• الموقع : هيئة علماء بيروت .
        • القسم الرئيسي : مجلة اللقاء .
              • القسم الفرعي : فكر .
                    • الموضوع : الإصلاح: مفهومه – ميادينه – وسائله .

الإصلاح: مفهومه – ميادينه – وسائله

 

 

الإصلاح: مفهومه – ميادينه – وسائله


الشيخ سمير رحّال

مدخل:كان الاصلاح هو الهدف الأساس لحركة النبوة على مرّ التاريخ، وهو الخط المستقيم الذي سار عليه أولياء الله لا سيما أئمة الهدى من أهل البيت المصطفى (ص)ومن شايعهم من العلماء والشهداء والصالحين، وقد سجل القرآن الكريم نماذج لحركات إصلاحية قام بها النبيّون على المستويات كافة عقدياً وسياسياً واجتماعياً وأخلاقياً وغير ذلك من مجالات يأتي ذكرها.
فقال تعالى: حاكياً قول نبي الله شعيب (ع): }قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بيّنة من ربي ورزقني منه رزقاً حسناً وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب{ (هود: 88) فقول نبي الله شعيب (ع) يلخص مجمل أهداف النبوة ألا وهو الإصلاح.
والله سبحانه وتعالى جعل هذه الأمة خير الأمم لما لها من دور إصلاحي تقوم به قال تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر...» وهذا الاصلاح هو سر الفلاح:
قال تعالى: }ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون{ (آل عمران: 104).
والإصلاح دافع للعقاب والهلاك؛ قال تعالى: }وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون{ (هود: 117) وترك هذه الفريضة هو سبب للنكوص بعد الريادة فبعدما كان بنو إسرائيل موصوفين بما قاله تعالى: }يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين{ (البقرة: 47) صاروا محلاً للّعن }لعنوا الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون{ (المائدة: 78).

ما الإصلاح؟
الإصلاح كلمة مأخوذة من الجذر «ص ل.ح» وله أحد معنيين أولهما مأخوذ من مادة الصلح والثاني مأخوذ من مادة الصلاح، فالأول يعني رفع الاختلاف بين فردين أو فئتين وقد وردت بهذا المعنى في القرآن الكريم في مجال رفع الخلاف بين الزوجين، وكذلك بين الفردين أو الفئتين «وأصلحوا ذات بينكم».
وأما المعنى الثاني لكلمة إصلاح (المأخوذ من مادة الصلاح) فهو في المقابل الإفساد، وله مصداقان أحدهما القيام بالعمل الصالح كما في قوله تعالى: }إلا الذين تابوا وأصلحوا{ (البقرة: 160) فبادروا إلى عمل الصالحات بعد توتبهم من ذنوبهم وخطاياهم.
وثانيهما بمعنى رفع الفساد أو الحيلولة دون وقوعه.
والفرق بين الصالح والمصلح هو أن الصالح هو ذلك الذي تنسجم أعماله مع ما أمر الله فأدى ما عليه من واجبات تجاه ربه ونفسه والناس، وقد ذكرت  الآيات بعض ما ينطبق عليه عنوان البر المُنسجم مع مفهوم الصلاح كما في قوله تعالى: }ليس البرّ أن تولوا وجوهكم قِبَل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والنبيين، وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة، والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون{ (البقرة: 178).
أما المصلح فهو الذي يتعدى دوره مدار نفسه ليشمل مجتمعه وأمته، فينطلق ليصلح ما فسد حيث يمكنه ذلك وحيث تخوله مؤهلاته لذلك وما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ومن الطبيعي أن يكون من يتصدى للإصلاح ممن يتصفون بصفات الصلاح، فالإصلاح إنما يقوم على أكتاف الصلحاء والصالحين.

في أهمية الإصلاح:
يكفي للتدليل على أهمية هذا المفهوم والمبدأ أن كلمة الإصلاح ذكرت أكثر من مائة وسبعين مرة بهيئات واشتقاقات مختلفة وأساليب وسياقات متنوعة فورد كفعل أمر }فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم{وكذلك في آيات أخرى، وصيغة المضارعة }إن الله لا يصلح عمل المفسدين{ (يونس) وكذلك في آيات أخرى، وصيغة الماضي }إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين...{ (النساء: 146).
وفي مقام الدعاء: }... وأصلح لي في ذريتي...{ (الأحقاف: 15).
وكمصدر (إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت).
ومما يدل على أهمية هذا الأمر إتساع مجالاته ليشمل مختلف ميادين الحياة وجميع شرائح المجتمع بكل مكوّناته أفراداً وأسراً وفئات وجماعات كما سيظهر لاحقاً.
وأنه يجوز في سبيل ذلك ارتكاب الكذب الذي هو من حيث المبدأ من الكبائر فقد جاء في الرواية: «الكلام صدق وكذب واصلاح بين الناس» حيث أخرجت الكلام الذي يراد منه الإصلاح عن إطار الكذب ولو كان واقعاً غير موافق للواقع.

