إياكم والتسويف
التسويف تأجيل أو تأخير ما يجب فعله من دون حاجة أو مبرر
سوَّفَ يسوِّف ، تسويفًا ، فهو مُسوِّف ، والمفعول مُسوَّف
وآفة التسويف من أخطر الآفات ذلك أن التسويف آفة النجاح في الدنيا وعدم الفلاح في الآخرة . وكثيرة هي النصوص التي تنهى عن التسويف، فقد حذر رسولُ اللَّهِ من مغبة التسويف إذ يقول: «يا أبا ذَرٍّ، إيّاكَ والتَّسويفَ بِأمَلِكَ، فإنَّكَ بِيَومِكَ ولَستَ بما بَعدَهُ، فإن يَكُن غَدٌ لكَ فَكُن في الغَدِ كما كُنتَ في اليَومِ، وان لم يَكُن غَدٌ لكَ لَم تَندَمْ على ما فَرَّطتَ في اليَومِ»
وروي عن الإمامُ عليٌّ - فيما كَتَبَهُ إلى بعضِ أصحابِهِ -: «فَتَدارَكْ ما بَقِيَ مِن عُمُرِكَ، ولا تَقُلْ: غَداً وبَعدَ غَدٍ، فإنّما هَلَكَ مَن كانَ قَبلَكَ بِإقامَتِهِم على الأمانِيِّ والتَّسوِيفِ، حتّى أتاهُم أمرُ اللَّهِ بَغتةً وهُم غافِلونَ»
وعنه أيضاً قال: «لا تَكُن مِمَّن يَرجُو الآخِرَةَ بغَيرِ العَمَلِ، ويُرَجِّي التَّوبَةَ بِطُولِ الأمَلِ، إن عَرَضَت لَهُ شَهوَةٌ أسلَفَ المَعصِيَةَ وسَوَّفَ التَّوبَةَ»
وفي مناجاة الإمام زين العابدينَ: «وأعِنّي بِالبُكاءِ عَلى نَفسي، فقد أفنَيتُ بِالتَّسويفِ والآمالِ عُمرِي، وقَد نَزَلتُ مَنزِلَةَ الآيِسِينَ مِن خَيرِي»
وقال الإمامُ الباقرُ: «إيّاكَ والتَّسويفَ؛ فإنّهُ بَحرٌ يَغرَقُ فيهِ الهَلْكى»
ثم ان الذي كان يسِّوف في الماضي، يكون مضارعه أخطر من ماضيه إذ بمرور الزمن تضعف عزيمة الإنسان وهمته كما ثبت بالتجربة.
يقول: إن شاء الله في المستقبل سأفعل، فاعلم انه يحتمل بدرجة كبيرة ان يكون كاذباً من حيث يدري او لا يدري.
وفي واقعنا الاجتماعي بعض الناس يسوفون في أداء أعمالهم في كل شيء سواء الامور الدنيوية منها أم الأخروية.
ولكن هناك صنف من الناس يؤدون أعمالهم الدنيوية بسرعة، وينجزون ما عليهم دون أي تأخير؛ أما الواجبات والتكاليف الدينية فتراهم لا يهتمون بأدائها في أوقاتها، ويسوفون إنجازها حتى تذهب أوقاتها، أو يأتيهم الموت بغتة قبل القيام بها.
أدخِل (سوف) على المعاصي لا الطاعات
فان كثيراً من الناس في الطاعات يُسِّوف، وهذه الـ(غدا) تصبح بعد غد وهكذا.. وقد لا يوفق أبدا أما المعصية فيبادر لها ، فهذه الـ(سين) أو ( سوف ) يجب ان يدخلها الانسان على المعصية، فهكذا ينبغي ان يماطل نفسه عن المعاصي، لا ان يماطلها في الطاعات.
مجالات التسويف:
التسويف في أداء الواجبات الدينية:
كتسويف بعض الناس عن القيام بأداء فريضة الحج - مع توافر شروطه - سنة بعد أخرى تحت دواع وأعذار مختلفة، والتسويف في قضاء الصلوات الفائتة والصوم وتأخير المرأة ارتداء الحجاب .
وكالتسويف في أداء الحقوق الشرعية، والتسويف في أداء الدين، والتسويف في كتابة الوصية،... وغيرها من الواجبات والتكاليف الشرعية
ايضا لا بد من المبادرة إلى ترك الصفات السيئة، والعمل الخطأ، دون مماطلة أو تسويف ، وهو ما تطلق عليه النصوص الدينية وجوب المبادرة إلى التوبة
يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ النساء17
ورد عن رسول الله (ص): (إياك والتسويف بِالتَّوْبَةِ)
وورد عن الإمام علي (ع): (إِنْ قَارَفْتَ سَيِّئَةً فَعَجِّلْ مَحوَها بِالتَّوبَةِ)
فعلى المؤمن أن يبادر إلى إنجاز وأداء جميع الواجبات والتكاليف الشرعية في أوقاتها المحددة من قبل الشارع المقدس من دون أي تسويف أو تأخير حتى ينال رضا الله تعالى ومغفرته ورضوانه.
