• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : مفاهيم .
                    • الموضوع : زاد المبلغ العلم النافع .
                          • رقم العدد : العدد الخامس عشر .

زاد المبلغ العلم النافع

 

 


زاد المبلغ العلم النافع 

فقر الثقافة للمبلغين يمثل خطرا أشد من فقر الدم، وأسوأ عقبى من الفقر المالي
فغزارة الثقافة وسعة الأفق وروعة الحصيلة العلمية خِلالٌ لا بد منها لأي مبلغ موفق، وكيف لا وهو يواجه طبقات شتى واهتمامات متعددة تختلف باختلاف الناس؟ إنه يخاطب الطبيب والمهندس والأستاذ والمعلِّم والعامل والصانع والحائك والتاجر، والمتعلم والجاهل، والمؤدب وسيئ الأدب، والعاقل والأحمق، إنه يحتاج إلى ثقافة تضم هؤلاء جميعا وتؤثر فيهم.
إن المبلغ المسلم في عَصْرِنا هذا يجب أن يكون ذا ثَرْوَةٍ طائلة من الثقافة الإسلامية والإنسانية؛ بمعنى أن يكون عارفًا للكتاب والسُّنَّة النبوية الشريفة وعلوم أهل بيت النبوة والفقه الإسلامي والحضارة الإسلامية. وفي الوقت نفسه يجب أن يكون مُلِمًّا بالتاريخ الإنساني وعلوم الكون والحياة، والثقافات الإنسانية المُعاصرة التي تَتَّصِل بشتَّى المذاهب والفَلْسَفات ... ويحتاج في هذا العصر إلى بصر بأساليب أعداء الإسلام على اختلاف مَنازِعِهم، سواءً كانوا مُلْحِدين يُنْكِرون الألوهية أو كِتابِيِّينَ يُنْكِرون الإسلام.
   ويلزم المبلغ أن يطلب العلم النافع الموروث عن معلم الخير صلى الله عليه وآله وسلم  وأهل بيته ، ليدعو على بصيرة ؛ فإن الله قال في محكم تنزيله : }قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{ (يوسف:108).
لا يستطيع الداعية والمبلغ  ان يجعل من ثقافته خاصة لمزاجه الذاتي في ما يحبه و في ما يرغبه مما ينفع الدعوة او يضرها . و في نفس الوقت  لا بد من خروجه من النطاق الضيق الذي يحدد له قراءاته في الأمور الإسلامية الخاصة من كتاب و سنة و فقه و غيرها .
عليه ان يكون هادفاً في ما يأخذه من أسباب الثقافة فيدرس حاجته منها تبعاً لحاجة الدعوة الى ذلك فقد روي عن النبي محمد صلى الله عليه و اله وسلم في بعض أحاديثه مع أصحابه عندما رآهم مجتمعين حول رجل يحدثهم و يصغون اليه بشغف فقال لهم ما هذا فقالوا علامة فقال لهم النبي صلى الله عليه و اله و سلم و ما العلامة فقالوا انه عالم بأنساب العرب وأيامها و أشعارها فقال لهم النبي صلى الله عليه و اله و سلم ذلك علم لا ينفع من علمه و لا يضر من جهله إنما العلم آية محكمة و فريضة قائمة و سنة متبعة لان ذلك يفوت على الإنسان كثيرا من الجهد الذي ينبغي ان يصرفه في ما يحتاج اليه من معرفة علمية مرتبطة بحركة الدعوة الإسلامية في الحياة فلابد للإنسان من تقديم الافضل فالافضل او الاشد حاجة حسب الافضليات ليستطيع الإنسان ان يصل إلى هدفه في اقل قدر ممكن من الوقت و الجهد معا .
كما لا بد من تجنب الأكاذيب والخرافات ، مما لا تستسيغه العقول أو يثبت بشكل موثوق، لأنه سيرة النبي (ص)وفي سيرة الأئمة من أهل البيت(ع) مما هو حق وصدق، ما يغني المنبر والكتاب والخطاب
للإمام الصادق(ع) كلمة، كان(ع) في مجلس يضم أصحابه، وكان هناك شامي قادم، ليناقش الإمام الصادق في مسألة الإمامة. وعهد الإمام(ع) إلى بعض تلاميذه أن يناقشوه، لأنه كان يريد لتلاميذه أن يتحدثوا ويحاوروا ويجادلوا أمامه لينقدهم بعد ذلك – نقد الإيجاب في ما ينجحون فيه ونقد السلب في ما يخطئون فيه – وانطلق هذا وذاك ليناقشه، وبدأ الإمام(ع) يرصد تجربتهم، قال لبعضهم «إنك أخذته بالحق والباطل» ناقشته بالحق وبالباطل لتتغلب عليه، مستغلاً غفلته عن أن يكتشف الباطل في ما حدثته من الباطل و«قليل الحق يكفي عن كثير الباطل»
وقد ينطلق بعض الناس ليبالغوا بأشياء كثيرة. يُنقل أن بعض الرواة كان يروي أنه من قرأ سورة الفاتحة، فله سبعون ألف غرفة في الجنة، وله سبعون ألف حورية، وله سبعون ألف نهر وهكذا… قيل له إنك تكذب على رسول الله، أو ما سمعت قول رسول الله (ص) «مَنْ كذب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار قال: سمعته لكن كذبت له لا عليه، باعتبار أنه يشجع الناس على قراءة القرآن. بعض الناس يقولون: نحن لا نكذب على أهل البيت ولكن نكذب لحسابهم. أهل البيت(ع) يقولون، كما روي عن الإمام زين العابدين(ع)، «أحبونا حُبَّ الإسلام» الحب الذي ينطلق من الموقع ويتجسد في موقف، والحب الذي يتحول إلى ولاية، والولاية تعني الالتزام، والالتزام يعني الاستقامة.