الإصلاح والفساد من المفاهيم القيمية:
والمفاهيم التي تستبطن معنى «ينبغي» و»لا ينبغي» تسمى بالمفاهيم القيمية والصلاح والفساد مفهومان قيميان وعندما نقوم بتحليلهما فإنهما يستبطنان معنى «ينبغي» و»لا ينبغي».
والأفراد والفئات والمجتمعات تتمتع بنظام قيمي بمعنى أنها تعتبر مجموعة من الأفعال حسنة وقيّمة، ومجموعة أخرى من الأفعال قبيحة وسيئة، واعتبار شيء ما إصلاحاً تابع للنظام القيمي والثقافي الذي تستعمل فيه هذه الكلمة والصلاح والفساد يتفاوتان بشكل يتناسب مع الأنظمة القيمية المختلفة.
فهناك إصلاح حسب النظام القيمي الإسلامي، وهناك إصلاح مدّعى حسب نظام قيمي آخر كالذي يتبناه الغرب، وموافقة قانون ما للإسلام هو الإصلاح ومخالفة القانون للإسلام هو الإفساد.
والبعض يزعمون أنهم مصلحون، ولكنّ هذا الإصلاح حسب أي نظام قيمي؟ هذا إفساد أطلق عليه اسم الإصلاح، يريدون تعطيل الأحكام الإسلامية والإلهية وتغيير القوانين القرآنية ولكنهم يطلقون عليها اسم الإصلاح .

من يتصدى للإصلاح وصفات المصلحين:
أدعياء الإصلاح كثيرون، حتى أن المفسدين لا يستحون ولا يتحرجون من أن يصفوا فسادهم وإفسادهم بالصلاح والإصلاح قال تعالى: }وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون إلا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون{ (البقرة: 11 – 12) ولكنّ المصلحين الحقيقيين ذوو صفات معينة تؤهلهم لأداء هذه المهمة الخطيرة في المجتمع والأمة لذلك كان الأنبياء (ع) هم أول من تصدّى لهذه المهمة وتحملوا في سبيل ذلك ألوان الأذى والتهم والاستهزاء والقتل أحياناً أو محاولة ذلك كما حصل مع نبي الله محمد (ع) قال تعالى: }وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين{ (الأنفال: 30).
وكذلك تصدى أولياء الله وأوصياء رسول الله (ع) كل قام بدوره الإصلاحي للحفاظ على نقاء هذا الدين ولو اقتضى ذلك القيام بالسيف كما فعل الإمام الحسين (ع) الذي أعلن صراحة أن حركته هي في سبيل الإصلاح فقال: «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي».
وعلى منهج الأنبياء والأوصياء قام الكثير من المصلحين علماء وغيرهم لمواجهة الواقع الفاسد فأصلحوا ما استطاعوا، وقد دوّن التاريخ الكثير عن أفراد مصلحين وحركات إصلاحية وتغييرية على المستويات كافة، فكرية وإجتماعية وسياسية، ومن خلال الوقوف على سيرة ومسيرة هؤلاء يظهر لنا ما ينبغي أن يتصف به من يتصدى لهذه المهام.
صفات المصلحين:
الإخلاص: بأن يكون عمله لله وفي سبيل الله، منذ البداية وإلى النهاية، فقد يكون المرء خالص النية في البداية ولكن يداخله بعض الرغبات والمطامع الشخصية كما يحصل ذلك كثيراً وفي الرواية: «والمخلصون في خطر شديد» فإذا خلصت النية فالله تعالى يوفق كما قال تعالى على لسان نبيه شعيب (ع): }إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله{ (هود: 88).
وقال أمير المؤمنين (ع) واصفاً نفسه وهدف حركته: اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك وتقام المعطلة من حدودك.
وفي الحديث الشريف: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه.

الإتصاف بصفات الصلاح:
جاء في قوله تعالى: }التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر{ (التوبة: 112) فعندما يحمل البشر هذه المواصفات الموجودة في الآية الكريمة عندها يمكن القول أنهم يمكن أن يحملوا راية الإصلاح وذكر صفة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أخيراً  تؤكد ذلك.
إذ كيف يدعو إلى صلاح من هو من الفاسدين، وهل يصدّقه الناس ويستجيبون لدعوته، ومن حاله كذلك يصدق عليه حينها قول أمير المؤمنين (ع): بقول في الدنيا يقول الزاهدين ويعمل فها بعمل الراغبين... ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم، ويبغض المذنبين وهو أحدهم... ويبالغ في الموعظة ولا يتعظ فهو بالقول مدلّ ومن العمل مقلّ.
فمن يتصدى للإصلاح عليه أن يكون صالحاً في نفسه مطبقاً لما يقول ويدعو إليه كما قال نبي الله شعيب (ع): }وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه...{ (هود: 88).
وكما قال أمير المؤمنين (ع): «من نصب نفسه للناس إماماً (ودور الإمام أيضاً دور إصلاحي) فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه...» نهج البلاغة.
وقال سبحانه موبخاً اليهود: }أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون{.