التسويف في فعل الخيرات وتفويت الفرص:
إنّ النصوص الدينية تنبّهنا إلى ضرورة الاستفادة من الفرص المتاحة، واغتنامها لتحقيق الإنجازات، قبل أن تضيع تلك الفرص
ففي وصية رسول الله لأبي ذرٍّ الغفاري: (يا أَبا ذَرٍّ: اِغتَنِم خَمسًا قَبلَ خَمسٍ: شَبابَكَ قَبلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبلَ سُقمِكَ، وغِناكَ قَبلَ فَقرِكَ، وَفَراغَكَ قَبلَ شُغلِكَ، وَحَياتَكَ قَبلَ مَوتِكَ. يا أَبا ذَرٍّ: إِيّاكَ والتَّسويفَ بِأَمَلِكَ، فإنَّكَ بِيَومِكَ وَلَستَ بِما بَعدَهُ)
وتؤكد التعاليم الدينية على سرعة المبادرة للقيام بعمل الخيّر، حين تنقدح فكرته في نفس الإنسان، وقبل أن تتلاشى أو تنحسر تلك النيّة.
ورد عن النبي (ص): «مَنْ فُتِحَ لَهُ بَابٌ مِنَ الْخَيْرِ فَلْيَنْتَهِزْهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى يُغْلَقُ عَنْهُ»
وعن أمير المؤمنين علي (ع): (التُّؤَدَةُ مَمدوحَةٌ في كُلِّ شَيءٍ إلّا في فُرَصِ الخَيرِ وعنه : «لا تُؤَخِّر إنالَةَ الْمُحتَاجِ الَى غَدٍ، فَانَّكَ لا تَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَكَ وَلَهُ فِي غَدٍ"
وعنه (ع) : (انْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ فَإِنَّهَا تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ)
وعن الإمام جعفر الصادق (ع) : (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِخَيْرٍ أَوْ صِلَةٍ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ شَيْطَانَيْنِ فَلْيُبَادِرْ لَا يَكُفَّانِهِ عَنْ ذَلِكَ
3 – تأجيل وتسويف في الوظائف العرفية والحياتية
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام ): (وَأَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيه)
ووردت الحكمة البليغة القائلة: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد
فكل عمل لا ينبغي تأخيره عن وقته والا انقطع اثره او قلّ او ربما كانت له نتائج عكسية.
من أسباب التسويف:
1 – التربية الاسرية الخاطئة
2 - صحبة الكسالى والمسوفين ولعل هذا هو السر في تأكيد الإسلام على انتقاء الاصحاب .
3 - ضعف الإرادة أو الكسل والتراخي مع النفس.
4- أمن مكر الله: إذ الإنسان مجبول على المبادرة والإسراع بأداء ما يطلب منه عندما يخاف، وعلى التواني والتفريط إذا أمن قال تعالى {أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون}، (يوسف: 107)
5 - طول الأمل مع نسيان الموت والدار الآخرة:
فإنه لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلا
6 - التعويل على عفو الله ومغفرته مع نسيان شدة أخذه وعقابه: فيرى العاصي يقول: رب رحيم وينسى أنه شديد العقاب
7 - الانغماس في المعاصي: ذلك أن كثرة المعاصي تقسي القلب، وتكون من شأن هذه المعاصي الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى الإهمال، والوقوع في التسويف .
8- عدم تقدير العواقب والآثار المترتبة على التسويف
ومن آثار التسويف:
1 - الحسرة والندم في وقت لا تنفع فيه الحسرة والندم: يقول تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} (المؤمنون: 99-100)
2 - الحرمان من الأجر والثواب: وهو كذلك بتعديه على حدود الله، وتفريطه في جنبه سبحانه
3 - تراكم الذنوب، وصعوبة التوبة
4 - تراكم الأعمال، وصعوبة الأداء.وغيرها
علاج التسويف:
1 - أخذ النفس بالحزم، وقوة العزيمة، ولأن تتعب النفس اليوم لتستريح غدا، خير لها من أن تستريح اليوم، وتتعب غدا، يقول سبحانه : (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون أن تقول نفر يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكـافرين} (الزمر: 54-59).
2 - دوام الدعاء والضراعة إلى الله - عز وجل ان يهب الداعي القوة والنشاط وان يدفع عنه الكسل وضعف الهمة فإن الدعاء هو العبادة، وهو سبحانه يقول: {ادعوني أستجب لكم } (غافر: 60)
3- حسن التربية في الاسر على علوّ الهمة والمبادرة حتى لا تفسد الناشئة
4 – عدم صحبة الكسالى، والمسوفين، واستبدالهم بذوي الحزم، والعزم، والقوة، فإن ذلك من شأنه أن يحمل على مجاهدة النفس وأخذها بالحزم، والعزم، والقوة.
5 - الاحتراز من المعاصي والسيئات بألا يقع فيها المسلم أصلا، وإن وقع بادر بالتوبة، بل ويشفع ذلك بمزيد من الطاعات وذكر الله فترق القلوب ، وتنشط النفس.
6 - تذكر الموت والدار الآخرة على الدوام.
7- التذكير الدائب بالعواقب والآثار المترتبة على التسويف، فان هذا التذكير من شأنه أن يشحذ الهمم، والعزائم، وأن يقضي على التسويف
|