت المدينة فأتيت أبا عبد الله عليه السلام فقلت: جعلت فداك أتيتك ولم أزر أمير المؤمنين عليه السلام؟ قال: بئس ما صنعت لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون؟ قلت: جعلت فداك؟ ما علمت ذلك، قال: اعلم أن أمير المؤمنين عليه السلام أفضل عند الله من الأئمة وله ثواب أعمالهم وعلى قدر أعمالهم فضلوا. (الكافي - الشيخ الكليني - ج ٤ - الصفحة ٥٨٠)

وما معنى كثرة المواسم التي ورد فيها الحثّ الشديد على الزيارات؟ هل كان لمجرّد التواصل مع الأئمّة عليهم السلام والتعبير عن حبّهم؟ بالطبع، لا.

فهل يكفي أن أقرأ علومهم؟ فأتعرف على مقامهم، وأطلع على شخصيّتهم فأعرف فضلهم من مجالس العزاء أو المحاضرات والندوات، بالطبع لا يكفي، بل لابُدّ من التواصل معهم المستمرّ طوال أيّام السنة، في زيارتهم وإحياء أمرهم وذكرهم والتعرّف العقائديّ على مقامهم وفضلهم ومنزلتهم عند الله تعالى.

ورد عن بشير الدهان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ربما فاتني الحج فاعرف عند قبر الحسين عليه السلام؟ فقال: أحسنت يا بشير أيما مؤمن أتى قبر الحسين عليه السلام عارفا بحقه في غير يوم عيد كتب الله له عشرين حجة وعشرين عمرة مبرورات مقبولات وعشرين حجة وعمرة مع نبي مرسل أو إمام عدل ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مائة حجة ومائة عمرة ومائة غزوة مع نبي مرسل أو إمام عدل، قال: قلت له: كيف لي بمثل الموقف؟ قال: فنظر إلي شبه المغضب ثم قال لي: يا بشير إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة واغتسل من الفرات ثم توجه إليه كتب الله له بكل خطوة حجة بمناسكها - ولا أعلمه إلا قال: وغزوة -. (بحار الأنوار العلامة المجلسي ج ٩٨ الصفحة ٨٥)

الزيارة الجامعة العظيمة:

"السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَمَوْضِعَ الرِّسَالَةِ وَمُخْتَلَفَ الْمَلَائِكَةِ وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ وَمَعْدِنَ الرَّحْمَةِ وَخُزَّانَ الْعِلْمِ وَمُنْتَهَى الْحِلْمِ وَأُصُولَ الْكَرَمِ وَقَادَةَ الْأُمَمِ وَأَوْلِيَاءَ النِّعَمِ وَعَنَاصِرَ الْأَبْرَارِ وَدَعَائِمَ الْأَخْيَارِ وَسَاسَةَ الْعِبَادِ وَأَرْكَانَ الْبِلَادِ وَأَبْوَابَ الْإِيمَانِ وَأُمَنَاءَ الرَّحْمَنِ وَسُلَالَةَ النَّبِيِّينَ وَصَفْوَةَ الْمُرْسَلِينَ وَعِتْرَةَ خِيَرَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ...."

من يطالع الزيارة المذكورة ويدمن قراءتها تعطيه دروساً عقائدية عميقة الدلالة وواسعة المعاني، ولو تعمقنا في مضامينها أكثر لوجدنا محتواها كافياً وافياً في بلوغ الذروة في العلم.

إن زيارات الأئمة عليهم السلام في منتهى الأهمية؛ لأسباب كثيرة منها: أنها تعرفنا على الأئمة، وتدلنا على منزلتهم عند الله، فهذه الزيارة المشهورة والمعروفة، المرويّة عن الإمام علي الهادي عليه السلام "الزيارة الجامعة الكبيرة"، من قرأها بلغ مقصده من مضامينها، وكذلك هي زيارة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير، من الملاحظ أن كل زيارة لإمام تعطيك ملخصاً عن صاحبها، وتضيء على جانب أراد تسليط الضوء عليه، ففي الإمام الحسين عليه السلام مثلاً، هناك تركيز على مظلوميّته ومظلوميّة الأئمّة عليهم السلام وعلى قتلهم وانتهاك حرمتهم، لأنّهم أدّوا المهامّ الدينيّة فأدّى الى ذلك، وهناك مساحةٌ واسعة من الزيارة للتأكيد وترسيخ مظلوميّة أهل البيت عليهم السلام، وأنهم كانوا وما زالوا شهداء العقيدة، حيث قتلوا وذبحوا كما الأنبياء.