من له القدرة على ذلك:
يقول أمير المؤمنين (ع): أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح وقال: فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت... وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمرّ من طعم العلقم.
وقال: وطفقت  ارتأي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء... فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت...

المثابر والمقدام
قال أمير المؤمنين (ع): «لا يقيم أمر الله إلا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع».
فيجري المصلح أو الفئة المصلحة نحو الهدف بثبات ومثابرة لا يردعهما عن المضي في ذلك العقبات والمطامع كما كان حال الإمام علي (ع) عندما جاءوا ليبايعوه فقال لهم: «واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب المعاتب...» .
أو كما قال لمّا عوتب على التسوية في العطاء «أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه... لو كان المال لي لسويت بينهم فكيف وإنما المال مال الله».

أهل العلم والحكمة والدراية:
وخصوصاً في المجال الاجتماعي حتى لا ينطبق عليه الحديث: «من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح».
ولا يكفي الإندفاع والرغبة في الإصلاح دون الاتصاف بالحكمة والعلم، لإختيار أسلوب العمل والوقت المناسب للتحرك، ولذلك يقول أمير المؤمنين (ع) «رأي الشيخ (الهرم الكبير) أحب إليّ من جَلَد الصبي».
ونظرة فاحصة إلى أسلوب عمل المصلحين الربانيّين من الأنبياء والأوصياء تؤكد هذه الفكرة، وكيف أنهم صلوات الله عليهم كانوا لا يتخلون عن الإصلاح في مختلف المجالات ولكنهم كانوا يبنون أمرهم على ما يناسب كل مرحلة.

الأصل في كل شيء الصلاح والفساد طارئ
هناك العديد من الآيات التي تشير إلى هذا المبدأ وعلى مستويات عديدة منها:
قوله تعالى: }ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس{ (الروم: 41).
}ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها{ فالناس أو فئة منهم هم الذين يحيلون الصلاح إلى فساد بما يصنعون.
حتى على المستوى العَقَدي فإن الأصل في الفطرة هو التوحيد «فطرة الله التي فطر الناس عليها...» ولكن الخروج عن الفطرة ومن التوحيد إلى الشرك وما يستتبعه من فساد علمي وعملي طارئ فينسى الخالق ويطغى ويتمرد على أوامره التي فيها صلاحه.
وهكذا على مستويات أخرى أخلاقية وإجتماعية وسياسية وغيرها. فهناك خروج عن مسار الصلاح إلى الفساد والإفساد.
فها هم قوم لوط تركوا ما خلق الله لهم مما فيه صلاحهم والتمسوا بدلاً منه مما فيه الفساد «... قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزونِ في ضيفي أليس منكم رجل رشيد، قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد» (هود: 78 – 79).
وهذا نبي الله شعيب (ع) يخاطب قومه رادعاً لهم عن نوع آخر من الفساد وهو البخس في المكيال «ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين» (هود: 85).

الإفساد الإجتماعي:
وقد ذكرت العديد من السور والآيات ألواناً من الفساد الإجتماعي والأخلاقي وآثارها السيئة قال تعالى: }ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق... ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق... ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن... وأوفوا الكيل... ولا تقفُ ما ليس لك به علم... ولا تمش في الأرض مرحاً... ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة...{ (الإسراء: 32 – 39).
وهكذا الحال في سورة النور التي ذكرت مسألة إشاعة الفاحشة ورمي المحصنات وجملة من الأمور التي لا يترتب عليها إلا فساد المجتمع وانهياره.
والأهم أنها ذكرت كيفية الوقوف في وجه هذا الفساد ومنع إنتشاره وذلك من خلال عمل وقائي يتمثل بغضّ البصر لأن النظرة سهم من سهام إبليس كما ورد في الرواية، فقال تعالى: }قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم... وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن...{ (النور: 30 – 31).
ومن خلال حسن الظن بالمؤمنين وعدم الإصغاء إلى كل ما فيه إتهام لهم قال تعالى: }لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا إفك مبين{ (النور: 12).
ومن خلال الحذر من الشيطان وفنون إغوائه قال تعالى: }يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر...{ (النور: 26) وكذلك هو الحال في آيات وسور عديدة سلطت الضوء على مفردات الإفساد الإجتماعي والأخلاقي.