يقول الإمام الخامنئي دام ظله :
فالحقيقة الخالصة، والإسلام الخالص الذي كان سماحة الإمام الخميني يركّز عليه إلى هذا الحد هو من أجل ان نبلّغ هذا الزاد ــ الذي يغذّي الأفكار والعقول والقلوب ــ إلى الناس خالصاً نقياً لا تشوبه شائبة ولا يمازجه غشّ، وبعيداً عن الزوائد والنواقص التي أحدثتها فيه الأيدي الخائنة الأثيمة أو الغافلة الجاهلة. وهذه هي أكبر أمانة إلهية في أعناقنا: }إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها{. إن أكبر وأنفس وأغلى وأثمن أمانة وضعها الباري تعالى في رقابنا هي المعارف والحقائق الإلهية. وعلينا ان نتناولها خالصة نقيّة وأقرب ما تكون للواقع وإبلاغها إلى المخاطبين. إلا ان ثمة معوقات على هذا السبيل ومن جملتها التساهل.

أهمية معرفة  سيرة  النبي وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم
إن جهل المبلغين  بسيرة النبي (ص) يجعلهم يدعون على غير بصيرة، ويتخلقون بغير خلقه (ص)  فلا بد من الاطلاع على هذه السيرة للاستفادة في كيفية عرض الحق وفي التعامل مع الفئات المختلفة كالمذنبين والجاهلين , وفي السيرة الشريفة للنبي (ص) وأهل بيته الكثير من الأحداث والمواقف التي تبين التعاطي الحكيم لهم صلوات الله عليهم والتي كان نتيجتها اهتداء الخاطئين والجاهلين .