عود على بدء

ففي الزيارة الجامعة الكبيرة تركيزٌ كبير وشديد على الجانب العقائديّ، ببيان لطيف يظهر فيه مقام أهل البيت عليهم السلام ومنزلتهم، وما هو دورهم الريادي المهم في الحياة الإسلاميّة.

لماذا؟ كأنّه في زمن الإمام الجواد وزمن الامام الهادي ـ وإلا فكيف نفسر اعتقال الإمام في المدينة والإتيان به إلى سر من رأي؟ ووضعه تحت الإقامة الجبرية، أليس ذلك إلا لعزله عن شيعته؟ والقاعدة الشعبية التي تحبهم وتواليهم ـ وزمن الإمام العسكريّ عليهم السلام، ازداد التضييق والتنكيل بأتباع أهل البيت، وبالأئمّة عليهم السلام ازداد أكثر، يُراد منه إضعاف هذا الارتباط والولاء العقائديّ لأئمّة أهل البيت مع شيعتهم.

وهذا ممّا ينبغي، بل ربّما يجب على المؤمنين أن يتعرّفوا على دقائقه، لذلك حينما نقرأ مقاطع من هذه، الزيارة الجامعة الكبيرة وزيارة أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير، نجد الجانب العقائديّ أخذ حيزاً مهماً، لذلك المطلوب التأمل في معانيها والتدقيق في عباراتها، في مقابل محاولات مستمرّة لا تنتهي للحكّام والطواغيت لإضعاف هذا الارتباط العَقَدي والأئمّة عليهم السلام، يقابلون هذه المحاولات من الإضعاف بمحاولات التقوية وإدامة الارتباط العقائديّ لأهل البيت عليهم السلام، من خلال التعرّف -هذا العلم الذي أراده الأئمّة عليهم السلام- على تفاصيل مقام أهل البيت عليهم السلام، ولماذا دون غيرهم اصطفاهم الله تعالى للقيادة ولموقع الإمامة؟

إن الفرد أو المجتمع يستطيع أن يبني قدرةً ذاتيّة، على مواجهة حملات التنكيل والمحاربة ومواجهة الأزمات والمصائب والابتلاءات التي يمرّ بها، لذلك ورد في بداية الزيارة الجامعة الكبيرة القول:

السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، ومعدن الرّحمة، وخزّان العلم، ومُنتهى الحِلم، وأصول الكرم، وقادة الأُمم، وأولياء النِّعَم... يبيّن الإمام عليه السلام بالتفصيل أمرين:

أوّلاً: أنّ الأئمّة عليهم السلام قد وصلوا وبلغوا القمّة في صفات الكمال الإنسانيّ.

ثانياً: أنّ كلّ واحدٍ منهم مجمعٌ لصفات الكمال الإنسانيّ، حينما نقول الإمام علي الهادي عليه السلام لا يعني أنّه لا يتّصف بالجود والكرم والصدق وغير ذلك من الصفات الأخرى للأئمّة عليهم السلام، ولكن تظهر هذه الصفات أحياناً لدى بعض الأئمّة بحسب الأوضاع والظروف والأحوال، هم بلغوا القمّة أوّلاً ثمّ إنّهم مجمعٌ لكلّ صفات الكمال الإنسانيّ، الإمام عليه السلام يبيّن هاتين النقطتَيْن الأساسيّتَيْن.

فالإمام عليه السلام يبيّن الاصطفاء الإلهيّ لهم، والذي أوجب محبّتهم واتّباعهم والتمسّك بمنهجهم، ثمّ يبيّن أيضاً ما هو السلوك العمليّ المطلوب من أتباع أهل البيت، لا بأس أن نقف على بعض فقراتها:

بأبي أنتم وأمّي وأهلي ومالي؛ أيْ كلّي أنا وأهلي ومالي وأسرتي وكلّ ما فيّ لأنّكم تستحقّون هذا المقام الإلهي الذي جُعل لكم، تستحقّون مثل هذه التضحية ومثل هذا الموقف.

أُشهد الله وأُشهدكم أنّي مؤمنٌ بكم وبما آمنتم به، كافرٌ بعدوّكم وبما كفرتم به، مستبصرٌ بشأنكم وبضلالة مَنْ خالفكم، موالٍ لكم ولأوليائكم... وهكذا الى أن يقول عليه السلام:

مطيعٌ لكم عارفٌ بحقّكم مقرٌّ بفضلكم محتملٌ لعِلْمكم... لا يكفي المحبّة المجرّدة والارتباط العاطفيّ، بل الاتّباع لجميع ما جاء بها الأئمّة عليهم السلام وعدم اتّباع غيرهم، لأنّهم هم وحدهم الذين اصطفاهم الله تعالى لكي يحفظوا تمام الرسالة المحمّدية الأصيلة.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1072
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 01 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29