مجالات الإصلاح وميادينه:
للإصلاح مجاله الواسع ويشمل ميادين الحياة، يبدأ من النفس ليشمل الأهل والأقربين والجيران والأخوان وعموم الناس، ويبدأ من الفرد ليشمل الأسرة والمجتمع والأمة والناس، وليعمّ مختلف شؤونهم العقائدية والدينية والحياتية والمعيشية والإقتصادية والبيئية، ويشمل التعليم والإعلام والثقافة والسياسة. والإصلاح هو تغيير ما حلّ بالأنفس والنفوس والقلوب من فساد وانحراف في الإعتقاد واعوجاج في السلوك، وانحطاط في القيم، وسوء في التدبير على المستوى الخاص والعام. وفي ما يلي عرض موجز لبعض هذه المجالات.

إصلاح النفوس:
وهو أساس وهو البداية للإنطلاق في الإصلاح في مجالات أخرى، فالمصلح يبدأ بإصلاح نفسه أولا فيزيّنها بالفضائل ويخلّيها من الرذائل.
قال تعالى: }فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم{(المائدة: 39).
وقال الإمام الصادق (ع): «لا تدع النفس وهواها فإن هواها في رداها، وترك النفس وما تهوى أذاها، وكفّ النفس عما تهوى دواها».
ويلاحظ في القرآن الكريم تركيزه على مسألة إصلاح النفس أكثر من بقية الجوانب لأن ذلك هو المنطلق قال تعالى: }والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا{ (الأعراف: 58).
والأنبياء والرسل إنما جاءوا بالنور الذي يرفع به ظلمات الأنفس الناجم عن فساد الاعتقاد وارتكاب المفاسد «قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين...» (المائدة: 15).
فأول ما اتجهت جهود الأنبياء إلى إصلاح ما في النفوس من فساد الاعتقاد.
فكل رسول يقول لقومه أول ما يقول لهم }واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاَ{(النساء: 36) كما قالها نوح (ع) وكما قالها هود وكما قالها صالح وكما قالها شعيب وكما قالها إبراهيم وكما قالها نبينا محمد (ع) حيث بقي في مكة ثلاث عشرة سنة يأمر الناس بإصلاح العقيدة وذلك بعبادة الله وحده لا شريك له وترك عبادة الأصنام والأشجار والأحجار.
ثم بعد ما تقررت العقيدة نزلت عليه بقية شرائع الإسلام فرضت الصلاة، فرضت الزكاة، فرض الصيام، فرض الحج، فرضت أوامر الإسلام بعدما استقرت العقيدة واستقامت.
وكان (ع) إذا أرسل الدعاة يأمرهم أن يبدأوا بدعوة الناس إلى إصلاح العقيدة فحينما بعث رسول الله (ع) معاذا إلى اليمن قال: }إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تأخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم{.
فإذا صحت العقيدة اتجهوا إلى إصلاح الأخلاق والسلوك.

الإصلاح داخل الأسرة وبيت الزوجية:
قد تسوء العلاقة بين الأفراد داخل الأسرة خصوصاً بين الزوجين، والعلاقة في أساسها إن كانت مبنية على أسس سليمة وحسن اختيار كل من الزوجين للآخر والتزام الأمور الشرعية وإعطاء الحقوق وحسن العشرة قد تغني عن كثير من المشاكل الأسرية ولو حصلت فإنها لا تتعدى سوء التفاهم الذي يمكن حله بين الزوجين أنفسهما. ولكن في غير هذه الحالات قد لا يكون هناك مفر من التدخل للإصلاح حفاظاً على كيان الأسرة وهذا ما ندب إليه الشرع الحنيف. قال تعالى: }وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير{ (النساء: 128).
وقال تعالى: }وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله، وحكماً من أهلها أن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما{ (النساء: 35).
وكذلك الحال بين سائر أفراد الأسرة، فإصلاح أمرها والحفاظ على الروابط في داخلها أمر لا بد من السعي لتحصيله ولو عبر تدخل المصلحين وأهل الخير.
ولا شك أن صلاح الزوجين وحسن العشرة بينهما يوفر على الأسرة الكثير من المشاكل والأزمات في المستقبل، لما لذلك من تأثير على النمو النفسي والتربوي للأولاد.
كما أن حسن الإدارة وعدم الإهمال والتأديب وتربية الأولاد على الإحترام: ومكارم الأخلاق وتطابق القول والفعل له دور كبير في صلاح أمر الأسرة في حالها ومستقبلها.