التساهل والجهل آفتان تنجم عنهما الكوارث
ومعنى التساهل هنا هو أن المرء يُلقي كل ما يخطر على ذهنه باسم الدين؛ ومن الطبيعي ان كل من لا يجيد التبليغ يُلقي إلى الناس باسم الدين كل ما يستذوقه وكل ما يراه حسناً. وفي الحقيقة ان هذه آفة تنتهي بتكريس الأخطاء وايجاد الانحرافات الفكرية والعلمية التي تنجم عنها كوارث اجتماعية فادحة.
الآفة الأخرى التي تقف دون أداء هذه المهمة هي التحجر، والفهم الخاطئ، وعدم تشخيص الموضوعات المهمة، وتضخيم الموضوعات الجزئية. ويجب العثور على الصراط الإلهي المستقيم بين هذين السبيلين.

الشهيد الثاني مثال بارز لطلب العلم
إن الشهيد الثاني حصل على درجة كبيرة من العلم، وأصبح من المجتهدين الكبار، وتظهر عظمة هذا الفقيه أنه لم يكتف بهذا القدر بما عند فقهاء الإمامية  فصمّم على مغادرة البلاد متجهاً إلى العواصم التي يتواجد فقهاء  ومعاهد أهل السنة، فكانت دمشق المحطة الأولى، فيقول هو رحمه الله، كما جاء في الدر المنثور : ثم ارتحلت الى دمشق واشتغلت فيها عند الشيخ الفاضل والمحقق الفيلسوف شمس الدين محمد بن مكي، فقرأت عليه كتب الطب وشرح الموجز النفسي) وغاية القصد في معرفة القصد  ومصنفات الشيخ المبرور المذكور، وبعض حكمة الإشراق للسهروردي ، وقرأت في تلك المدة ايضا على المرحوم الشيخ أحمد بن جابر الشاطبية في علم القراءات، وقرأت عليه القرآن بقراءة نافع وابن كثير وأپي عمر وعاصم.
ويستطرد الشهيد الثاني قائلا: رحلت إلى مصر في اول سنة 942 لتحصيل ما أمكن من العلوم، واجتمعت في تلك السفرة بجماعة كثيرة من الأفاضل، فأول اجتماعي بالشيخ شمس الدين بن طولون الدمشقي الحنفي. وقرأت عليه جملة من الصحيحين وأجازني في روايتهما مع ما يجوز له روايته، واشتغلت في مصر أيضا على جماعة منهم الشيخ شهاب الدين احمد الرملي الشافعي. قرأت عليه منهاج النووي في الفقه ، ومختصر الأصول لابن الحاجب ، وشرح العضدي، مع مطالعة حواشيه، وسمعت عليه كتباً كثيرة في الفنون العربية والعقلية وغيرهما. فمنها شرح التلخيص، المختصر في المعاني والبيان ملا سعد الدين . ومنها شرح تصريف العربي، ومنها شرح الشيخ المذكور لورقات امام الحرمين الجويني في اصول الفقه، ومنها اذكار النووي، وبعض شرح جمع الجوامع المحلي في اصول الفقه، وتوضيح ابن هشام في النحو وغير ذلك مما يطول ذكره،  وأجازني إجازة عامة بما يجوز له روايته سنة 943هـ.
ومنهم ايضا عن كثير من علماء مصر يطول ذكرهم هنا.
وفي سنة 948هـ يقول الشهيد الثاني: سافرت لزيارة بيت المقدس واجتمعت في تلك السفرة بالشيخ شمس الدين بن ابي اللطف المقدسي، وقرأت عليه بعض صحيح البخاري وبعض صحيح مسلم وأجازني إجازة عامة ثم رجعت الى الوطن الأول
وسيرة الشهيد الثاني العلمية تبين ضرورة الإطلاع على فكر الأخر، فنراه قد امضي سنوات من الدرس مع علمائهم ثم استجازهم في رواية كل ما أخذه عنهم، ثمّ امتدحهم إن على الصعيد العلمي أو الخلقي، وهذا له دلالة واضحة أن الشهيد الثاني يرى إلزامية الإطلاع على العلوم والفنون عند أهل السنة.

 

 

 


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=161
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2008 / 08 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29