• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : هيئة علماء بيروت .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : عن الصدق والصادقين .

عن الصدق والصادقين

عن الصدق والصادقين

 قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏

أمرت الآية المؤمنين بتقوى الله والكون مع الصادقين، فما هو المراد بالصدق وما هو المراد بالصادقين.

1- المعنى اللغوي والعرفي لهما

أ: قال الراغب في مفرداته: «الصدق والكذب أصلهما في القول فلا يكونان بالقصد الأوّل إلّا فيه»- أي في القول- فالصادق هو من يكون صادق القول، وهذا هو الأصل في استخدام لفظة الصادق أيضاً، وهو المعنى العرفي.

«وقد يستعمل الصدق والكذب- توسعة- في أفعال الجوارح فيقال صدق في القتال إذا أدّى حقّه وفعل ما يجب وكما يجب وكذب في القتال إذا كان بخلاف ذلك»[1] وهكذا.

ب: الصدق والكذب الخبري والمخبري: ونعني بالصدق والكذب الخبري، مطابقة الخبر للخارج في الصدق وعدم مطابقته له في الكذب، كما نعني بهما مطابقة الخبر لاعتقاد المخبر في الصدق وعدم مطابقته له في الكذب.

ومثال ذلك قوله تعالى: إذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ‏ المنافقون: 1

فقول المنافقين في نفسه صدق، فهو خبر صادق ونطلق عليه صدق خبري، وأمّا قولهم بالنسبة لاعتقادهم فهو كذب، ونطلق عليه كذب مخبري، وعلى هذا فقس.

ومن هنا قال الراغب في مفرداته: «والصدق مطابقة القول الضمير والمخبر عنه معاً، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقاً تامّاً بل إمّا أن لا يوصف بالصدق وإمّا أن يوصف تارةً بالصدق وتارةً بالكذب على نظرين مختلفين»[2].

وقد بيّن العلّامة الطباطبائي قدّس سرّه هذا المعنى بصورة واضحة في قوله: «والكذب خلاف الصدق وهو عدم مطابقة الخبر للخارج فهو وصف الخبر كالصدق، وربما اعتبرت مطابقة الخبر ولا مطابقته بالنسبة إلى اعتقاد المخبر ... فيقال فلان كاذب إذا لم يطابق خبره الخارج وفلان كاذب إذا أخبر بما يخالف اعتقاده، ويسمّى النوع الأوّل صدقاً وكذباً خبريين والثاني صدقاً وكذباً مخبريين»[3]

2- المعنى القرآني للصدق والصادقين‏

بالرجوع إلى القرآن الكريم  فهو يحدّد معنى آخر لهما، فمن الآيات الكريمة التي تعرّض فيها القرآن الكريم إلى بيان المراد من الصدق والصادقين:

قوله تعالى: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بأمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ‏). الحجرات: 15

وقوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ‏). البقرة: 177

تحدّثت الآية الأولى عن صفات المؤمنين ثمّ وصفتهم بأنّهم‏ أُولئك هم الصادقون، وتحدّثت الآية الثانية عن صفات الأبرار ثمّ قالت: أُولئك الذين صدقوا

 يتبيّن لنا أنّ صفات الصادقين وبعد الفراغ من صدقهم في القول هي:

أ- على مستوى الاعتقاد: هم أصحاب الاعتقاد الكامل الحقّ الذين لم يشكّوا ولم يرتابوا فيما آمنوا واعتقدوا به، وذلك قوله تعالى: وَلَكِنَّ الْبرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ‏) البقرة: 177  وقوله تعالى: إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا). الحجرات: 15

ب- على مستوى الأعمال: هم من كانت أعمالهم كاملة لا نقص فيها وتابعة لما يعتقدون به

وذلك في قوله تعالى: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ البقرة: 177

وقوله تعالى‏: وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ‏ الحجرات: 15، ذكر لبعض ما يقوم به هؤلاء الصادقون.

ج- على مستوى الأخلاق: هم مَن كانت أخلاقهم نابعة من معتقداتهم الكاملة الحقّة، من قبيل ما ذُكر في قوله تعالى: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ‏) البقرة: 177

فالصادق قرآنياً هو من كان صادقاً في قوله؛ فلا يخبر إلّا عن الواقع، وصادقاً في اعتقاده، أي يعتقد بما هو الحقّ ويعمل به، وصادقاً في أعماله؛ إذ تتطابق مع اعتقاداته‏ الحقّة، وصادقاً في أخلاقه؛ إذ تنبع عن تلك الاعتقادات الحقّة.

وبتعبير آخر هو من صدّق قوله فعله وصدّق فعله قوله وصدّق اعتقاده فعله في كلّ الأحوال وعلى حدّ سواء. وهكذا يكون ظاهره وباطنه واحداً.

 

 

 

 

[1] ( 1) مفردات الراغب، مادّة صدق، ص 284 ..

2مفردات الراغب، مادّة صدق، ص 284.

[3] 3 الميزان للطباطبائي: ج 19، ص 279

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=1098
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 05 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28