الإصلاح بين عموم الأفراد:
حتى لو لم يكن للمصلح أية علاقة بين المختلفين والمتخاصمين، فقد يكون لعلمه وهيبته ووقاره أو لسلطانه أبلغ الأثر في رفع التخاصم والاختلاف وإصلاح الأمر وهذا أمر مندوب إليه. قال تعالى: }إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون{ (الحجرات: 10).
عن الإمام الصادق (ع): صدقة يحبها الله: إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تفاسدوا .
وفي وصية أمير المؤمنين (ع) لولديه (ع): وعليكما بإصلاح ذات البين فإني سمعت جدكما رسول الله (ع) يقول: إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام»  لأن الخلاف بين الناس يخرّب النظام الاجتماعي للمجتمع ويوقع العداوة بين الناس.

الإصلاح بين جماعة المؤمنين وفئاتهم:
فقد تتوسع دائرة الخلاف فتتجاوز التخاصم والخلاف الفردي إلى خلاف بين جماعات وفئات وحتى دول إسلامية، فاللازم في هذه الحالة المبادرة من دول إسلامية أخرى، أو عبر المنظمات الإسلامية الجامعة لإصلاح البين وربما منع التقاتل حفاظاً على قوة المسلمين وقطعاً للسبيل على الأعداء «ولا تفرقوا فتذهب ريحكم» كما هو حاصل في أيامنا هذه، من تعاون وسكون مع أعداء الأمة (كحال بعض الدول العربية والإسلامية) وترفع عقيرتها وتتآمر على دول إسلامية أخرى فقط لمجرد الاختلاف في المذهب فأوجب تعالى المبادرة إلى الإصلاح قال تعالى: }وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما{ (الحجرات: 9).
وصلاح أمر هذه الأمة يكون بالتآلف والتوحد والاعتصام بحبل الله ودينه في مواجهة أعداء الأمة الذين اجتمعوا على باطلهم وتفرقنا نحن عن حقنا. ومن خلال التشاور والتناصح والاخلاص لقضايانا.

أمور لا بد منها لإصلاح المجتمع والأفراد:
فالمجتمع القوي والمتماسك لا يبتني إلا على تربية الأفراد وبناء الأسر تربية سليمة وبناء سليماً يقوم على التمسك بالأخلاق الفاضلة ونشر الثقافة الإسلامية والقيم الدينية بين الناس دون إهمال لأي من مكوّناتها.
فكما نحرص على تعليم أولادنا الصلاة والصيام يحب الحرص على تربيتهم على الصدق والحياء والأمانة والشجاعة والوفاء والالتزام بمختلف قوانين التهذيب الاجتماعي كالتنظف والحفاظ على النظافة العامة وعدم إحداث الضجيج ومراعاة أحوال الناس وكفّ اللّسان وقلّة الكلام وترك الغيبة والنميمة والحفاظ على الأموال العامة والالتزام بالقوانين التي فيها مصلحة الناس، وهذه أمور في غالبيتها تهمل إهمالاً شديداً – والمقصّرون في الدرجة الأولى هم الأهل، ثم المدرسة والمجتمع (في جوه العام) وأصبح الهمّ المادي وتأمين الحاجات ولو غير الضرورية هو الهمّ الطاغي مع اهمال كبير أو تام للأمور الدينية والتربية الصالحة، والنتيجة أفراد سطحيون مهملون وهامشيون وفاقدون للضمير الديني المهذّب للسلوك والمانع من الانحراف.

مجالات أخرى للإصلاح:
على المستوى الثقافي:
إزاء الهجوم الثقافي الذي يتعرض له الإسلام بقيمه ومبادئه ورموزه، ونشر الأنماط الفاسدة للحياة الاجتماعية والإنسانية، كان لا بد من التصدي للحفاظ على هذه المبادئ الإسلامية ونقاوتها وتجذرها في نفوس المسلمين، ومواجهة كل الشبهات التي تنطلي على الجهلاء والضعفاء من الناس وتبيان الحقائق وسمات هذا الدين الذي يريد الصلاح والعدل لمعتنقيه وللناس أجمعين يقول الإمام الخميني { في هذا المجال «الثقافة منشأ كل سعادة وتعاسة في الأمة».
وإذا انحرفت الثقافة فإن المجتمع يكون أجوف وفارغاً مهما حقق من القوة في الجوانب الاقتصادية والسياسية والصناعية.
ويدعو إلى الإصلاح الثقافي الذي «يقف في مقدمة  كل الاصلاحات وفيه نجاة شبابنا من التبعية للغرب».
والثقافة الاستعمارية كما قال الإمام: «أخطر من سلاح الجبابرة لأنها تقدم للأمة أناساً يملكون قابلية الاستعمار».
ولذلك نجد الكثيرين مما يدّعون الفكر والمعرفة يتصدّون للأحكام والمعارف الإسلامية لينقدوها بعقولهم القاصرة ومعرفتهم الناقصة وهم ليسوا من أهل الاختصاص في هذا المجال، فذاك يدّعي عدم وجوب الحجاب والستر، وذاك يدّعي عدم وجود حكم الردّة، وآخر ينفي حرمة الربا وما إلى ذلك.
فلذلك كان لا بد من التصدي لذلك ببيان الحقائق الإسلامية بأدلتها الواضحة والبيّنة وذلك موكول إلى العلماء المصلحين المخلصين وكما فعل ذلك السابقون من العلماء كالشهيد مرتضى مطهري  والسيد الشهيد الصدر وعلماء كثيرون.

إصلاح الفكر والوعي الدينيين
فهناك جملة من السموم تسللت إلى أفكارنا فلا بد من طردها والتخلص منها، وقد تصدى الشهيد مطهري  وغيره من العلماء الكبار للكثير من الأفكار وكشف وجه الزيف عنها وهناك مستند شرعي دعا إلى ذلك وهو حديث مشهور: «إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله»  وهذا الحديث يبيّن وظيفة إحياء الدين التي هي من واجبات طبقة العلماء يحققونها عن طريق مكافحة البدعة والتحريف.
ويذكر الشهيد مطهري  بألم ما طرأ على الفكر الديني من تخلّف فقال: إن حقيقة الإسلام الأصيلة لا وجود لها في أدمغتنا وأفكارنا بل هي موجودة بصورة ممسوخة مشوهة..
لقد جعلنا التشيع وحب أهل البيت (ع) وسيلة للتهرب من حمل رسالة الإسلام وغدت هذه الحقيقة الرفيعة مدعاة للكسل وللبطالة باعتبار أن جميع الأمور قد قام بها المولى وسوف يقوم بها يوم القيامة... إن الفكر الذي يلغي العمل فما الذي يبقى الدنيا؟ الآخرة؟ العزة؟ السعادة؟ وهل يبقى أنتم الأعلون؟ أبداً.
ينبغي إصلاح فكرنا الديني إن طريقة تفكيرنا في الدين خطأ في خطأ .
ويخلص إلى القول: «فما أحوجنا اليوم إلى نهضة دينية إسلامية، إلى إحياء الفكر الديني، إلى انتفاضة إسلامية نيّرة.
وهذا ما قام به فعلاً هذا العَلَم «الذي استطاع بعلمه الغزير وفكره العميق أن يبحث أبعاداً من القضايا الإسلامية في اتجاهاتها المختلفة فكشف عن خفاياها وقدمها لنا في العشرات من كتبه القيّمة» . ويمكن ارجاع السبب في انتشار بعض الأفكار الخاطئة والمنحرفة إلى عاملين إثنين أشار إليهما الإمام الخامنئي } وهما التساهل والجهل واعتبرهما آفتين تنجم عنهما الكوارث: «ومعنى التساهل هو أن المرء يلقي كل ما يخطر على ذهنه باسم الدين ومن الطبيعي أن كل من لا يجيد التبليغ يلقي إلى الناس باسم الدين كل ما يستذوقه وكل ما يراه حسناً. وفي الحقيقة إن هذه الآفة تنتهي بتكريس الأخطاء وايجاد الانحرافات الفكرية والعلمية التي تنجم عنها كوارث اجتماعية فادحة.
والآفة الأخرى هي التحجر والفهم الخاطئ  وعدم تشخيص الموضوعات المهمة وتضخيم الموضوعات الجزئية».
والحل يقول سماحته: يكون بالعثور على الصراط الإلهي المستقيم بين هذين السبيلين.

وسائل الإصلاح الفردي والإجتماعي:
هناك وسائل عديدة يمكن الإفادة منها في سبيل إصلاح الفرد والمجتمع وتقف على رأس أولويات هذه الوسائل التربية الصحيحة للفرد على المستوى النفسي والتربوي والديني والتأديب على خصال الخير ومكارم الأخلاق.
وينبغي في التربية مراعاة الأصول الشرعية والتربوية في تنشئة الأولاد والإهتمام وعدم الإهمال مما لا ندخل في تفاصيله بل نَكِل ذلك إلى موارده ولكن بنحو مجمل نقول بما قال أحدهم: فما أفسد الأبناء مثل تغافل الآباء وإهمالهم، فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون.
ويمكن ذكر أسس لتربية الأبناء تساهم في صلاحهم:
- الحزم لا القسوة ويقال إن الحزم متبصّر والقسوة عمياء فيجب مراعاة حالة الأبناء والبنات والظروف المحيطة بهما والوضع النفسي لهما.
- المبادرة إلى التربية في الصغر، فالتربية الفاعلة هي التي تكون في الصغر والطفل ينشأ على ما يعوّده عليه والداه في صغره.
- ربط الأولاد بالله تعالى وتعظيم شأنه وطاعته ومَنْ أمر بطاعته.
- اتباع أسلوب الحوار، واعتماد سبيل العتاب بدل التوبيخ.
- وجود القدوة الحسنة، وينبغي أن يتمثل الوالدان ذلك فهما أكثر الناس تأثيراً في أولادهم.
وغير ذلك الكثير من الأمور تراجع في مظانها.

وقفة لبيان فضل الأدب والتأديب:
والمراد من التأديب هو التهذيب ورياضة النفوس على محاسن الأخلاق والعادات وحملها على مكارم الأخلاق. وقد قيل: من أدب ابنه صغيراً قرت به عينه كبيراً وقال الشاعر:
خير ما ورث الرجال بينهم
 أدب صالح وحسن الثناء

هو خير من الدنانير والأوراق
 في يوم شدة أو رخاء

تلك تفنى والدين والأدب الصا
 لح لا يفنيان حتى اللقاء

وقديماً كانوا يرسلون أولادهم إلى حيث ينهلون الأدب وكان يقال للمعلم المؤدب ولا خير في علم بلا أدب.
ونُقل عن النبي (ع) قوله: }أدّبني ربي فأحسن تأديبي{ وكذلك فقد أدب الأنبياء الناس على جملة من  الآداب التي فيها خيرهم. وفي القرآن الكريم جملة من الآداب التي دعا إلى الالتزام بها.
كالأدب مع الله تعالى ورسوله: }إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون...{(النور: 51).
}يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم...{ (الحجرات: 2).
والأدب مع خلق الله كالأدب مع الوالدين }واخفض لهما جناح الذل من الرحمة..{ } فلا تقل لهما أف  ولا تنهرهما{ (الإسراء: 23).
والأدب مع الكبار: }وقّروا كباركم{ وغير ذلك من آداب.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم وسائل الإصلاح:
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب وتحلّ المكاسب، وتردّ المظالم وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر، فأنكروا بقلوبكم، والفظوا بألسنتكم، وصكّوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائمة .
هذه الرواية الشريفة تبيّن عظمة هذه الفريضة ودورها في تحقيق صلاح المجتمع بمختلف شؤونه على مستوى العدل والرفاه الاقتصادي وغير ذلك مع احتفاظ المجتمع بقيمه الروحية والأخلاقية، وقد بيّنت الرواية كما غيرها من الروايات وسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستوى القلب واللسان واليد مما فصّل أحكامه الفقهاء.
وما أكثر الآيات الكريمة والروايات الشريفة المبينّة لفضل هذه الفريضة وضرورتها والحاثة على الإلتزام بها كوسيلة إصلاحية على مستوى الفرد والمجتمع والأمة ويكفينا للتدليل على أهميتها إتخاذها من قِبَل الإمام الحسين(ع) شعاراً لثورته «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر...».
ففساد الأوضاع وشيوع الشرور والمنكرات وتحوّل الحلال إلى حرام والحرام إلى حلال هو ما استدعى خروج الإمام ونهضته المباركة حتى نال الشهادة وكان شهيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: «أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، وجاهدت في الله حق جهاده حتى أتاك اليقين» (من زيارة وارث) فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفتان لا غنى عنهما في أي مجتمع وهما عنوان أي حركة إصلاحية ولكن لا بد من التعرّف على معنى المعروف والمنكر وكيفية الأمر بهما وشرائط ذلك حتى تؤدي النتائج المرجّوة، وذلك من خلال الرجوع إلى فتاوى الفقهاء وبعض الكتب التي تناولت ثورة الإمام الحسين(ع) (يمكن الرجوع إلى كتاب الملحمة الحسينية للشهيد مرتضى مطهري، وكتاب بارقة من سماء كربلاء للشيخ مصباح اليزدي ففيهما فوائد جمّة).

المسجد ودوره في الإصلاح:
فقد كان المسجد دار هداية وتربية للمسلمين وتأديبهم على مكارم الأخلاق التي بعث النبي (ع) ليتممها ويبثها  بين الناس، وقد قيل إن رسول اله P كان يحتجز فيه الضال ويخيّم فيه للوافد عليه وكان آحاد المسلمين إذا ألمّ بذنب أو خطيئة قصد المسجد معترفاً بذنبه إلى الله فقط ودون وسطاء راجياً منه العفو والصفح.
كما كان المسجد محلاً لرفع المنازعات والاختلافات واتخاذ القرارات بعد التشاور فيه.
فالمسجد إذاً كان محلاً للإصلاح بالمعنيين اللذين تقدم ذكرهما أي الصلح ورفع الاختلاف، والصلاح بمعنى رفع الفساد أو الحيلولة دون وقوعه، من خلال التذكير والموعظة وإلقاء المعارف الدينية والإصلاح في مقابل الإفساد. وتكفي مراجعة تاريخية للدور الذي اضطلع به المسجد منذ بداية الدعوة الإسلامية في المدينة المنورة وما تلا ذلك للتحقق من الدور الإصلاحي الهام الذي أداه.

السجن
كان الدافع لإنشاء السجن أو الحبس في الإسلام (على نحو التأبيد أو مؤقتاً) هو دافع إصلاحي يُجعل فيه المجرمون لإصلاحهم والحد من جرائمهم، إلى جانب العقوبات الأخرى كالحدّ والدّية والتعزير (الضرب بالسوط بحسب إختلاف الجرم) لئلا يضيع بإطلاق الجناة حكم الجناية التي ارتكبوها إما بإخفاء أنفسهم أو فرارهم من اجراء الحكم، فيهيئ الحاكم الشرعي سجناً ويحبس فيه من يجب حبسه.
والأخبار التي عندنا تدلّ على تشريع الحبس في التهمة المبهمة أو الجرم غير المعاقب بعقوبة خاصة، بل وفيها أيضاً، وعلى جواز التضييق على بعض المجرمين. فقد ورد أن علياً (ع) كان يخرج أهل السجون من حُبس في دين أو تهمة إلى الجمعة فيشهدونها... .
وورد عنه أنه قال: «لا حبس في تهمة إلا في دم، والحبس بعد معرفة الحق ظلم» .
وللسجن دور في إصلاح المجتمع (شرط الإلتزام بالقوانين الشرعية مع حفظ حقوق السجين) وذلك لأن من الجرائم ما لا يكون له عقوبة معينة أو حدّ محدود.
وأما ما كان له عقوبة منصوصة فالمآل إليها إلا في موارد قليلة، فقد أتي لعلي (ع) في زمانه برجل قد سرق فقطع يده، ثم أتي به ثانية فقطع رجله من خلاف، ثم أتي به ثالثة فخلّده في السجن وأنفق عليه من بيت المال وقال هكذا صنع رسول الله (ع) لا أخالفه .
وحكمة تحبيس السارق في المرة الثالثة هو اكفاء الناس من شره فهو مخلّ بالأمن الاجتماعي.
وكذلك يحبس المديون إذا امتنع عن أداء دينه مع تمكنّه منه فيجوز للحاكم حبسه والتضييق عليه حتى يؤديه، أو ببيع أمواله وقسمتها بين غرمائه.

قانون العقوبات الإسلامية ودورها في إصلاح المجتمع
هناك جملة من العقوبات في الشريعة الإسلامية جعلها الله تعالى وسائل ردعيةفي وجه الفساد والمفسدين يجمعها ثلاثة عناوين هي الحدّ والديّة والقصاص والتعزير والعقوبات المنصوصة في القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة هي القتل والرجم والجلد وقطع يد السارق وكل ذلك ضمن شروط مذكورة في محلها. وقد كان لهذه العقوبات نصيبها من الانتقاد من قِبَل أدعياء حقوق الإنسان باعتبارها تتناقض مع مبادئ حقوق الإنسان التي تبانوا على اعتبارها نظرياً وأهملوا الكثير من بنودها عملياً، فاعترضوا على عقوبة الإعدام إحتراماً لحق الإنسان في الحياة متناسين المجني عليه في الحياة أيضاً والتي أهدرها القاتل، وكذلك اعترضوا على باقي العقوبات التي اعتبروها أساليب عنفية غير لائقة.
ولكن الشريعة الإسلامية هدفت من تلك العقوبات إلى صيانة المجتمع من الفساد وانتشاره، عبر ردع المجرمين والمعتدين على النفوس والأعراض والأموال لتحقيق الأمن الاجتماعي الذي يعدّ من أهم المطالب الإجتماعية إلى جانب تحقيق القوت والكلأ قال تعالى في سورة إيلاف: «... فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» فذكر هاتين النعمتين دون غيرهما لأهميتهما.
والمجرمون بما يشمل القاتلين والمفسدين ومروّجي المخدرات والمنكرات، إذا عرفوا أن ارتكابهم للجرائم سيؤدي لمحاسبتهم ومقاتهم بالعقوبات الرادعة امتنعوا في غالبيتهم العظمى عن ارتكاب مثل تلك الجرائم، بخلاف ما لو أيقنوا أن جلّ ما ينالونهم في عقاب هو الخلود في السجن (في الحد الأقصى مع احتمال نيل العفو بعد فترة، أو عقوبات بسيطة ليخرج بعد سنوات قليلة) في أمن وامان مع تأمين كل ما يحتاجه، سيعاودون فعلتهم أو بعضهم كما هو ملاحظ عياناً.
فإصلاح المجتمع يكون باستئصال المفسدين، أو معاقبتهم عقوبة رادعة كما هو حال العقوبات الإسلامية.


  • المصدر : http://www.allikaa.net/subject.php?id=221
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2009 / 01 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28